"أصوات من طوباس" لـ "الإعلام": النكسة تفتح أوجاع الثمانيني صوافطة

رام الله - دنيا الوطن
فتحت الحلقة (43) من سلسلة "أصواتمن طوباس" لوزارة الإعلام ذاكرة الثمانيني عزت محمد صوافطة على مصراعيها، فيالسنوية (49) لنكسة شعبنا واحتلال الضفة الغربية وغزة والجولان وشبه جزيرة سيناء.
وقص صوافطة الذي كان عريفاً في الجيش الأردني حكايةالنكسة كما عاشها حين كان يخدم في القدس، وقرر عدم النزوح إلى الضفة الشرقية، والعودةإلى عائلته في لطوباس مهما حدث،وسار على قدميه، وعاش عشرات المشاهد المحزنة.
حكايات مقدسية
يروي: خلت القدس من أهلها يوم احتلالها في السادس من حزيران، وأتذكر ما حدثحوالي الساعة الخامسة مساء، حين شنت القوات الإسرائيلية هجومًا على المدينة، ولاأنسى مهاجمة مركزنا في قرية بدو، فقد كانت لحظات عصيبة.
ووفق صوافطة، الذي أبصر النور عام 1930، فقد سلكت دوريات جيش إسرائيل طريققطنّة- أبو غوش، نحو الساعة السادسة والنصف مساءً، بعد الدخول من منطقة "الرادار"،فيما وقعت أعمال مقاومة في منطقة التي تعلو بدو فوق قرية القبيبة، في حين فتحالجيش الأردني النار من داخل المعسكر، وبحكم تفوق أسلحة الاحتلال، لم تدم المقاومةفي محيط المعسكر غير ساعة وربع.
يروي: في الصباح، شاهدت اليهود وهم يحتلون قطنةوالقبيبة، وأدركت أن البلاد سقطت، وقررت أن أخرج من المعسكر بمنطقة (خراب اللحم) ورافقنيالشاويش سليمان تركي من بيتنا قضاء نابلس، وأبو مجاهد من بورين (استشهد في اليومنفسه). وحين وصلنا منطقة قريبة من بدو، كان يحتمي شبان من الخليل بين الأشجار، ويريدونالتوجه إلى رام الله، ولا يستطيعون قطع الشارع؛ لوجود دورية للاحتلال على بعد نصفكيلو متر منهم في الجبل المقابل. وعندها التقيت بالجندي محمد عطوة من الكرك، ارتديناالزي المدني، حتى لا نكون صيدًا سهلاً لجيش للعدو.
قتل بدم بارد
وبحسب صوافطة، فإن أحد الشبان قطع الشارع، ونجا منالموت المحقق، ولم تتمكن منه الرصاصات الإسرائيلية، فتبعه زميله أبو مجاهد، لكنالرصاص أصابه في البطن واستشهد على الفور، وصار يسبح في دمه.
يتابع: قررتأن أمشى نحو الجنود بشكل مباشر، ولما وصلتهم شاهدت اثنين منهم عند المصفحة، وبدت منملامح وجه أحدهم ولسانه أنه بدوي، وما أن وصلته إلا واتهمني بأنني جندي عراقي،وطلبا مني أن أقف جانباً، فظننت أنه سيطلق عليّ النار، كما حدث لرفيقي.
واستنادًا لصوافطة، فبعد وقت قصير راح الجنديالبدوي يحاوره، ويتفحص رقبته، ويفتش ملابسه، ويسأله عن مهنته، وعلاقتة بالجيشالعراقي والأردني، إلا أنه أجاب بعمله في تنظيف بيوت المغتربين في شعفاط، ويود الذهابلعائلته في رام الله بسبب الحرب، فسمح لهبالمغادرة، ثم ردد سؤال: هل ستطلق عليّ النار كما فعلت بالرجل قبل قليل؟ فردبالعربية: لا، سندعك تذهب؛ لأنك لست من الجنود الذين نبحث عنهم.
