دراسة دكتوراه تطالب بدمقرطة الفصائل الفلسطينية من الداخل

دراسة دكتوراه تطالب بدمقرطة الفصائل الفلسطينية من الداخل
رام الله - دنيا الوطن
أوصت دراسة علمية مُنح بموجبها الباحث الفلسطيني إيهاب يوسف سليمان أبو منديل درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية من جامعة قناة السويس المصرية، أمس، بإعادة النظر في الهياكل التنظيمية القائمة في الفصائل الفلسطينية التي تكرس هيمنة الرؤساء والقادة على مختلف مناحي الحياة التنظيمية، ويساعد هؤلاء على ذلك أن أنماط الهياكل التنظيمية لا تجسد الممارسة الديمقراطية واقعياً، إذ تركزت أغلب السلطات والصلاحيات في القمة، إضافة إلى أن طبيعة العضوية لم تقم على أساس ديمقراطي فعلي، فضلاً عن محدودية مشاركة الأعضاء في صنع القرار الحزبي مقابل الدور الطاغي للقادة.

جاءت دراسة الباحث أبو منديل تحت عنوان" أزمة الديمقراطية في الفصائل الفلسطينية: دراسة في أنماط التنظيم وآليات صنع القرار وإدارة الخلاف الداخلي والخارجي".

وتكوّنت لجنة المناقشة والحكم على الأطروحة من الأستاذ الدكتور/ سيد أبو ضيف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية التجارة جامعة قناة السويس، (مشرفاً ورئيسًا)، والأستاذ الدكتور/ أماني أحمد خضير أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بكلية التجارة ووكيل الكلية لشئون البيئة جامعة قناة السويس (مناقشاً داخلياً)، واللواء الأستاذ الدكتور/ محمد بهاء الدين الغمري أستاذ العلوم السياسية غير المتفرغ بكلية التجارة جامعة بور سعيد(مناقشاً خارجياً).

بحثت الدراسة، وهي الأولى من نوعها، برؤى  منحازة تماماً إلى قيم الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، مدى وجود ممارسة ديمقراطية داخل الهياكل التنظيمية للفصائل الفلسطينية. فعلى كثرة الدراسات التي بحثت في ديمقراطية أو لا ديمقراطية، النظام السياسي الفلسطيني، وعلى وفرة النقد والمراجعة للبرامج السياسية لهذه الفصائل، لم يهتم أحد بالديمقراطية داخلها، وما زال الاهتمام أيضاً غائباً عن دراسة الهياكل التنظيمية الداخلية.

وتتناول الدراسة عبر فصولها الأربعة عدداً من القضايا المتعلقة بهذه الأزمة. حيث تنطلق من تحديد مفهوم ومحددات الديمقراطية الداخلية، ثم تعرض الخصوصية الفلسطينية التي تميزها في تفاصيلها ومكوناتها عن محيطها العربي، وتمضي إلى رصد الممارسة الديمقراطية الداخلية اعتماداً على عدة مؤشرات رئيسية: الأول، توزيع السلطة والاختصاص، ويتفرع منه ثلاث مؤشرات فرعية: طبيعة البناء التنظيمي، طبيعة العضوية، وكيفية صنع القرار الحزبي، والمؤشر الثاني، طبيعة العلاقة بين النخبة والأعضاء، وفيه مؤشرين فرعيين هما: الأطر الأساسية لمشاركة الأعضاء، والتجنيد السياسي ومعدل دوران النخبة، أما المؤشر الثالث، فكان مدى الاستقلالية التنظيمية سواء عن مؤسسة الحكم أو توافر الاستقلالية المالية، وفي المؤشر الرابع، مؤشرين فرعيين: الأول يحلل أنماط التفاعلات داخل الفصائل كل على حدة بقصد قياس مستوي الديمقراطية في هذه التفاعلات، بينما يعالج الثاني التفاعلات والعلاقات الخارجية(الديمقراطية البينية) بين هذه التنظيمات، ثم تقيس الدراسة مدى أداء الفصائل لوظائفها السياسية الأساسية من تحرر وطني ومشاركة سياسية بأنواعها، وظيفتا التنشئة سياسية وتجميع المصالح، وتختم بتقديم رؤية تصورية مقترحة لبناء حركات تحرر على أسس ديمقراطية.

في هذا المضمار اتضح أن الفصائل الفلسطينية  تعاني من مشكلات جوهرية تقف عائقاً أمام قيام ديمقراطية داخلية فعلية على أرض الواقع، فأزمتها الحالية لا تتوقف عند عجز برامجها في الوصول لقلب الشارع فقط، بل تمتد لتشمل ضعف في الهياكل التنظيمية الداخلية، وعجز عن تفجير الطاقات البشرية والفكرية التي تتمتع بها. 

