(تقرير خاص من عمّان) : عقب 68 عاماً من النكبة .. المخيمات الفلسطينية في الاردن تصارع البقاء !

رام الله - دنيا الوطن-يوسف الأخرس
عقب 68 عاما من النكبة الفلسطينية ، يعيش اللاجئون الفلسطينيون في المملكة الاردنية، بعشرة مخيمات باتت تجسد ذاكرة اجيال مضى منها ما مضى، وتوارث الابناء لاحقاً، مفاتيح "براكيات" الاباء والاجداد، املين ذات يوم، بان يعودوا لبلادهم التي هجروا منها، وما زالت ذاكرتهم المتوارثة عابقة بالشوق والحنين.
أكثر من 400 الف لاجئ مسجل بحسب بيانات (الأنروا) ، أي ما يقارب 18% من اجمالي اللاجئين المسجلين في الأردن والبالغ عددهم حوالي 4ر2 مليون نسمة . ثلاثة مخيمات منها غير رسمية، وأحياء سكانية عشوائية كثيرة وغير منظمة ، أفرزتها تبعات اللجوء تتشابه الى حد كبير مع المخيمات في بنيتها التحتية وظروفها المعيشية .
تأسست أربعة مخيمات بعد نكبة العام 1948 ، والأخرى بعد العدوان الصهيوني العام 1967 . وكانت المخيمات في بداية تأسيسها مكونة من الخيام التي عاش ساكنوها ظروف مؤلمة وغاية في القسوة ، وبهدف مقاومة الشتاء القارس تم استبدال الخيام بمساكن شبه جاهزة ، وهي عبارة عن وحدة من الصفيح أو الاسبست لا تزيد مساحتها عن 12 مترا مربعا ، وتحيط بها أرض خلاء بمساحة 84 مترا مربعا ، وقامت (الأنروا) بتأسيس منشآت في المخيمات من أجل المعونة الصحية والخدمات التعليمية والصحية .
وعلى مر السنين قام سكان المخيمات باستبدال مساكن وكالة الغوث بغرف من الطوب المسقوف بالزينكو ، ثم سمح لهم في منتصف ثمانينات القرن الماضي البناء بالاسمنت المسلح ، فيما سمح لهم في التسعينيات ببناء طابق ثان ، ليسمح لهم مجددا في العام 2012 ببناء طابق ثالث ، حيث لا تحتمل البنية التحتية أكثر من ذلك ، ولا يستطيع البناء أصلا سوى الممقتدر على ذلك . بوقيت مساحة المخيمات على ما هي عليه عند التأسيس ، لأنه غير مسموح لها الامتداد الأفقي لأراضي مملوكة لمواطنين ، وأغلب أراضي المخيمات هي مستأجرة بأجور زهيدة قديمة ، ويطالب الكثير من أصحابها الورثة بازالة بعضها واعادة الحال الى ما كان عليه .
على الرغم من حدوث تطورات أدت الى حدوث تحسينات في تلك المخيمات عبر السنين ، الا أنها تبقى تعاني من سوء البنية التحتية والخدمات الأساسية التي ظلت محدودة التطوير ، الا اذا تم رصد مبالغ كبيرة من أجل الازالة واعادة البناء والتحديث من جديد .
وشهدت المخيمات في العقدين الأخيرين من القرن الماضي طفرة سكانية نتيجة ارتفاع معدل الخصوبة لدى اللاجئين وعدم وجود وعي بضرورة تنظيم النسل ، فكلما زاد عدد أفراد الأسرة ، زادت افرازات الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية السلبية .
منظمة (الأنروا) التي تقوم بالتنسيق مع دائرة الشؤون الفلسطينية التابعة لوزارة الخارجية الأردنية ، ولجان تحسين المخيمات التي تعينها الدائرة في كل مخيم من الوجهاء وقادة المجتمع المحلي ، الذين يقومون بدورهم بما يشبه مهام المجلس البلدي ، ولكن بامكانيات وصلاحيات أقل .
ورغم أن الحكومات الأردنية المتعاقبة بذلت جهودا مختلفة في سبيل تحسين البيئة المعيشية والبنية التحتية في المخيمات ، وتقديم الخدمات الأساسية، خاصة بعد تراجع خدمات وكالة الغوث ووقف الكثير منها ، الا ان هذه الجهود تظل بالحد الأدنى من متطلبات تحسين الخدمات الأساسية التي تتآكل باستمرار .