لحظات عصيبة
يسترد: وصلت قرية عين عريك ليلاً، وشاهدت الناسيقفون بجانب مقبرة، وسألت عن شاب أعرفه ليرشدني إلى طريق لنابلس، والتقيت ثانية بالجنديالكركي الذي كان معي من قبل، فأرشدانا الأهالي إلى رجل يعمل بإحدى الكساراتالقريبة من القرية واسمه أبو فهمي، ولم يكن الرجل الذي نبحث عنه، ورغم ذلك استقبلناوقام بواجبنا.
يكملصوافطة: بتنا تلك الليلة، ودعانا إلى العشاء، وفي الصباح التالي، سمعت من الإذاعة الأردنيةسقوط البلاد، وشعرت بغصة في قلبي، ثم سألني المضيف عن مهنتي، فقلت إني عامل، فردعليّ بأنه يعرف الناس من وجوههم، وقال: أنت لست بعامل، وطلب مني الحقيقة، فقلت: إناعريف في الجيش الأردني، وأقصد العودة لأهلي في طوباس.
تناول صوافطة وصاحبه فطورهما، وطلب أن يهدي مضيفهشيئًا، وهو قلم بحبر باركر ذهبي نوع (51) إضافة إلى 25 ديناراًّ تبقت من راتبه، وهيكل ما في جيبه، لكن أبو فهمي رفض، وبكى؛ لأنه لم يساعده لأجل المال.
يوالي: سرنا نحو قرية عين قينيا، ثم قصدنا المزرعةالغربية، وحذرنا الأهالي من المرور عبر الطريق العريض، وحين وصل البلدة استضافنارجل اسمه أبو عطا، كان يعمل آذن مدرسة، وأمضينا عنده حتى الصبح. وقصدنا قريةعارورة، ووصلنا بالخطأ إلى قرية النبي صالح.
وبحسب الراوي، فخلال مسيرته في الطريق تصادف معسيدة سألته إن كانت يعرف والدها الجندي في الجيش الأردني سعيد حمدان، فأجابهابنعم. ثم شاهد رجلا وزوجته على سطح المنزل، ودعاه للغداء، لكن صاحب البيت ظلخائفًا منه، إلى أن سأله عن صديقه سعيد حمدان، فزال خوفه، وجلس قليلًا ثم توجه إلىقرية كوبر بمحاذاة بيرزيت، وبعدها إلى أم صفا، وشاهد دبابات إسرائيلية على مفرقسلفيت، ودخل طريق يتما، ومشى ساعتين ونصف في الوادي، ثم التقى بسيدة تملأ الماء مننبع القرية.
عطش ومنع تجول
يكمل: التقيت في يتما بعجوز، وسألتها عن صاحبي جميلعبد الحافظ ( عرفته أيام معركة السموع والمظاهرات التي أعقبتها)، فقالت: هذا ابنأمي وأبوي. ووصلت طريقي إلى بيتا، ووجدت رجلاً أعرفه من ميثلون بجنين، كان تحتشجرة في عطش شديد، وبحثت له عن ماء جلبتها من بئر، وأمضينا الليل في بيتا، ثم خرجتبمفردي لنابلس.
يتابع:قبل وصولي لمخيم بلاطة، سمعت مكبرات الصوت لجيش الاحتلال ترفع منع التجول منالسادسة صباحاً إلى السادسة مساءً، وتابعت السير لطوباس، وشاهدت سيارة عسكرية بها صلية رصاص ومحطم زجاجها، وشممت رائحةكريهة، والتفت إلى مكان قريب فوجدت الشرطي عطا الله توفيق صوافطة مقتولاً بقذيفةفي سيارته، قرب منطقة المعاريض قبل قرية الباذان، ولا أزال أتذكر مشهد قتلهوبجانبه علبة حلوى. وحين واصلت السير وجدت سيارة مدنية أخرى، وبجانبها سيدة مقتولةتلبس ثوبًا أحمر، وحين نزلت الوادي التقيت برجال من الباذان، تحدثنا قليلاً وتحسرنا كثيراً على بلادنا التي أصبحتمحتلة، وقلت لهم: هذه نكسة، وأتمنى أن نسمع مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة يعلنالانسحاب من الضفة الغربية وغزة.
