الجرائم الإلكترونية انتشار وغياب القانون

الجرائم الإلكترونية انتشار وغياب القانون
رام الله - دنيا الوطن-رون سمارة

تعتبر الجريمة الإلكترونية ظاهرة إجرامية مستجدة نسبياً تقرع في جنباتها أجراس الخطر لتنبه مجتمعات العصر الراهن لحجم المخاطر وهول الخسائر الناجمة عنها، باعتبارها تستهدف الاعتداء، والبيانات والمعلومات والبرامج بكافة أنواعها.

 فهي جريمة تقنية يقترفها مجرمون أذكياء تختلف أعمارهم وتوجهاتهم، فيمارسونها من خلال ما يمتلكون من أدوات المعرفة التقنية، وهي نوع من الجرائم التي ظهرت مؤخراً مع الانتشار التكنولوجي، وترتبط بشكل رئيسي بجهاز الحاسب الآلي وتستخدم شبكة الإنترنت كأداة للجريمة. و يتميز هذا النوع من الجرائم بأنه غير تقليدي، إضافة لغياب الدليل المرئي الذي يمكن فهمه بالقراءة، وصعوبة الوصول إلى الدليل بسبب استخدام وسائل الحماية وسهولة إتلاف الأدلة وتدميرها بوقت قياسي.

من يتعرض للجرائم الإلكترونية

 فئات مختلفة قد تكون عرضة لهذه الجرائم، كالأطفال أو النساء، وقد تكون بعض المؤسسات المالية عرضة لهذه الجرائم حتى مقرات الأجهزة الأمنية في العالم تكون عرضة للجرائم الإلكترونية، يقول ماجد العاروري الخبير في الإعلام القضائي وحقوق الإنسان، يقول :" أعداد المتعرضين لهذا النوع من الجرائم  يمكن أن تصدر عن الشرطة أو النيابة العامة، لأنها من تحقق في هذه الجرائم، علماً بأن الكثير من الجرائم لا يتم الإبلاغ عنها، فالكثير على سبيل المثال يتحدثون عن اختراق حواسيبهم، أو بريدهم الإلكتروني،  أو صفحات الفيس بوك الخاصة بهم ومع ذلك لا يتقدمون بالشكوى للسلطات المختصة، إما جهلاً، أو خوفاً من نشر خصوصياتهم في حال تقديم شكوى، وهو ما قد يكون حالة من عدم الثقة بالأجهزة المختصة ".

ماجد العاروري يرى أنّ أكثر الجرائم الإلكترونية التي يتعرض لها مجتمعنا هي انتهاك الخصوصية والجرائم الأخلاقية، يقول :" انتهاك الخصوصية والابتزاز هما أكثر الجرائم انتشاراً في مجتمعنا، إضافةً للتشهير والمس بالكرامة، بينما لا تزال الجرائم الاقتصادية الإلكترونية محدودةً، حيث أنّ مجتمعنا مازال متحفظاً لدرجة كبيرة في استخدام المال إلكترونياً ".

وحول ما يمكن أخذه من تدابير احترازية فيرى العاروري أنّ الإجراءات الاحترازية هي انتهاك للحريات، وسلب للحقوق، يقول:"  الإجراءات الاحترازية المتمثلة في إغلاق المواقع الإلكترونية تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان، وخاصةً لحرية التعبير، حيث تفرض رقابةً على حرية التعبير قبل النشر، في حين أنّ القاعدة تفرض أن تُتخذ الإجراءات القضائية ضد من يخالف القانون بعد النشر وليس بشكل احترازي قبل النشر، وذلك في ظل غياب نصّ قانوني ينظم النشر الإلكتروني، وتطبيق القوانين الخاصة بالنشر عليه، خاصةً فيما يتعلق بالذم والقدح، وهنا الإجراءات القانونية ضد مرتكبي هذه الجريمة تكون بعد النشر وليس قبله".

وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية

النقيب رُهام سائد جبر مدير وحدة الجرائم الإلكترونية في الشرطة يقول: "نتيجة لارتفاع عدد ضحايا  الجرائم الإلكترونية والتي تتم من خلال الإنترنت شكلت الشرطة الفلسطينية بإيعاز من اللواء حازم عطا الله وحدة خاصة بالجرائم الإلكترونية، وبدأ التخطيط لذلك في مطلع العام الماضي، حيث تم تدريب كوادر خاصة من الشرطة على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الخاصة بالجرائم الإلكترونية، من خلال دورات خاصة".

الوحدة التي بدأت العمل فعلياً مطلع العام الجاري في الإدارة العامة للشرطة برام الله، لها ممثلون في جميع المحافظات،  حيث بدأ عمل الوحدة بالتزايد بعد تمكنها من حل الكثير من القضايا والوصول إلى مرتكبي الجرائم الإلكترونية من خلال الأجهزة والطرق الخاصة التي يتم استخدامها، يقول النقيب رُهام :" يقتصر عمل الوحدة على متابعة القضايا التي تتوجه الضحية فيها بتقديم الشكوى إلينا، حيث يتم العمل بسرية تامة للوصول للمجرم، الذي تعتمد سرعة الوصول إليه على ما يستخدم من برامج وأنظمة حماية، ففي حين يتم الكشف عن بعض المجرمين خلال ساعة، يستغرق الوصول لآخرين أسابيع عدة".

