سوزان و خديجة وما بينهما !!

سوزان و خديجة وما بينهما !!
محمد يوسف الوحيـــدي

في توقيت واحد ، تتفق أمريكا و روسيا على تسريع عملية الانتقال السياسي في سوريا، والضغط باتجاه إجراء مفاوضات مباشرة بين النظام والمعارضة و تجميد القتال بين القوات الحكومية السورية وفصائل المعارضة المسلحة.

تقوم إسرائيل بضرب سورية بالطائرات .. برسالة واضحة ، ألا يغتر احد بما إتفق عليه الروس و الأمريكان ، نحن القانون ، و نحن هنا و لا تفكروا أن أحدا يمنعنا .. و تقوم سوزان رايس ، بالإعلان عن مساعدات عسكرية أمريكية لإسرائيل ولمدة عشر سنوات ، بثمانية و ثلاثين مليار دولار .. تتعهد و تكاد تبكي و هي تتعهد بإلتزام بلادها بأمن و قوة إسرائيل و تفوقها و تتغزل خلال الإعلان و تتملق السيد الأبيض و راس المال اليهودي بكل طاقتها و وضاعتها المعهودة  .. و تبرق بتمنيات الشفاء و العافية لسيدها شيمون بيريز  الكاهن الأكبر ، و العراب المخضرم .. بينما تتسارع  " العواصم " بالضغط على الفلسطينيين لإنهاء مشاكلهم ، و  يا حبذا بإختيار من يسهل مهمتهم ، فقد بلغ الشوق مبلغه ، و الحنين آخره للزحف إلى شواطئ يافا هرولة، و اسواق تل أبيب العامرة.. و مازال الفلسطينيون يتخاصمون و يمنعون الماعون .. و العلاقات لا يجب أن تظل سرية ، فكلام الناس كثير ، لابد من إعلان الإتفاق جهاراً نهاراً بدلا من الزيارات الليلية ، و العلاقات العرفية ..