ووفقالرواي، فقد تصادف برجل أسمر البشرة يرفعراية بيضاء، كان يطل من منطقة الفارعة، وأخبرني بأن الطريق سالكة، وهناك دبابة قربالمخيم، لكنها لا توقف المارة. ومضيت في طريقي، وقبل (خلة السنان) مشيت من جانب الدبابة، وكانالجنود يجلسون تحت سيارة عسكرية يبدو أنها مُعطلة، وقبل الوصول لمشارف مخيم الفارعة،رأيت بيوتًا من الخيش لعائلة الشيخ نجم، لم يكن أهلها بها، وحولها جنود احتلال من وحداتالمشاة، ولم يطلبوا مني الوقوف.
مشاهدمرة
يزيد: عندماوصلت عين الفارعة استرحت قليلاً، ومرت عدة حافلات لجنود الاحتلال، وتقابلت مع جنديمن جيش التحرير، ونصحني أن أغير وجهتي وألحق بأهلي إلى الأردن، فرفضت، ووصلتطوباس، ولم أجد في منزلنا غير والدي الذيكان رئيس البلدية، فقرر هو وبقيىة الأعضاء أن لا يخرجوا من طوباس، فطلب مني أن أبدلملابسي، وأجلس في البيت، وشاهدت الجنود وهم يحملون العتاد والوقود من عراق صوان (الكهف الكبير الموجود قرب منزلنا والذياستخدمه الجيش الأردني مخزناً) وبعد وقت قصير دخل جنود إسرائيليون إلى المنزل وفتشوه، ثم اقتادوا الناس إلى ساحة المدرسة،وصاروا يحققون معنا، وحين جاء دوري، سألني الجنود: ماذا تعمل؟ فقلت: في الزراعة،فلم يقتنعوا لأني يدي ليست خشنة. وسألونيعن مخازن الجيش، فأخبرتهم بأني أعرف أحدها، وقصدت المكان ذاته الذي سبق أن شاهدتهمفيه، فردوا: هذا نعرفه. نريد أمكنة أخرى. فأجبت: هذا فقط ما أعرفه.
وبحسبصوافطة، فقد اعتقل جنود الاحتلال والده، واقتادوه إلى معسكر الزبابدة، وأخبروه فيالطريق نيتهم تصفيته هو وأعضاء البلدية الآخرين، وغطوا عيونهم، وأخبروهم بعد يوممن الاحتجاز داخل اسطبلات الخيول، أن المكلفبإطلاق النار عليهم لم يأت بعد لقتلهم!
ينهي:حين عاد والدي من المعسكر، طلب مني أن أركب الفرس وألحق بعائلتي، فتوجهت وابن عميإلى مخاضة أبو السوس، وقبل أن أقطع النهر أقنعته أن يعود للبلد؛ لأنه لا يمكن أنيعمل شيئا في الضفة الشرقية، وسألتحق أنا بوظيفتي، فوافق، وأخبرني لاحقًا أنالجنود سرقوا حصاني وأبقوا على فرسه.
توثيقمرئي
بدوره، ذكرمنسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف أن الوزارة وثقت فيعمل مرئي قبل عامين قصة قرى طوباس، التي دمرها جيش الاحتلال في الأغوار كالساكوتوالدير وجباريس خلال نكسة عام 1967.
وأضاف: استطاعالفيلم الوثائقي أن يعيد رجال ونساء نزحوا من قراهم، وراحوا يفتشون لأول مرة عنبيوتهم ومزارعهم المصادرة، بعد مضي 47 عامًا على تهجيرهم منها.