وتتشابه المخيمات الفلسطينية في ظروف معيشتها، وتبقى الاشكاليات حاضرة بشكل حاد ، وتتنقل ما بين الفقر والبطالة والأمراض النفسية والصحية والاكتظاظ السكاني وسوء البنية التحتية والعشوائية وغياب المرافق العامة والمكاره الصحية بسبب الاهمال والنفايات .. ويدفع ضيق الوحدة السكنية أمام الزيادة الطبيعية وعائلات اللاجئين الممتدة الى التخبط في عملية البناء والتعديل والترميم ، وحتى السماح ببناء طابق ثالث في المخيمات لا يتناسب مع البنية التحتية ، ولا حتى الزيادة الطبيعية لعدد السكان ، الذين يضطر الكثيرون منهم لبيع بيوتهم بعقود غير مسجلة والشراء خارج المخيم بالارتهان للبنوك او الاستئجار الذي يستنزف مداخيلهم .
يعمل أبناء المخيمات في مختلف القطاعات والوظائف والحرف ، التي أهلت الكثير منهم للانتقال الى الطبقة الوسطى ومغادرة المخيم الى العيش في الأحياء والمدن القريبة ، ولكن أغلب من تبقى فيها من فئة محدودي الدخل ومعدوميه يصارعون قسوة الحياة في ظل ظروف تتراجنع فيها دخول أبناء المخيمات وتتأزم أحوالهم المعيشية في ظل أزمة اقتصادية خانقة يشهدها الأردن منذ سنين .
"دنيا الوطن" التي تجولت في مخيمات فلسطينية عدة، رصدت العديد من الصور، والتقت مع ابناء هذه المخيمات وهو مخيم البقعة الواقع على بعد 15 كيلو مترا من العاصمة عمان .
الحاجة الثمانينية عزيزة جابر جرّاح ، التي هجّرت من قريتها دير نخّاس/قضاء الخليل بعد نكبة العام ١٩٤٨ ، الى بلدة حلحول ، ثم أقامت في مخيم عين السلطان ، ثم لجأت بعد حرب حزيران ١٩٦٧ الى الأردن ، والتي تعيش الان في مخيم البقعة وحدها ، بعدما أبعدت الظروف القاسية الأبناء من حولها الى بلاد الإغتراب ، ورغم الترقب والإنتظار الذي يحاصرها من كل جانب ، لا زالت ذاكرتها المجهدة بأعباء السنين وأثقالها ، متقدة بالذكريات الجميلة عن قريتها دير نخاس ، قالت لـ"دنيا الوطن" وهي تحاول اخفاء دمعتها : (والله يا بنيي معشمة بوجه الكريم إني أعاود على واموت في بلدي دير نخّاس) .
السبعيني رحيل عبدالله الرشايدة ، هجّر من قريته عين جدي على ساحل البحر الميت شرق مدينة الخليل في العام ١٩٤٨، وأقام في قرية العوجا قرب أريحا ، ثم لجأ بعد عدوان ١٩٦٧ ، الى شرق الأردن وسكن غور نمرين ثم مخيم الكرامة في الغور الأوسط ، ثم انتقل بعد معركة الكرامة الى مخيم السخنة شرق مدينة الزرقاء ، ثم عاد ليقيم بشكل دائم في ذات المخيم شمال عمان .يؤكد أن أمله لم ينقطع يوما بالعودة الى قريته ، رغم أنها تبدو بعيدة ..

اما الحاج أبو العبد من قرية بسط الفالج قضاء طولكرم ، هاجر الى طلوزة ، ثم أقام في قرية الجفتلك شمال أريحا ، ثم لجأ الى الأردن بعد عدوان ١٩٦٧ ، يقول لـ"دنيا الوطن" التي سألته عن النكبة وعن أمله بالحياة فقال: املي أن أعود يومأً.. واضاف، يا ريت نرجع ، ربنا كريم ، وإذا ما رجعنا احنا، ان شاء يرجعوا أولادنا .

وفي احد أزقة المخيم، كانت الحاجة "أم أشرف" التي تستند على عكازات صناعية تساعدها على المشي، بعد سنوات طوال من تهجيرها واسرتها من قريتها " حمامة" /قضاء عسقلان ، التي احتلتها العصابات الصهيونية في العام ١٩٤٨ ، الى قضاء نابلس ، ثم الى مخيم البقعة في الأردن بعد عدوان ١٩٦٧، ورغم ذلك بدى الاصرار والعزيمة في السيدة العجوز، وهي تؤكد انها لم تقنط يوما من الأمل بالعودة ، وانها يوميا تسافر الى قريتها عبر ذاكرتها المتخمة بالحنين !

