بلدية بارتي !!

بلدية بارتي !!
محمد يوسف الوحيدي

المراقب لسير  عملية الدعاية للإنتخابات البلدية ، و قيام كل طرف بطرح نفسه على أنه المخلص الفارس المغوار الذي لا يشق له غبار .. يجعل الأمر يبدو غاية في الكوميديا و الإحساس بأن فايروساً للهطل أصاب القوم .. و الناس إنقسموا بطبيعة الحال إلى فئات و أنواع ، فمنهم من ينظر إلى الإنتخابات البلدية على أنها إنتخابات مصيرية ستحدد موقفنا كشعب قرباً أو بعداً من القدس .. و فئة ثانية تتعامل مع الموضوع من منطلق إحتفالي " بلدية بارتي " على وزن جلبية بارتي .. و بعضهم معجب بلفظ تكنوقراط ، و لا يعرف إن التكنو ، سيقع فور إنتخابة ضحية لإرادة البيروقراط ..

مقاطع أفلام ، و فيديوهات و لوحات و إعلانات ، لا علاقة لها بالواقع و لا " بالطوشة " .. و المواطن مثل الأطرش في الزفة ..

تجد وسائل التواصل الإجتماعي تلتتهب يومياً ، بشعارات و مداخلات مقلقة ، و تشعرك بأن من يكتبها يعصر ذاته حتى ربما يقع في خطر أن تنفجر عروقه و أوردته  ، أو تجد فقاعة ، تمر بدون أستئذان ، كأنها ماء بارد يصب في الزيت الساخن فجأة ، لأحد الناطقين المُنَّمقين ، فقاعة  صفراء فاقع لونها ... تلمح تلميح الضُّرة لِضُرَّتها ، أو تلقيح الجارة المدربة على اسليب الردح المستتر ، و الطعن الهادئ لجارتها.. يدخل ، يرمي  كلمتين ، ويترك المجال للدراويش بعده ، يمسكون بالدفوف و الطبول ، يلعنون و يُكَفِّرون و يُجَوسِسُون كما يحلو لهم .. بجهلٍ و جَهَالة و عَصبيَّة ، تجعل المتابع يشعر بإستحالة  التوصل إلى مجتمع زاهر ، نظيف هادئ متماسك موحد على هدف .. كراهية و حقد و عنف لفظي و قذف و سب و لعن مقزز ، بشع.و الأغرب أن هناك حالة من " الحول " العقلي و البصري ، أصابت الجميع ، فنحن بصدد إنتخابات بلدية ، لا تحتاج إلى استعراضات عسكرية ، و لا إلى فتح دفاتر المعايرة و المحاسبة ، و إستعراض العضلات و البطولات ..

فلو جاء كل تنظيم بهرقل و أبو زيد الهلالي ، و سبارتاكوس ،  و عنترة بن شداد و معهم أينشتاين  على قوائم مرشحيهم للإنتخابات البلدية ، و لو تجاوزنا عن المصيبة  ، بأن أحداً من الأطراف لم يقدم برنامجاً للمجلس البلدي ، فيه ما يشبه الخطة ، التي توضح أهم المشاريع و الإجراءات و المعالجات قريبة المدى و متوسطة المدى و بعيدة المدى الني ينوي القيام بها في مدة ولايته ، أقول لو إفترضنا جدلاً ووهماً و إعتباطاً  و أقنعنا أنفسنا بأن هذا حادث بالفعل .. فكيف يمكن لهذا المجلس ، الذي يضم هذه الإسماء لهؤلا الأبطال  الخارقين للعادة ..أن ينفذ تلك الخطة – البرنامج في ظل سقف سياسي متعارض ، متنافر ، متباعد ، متناطح ، منقسم ؟؟  ماذا لو فازت قائمة فتح في إنتخابات غزة ؟ هل يأمن أحد ، هل يضمن اي كان ألا تقوم أجهزة الأمن المسيطرة على القطاع بعدم إعتقاله لأنه كتب ما لا يعجبهم على فيس بوك ؟؟ أو ربما بتهمة التخابر مع رام الله .. من يضمن أن لا توضع يد على أموال المشاريع و المشاريع نفسها، و أن لا يتم عرقلة أي إعمار بمنطق " فيها لأخفيها " ؟؟  و هذا مجرب و حدث قبل ذلك و أنا هنا لا أكتشف معادلة جبرية جديدة .. و إلا كانت عملية الإعمار و أموالها دخلت القطاع و إستفاد منها خلق الله منذ زمن ..  

و الحال كذلك في الضفة ، فقد راينا الحال في بعض المواقع و المؤسسات التي فازت فيها حماس .. و كيف تم تحويلها إلى مراكز تقدم الخدمات بلون واحد ، و إتجاه واحد ..

لهذا ، يجب أن لا تتأخر الإنتخابات التشريعية و الرئاسية ، بعد الإنتخابات البلدية ، و إلا ستؤول كل أحلام المجالس البلدية و من جاء بها إلى الفشل و الدمار .. لابد من سقف سياسي حامي لأي برنامج خدماتي تقوم به البلديات ..لابد من مركزية إدارية ، تصرف الموازنات ، و الهبات بحسب البرامج و الإحتياجات لكل قطاع و بلد و قرية و مدينة و مجتمع .. و تسهل الإتصالات بالعالم الخارجي و تستجلب المساعدات و الشراكات و التعاون الدولي ..

أليس من الأفضل أن توضع الأمور في نصابها الصحيح ، فرحم الله أمرئ عرف قدر نفسه فوقف عنده .. هل يجب أن يدور منادي في أروقة البلاد طولاً و عرضاً ، مثل مسحراتي رمضان ، يقول للناس ، يا عالم يا مواطنين يا مهاجرين يا مقاتلين يا صابرين يا محاصرين يا محتلين .. حي على الفلاح ، حي على تنظيف البلد .. ترتيب البيت ، إنها الإنتخابات البلدية .. إنها ليست إنتخابات تشريعية و لا رئاسية ... إهدأوا  .. و قوموا إلى إنتخاباتكم ..