جبر الذي أكدّ على أنّ عمل الوحدة يهدف فقط لمتابعة القضايا وليس التجسس على المواطنين،  أشار إلى أنّ معظم القضايا التي تمت متابعتها جرى حلها من خلال اعتقال الجاني، وإعادة الصور، أو البريد الإلكتروني لصاحبه . يقول :" غياب التوعية هو السبب الرئيسي الذي يقف وراء تعرض الكثيرين لهذا النوع من الجرائم، والتي لا تقتصر على فئة واحدة وحسب، بل تطال العديد من الفئات، فمن المراهقين، للكتاب، والتجار، والمستثمرين، حتى أنها قد تطال الدول، من هنا جاءت فكرة الشراكة بين الوحدة وعدد من مؤسسات المجتمع المدني، حيث نعمل سوياً على نشر التوعية بالجرائم الإلكترونية، وكيفية الوقاية منها، وآلية  التوجه للوحدة في حال التعرض لها".

غياب وتكييف للقانون

نظرا لازدياد الجرائم المتعلقة بالإنترنت واستخداماته، شرعت بعض الدول والمنظمات الدولية والإقليمية بوضع تشريعات جنائية خاصة لمكافحة جرائم الإنترنت التي تعتبر ظاهرة مستحدثة في علم الإجرام، و في ظل الوضع القانوني المترهل الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية، وغياب تشريع خاص يتعلق بهذا النوع من الجرائم، يضطر القضاء لملاحقة هذه الجرائم عن طريق تطويع نصوص قانون العقوبات الحالي، وما ينطوي تحت لوائه من نصوص قانونية تتعلق بجرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة والابتزاز والسب والتشهير وغيرها، لتسري العقوبة التي تنص عليها هذه القوانين على مرتكبي الجرائم الإلكترونية المماثلة لهذه الجرائم على أرض الواقع، الأمر الذي قد يكون من السهل التحايل عليه من قبل الجناة ومحاميهم، لتنتهي معظم القضايا بالتراضي وفض النزاع قبل الوصول للمحكمة وهو ما قد لا يكون رادعاً للجاني . من هنا نقف أمام حاجة ماسة لاستصدار نص قانوني يتحدث عن الجرائم الإلكترونية  بشكل صريح أولاً، ويجرم الجناة ثانياً، وينص على العقوبات الكفيلة بردع المجرمين، وإعادة الحق للمعتدى عليهم.

النساء ضحايا من نوع خاص

ناهد أبو طعيمة، مسؤولة وحدة النوع الاجتماعي في مركز الإعلام في جامعة بير زيت، تقول:" نحن نواجه إشكالية خاصة نتيجة لحساسية قضايا النساء، وما نراه اليوم من جرائم إلكترونية ونسب عالية من التحايل على النساء من خلال الإنترنت ومواقعه المختلفة هو لانعدام المنظومة الأخلاقية والقيمية القادرة على ضبط سلوكيّات الكثيرين، تحديداً في ظل فضاء مفتوح، يؤمن لكلا الجنسين ما يحتاجانه من مساحة لإقامة علاقة، قد لا تكون متاحةً على أرض الواقع".

ناهد التي ترى أنّ تجاهل العديد من القضايا الاجتماعية كغلاء المهور، وعزوف الشباب من كلا الجنسين عن الزواج، ولجوء العديد منهم لعلاقات ضمن العالم الافتراضي، هي أحد العوامل التي تقف وراء الجرائم الإلكترونية، فالنساء والرجال في مجتمعاتنا يعانون من حالة إرباك اجتماعي لا يملكون أمامه سوى الاختباء، والعيش ضمن حالة من الازدواجية الفكرية والأخلاقية، ولأنّ المرأة هي الحلقة الأضعف اجتماعياً فهي من تحمل الوزر الأكبر لمثل هذه العلاقات، وهي من تكون الضحية في معظم الأحيان.

المؤسسات النسوية وحدها لا تقوى على الحدّ من تعرض النساء لهذا النوع من الجرائم، تقول ناهد:" المؤسسات النسوية ومؤسسات المجتمع المدني لا تستطيع وحدها الوقوف في وجه هذا النوع  من الجرائم، هي فقط يمكن أن تكون مرشدة، وتعمل على نشر الوعي لدى المجتمع والنساء بشكل خاص، لكننا نحتاج لتكاتف مجتمعي على جميع الأصعدة الرسمية وغير الرسمية من أجل الحدّ من وقوع مثل هذه الجرائم، والتي أرى أنها قد تكون مشكلة مرحلية في ظل دخولنا الجديد نسبياً لعالم الثورة المعلوماتية والإنترنت".