وتبقى المشكلات الخدمية التي يعاني منها أبناء المخيمات متعددة وفق تجار وصناعيين التقت بهم "دنيا الوطن"، منهم من تطرق للناحية التعليمية التي تعاني منها المدارس من اكتظاظ ونظام الفترتين ، وارتفاع عدد الطلبة في الغرفة الصفية الذي يصل أحيانا الى 65 طالبا .
وكذلك تطرق مواطنون من سكان المخيم، حول سوء مستوى النظافة في المخيمات ، وعدم توفير العدد اللازم من عمال النظافة ، وأحيانا حرق النفايات في أماكنها ، وضيق الزقاق والشوارع والمياه العادمة التي تفيض خاصة في الشتاء .
اما الخدمات الصحية التي تقدمها عيادات وكالة الغوث فهي ضعيفة ومحدودة من ناحية عدم وجود أطباء اختصاص وعدم توفر الدواء بشكل متواصل ، مما يدفع بأبناء اللاجئين الى التوجه الى العيادات الخاصة ذات الأجور العالية التي ترهق ميزانياتهم .
وعلى الرغم من الزيادة السكانية الطبيعية التي تقتضي زيادة الخدمات التعليمية والصحية وغيرها ، الا أن اللجوء السوري شكّل ضغطا اضافيا على سكان بعض المخيمات من خلال اقامة الكثير منهم فيها نظرا للايجارات المعقولة للبيوت المتواضعة فيها بالمقارنة مع المدن ، بالاضافة للوافدين الذين يعملون في المخيمات او في القرب منها ، مما يشكل عوامل ضاغطة على الخدمات بالاضافة الى التنافسية في فرص العمل المحدودة .
ومن أبرز المشكلات التي باتت تهدد أبناء المخيمات هي انتشار المخدرات وبؤر الجريمة بشكل كبير في ظل عدم وجود اجراءات حقيقية رادعة من قبل الجهات المسؤولة ، فيما يفتقد مجتمع المخيم الى الخدمات الترفيهية من حدائق وملاعب وساحات عامة .. فتضيق الشوارع بالأطفال والشباب الذين يملأونها صراخا وضجيجا .
أما في قطاع التعليم، يشكل ارتفاع الرسوم الجامعية عبئا مرهقا للأسر متوسطة ومحدودة الدخل تجبرها على الاستدانة ، بدون وجود فرص حقيقية للعمل والتوظيف ، مما يشكل عاملا أساسيا لاحباط الشباب وزيادة الرواسب النفسية لديهم ، وعزوفهم عن الزواج وارتفاع نسبة العنوسة بين الشباب من الجنسين .
عدا عن انتشار ظاهرة التسرب المبكر لكثير من الطلاب من مدارسهم ، للالتحاق بسوق العمل ضمن حرف مهنية ويدوية بسيطة لمساعدة أسرهم في تلبية الاحتياجات المعيشية ، ما يؤدي الى تعرض البعض منهم للاستغلال او الانحراف .
ويعاني أبناء المخيمات أكثر من غيرهم من سياسات الاقصاء والتهميش والتمييز في كثير من مجالات العمل والتوظيف والمؤسسات الادارية والأمنية للدولة .
أما الخصوصية الفردية لساكني المخيمات سواء كأسر او حارات فهي شبه معدومة، وتكون فئة الشباب والفتيات خصوصا تحت ضغط نفسي شديد ، ولا يستطيعون تكوين الذات ويشعرون أنهم تحت المراقبة ، مما يؤدي الى انخفاض الثقة بالنفس وتكوين خبرات فردية ، وتزيد الخلافات بين الأسر التي تصبح هشة رغم عيشها المشترك.
تحسين الخدمات وظروف الحياة وشروط العيش في المخيمات ، لا يتعارض مع حق العودة ولا يعني التفريط به ، فرغم قسوة الحياة ومرارة العيش ، يبقى حلم العودة أعز ما يتمنى تحقيقه اللاجئ الفلسطيني وخاصة ابن المخيم .
عقب 68 عاما من النكبة الفلسطينية ، يعيش اللاجئون الفلسطينيون في المملكة الاردنية، بعشرة مخيمات باتت تجسد ذاكرة اجيال مضى منها ما مضى، وتوارث الابناء لاحقاً، مفاتيح "براكيات" الاباء والاجداد، املين ذات يوم، بان يعودوا لبلادهم التي هجروا منها، وما زالت ذاكرتهم المتوارثة عابقة بالشوق والحنين.
