عماد دوّاس..."القنّاص" صديق البيئة

عماد دوّاس..."القنّاص" صديق البيئة
واكبت الحلقة (48) من سلسلة "أصوات من طوباس" التي تنفذها وزارة الإعلامحكاية المهندس عماد بشير دواس، وتتبعت شغف بتوثيق طيور فلسطين وزواحفها البريةوووجها الجميل.

يتسلحالشاب المبتسم غالبًا بعدسته، ويسابق الفجر دائمًا لنصب "كمائن" خضراءللأهداف الجديدة من الطيور والحيوانات الحذرة، ويحمل خيمة متنقلة للاحتماء من يقظةالعناصر التي سيلتقطها على طبيعتها، وبمواقف نادرة وغير معهودة.

كمائنخضراء

يرويوهو يختفي خلف كمين من الكرتون المقوى بجوار شجرة زيتونة معمرة: عليك أن لا تذهبإلى الطيور والحيوانات والزواحف، بل تجعلها تأتي إليك لتجيد التقاط صورها، وحينهافقط ستشعر بالمتعة، وكلما اقتربت أكثر من صيدك الثمين ستقدم صورة نابضة بالحياة، وتجعلمن يشاهد يحبس أنفاسه.

ويمضيعماد الأربعيني الذي يحمل لقب الدكتوراه في الهندسة المدنية ساعات طويلة لرصد مشهدواحد، ولا يضغط على زناد عدسته إلا حين يتيقن أن الهدف قد تحقق كما هو معد له،ويحزن كثيرًا إن عاد  بخفي حُنين.

يسرددواس الذي أبصر النور في طوباس  ربيع عام1976: بعد عودتي من الدراسة في الولايات المتحدة عام 2012 لم أكن أملك آلة تصوير، وشاهدت سرب حمام يهم بالنزول على قبة مسجدفي جينصافوط بمحافظة قلقيلية، فأسرعت لهاتفي النقال ووثقت المشهد بعفوية، ومررتهعلى حسابي في "فيس بوك" ليحصد الكثير من علامات الإعجاب، ويحظى بإشادةمصورين.

وبحكمطفولة عماد الذي درس الماجستير في إيطاليا وسبقه بشهادة الهندسة المدنية من جامعةالنجاح، فقد ظل شديد التأثر ببيئة طوباس الخلابة، إذ كان يضع خططاً بريئة مع أبناءعمه أشرف (السريع) ، ووسام للإمساك  بقطعانالغزلان المنتشرة في الأغوار براحة اليد، وبعدها صار يحاكم التمدد العمراني،وينتقد الصيد الجائر الذي أتلف الحياة البرية والتهم التنوع الحيوي.

يبتسم:كنا نظن أننا نستطيع "اعتقال" الغزال بسهولة وذبحه وشويه، عبر خطط تنسجها أحلامنا، ونتمنى اليوم لو أن يعودالزمن الجميل لنوثق هذا الحيوان الجميل بالصورة، ونتمتع برشاقته رفقة بأسراب الحجلالتي صارت مطمعًا للصيادين والمتاجرين.

مشاهدبارعة

ويتفاخردواس كثيرًا بالصورة الحرفية الأولى التي التقطها لثعلب أحمر ( حصيني) من مسافةالصفر، فيومها طار من الفرح، ونجح كمينه المحكم من قنص مشهد قريب للحيوان الذييحاط بشائعات خاطئة عن عدوانيته وشراسته.

يقول:بدأت بطريقتي الخفية في التصوير، وتكلفني وقتًا طويلًا كل يوم، فعليّ  انتظار اللحظة الحاسمة، وربما أمضي ثلاث ساعاتوأكثر من دون الحصول على الهدف، ولا أنسى كيف أشعل متنزهون النار في حشائش كنتأخفي بينها "كمينًا" للتصوير، أمضيت وقتها في صنعه.

ويكاد  دواس لا ينسى الصورة التي لا تتكرر، حين كان فيجولة في أحراش طوباس، ووقتها  وقف طائرالباز على خشبة نصبها، والتقط صورة لصيده الثمين وهو يتلاعب بجناحيه. فيما تواجههعقبات كثيرة نابعة من عدم فهم غالبية الناس لهوايته، فيظنون أنه يلتقط صوراًللمنازل وسكانها ويعتدي على خصوصيتهم، كما يحاط عمله بمخاطر في مناطق الأغوار التيصادرها الاحتلال وحولها لحقول رماية وتدريب، ويطلب منه بعض الأشخاص التقاط صورة لهبكاميراته ذات العدسة بعيدة المدى!

يتابع:كنت أراقب الغزلان في جبال طوباس، برفقة ابن عمي، وعندما  شاهدت قطيعاً منها، وأنا داخل السيارة هممتلالتقاط صورها، فشاهدت دورية للاحتلال استجوبتنا، فأخفيت الكاميرا، وأخبرتهم بأننانستمتع بمشاهدة الغزلان التي انقرضت بفعل الصيد الجائر.