يحدث هذا بعد أن تلقت تركيا الصفعة  بقوة ، التي أعادت إليها الصواب و الرشد بعد إنقلاب " قرصة الأذن " لأصحاب الطريقة الصوفية للشيخ سام على الإخوان الأتراك العثمانيين أتباع الشيخ أردوغان، فتراجعوا عن كل مواقفهم و سارعوا إلى إسرائيل يتبرأون  من كل ما كان ،  بتوقيع إتفاقات الأمن و التخابر و التعاون العسكري ضد " الإرهاب " و كل ما يشكل خطراً على أمن إسرائيل و تركيا .. و في الوقت ذاته ، جازاهم الله خيراً ،  أمدوا  غزة بالشوكولاتة و الملبس.. و قريبا الماء و الكهرباء ، يأتي هذا فيما  تنهي أمريكا صراعا مريراً مع إيران ، و تحل كل التعقيدات ، و تبتعد إيران فعلاً ، و لا يتبقى منها إلا بعض خطب الجمعه ، و تصريحات مجففة ، سابقة التجهيز ، يتم إخراجها كلما إقتضت الحاجة للتهديد بمسح إسرائيل من الوجود ، و إمطارها بصواريخ الغضب و الزهراء و العباس و الحسين و كل الأئمة .. و بدوره يخرج أفيخاي أدرعي  ليعطي درساً بلغة عربية سليمة ، في أصول الدين و الفقه .. و تتوقف الإنتخابات من غزة ، بغزوة القوائم ، و بقانون قراقوش ، و على ما يبدو تستعد لصفحة جديدة ،  و تزداد صفحات التواصل الإجتماعي على فيس بوك من قبيل " إسرائيل بالعربي " و" البيت الصهيوني" و غيرها من الصفحات التي تبث في شبابنا روح التشكك و الإنبطاح و الياس و كره عروبتهم و بيئتهم و أصلهم ، و تغسل أدمغتهم ، و تجتر أقوالا حول حق اليهود في مصر و الشام والعراق و فلسطين و الهيكل و اورشليم ، و تجد شبابنا و فتياتنا بالألاف بل بالملايين يتعاطون هذا المخدر المكتوب على صفحات فيس بوك ،و مثلهم على تويتر ، تحت  عنوان ( التنوير و العقلانية و حرية التفكير و التعبير ) و فيس بوك  الذي يقر إتفاقاً غير مسبوق، يمكن إسرائيل من مراقبة صفحات العرب و تحديد هوياتهم و تقدير خطورة ما يكتبون على أمن الإسرائيليين ، بينما ينشغل باقي طلائع المستقبل من الشبيبة العربية الواعدة  باخبار إي تي بالعربي  وهوليوود وبوليوود  و إم تي في ، أو بهموم لقمة العيش التعس ، و فاتورة المستشفى و العلاج ، والغريب ، أنه وسط كل هذا ، مطلبوب من الجميع ، سواء الشباب المرفه المشغول بآخر أخبار النجوم ، أو المطحون المشغول بخبز اليوم ، أن يقف صفاً واحدا ، و متوحداً ، في تقديم الشكر ، و العرفان ، و يصفق بهستيريا ، و أن يتاثر و هو يستمع إلى خديجة وهي  تعلن  ، أنها ستخرج من بين قاعدتي السيلية و العيديد ، لفك حصار غزة على مركب  قادم من جهة قاعدة إنكليريك .. !!  فسوزان و خديجة تعلمان تمانا أننا سنصدقهما ، و بأننا لن نتوقف عند اي حقائق ، و سننسى أي تاريخ و كل الحوادث و سنتوقف عند الصورة الملونة الآنية أمامنا و فقط ، و سنلعن من يحاول أن يذكرنا أو يحاول أن ينبهنا ،و نتهمه بالتخلف و الإرهاب ، و العمالة و الجاسوسية و الدعارة و أنه سبب رئيس في إنتشار الإنفلونزا ، و اي تهمة تخطر أولا تخطر على بالك ، نحن نحب الشعر أكثر من الدراسات و البحوث ، نعشق الحكاوي أكثر من التحليل و الترتيب ، يقولون لك أن صلاح الدين في وسط معمعان المعارك ، نسي ، و ضرب مثلاً ، وراح يصالح و أخذ طبيبه يعالج عدوه ،  و يقنعونننا بنصف الحكاية ، و لا يقولون  لنا أنه فعل ذلك وهو يحاصر الأعداء ، و سيفه مسلط على رقابهم ،  و بالجملة جلعونا ننسى كل مصائب الفترات و الحملات الصليبية ، و نتذكر خلافات المسلمين و السنة و الشيعة ، حتى أصبحت إسرائيل التي  ربما لديها حجم دراسات ، عن العالم الإسلامي و بالذات الشرق الأوسط ، في عصر الصليبيات ، بما لا يتوفر في كل العالم الإسلامي ..هم يحبون أن يعرفوا كل شئ بطريقة علمية ، نحن نشتغل إنفعالياً ، و بعقلية رد الفعل كما يقال ، لكن بعيدون تماما عن العقلية العلمية ، نحن أصلاً لا نؤمن بقيمة العلم ، لذلك تجدنا نقرأ عنوان المقال فقط ، وطرف الخبر، و الجواب من عنوانه ،  و نحب ما قل ودل ، و من يزيد نقول له ( بلاش فلسفة ) لا نحب التعمق ، و لا الدراسة ، نحب كل شئ أن يكون قريباً هيناً ، و ملوناً مزخرفاً ..

بلا شك نحن نعاني مأساة معرفية ، إدوارد سعيد رحمه الله كان يشكو من أن حتى القلة من المثقفين ، و النخب ،في عالمنا العربي  حربائيون  ، متلونون ،آكلون على كل الموائد ،يتقلبون بسرعة غير طبيعية ،  و تقريباً لا رسالة حقيقية لديهم ..

و للحقيقة فلدينا من أعلن جاهزيته بكل ثقة و قوة ، و أقام للشكر ميدانا ، و عنده من أساليب البلاغة ، ما يجعل لكلامة حلاوة و طلاوة ، و يقنع الفيل بانه غزالة .. و هو متخصص في التوسل و التسول معاً ، و عنده لكل بلد يافطة و ألف ألف لافتة .فشكراً سوزان ، و شكراً خديجة .. وشكراً  عويص و أم بريص ..

و بكل هذه التفاصيل في المشهد ، و غيرها الكثير مما لا يخطر على بالي الآن ، مطلوب منا نحن الفلسطينيون ، أن نصفق و نصدق ، و نذرف الدموع ، و نهتف ، شكرا  للجميع ، إن حالنا لن ينصلح ، و كرامتنا لن تصان ، إلا إذا قلنا و بالفم الملآن .. إليكم عنا ، خذوا ثعابينكم و سحركم عنا .. نحن نرفضكم ، جميعاً ، نحن فلسطينيون ، وفقط ، نرفض سوزان ، و خديجة و ما بينهما ...