تصريحات المجالي وإطلاق النار على الشكعة : بين الخيار الأردني وفصل غزة لا ضرورة لحكومة وحدة

تصريحات المجالي وإطلاق النار على الشكعة : بين الخيار الأردني وفصل غزة لا ضرورة لحكومة وحدة
كتب غازي مرتجى

تصريحات رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبدالسلام المجالي التي أطلقها من نابلس والتي تحدث فيها عن "كونفدرالية" فلسطينية - أردنية سبّبت صدمة كبيرة وأتبعها عدّة تقارير صحفية وتسريبات من مصادر غير مُعرفّة أو معروفة - وفُتح باب التصيّد من جهة والتملّق من جهات متعددة .

السيد المجالي الذي عاد وأكدّ أن تصريحاته كانت رأياً شخصياً  تحدث  خلال زيارته لنابلس قبل أسبوعين عن إمكانية إقامة اتحاد كونفدرالي بين الأردن وفلسطين بعد إقامة الدولة الفلسطينية .

في خضم هذه التصريحات كان قد نسقّ "غسان الشكعة" وهو الشخصية الوطنية المعروفة وعضو اللجنة التنفيذية زيارة رئيس الوزراء الأسبق لمدينة نابلس والتقى فيها مع وجهاء وعشائر وشخصيات عامة , بعد عشرة أيام أطلقت عناصر (قيل أنها مجهولة) النار على منزل الشكعة وأسفرت عن أضرار مادية .

مراكز القوى في الضفة انقسمت أمام تلك التصريحات فقد "رحّب" المواطنون وبعض الرموز الاقتصادية  بتلك التصريحات بشكل غير مُعلن , فالمواطن الذي ينظر الى السلطة بمعارضة دائمة والاقتصادي الذي يعتبر ان السلطة لم تُؤد دورها لتشجيعه على الاستثمار اعتبروا ان الخلاص من حالة الجمود المستمرة منذ ما يزيد عن عشرة أعوام هو بخيار الكونفدرالية التي تحدث عنها رئيس الوزراء الأسبق بإسهاب . أما مراكز القوى في بعض التنظيمات الفلسطينية وغالب رموز السلطة فقد نظروا إلى تلك التصريحات بعين من "الريبة" وقد يكون من المنطقي ربط إطلاق النار على منزل الشكعة باستقباله لرئيس الوزراء الأسبق والتنسيق لزيارته - من جهات نظرت بسلبية مُطلقة لتلك الزيارة- .

الباحث الاسرائيلي والخبير بنحاس عنباري تحدث بالتفاصيل عن العلاقات الفلسطينية الأردنية   زاعماً عن مخطط لانفصال الخليل عن السلطة المركزية في رام الله وتوتر في العلاقات بين الرئيس أبو مازن والملك عبدالله .

عند الحديث عن الوضع الداخلي في الضفة الفلسطينية تجد أن مدينة الخليل منزوعة النكهة السلطوية على الرغم من كونها أكبر المدن في الضفة بعدد السكان , ستجد أيضاً أن "موظفو" السلطة من الخليل قليل جداً بالمقارنة كما أنّ ممثلوهها في المراكز القيادية ليسوا كُثر , وتمتاز المدينة بالتجارة والعلاقات الثنائية الممتدة مع الأردن وحتى (غزّة) .. قد يكون "عنباري" استند إلى بعض من نقمة المواطنين على السلطة وهو أمر منطقي  حيث يعتبر المواطن في دول العالم الثالث معارضاً دوماً لأي سلطة طالما أنه لا يعمل بها .. لكن إشارة الباحث الاسرائيلي المعروف بعلاقاته الواسعة واطلاعه المُمتد تحتاج إلى وقفة من مراكز القرار سواء في حركة فتح أو في السلطة الفلسطينية والاهتمام بالخليل كمركز هام للتجارة والاقتصاد من جهة وخاصرة وطنية مهمة يُحاول الاستيطان تفكيكها وحصرها في زاوية التعايش الإجباري .

