من الخلاف الي الصراع الثقافي

من الخلاف الي الصراع الثقافي
بقلم د يسر الغريسي حجازي

 
وصل العالم العربي مع الثورات والغضب الي الحد الأدنى من الحياة الكريمة. لا يزال عالمنا يواجه الخلاف الأخلاقي، والقيد لضمان الحكم الجماعي لخدمة المصلحة العامة

هذه إحدى الاسباب التي جعلت الخطب السياسية بدون معني ومتكررة من منذ خمسين سنة، كما يستمر خطر النزاع القانوني مع نهج ديمقراطي كاذب يبعث بالتنافر، وبلغة مزدوجة

هذه الافتراضات مع عدة معاني تجميلية لديمقراطية عربية، تعتبر خرق خطير لتقييمات حقيقية، لأنها تشرع عدم التسوية بين الناس، وتنشر الانقسام بين أفراد المجتمع. هذا نظام جديد صنعوه الحكام العرب لخلق ايديولوجية منزوعة من الاخلاق، وخاضعة تماما لمعايير سياسية واقتصادية واجتماعية مغشوشة. وبهذه الطريقة يتم وضع المجتمع بين مطرقة التقاليد الجماعية وسندان الحكومة التي تغرق مواطنيها في الشك أن يكونوا جزءا من النظام الاجتماعي لحل النزاعات اليومية.   

هذا العجز في التماسك الاجتماعي يأتي نتيجة للسياسات الاستبدادية، التي لا تعالج المشاكل العامة، الا انها تملي بطريقة عمياء مبادئ متناقضة تعرقل التماسك الاجتماعي  

لكن هذه الطرق تعتبر اسلوب اختصاص في خلق الخلافات، والنفور الاجتماعي الشامل.

لا يمكننا بناء منهجيات منطقية على أساس خاطئ ومن خلالها توقع نتائج مقنعة.

ما يجب إدراكه هو ان التفكير بطريقة مختلفة عن قناعاتنا، هو اساس التناقض في قيمنا الأخلاقية ونظريات الديمقراطية الفعالة

كما ثبت تاريخيا، ان الحكومات الاستبدادية سقطت بسبب انها غير متوافقة مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان. لهذا، يمكن للنظريات الليبرالية التحررية والمساواة ان تظهر في أي حال، وذلك من دون خرق للشرعية والمبادئ الأخلاقية التي تستند عليها

ان الطابع الأساسي للديمقراطية، والنظام المتداول من قبل الحكومات العربية يختص بالكولسة والاتفاق المسبق، وذلك يمنع عملية القرار الجماعي وحق مشاركة المواطنين في صنع القرار. كما ان نظريات الديمقراطية في العالم العربي، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، غير متماسكة لأنها لا تدعم المصالح العامة، بل واجهات ذات الطابع الفردي، والتي تساهم فقط في التفتيت الاجتماعي والشك والفتنة بين أعضاء المجتمع

لا يمكننا الحديث عن التواصل، لأنه على ما يبدو من دون أساس من المشاركة الجماعية، نظرا  لقلة التأثير الايجابي على المرافق العامة

لدى الطابع القبلي نفوذ الحشد، والذي يمنح الوجهاء لديهم بان يكونوا في صنع القرار. وتعاونهم مع نظام الحاكم أمر بالغ الأهمية بالنسبة لهم، لكي يؤمنون حاجاتهم الاساسية ويحصلون على الهيمنة. على سبيل المثال، منذ الثورة العربية لعام 1916 من قبل هاشميين الحجاز، تأسست دولة عربية على ولاء القبائل. بحسب فرومنته (2014) في مقالتها "القبائل والقبلية في بناء الدولة الأردنية"، تعتبر القبائل مجموعات قبلية من بدو الرحل، وذلك لغاية استقرارهم بالمناطق التي اختاروها للسكن فيها. وقد خلق الاحتلال البريطاني تسمية مجموعات البدو الرحل والفرق بينهم والسكان الاقدم، تكمن في عراقة الحضارة والجذورية. وعلى هذا الاساس، حدد الاستعمار البريطاني حق المواطنة. حسب فرومنة (2014)، كان نظام المجموعات القبيلة، نتيجة لتفسير الاستعمار البريطاني والغربي، كما حددت الأنثروبولوجيا التاريخية ان نظام القبائل حركة مجتمعات دون شروط، برؤية أثنية محدودة وبعيدة عن المؤسسات السياسية  