وتخلص الدراسة في النهاية إلى أن هذه الفصائل، وفقاً للمؤشرات التي تم الاعتماد عليها، قررت بإرادتها السير في الاتجاه الصحيح نحو الهاوية، والواضح أنها تعيش على الماضي، تَفخر به ولا تتعلم منه، تريد أن تتوج على العرش بدون جهد، ليس أدل على ذلك من حالة الاستسلام الكلي لأعراض الشيخوخة العمرية والموت البطئ الذي تتعرض له.

يُظهر هذا الواقع كيف تحول النظام الحزبي الراهن برمته ليصبح جزء من المشهد المأزوم، وبدلاً من أن يكون جزءً من الحل، أصبح المشكلة نفسها، حيث باتت الأحزاب تقف عائقاً أمام أية محاولة للتغيير أو الإصلاح السياسي من خلال المحاولات الجاهدة التي تُبذل لإدامة الأوضاع القائمة لتكريس امتيازات حزبية ومصلحية ضيقة وفرتها الظروف الحالية.

وفي ضوء النتائج، أوصت الدراسة بتحديث البناء تنظيمياً ومؤسسيا وفكرياً بما يتوافق مع الواقع الجديد المتغير، بحيث يتم البناء على أسس أكثر ديمقراطية، تعتمد على تقسيم عقلاني للسلطة والاختصاص بين المستويات التنظيمية الثلاثة القيادية والوسيطة والقاعدية، ويتجسد فيها مبدأ المشاركة على جميع الصعد سواءً في النشاط التنظيمي أو صناعة القرارات، وتجنيد النخب الحزبية بشكل أكثر ديمقراطية، إضافة إلى الاعتماد على الانتخابات الدورية والحرة المفتوحة كطريق وحيدة لاختيار القيادات من القاعدة للقمة، وبدون تدخل النافذين لتوجيه مسارها أو حرفها عن وجهتها، ويدخل في هذا الإطار أيضاً ، تطوير وعصرنة البرامج التنظيمية وأساليب العمل لزيادة القدرة على العمل السياسي والجذب المجتمعي..

كما أوصت بالانفتاح على الجمهور وإتاحة الفرصة للاتصال المباشر بالمواطنين، والمصارحة الكاملة معهم بجميع الحقائق والبيانات والمعلومات بعيداً عن المسكنات والمهدئات التي تضل الطريق وتخلق التناقضات وتؤدي دائماً إلى فقدان الثقة.

وتنصح الدراسة القادة الحزبيين بتوسيع نطاق مشاركة الأعضاء، ليس في نشاطات أحزابهم، ولكن أيضا إدارة شئونها، وأن يعرفوا منافع الانفتاح والارتباط الوثيق والتواصل المستمر من أسفل إلى أعلى، وليس من أعلى إلى أسفل فقط، وما لذلك من أثر إيجابي في النهوض بالعمل الحزبي وتطويره خصوصاً وأن معيار نجاح التنظيم يكمن في قدرته على إطلاق طاقات كل عضو فيه عبر مشاركته الفاعلة في إدارة شؤون تنظيمه وهو جوهر الديمقراطية الحزبية.

وتأمل هذه الدراسة في أن تضع الفصائل التطوير الداخلي على أجندتها قبل فوات الأوان، وهي بذلك، تقدم نموذجاً مشعاً للديمقراطية، سينعكس حتماً على المجتمع ككل، وربحت في الوقت ذاته، آلية تسرع من انجاز التحرر عبر تجميع القوى وترميم العلاقة مع شعبها بالقضاء على الإقصاء والتفرد.

جدير بالذكر أن الباحث أبو منديل يعمل في جهاز الشرطة الفلسطينية برتبة مقدم دكتور، وسبق أن حصل على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى، مع التوصية بالنشر والتداول، من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة في العام 2012، وذلك من خلال الرسالة التي ناقشها بعنوان(إشكالية التسوية والمقاومة في الفكر السياسي الفلسطيني وأثرها في المشروع الوطني: دراسة مقارنة)، ونال درجة الماجستير بتقدير ممتاز من نفس المعهد في العام 2009، ويحمل درجتي البكالوريوس: الأولى في العلوم العسكرية من الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة الجزائرية في العام 2001، والثانية في العلوم السياسية من جامعة الأزهر في العام 2006، وحاصل أيضاً خلال رحلته الدراسية الممتدة على أربع دبلومات عالية في العلوم السياسية والعلوم العسكرية والأمنية، وله العديد من المقالات والدراسات والأبحاث المنشورة في مجلات علمية.