عودة إلى حديث السيد "المجالي" وما تتناقله قهاوي المسؤولين في السلطة أنّ "الأردن" قد دخل بقوّة في محاولة لترتيب الأوضاع الفلسطينية سواء على الصعيد الفتحاوي الداخلي أو العلاقة مع اسرائيل وحتى الحديث عن مصالحة داخلية مع حماس ,  الأردن هنا يؤدي دوره المنوط به هنا ولا يتصيّد - فكما انتفضت المملكة للتخفيف من آثار الحرب  الإسرائيلية الدموية على غزة فإنها تحاول وقف الحملات الاسرائيلية التي تُروج لانهيار السلطة ..  

لم تكُن فتح وفصائل منظمة التحرير تطمح يوماً لوجود فراغ هيكلي دستوري في مراكزها القيادية التي تكلسّت بفعل السنين , ووقفت كل الفصائل المنسية والتي لا تُشكّل حيزاً في الشارع ضد خطوة الرئيس أبو مازن لعقد مجلس وطني جديد وانتخاب لجنة تنفيذية أخرى وإعادة تفعيل قانون تأسيس السلطة (مجازا) بفعل الضغوط الاسرائيلية المستمرة , فالتفكير انصبّ على اعادة تفعيل المظلة الأكبر للسلطة الانتقالية (الحكم الذاتي) وهي اللجنة التنفيذية والمجلسين المركزي والوطني .. لكن بعض المنتفعين والفصائل اللامؤثرة وقفت بقوّة ضد هذا القرار وأفشلته بقوة   لقانون الذي تتشكل من خلاله أي لجنة تنفيذية وكذلك الوطني والمركزي .

التخطيط الإقليمي للوضع الفلسطيني الداخلي كله يعتمد على سياسات الاستفادة أو على الأقل -لا ضرار- في أي مرحلة تضطر فيها السلطة لتكون رئاستها شاغرة , وكل التخطيط الاقليمي وحتى "المال السياسي" المصروف يهدف لتقوية محاور ضد أخرى ومحاولة السيطرة على الوضع القادم .

عن الأردن فإن الملك عبدالله أعلنها مراراً أنّ فلسطين للفلسطينيين والأردن للأردن - وتفسير التدخل الأردني في أي ترتيب للوضع الفلسطيني الداخلي بأنه تدخل لهدف الكونفدرالية يأتي في سياق ترويج هذه الفكرة من بعض معارضي السلطة والمملكة في آن واحد .

إنّ الأردن لن يسمح بانهيار السلطة ولن يوافق مطلقا على اضعافها - وفي الوقت ذاته لن يقف متفرجاً في حال عمدت اسرائيل على فكفكة الضفة الفلسطينية كما يتم الترويج حالياً ضمن فكرة عدم وجود سلطة وضرورة تقسيم السلطة المركزية على غرار ما حدث مع غزة .

هُنا وفي حديث الكاتب الاسرائيلي عنباري فإنّ الاستفادة يجب أن تكون بضرورة التخطيط لاستمرار القرار الوطني الفلسطيني مستقلاً عن التجاذبات التي تحاول بعض الدول "اللعب" بها , فتلك الدولة تدعم هذه الشخصية بالمال وأخرى تُروّج لشخصية مقربة لها وثالثة تطمح للسيطرة على المفاصل .. وهكذا حتى أصبحنا ننادي بعض الشخصيات الفلسطينية بـ"المقربة من الدولة الفلانية" - واستمرار التجاذب الاقليمي والدولي والاسرائيلي حتى والترويج لسوداوية المرحلة المقبلة وإمكانيات الفراغ (القاتل) للحالة الفلسطينية في حال انفصال غزة رسمياً أو شغر منصب الرئاسة .. لن يكون بالصالح الفلسطيني العام وسيُعيد قضيتنا لما قبل الـ67 !