أكثر من 400 الف لاجئ مسجل بحسب بيانات (الأنروا) ، أي ما يقارب 18% من اجمالي اللاجئين المسجلين في الأردن والبالغ عددهم حوالي 4ر2 مليون نسمة . ثلاثة مخيمات منها غير رسمية، وأحياء سكانية عشوائية كثيرة وغير منظمة ، أفرزتها تبعات اللجوء تتشابه الى حد كبير مع المخيمات في بنيتها التحتية وظروفها المعيشية .
تأسست أربعة مخيمات بعد نكبة العام 1948 ، والأخرى بعد العدوان الصهيوني العام 1967 . وكانت المخيمات في بداية تأسيسها مكونة من الخيام التي عاش ساكنوها ظروف مؤلمة وغاية في القسوة ، وبهدف مقاومة الشتاء القارس تم استبدال الخيام بمساكن شبه جاهزة ، وهي عبارة عن وحدة من الصفيح أو الاسبست لا تزيد مساحتها عن 12 مترا مربعا ، وتحيط بها أرض خلاء بمساحة 84 مترا مربعا ، وقامت (الأنروا) بتأسيس منشآت في المخيمات من أجل المعونة الصحية والخدمات التعليمية والصحية .
وعلى مر السنين قام سكان المخيمات باستبدال مساكن وكالة الغوث بغرف من الطوب المسقوف بالزينكو ، ثم سمح لهم في منتصف ثمانينات القرن الماضي البناء بالاسمنت المسلح ، فيما سمح لهم في التسعينيات ببناء طابق ثان ، ليسمح لهم مجددا في العام 2012 ببناء طابق ثالث ، حيث لا تحتمل البنية التحتية أكثر من ذلك ، ولا يستطيع البناء أصلا سوى الممقتدر على ذلك . بوقيت مساحة المخيمات على ما هي عليه عند التأسيس ، لأنه غير مسموح لها الامتداد الأفقي لأراضي مملوكة لمواطنين ، وأغلب أراضي المخيمات هي مستأجرة بأجور زهيدة قديمة ، ويطالب الكثير من أصحابها الورثة بازالة بعضها واعادة الحال الى ما كان عليه .
على الرغم من حدوث تطورات أدت الى حدوث تحسينات في تلك المخيمات عبر السنين ، الا أنها تبقى تعاني من سوء البنية التحتية والخدمات الأساسية التي ظلت محدودة التطوير ، الا اذا تم رصد مبالغ كبيرة من أجل الازالة واعادة البناء والتحديث من جديد .
وشهدت المخيمات في العقدين الأخيرين من القرن الماضي طفرة سكانية نتيجة ارتفاع معدل الخصوبة لدى اللاجئين وعدم وجود وعي بضرورة تنظيم النسل ، فكلما زاد عدد أفراد الأسرة ، زادت افرازات الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية السلبية .
منظمة (الأنروا) التي تقوم بالتنسيق مع دائرة الشؤون الفلسطينية التابعة لوزارة الخارجية الأردنية ، ولجان تحسين المخيمات التي تعينها الدائرة في كل مخيم من الوجهاء وقادة المجتمع المحلي ، الذين يقومون بدورهم بما يشبه مهام المجلس البلدي ، ولكن بامكانيات وصلاحيات أقل .
ورغم أن الحكومات الأردنية المتعاقبة بذلت جهودا مختلفة في سبيل تحسين البيئة المعيشية والبنية التحتية في المخيمات ، وتقديم الخدمات الأساسية، خاصة بعد تراجع خدمات وكالة الغوث ووقف الكثير منها ، الا ان هذه الجهود تظل بالحد الأدنى من متطلبات تحسين الخدمات الأساسية التي تتآكل باستمرار .
وتتشابه المخيمات الفلسطينية في ظروف معيشتها، وتبقى الاشكاليات حاضرة بشكل حاد ، وتتنقل ما بين الفقر والبطالة والأمراض النفسية والصحية والاكتظاظ السكاني وسوء البنية التحتية والعشوائية وغياب المرافق العامة والمكاره الصحية بسبب الاهمال والنفايات .. ويدفع ضيق الوحدة السكنية أمام الزيادة الطبيعية وعائلات اللاجئين الممتدة الى التخبط في عملية البناء والتعديل والترميم ، وحتى السماح ببناء طابق ثالث في المخيمات لا يتناسب مع البنية التحتية ، ولا حتى الزيادة الطبيعية لعدد السكان ، الذين يضطر الكثيرون منهم لبيع بيوتهم بعقود غير مسجلة والشراء خارج المخيم بالارتهان للبنوك او الاستئجار الذي يستنزف مداخيلهم .
