عطا الله حنا لدى استقباله وفدا اكاديميا فرنسيا : " سيبقى المسيحيون في مشرقنا العربي متمسكين بأصالتهم وهويتهم وثقافتهم "

رام الله - دنيا الوطن
استقبل سيادة المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس يوم امس وفدا من جامعة السوربون الفرنسية الذين وصلوا الى مدينة القدس في زيارة تحمل الطابع الاكاديمي والعلمي البحثي .

وقد استقبلهم سيادة المطران اولا في كنيسة القيامة حيث ابتدأت زيارتهم بجولة داخل الكنيسة للتعرف على معالمها واهم المواقع الدينية الموجودة فيها حيث استمعوا الى شروحات وتوضيحات من سيادة المطران .

ومن ثم انتقل الجميع الى الكاتدرائية المجاورة حيث استمع الوفد الاكاديمي الفرنسي الى محاضرة من سيادة المطران عطا الله حنا .

استهل سيادة المطران حديثه بالترحيب بالوفد الاكاديمي الفرنسي من  جامعة السوربون العريقة وقال بأننا سعداء بوجودكم في مدينة القدس لكي تتعرفوا على معالم المدينة المقدسة ولكي تلتقوا مع ابناءها وتتعرفوا عن قرب على شعبنا الفلسطيني الذي ينتمي لهذه المدينة المقدسة ويدافع عنها وهو متشبث بانتماءه الوطني ودفاعه عن عدالة قضية شعبه .

قال سيادته بأن مدينة القدس هي مدينة مقدسة ولها مكانتها السامية في الديانات التوحيدية الابراهيمية الثلاث فهي مدينة تتميز عن باقي المدن بتاريخها وطابعها وتراثها وروحانيتها وبعدها الانساني الوطني.

انها مدينة تحتضن تراثا انسانيا وروحيا تنفرد به وتتميز عن اي مدينة اخرى في هذا العالم .

انها المدينة التي يلتقي فيها الموحدون لكي يؤكدوا على اخوتهم الانسانية وتعلقهم وتشبثهم بمدينتهم المقدسة وحفاظهم على تاريخها وهويتها وعراقتها .

انها مدينة السلام ولكنها اليوم هي ابعد ما تكون عن السلام اذ حولها الاحتلال بسياساته وعنصريته وممارساته الى مدينة صراع وعنف واستهداف للكرامة الانسانية .

ان الاحتلال بسياساته وعنصريته انما يشوه صورة القدس ويزور تاريخها ويسيء الى رسالتها التي هي رسالة محبة وسلام واخوة بين الانسان واخيه الانسان.

انها مدينة يظلم فيها الفلسطيني لانه فلسطيني ولانه محب لمدينته ومتعلق بمقدساته ، انها مدينة تستباح فيها حرية الفلسطيني ويستهدف فيها حقه المشروع في ان يكون فيها مواطنا اصيلا وليس عابر سبيل او اقلية او جالية في هذه المدينة المقدسة ، فالفلسطينيون في القدس ليسوا جالية او اقلية او ضيوفا عند احد فهم في مدينتهم التي هي عاصمتهم الروحية والوطنية ، فتاريخهم مرتبط بهذه المدينة المقدسة وهويتهم الروحية والوطنية والانسانية متعلقة بهذه البقعة المقدسة من العالم ، يريدوننا ان نتحول الى اقلية في مدينتنا ويستهدفون شعبنا بكافة الوسائل المعهودة والغير المعهودة وامنيتهم هي ان نرحل عن مدينتنا وان نحزم امتعتنا وان نذهب الى اي مكان اخر ، وهذا لن يحدث على الاطلاق .

انهم يريدون افراغ القدس من بعدها العربي الفلسطيني الاسلامي والمسيحي ، انهم يزورون تاريخها ويسعون لبسط سيطرتهم عليها بقوة السلاح والمال والغطاء السياسي الذي يتلقونه من الخارج ، القدس يتيمة تقارع جلاديها لوحدها ، فبلداننا العربية منهمكة بصراعاتها واوضاعها الداخلية ، وقادة العالم الغربي بغالبيتهم الساحقة هم منحازون لاسرائيل ، ونحن لوحدنا في الميدان نقارع ظالمينا الذين يستهدفوننا في كافة مفاصل حياتنا .