فتحت الحلقة (43) من سلسلة "أصواتمن طوباس" لوزارة الإعلام ذاكرة الثمانيني عزت محمد صوافطة على مصراعيها، فيالسنوية (49) لنكسة شعبنا واحتلال الضفة الغربية وغزة والجولان وشبه جزيرة سيناء.
وقص صوافطة الذي كان عريفاً في الجيش الأردني حكايةالنكسة كما عاشها حين كان يخدم في القدس، وقرر عدم النزوح إلى الضفة الشرقية، والعودةإلى عائلته في لطوباس مهما حدث،وسار على قدميه، وعاش عشرات المشاهد المحزنة.
حكايات مقدسية
يروي: خلت القدس من أهلها يوم احتلالها في السادس من حزيران، وأتذكر ما حدثحوالي الساعة الخامسة مساء، حين شنت القوات الإسرائيلية هجومًا على المدينة، ولاأنسى مهاجمة مركزنا في قرية بدو، فقد كانت لحظات عصيبة.
ووفق صوافطة، الذي أبصر النور عام 1930، فقد سلكت دوريات جيش إسرائيل طريققطنّة- أبو غوش، نحو الساعة السادسة والنصف مساءً، بعد الدخول من منطقة "الرادار"،فيما وقعت أعمال مقاومة في منطقة التي تعلو بدو فوق قرية القبيبة، في حين فتحالجيش الأردني النار من داخل المعسكر، وبحكم تفوق أسلحة الاحتلال، لم تدم المقاومةفي محيط المعسكر غير ساعة وربع.
يروي: في الصباح، شاهدت اليهود وهم يحتلون قطنةوالقبيبة، وأدركت أن البلاد سقطت، وقررت أن أخرج من المعسكر بمنطقة (خراب اللحم) ورافقنيالشاويش سليمان تركي من بيتنا قضاء نابلس، وأبو مجاهد من بورين (استشهد في اليومنفسه). وحين وصلنا منطقة قريبة من بدو، كان يحتمي شبان من الخليل بين الأشجار، ويريدونالتوجه إلى رام الله، ولا يستطيعون قطع الشارع؛ لوجود دورية للاحتلال على بعد نصفكيلو متر منهم في الجبل المقابل. وعندها التقيت بالجندي محمد عطوة من الكرك، ارتديناالزي المدني، حتى لا نكون صيدًا سهلاً لجيش للعدو.
قتل بدم بارد
وبحسب صوافطة، فإن أحد الشبان قطع الشارع، ونجا منالموت المحقق، ولم تتمكن منه الرصاصات الإسرائيلية، فتبعه زميله أبو مجاهد، لكنالرصاص أصابه في البطن واستشهد على الفور، وصار يسبح في دمه.
يتابع: قررتأن أمشى نحو الجنود بشكل مباشر، ولما وصلتهم شاهدت اثنين منهم عند المصفحة، وبدت منملامح وجه أحدهم ولسانه أنه بدوي، وما أن وصلته إلا واتهمني بأنني جندي عراقي،وطلبا مني أن أقف جانباً، فظننت أنه سيطلق عليّ النار، كما حدث لرفيقي.
واستنادًا لصوافطة، فبعد وقت قصير راح الجنديالبدوي يحاوره، ويتفحص رقبته، ويفتش ملابسه، ويسأله عن مهنته، وعلاقتة بالجيشالعراقي والأردني، إلا أنه أجاب بعمله في تنظيف بيوت المغتربين في شعفاط، ويود الذهابلعائلته في رام الله بسبب الحرب، فسمح لهبالمغادرة، ثم ردد سؤال: هل ستطلق عليّ النار كما فعلت بالرجل قبل قليل؟ فردبالعربية: لا، سندعك تذهب؛ لأنك لست من الجنود الذين نبحث عنهم.