وجهآخر

يتنقل عماد في محافظات الوطنكوادي قانا ومرج ابن عامر وأريحا وبرية القدس، لكنه يلتصق كثيراً بمسرح طفولته فيالمكواك، والخلايل، ووادي حمد، وقشدة، والمخبة، ولحف جادر، ويمعن كثيرًا في مراقبةالحجل وأبو زريق، وعصفور الشمس الفلسطيني، والعويسق، وعروسة التركمان وغيرها،ويتحسر  كلما يشاهد الزحف الإسمنتي والصيدالجائر الذي  يلتف حول عنق البيئة والطبيعة،واقتنص طيورًا نادرة الحضور فيأحراش طوباس ووادي الخشنة في الأغوار الشمالية.

فيرصيد دواس مئات الصور لطيور وزواحف وثقها بزوايا غير معهودة، فهنا  سحلية تضع يدها على صديقة مقابلة في مشهد"غرامي"، وفي زاوية أخرى طائر المنية ( البلبل الهندي) يتفاخر بمشيتهوغروره، ويحلق العويسق في كبد السماء كمن يستعرض عضلاته، أما الحجل فيلهو فوق كومةقش، وتنسج عشرات الصور الأخرى حكايات مغايرة، تضاف كلها استعدادًا لتشق طريقها إلى معرض شخصي يعد عماد العدة له.

يقول:صرت أصطحب أطفالي: بشير (10 سنوات) وياسمين (8) وبيسان (5) وأصبحوا يقلدون موهبتي،ويراقبون أطراف الشارع خلال المسير بانتظار صيد، ويعرفون أسماء  الطيور والزواحف، ويخططون  لجمع "تحويشتهم" وشراء آلة تصويرمهنية تشبه عدستي. وخلال الربيع أمضى النهار بطولة في البرية، أخذ زوادتيوكاميراتي وأضع خيمتي المتنقلة التي تشبه الطبيعة بانتظار زائر جديد أضيفه لمجموعاتي.

نقدالاسمنت

وينتقدعماد التوسع العمراني كثيراً، فقد دمر البيئة الفلسطينية ومس بتوازنها، فيما  تطوّع لتدريس أول مساق في التخطيط البيئي لطلبةالهندسة في جامعة النجاح الوطنية، وصار يدخل عبر الصورة حب البيئة إلى قلوب طلبته،وتضاعف عدد المسجلين في المساق من 12 إلى 20 أصبحوا يتفاعلون مع الطبيعة، ويتألمونلتخريبها، ويقدمون بدائل للحفاظ عليها بعين هندسية خضراء.

يضيف:إذا أردنا أن نقنع الآخرين بدمار بيئتنا فعلينا أن نقدم لهم مشاهد متناقضة  تبرز جمال بيئتنا وتنوعنا الحيوي الغني من جهة،وتعرّف بالتخريب والعبث الذي يطال المشهد الطبيعي ويحوله بجرة  قلم إلى ركام من الخرسانة والحديد.

بدأدواس بهواياته بعد عودته من الولايات المتحدة، التي أمضى فيها  6 سنوات، وكان يلاحق بمنظار عناصر البيئة فيسياتيل الساحلية بولاية واشنطن، لكنه طوّر شغفه والتحق بدورات تصوير احترافية،وانفق الكثير من المال والوقت والجهد على "عشقه"، لينحت شعاره الخاص:"التصوير متعة لا تنتهي، تعادل  جمالالسفر والتنقل في أجمل بقاع الأرض.

يسرد:كنت أطمع الغزلان المنتشرة في على الحدود الأمريكية – الكندية  بيدي، دون أن تهرب أو يلاحقها صيادون، وتمتعتبمراقبة مالك الحزين خلال معركته مع سمكة، واستمعت بجمال طيور الطنان، والروبنالأمريكي، ونوارس البحر، وغيرها.

يضيف دواس:  تدعمنيزوجتي أماني مهندسة البناء، ولها نظرة هندسية في تقييم ما أصطاده من مشاهد،وتساعدني في اختيار صوري التي أنشرها على صفحتي الإلكترونية الرسمية، أو التي أخوضفيها منافسات محلية تتوجت بثلاث جوائز خلال سنتين.

والمهندسة أماني "جنديمجهول" فهي تتحمل وتتفهم غياب شريكها الطويل في ملاحقة لقطاته، وتشجعه على تطوير احترافية وتنظيم معارض شخصية، وتوسيع آفاقمشاركاته نحو العالمية.حياةملونة

بدوره،أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف إن سلسلة"أصوات" التي أنهت عامها الربع قدمت سلسلة قصص عالجت هموم المواطنينوبخاصة عطش الأغوار والطفولة المصادرة فيها، والمعاناة جراء انتشار معسكراتالتدريب وحقول الألغام، ورصدت إبداعات علمية وأدبية وتراثية، وقدمت حكايات معمرينوقدامى أصحاب المهن ومبادرات، وأعادت إنتاج سيرة أول شهيدة، والأسيرة الأولى،وحادثة أول قصف استهدف عائلات كانت تفر من طوباس بشاحنة إلى الأردن خلال نكسة 1967،وغيرها.

وأضاف:خصصت الوزارة حيزًا من "أصواتها" لتجسيد البيئة بوجهها الجميل وتنوعهاالحيوي، ولاحقت مبادرات طلابية لحل مشكلة مياه وادي الباذان الملوثة، وسلطت الضوءعلى أول مدرسة خضراء في فلسطين تحتضنها بلدة عقابا، وتميز "بنات طوباسالثانوية" بحدائقها وأزهارها، كما واكبت مواسم البطيخ واللوز والسمسم التيتميز المحافظة.