الفلسطينيون في القدس لن يتخلوا عن مدينتهم ولن يتنازلوا عن انتماءهم وارتباطهم بعاصمتهم الروحية والوطنية ومهما كثر المتآمرون والمتخاذلون فستبقى القدس لنا عاصمة لكرامتنا وهويتنا وانتماءنا ولوطننا وحاضنة لاهم مقدساتنا وتراثنا الروحي والوطني .

نتمنى ان تكون زيارتكم للقدس زيارة تتعرفون من خلالها على معاناة شعبنا ، فالقدس ليست فقط المقدسات والتاريخ المجيد التي نفتخر به وانما هي اولا وقبل كل شيء الانسان الذي من حقه ان يعيش حرا ابيا في مدينته وفي وطنه .

ان كنائس القدس نادت دوما بتحقيق العدالة في فلسطين وقادة الكنائس المسيحية في بلادنا عندما ينتقلون من مكان الى مكان في عالمنا هم يتبنون الدفاع عن هذه القضية باعتبارها قضيتنا جميعا مسيحيين ومسلمين .

ان ما يتعرض له المسيحيون في مشرقنا العربي من اضطهاد واستهداف لن يجعلنا نضيع البوصلة ولن يجعلنا نتقوقع وننعزل عن قضايا الامة وفي مقدمتها قضية فلسطين .

ان هنالك مخططا استعماريا تموله جهات عدة يهدف الى افراغ منطقتنا العربية من المسيحيين، فالشرق الاوسط الجديد الذي يريدونه هو شرق اوسط خالي من المسيحيين وخالي من الحضارة والثقافة والفكر انهم يريدون شرق اوسط تسوده ثقافة الارهاب والقتل والدم والموت، انهم يريدون تحويل منطقتنا الى دويلات والى طوائف ومذاهب وقبائل متناحرة فيما بينها ، انهم يريدون تدمير كل شيء حضاري وانساني في منطقتنا خدمة للاجندات الاستعمارية المشبوهة والتي هدفها الاساسي تصفية القضية الفلسطينية وابتلاع القدس .

ان المسيحيين في مشرقنا العربي وفي فلسطين بنوع خاص وبالرغم من آلامهم واحزانهم ومعاناتهم لن يتخلوا عن انتماءهم العربي النقي واصالتهم المشرقية وانتماءهم لهذه الامة ولهذا الشعب المناضل من اجل الحرية ، لن نتخلى عن ايماننا وعن انتماءنا وعن اصالتنا وجذورنا العميقة في هذه الارض المقدسة .

البعض يريدونا ان نفكر بعقلية الطائفة المستضعفة والمضطهدة والبعض الاخر يريدنا ان نعيش في كانتونات تعزلها اسوار عنصرية عن محيطنا العربي والبعض الاخر يريدنا ان نرحل عن هذه الديار وان نترك اوطاننا وان نتخلى عن انتماءنا الوطني ، وهذا لن يحدث على الاطلاق .

اذا ما كان الغرب حريصا على بقاء المسيحيين في بلدانهم فعليه ان يكون اولا مهتما بحل القضية الفلسطينية ومساهما في حل الصراعات في منطقتنا .

ان من يمولون ويدعمون الارهاب والعنف والقتل في منطقتنا هؤلاء ليسوا حريصين على بقاء الحضور المسيحي في هذه المنطقة .

المسيحيون في مشرقنا العربي هم امناء لانتماءهم وهويتهم وثقافتهم وتعلقهم بهذه المنطقة وبهذه البقعة المقدسة من العالم ، واننا نتطلع الى الدولة المدنية الديمقراطية التي لا يتحدثون فيها بلغة الاكثرية او الاقلية بل بلغة المواطنة وبلغة الانسان بغض النظر عن انتماءه الديني او خلفيته الثقافية .

اننا نطمح الى شرق اوسط جديد تسوده ثقافة المحبة والسلام والتلاقي بين الامة العربية الواحدة ، اننا نطمح الى شرق اوسط جديد تسوده ثقافة الدولة المدنية بعيدا عن ثقافة الارهاب والقمع الفكري والتكفير والتحريض المذهبي ، اننا نطمح الى شرق اوسط جديد تكون فيه امتنا العربية موحدة وبوصلتها نحو فلسطين والقدس وليس باتجاهات اخرى .