ليس هنالك تشاور جماعي في النظام القبلي، والذي يمنح اصحاب النفوذ السيطرة على المجموعة، وصنع قوانين داخليه يجب ان يلتزم بها الجميع. وذلك القيم تعارض بشدة الهياكل المفهومية والمبنية على الحكم الرشيد وسيادة القانون. كما ان المجتمعات القبلية تمتلك اليوم الهرمية الاجتماعية والسياسية القوية، وأنها قادرة على التعايش في ظل دولة القانون. ومع ذلك، فإن البنية القبلية لا تزال موجودة في الدول الحديثة في الشرق الأوسط، وتمتلك التأثيرات

القبلية، وينظر إليها باعتبارها تحديا للتنمية الاجتماعية المعاصرة. ولكن لا تزال القبائل متمسكة بثقافة مذهبية اسلامية، ورافضة للمعايير الجنادرية والدولية والتي تهدد

سيادة القانون، توزيع الموارد بإنصاف، واستقرار الشعوب من اجل تحقيق أقصى قدر من المرافق العامة، ومكافحة الفقر والجهل

هنالك تفسيرات مختلفة في المبدأ القبلي وتحديات إدارة الدولة بالصفات القيادية، والاقتصادية، والاجتماعية. وورد في كتابات ابن خلدون “العصابية" ان القبلية ممارسة سلطة على الاستثمارات والإصلاحات الزراعية والموارد الطبيعية، وخصائص الأرض. وان المجتمعات القبلية لها الثقافة السائدة للدولة، والتعليم والتقاليد. ما زالت لا تتمكن الدولة القومية في الشرق الأوسط من تغيير الثقافة القبلية، والتي لا تزال تحافظ بصرامة على ملكية الأراضي والحفاظ على زواج الأقارب وخصوصية نمط حياتهم

والمشكلة تقع في كيفية تطوير المرافق الاجتماعية وصنع قيم اخلاقية جديدة مع مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة؟ في حين أن القضية تكمن في نهوض الوعي الفردي، وكسر ثقافة تقديم الرجال في قوة الهيمنة، وطاعة النساء لعبودية الرجال وتلبية ملذاتهم. فمن الصعب أن تذهب إلى الحداثة والمساواة بين الجنسين، وهنالك سلطة ابوية مطلقة تسيطر على المجتمع. والاشكال في كيفية تغيير قيم الهيمنة القبلية الي قيم عادلة، ديمقراطية بسياسة التشاور، والمشاركة في بناء وطن، وذلك من اجل تبني قيم سامية ومعتبرة تحرص على التماسك الاجتماعي، والعدالة في تقسيم الموارد والخدمات الاساسية.     

وهكذا يظهر الطابع الذكورية في الادارة المدنية، وسياسية المرافق العامة، وكذلك التفاف الرجال حول مواقع المسؤولية ومنع النساء من الوصول الي صنع القرار. كما ان توظيف النساء في السياسة ساهم في منع تحرر النساء والشباب من القيود القبلية، ومنح اسلوب ذكورية وحب السلطة للنساء التي تم اختيارهم من رجال السلطة في صنع القرار    

هذا هو السبب في أن تعليم الفتيات لا يزال عشوائي ومتعثر، وهذا يرجع إلى السيطرة الذكورية على تعليم الشباب، مثل قبول الشباب بمعدل اقل من الفتيات لدراسة الطب او تبجيل الذكور على الإناث في اتمام الدراسات العليا بسبب فكرة ان تبقي المرأة تحت سيطرة الرجل. لا يزال هنالك الاعتقاد ان الفتيات مصيرهم الزواج، او حرمان البنات من الميراث بسبب ان المرأة تابعة وليست متساوية في الحقوق مع الرجل، وخاصة ان هنالك تفكير رجعي في رؤية الفتيات ومستقبلهم

لذلك لا يتوافق القانون القبلي مع سيادة القانون والتشريعات، بالنظر إلى أن القبائل تلجأ إلى الانتقام ومفهوم حماية الشرف والكرامة