لحظات عصيبة
يسترد: وصلت قرية عين عريك ليلاً، وشاهدت الناسيقفون بجانب مقبرة، وسألت عن شاب أعرفه ليرشدني إلى طريق لنابلس، والتقيت ثانية بالجنديالكركي الذي كان معي من قبل، فأرشدانا الأهالي إلى رجل يعمل بإحدى الكساراتالقريبة من القرية واسمه أبو فهمي، ولم يكن الرجل الذي نبحث عنه، ورغم ذلك استقبلناوقام بواجبنا.
يكملصوافطة: بتنا تلك الليلة، ودعانا إلى العشاء، وفي الصباح التالي، سمعت من الإذاعة الأردنيةسقوط البلاد، وشعرت بغصة في قلبي، ثم سألني المضيف عن مهنتي، فقلت إني عامل، فردعليّ بأنه يعرف الناس من وجوههم، وقال: أنت لست بعامل، وطلب مني الحقيقة، فقلت: إناعريف في الجيش الأردني، وأقصد العودة لأهلي في طوباس.
تناول صوافطة وصاحبه فطورهما، وطلب أن يهدي مضيفهشيئًا، وهو قلم بحبر باركر ذهبي نوع (51) إضافة إلى 25 ديناراًّ تبقت من راتبه، وهيكل ما في جيبه، لكن أبو فهمي رفض، وبكى؛ لأنه لم يساعده لأجل المال.
يوالي: سرنا نحو قرية عين قينيا، ثم قصدنا المزرعةالغربية، وحذرنا الأهالي من المرور عبر الطريق العريض، وحين وصل البلدة استضافنارجل اسمه أبو عطا، كان يعمل آذن مدرسة، وأمضينا عنده حتى الصبح. وقصدنا قريةعارورة، ووصلنا بالخطأ إلى قرية النبي صالح.
وبحسب الراوي، فخلال مسيرته في الطريق تصادف معسيدة سألته إن كانت يعرف والدها الجندي في الجيش الأردني سعيد حمدان، فأجابهابنعم. ثم شاهد رجلا وزوجته على سطح المنزل، ودعاه للغداء، لكن صاحب البيت ظلخائفًا منه، إلى أن سأله عن صديقه سعيد حمدان، فزال خوفه، وجلس قليلًا ثم توجه إلىقرية كوبر بمحاذاة بيرزيت، وبعدها إلى أم صفا، وشاهد دبابات إسرائيلية على مفرقسلفيت، ودخل طريق يتما، ومشى ساعتين ونصف في الوادي، ثم التقى بسيدة تملأ الماء مننبع القرية.
عطش ومنع تجول
يكمل: التقيت في يتما بعجوز، وسألتها عن صاحبي جميلعبد الحافظ ( عرفته أيام معركة السموع والمظاهرات التي أعقبتها)، فقالت: هذا ابنأمي وأبوي. ووصلت طريقي إلى بيتا، ووجدت رجلاً أعرفه من ميثلون بجنين، كان تحتشجرة في عطش شديد، وبحثت له عن ماء جلبتها من بئر، وأمضينا الليل في بيتا، ثم خرجتبمفردي لنابلس.
يتابع:قبل وصولي لمخيم بلاطة، سمعت مكبرات الصوت لجيش الاحتلال ترفع منع التجول منالسادسة صباحاً إلى السادسة مساءً، وتابعت السير لطوباس، وشاهدت سيارة عسكرية بها صلية رصاص ومحطم زجاجها، وشممت رائحةكريهة، والتفت إلى مكان قريب فوجدت الشرطي عطا الله توفيق صوافطة مقتولاً بقذيفةفي سيارته، قرب منطقة المعاريض قبل قرية الباذان، ولا أزال أتذكر مشهد قتلهوبجانبه علبة حلوى. وحين واصلت السير وجدت سيارة مدنية أخرى، وبجانبها سيدة مقتولةتلبس ثوبًا أحمر، وحين نزلت الوادي التقيت برجال من الباذان، تحدثنا قليلاً وتحسرنا كثيراً على بلادنا التي أصبحتمحتلة، وقلت لهم: هذه نكسة، وأتمنى أن نسمع مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة يعلنالانسحاب من الضفة الغربية وغزة.