إن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية -رغم ما يشوبها (حالياً) من حالة تراجع سببها تغير الظروف والأحوال وموازين القوى الداخلية - كانت المنقذ الحقيقي للوطن من إبقائه رهينة للتجاذبات الإقليمية والدولية .. والحفاظ على كيان المنظمة يحتاج لقرار شُجاع يجب أن تقوم فتح باعتبارها التنظيم الأكبر بتبنّي ذلك , وهذا يحتاج لضمان انضمام حركتي حماس والجهاد إلى المنظمة وإعادة هيبتها محلياً وعربياً .  تفعيل المنظمة يفتح أمام القيادة الفلسطينية بكافة أطيافها واتجاهاتها خيارات متعددة  أهمها إمكانية الاستغناء عن خيار حل السلطة الفلسطينية بإعادة تفاصيل القرار للمظلة الأكبر واستعادة الدور القيادي المنوط بالمنظمة .

الحل الامثل والأفضل لن يكون بتشكيل حكومة وحدة وطنية كما تطالب الفصائل بل تفعيل منظمة التحرير وإعادة هيبتها والاتفاق على الصورة القيادية الفلسطينية الحالية والمستقبلية   - فانضمام حماس والجهاد لمنظمة التحرير يعني إبقاء العمل التنظيمي الداخلي منفصلاً  لكل التنظيمات الفلسطينية والالتزام بالخطوط المفصلية للحالة الوطنية العامة الذي ستقرره قيادة المنظمة في حال إقرار تفعيلها وإعادة هيكلتها .

نحن في مرحلة تحرر وطني وأي إنجازات على مستوى التنظيم أو الشخص هي انجازات "سلبية" في حال لم تُوجه في السياق الفلسطيني الجامع والعام - واستمرار الانقسام الفلسطيني الذي لم يقتصر على انقسام الجغرافيا بل وصل لانقسام الفكر والثقافة والانتماء- سيتسبب بمآسي مستقبلية لن تتمكن أي جهة من إنهائها إلاّ بتسليم الجمل بما حمل لـ"إسرائيل" .

لقد وصل الحال ببعض المواطنين في قطاع غزة للمطالبة بإعلان الانفصال عن "الوطن" رسمياً .. ولا أبالغ لو قلت ان المزاج العام في الضفة يتحدث عن ضرورة الانضمام لـ"الأردن" والإعلان عن كونفدرالية بين الجانبين بأي صورة كانت .. هذه الثقافة سببها الرئيس هو الانقسام الداخلي وضبابية المشهد الفلسطيني وحالة الجمود غير المبررة في السياسة الفلسطينية , وهي بالمناسبة أفكار غير منطقية لا عملية ولن يتجرّأ أي من أطرافها بالحديث عنها رسمياً .

الأردن الكبير بملكه وحكومته وشعبه هم أخوة الدم والعروبة مع كل الفلسطينيين -لا الضفة وحدها- فغزّة "هاشم" لا تعتبر الأردني كباقي العرب وإنما تعتبره جزء  أصيل من الحالة الفلسطينية الثورية في كل مراحلها التحررية , فالإيجابية الاردنية الرسمية مع القضايا الفلسطينية في غزة والضفة لم تكن يوماً بأهداف خفية كما بعض التدخلات وإنما انطلاقا من واجب أخلاقي تفرضه المملكة على نفسها.. الإساءة لهذه العلاقات تُعتبر جريمة والنظر إلى الأردن كباقي الدول لا يُغتفر - هذه العلاقات الرُوحية ستبقى كذلك دوماً دون كونفدرالية أو بها (اضطراراً) .

قيادة الشعب الفلسطيني بمختلف تنظيماته مُطالبة بوقف مهزلة الانقسام وشذوذية الوضع العام - الحفاظ على السلطة وتطوير بُنيتها لتصبح دولة مستقلة هو الأكثر إلحاحاً في المرحلة الحالية بدلاً من ثقافة الانقسام وتدمير ما تبقى من مؤسسات الدولة لنساعد الاحتلال في هدفه المعلن بإبقاء السلطة ضعيفة وهدمها في أي لحظة ! بعض الفصائل تساعد بتحقيق الهدف الاسرائيلي وهي لا تعلم (أو قد تكون) وتجعل الساحة الفلسطينية مفتوحة لتدخلات سلبية من كل الاتجاهات والجهات .