الغرفة المدنية باستئنافية تطوان تعلل بحقوق الإنسان

رام الله - دنيا الوطن

أصدرت الغرفة المدنية باستئنافية تطوان بواسطة رئيسها ذ/عبد اللطيف المعادي بصفته مقررا في الملف رقم33.1202.2011 قرارا بتاريخ 2.6.2016 ضد شركة "ميدتيل" يعتبر قرارا فريدا من نوعه من تعليله. 

وموضوع الملف يدور حول مدى أحقية إثبات اللاقط  والإضرار الممكن إصابة الإنسان بها. وقد عللت المحكمة قرارها بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وبأحدث النظريات القانونية على الصعيد الدولي فألغت الحكم الابتدائي وحكمت بإيقاف أشغال إحداث محطة الإرسال للهاتف النقال... 

واليكم بعض فقرات التعليل : "..وقد نصت بعض القوانين الأجنبية صراحة على جواز رفع الدعوى بناء على وجود مصلحة محتملة كقانون المرافعات المصري وقانون أصول المحاكمات السوري وكذلك قوانين بلجيكا وألمانيا وفرنسا والجزائر كما سيتم بيانه عملا بمبدأ الحيطة أو الاحتياط الذي كرسته المواثيق الدولية والتي صادق عليها المغرب وبعض الفقه الحديث. وانه بالرغم من كون المشرع لم ينص صراحة على ذلك فانه قد أجاز رفع بعض الدعاوى ولو لم يكن الضرر حالا وقائما حين يكون القصد هو الاحتياط لدفع ضرر قد يقع في المستقبل" . 

"  ويرى بعض الفقه ورجال القانون الداعمون لمبدأ الضرر الاحتمالي أو ما أصبح يعرف ألان بمبدأ الحيطة لقبول الدعوى إن وظيفة المسؤولية المدنية لا يجب أن تقتصر على تغطية الأضرار السابقة وإنما يجب أن تعمل على إلغاء الأخطار المستقبلية إي أن تتطور من الوظيفة الإصلاحية أو التعويضية إلى الوظيفة الوقائية الاحتياطية " . " وفي هذا الإطار تستوجب الإشارة إلى كون القضاء الفرنسي وتطبيقا لمبدأ الحيطة الوارد في المادة 5 من الميثاق الوطني للبيئة لسنة 1995 المعروف بقانون "بارنيير" والمستمد من إعلان "ريودي جانيرو" الصادر بمناسبة قمة الأرض بتاريخ 13.6.1992 والذي ضمنه المشرع الفرنسي ضمن مقتضيات الدستور خلال نفس السنة 1995 إن القضاء الفرنسي ساير المبدأ المذكور وهكذا اقر مجلس الدولة في قرار له صادر في 19.7.2006 بعدما اقر انطباق المبدأ على القضايا التي تهم صحة المواطنين بالنظر لارتباطها بشؤون البيئة ". 

وقد أتى القرار ببعض القرارات الصادرة عن القضاء الفرنسي كما تطرق إلى عدة اتفاقيات اتفاقية باريس الموقعة سنة 1992 والموارد الصيدلية.... اتفاقية بال المتعلقة بنقل النفايات الخطيرة والتخلص منها لسنة 1989 وقد صادقت عليها المملكة المغربية بمقتضى ظ 92.96.1 بتاريخ 24.1.2000 . الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة لسنة 1992المتعلقة بالتغيرات المناخية وصادقت عليها بلادنا ب ظ 96.1.93 بتاريخ 15.11.2001. والانبعاثات الغازية السامة اهتلاك طبقة الأوزون /البروتوكول الموقع سنة 1990.". إلى أن يقول التعليل " ...وما لتلك الاتفاقيات من أهمية بمقتضى دستور 2011 فان المشرع يكون قد اقر ضمنيا بضرورة أعمال المبدأ المذكور في كل ما يتعلق بصحة وسلامة البيئة والمواطنين..

" كما علل الحكم كذلك ب " أحكام محكمة العدل الأوروبية -التي- تبنت بدورها مبدأ الحيطة كما تم إدراج المبدأ في قانون الاتحاد الأوروبي في معاهدة الوحدة الأوربية "بماستريتس" بتاريخ 7.2.1992 في المادة 130 فقرة 2 كما أصبح منصوص عليه في المادة 174 في معاهدة أمستردام المؤرخة في 20.10.1997 " واتى ببعض الأمثلة التي اتخذ فيها الاتحاد قرارات تصب في مبدأ الحيطة في قضية جنون البقر وأزمة اللحوم الهرمونية بحيث منعها حماية للإنسان. 

وفي جملة مهمة في أخر التعليل " وقد اعتبر الاتحاد الأوربي مبدأ الحيطة مبدأ عاما للقانون قابلا للتطبيق المباشر حتى دون الاستناد إلى نص صريح يفرض تطبيقه " أن هذا القرار الذي استند كثيرا على الاتفاقيات الدولية والأوروبية ساير جديد التشريعات سواء كمبادئ حقوقية أو كأحكام قضائية أو كقرارات سياسية. 

وبالتالي وكأنه يقول لنا نحن من هذا العالم لماذا لا يتمتع بلدنا بالأحكام الجديدة التي وصل إليها المجتمع المتقدم. لكن القرار  لم ينسى في الختام أن يشير إلى انه "ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله (الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة) " لكن دون الإشارة إلى مصدر هذا الحديث.  

يبقى هذا القرار من أروع انجازات القضاء المغربي. بشجاعته في اقتحام النصوص الكونية واستنطاقها والاستفادة منها . وهذا هو القضاء الذي نريد.