ووفقالرواي، فقد تصادف برجل أسمر البشرة يرفعراية بيضاء، كان يطل من منطقة الفارعة، وأخبرني بأن الطريق سالكة، وهناك دبابة قربالمخيم، لكنها لا توقف المارة. ومضيت في طريقي، وقبل (خلة السنان) مشيت من جانب الدبابة، وكانالجنود يجلسون تحت سيارة عسكرية يبدو أنها مُعطلة، وقبل الوصول لمشارف مخيم الفارعة،رأيت بيوتًا من الخيش لعائلة الشيخ نجم، لم يكن أهلها بها، وحولها جنود احتلال من وحداتالمشاة، ولم يطلبوا مني الوقوف.
مشاهدمرة
يزيد: عندماوصلت عين الفارعة استرحت قليلاً، ومرت عدة حافلات لجنود الاحتلال، وتقابلت مع جنديمن جيش التحرير، ونصحني أن أغير وجهتي وألحق بأهلي إلى الأردن، فرفضت، ووصلتطوباس، ولم أجد في منزلنا غير والدي الذيكان رئيس البلدية، فقرر هو وبقيىة الأعضاء أن لا يخرجوا من طوباس، فطلب مني أن أبدلملابسي، وأجلس في البيت، وشاهدت الجنود وهم يحملون العتاد والوقود من عراق صوان (الكهف الكبير الموجود قرب منزلنا والذياستخدمه الجيش الأردني مخزناً) وبعد وقت قصير دخل جنود إسرائيليون إلى المنزل وفتشوه، ثم اقتادوا الناس إلى ساحة المدرسة،وصاروا يحققون معنا، وحين جاء دوري، سألني الجنود: ماذا تعمل؟ فقلت: في الزراعة،فلم يقتنعوا لأني يدي ليست خشنة. وسألونيعن مخازن الجيش، فأخبرتهم بأني أعرف أحدها، وقصدت المكان ذاته الذي سبق أن شاهدتهمفيه، فردوا: هذا نعرفه. نريد أمكنة أخرى. فأجبت: هذا فقط ما أعرفه.
وبحسبصوافطة، فقد اعتقل جنود الاحتلال والده، واقتادوه إلى معسكر الزبابدة، وأخبروه فيالطريق نيتهم تصفيته هو وأعضاء البلدية الآخرين، وغطوا عيونهم، وأخبروهم بعد يوممن الاحتجاز داخل اسطبلات الخيول، أن المكلفبإطلاق النار عليهم لم يأت بعد لقتلهم!
ينهي:حين عاد والدي من المعسكر، طلب مني أن أركب الفرس وألحق بعائلتي، فتوجهت وابن عميإلى مخاضة أبو السوس، وقبل أن أقطع النهر أقنعته أن يعود للبلد؛ لأنه لا يمكن أنيعمل شيئا في الضفة الشرقية، وسألتحق أنا بوظيفتي، فوافق، وأخبرني لاحقًا أنالجنود سرقوا حصاني وأبقوا على فرسه.
توثيقمرئي
بدوره، ذكرمنسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف أن الوزارة وثقت فيعمل مرئي قبل عامين قصة قرى طوباس، التي دمرها جيش الاحتلال في الأغوار كالساكوتوالدير وجباريس خلال نكسة عام 1967.
وأضاف: استطاعالفيلم الوثائقي أن يعيد رجال ونساء نزحوا من قراهم، وراحوا يفتشون لأول مرة عنبيوتهم ومزارعهم المصادرة، بعد مضي 47 عامًا على تهجيرهم منها.