يعمل أبناء المخيمات في مختلف القطاعات والوظائف والحرف ، التي أهلت الكثير منهم للانتقال الى الطبقة الوسطى ومغادرة المخيم الى العيش في الأحياء والمدن القريبة ، ولكن أغلب من تبقى فيها من فئة محدودي الدخل ومعدوميه يصارعون قسوة الحياة في ظل ظروف تتراجنع فيها دخول أبناء المخيمات وتتأزم أحوالهم المعيشية في ظل أزمة اقتصادية خانقة يشهدها الأردن منذ سنين .
"دنيا الوطن" التي تجولت في مخيمات فلسطينية عدة، رصدت العديد من الصور، والتقت مع ابناء هذه المخيمات وهو مخيم البقعة الواقع على بعد 15 كيلو مترا من العاصمة عمان .
الحاجة الثمانينية عزيزة جابر جرّاح ، التي هجّرت من قريتها دير نخّاس/قضاء الخليل بعد نكبة العام ١٩٤٨ ، الى بلدة حلحول ، ثم أقامت في مخيم عين السلطان ، ثم لجأت بعد حرب حزيران ١٩٦٧ الى الأردن ، والتي تعيش الان في مخيم البقعة وحدها ، بعدما أبعدت الظروف القاسية الأبناء من حولها الى بلاد الإغتراب ، ورغم الترقب والإنتظار الذي يحاصرها من كل جانب ، لا زالت ذاكرتها المجهدة بأعباء السنين وأثقالها ، متقدة بالذكريات الجميلة عن قريتها دير نخاس ، قالت لـ"دنيا الوطن" وهي تحاول اخفاء دمعتها : (والله يا بنيي معشمة بوجه الكريم إني أعاود على واموت في بلدي دير نخّاس) .

السبعيني رحيل عبدالله الرشايدة ، هجّر من قريته عين جدي على ساحل البحر الميت شرق مدينة الخليل في العام ١٩٤٨، وأقام في قرية العوجا قرب أريحا ، ثم لجأ بعد عدوان ١٩٦٧ ، الى شرق الأردن وسكن غور نمرين ثم مخيم الكرامة في الغور الأوسط ، ثم انتقل بعد معركة الكرامة الى مخيم السخنة شرق مدينة الزرقاء ، ثم عاد ليقيم بشكل دائم في ذات المخيم شمال عمان .يؤكد أن أمله لم ينقطع يوما بالعودة الى قريته ، رغم أنها تبدو بعيدة ..

اما الحاج أبو العبد من قرية بسط الفالج قضاء طولكرم ، هاجر الى طلوزة ، ثم أقام في قرية الجفتلك شمال أريحا ، ثم لجأ الى الأردن بعد عدوان ١٩٦٧ ، يقول لـ"دنيا الوطن" التي سألته عن النكبة وعن أمله بالحياة فقال: املي أن أعود يومأً.. واضاف، يا ريت نرجع ، ربنا كريم ، وإذا ما رجعنا احنا، ان شاء يرجعوا أولادنا .

وفي احد أزقة المخيم، كانت الحاجة "أم أشرف" التي تستند على عكازات صناعية تساعدها على المشي، بعد سنوات طوال من تهجيرها واسرتها من قريتها " حمامة" /قضاء عسقلان ، التي احتلتها العصابات الصهيونية في العام ١٩٤٨ ، الى قضاء نابلس ، ثم الى مخيم البقعة في الأردن بعد عدوان ١٩٦٧، ورغم ذلك بدى الاصرار والعزيمة في السيدة العجوز، وهي تؤكد انها لم تقنط يوما من الأمل بالعودة ، وانها يوميا تسافر الى قريتها عبر ذاكرتها المتخمة بالحنين !

وتبقى المشكلات الخدمية التي يعاني منها أبناء المخيمات متعددة وفق تجار وصناعيين التقت بهم "دنيا الوطن"، منهم من تطرق للناحية التعليمية التي تعاني منها المدارس من اكتظاظ ونظام الفترتين ، وارتفاع عدد الطلبة في الغرفة الصفية الذي يصل أحيانا الى 65 طالبا .
وكذلك تطرق مواطنون من سكان المخيم، حول سوء مستوى النظافة في المخيمات ، وعدم توفير العدد اللازم من عمال النظافة ، وأحيانا حرق النفايات في أماكنها ، وضيق الزقاق والشوارع والمياه العادمة التي تفيض خاصة في الشتاء .
اما الخدمات الصحية التي تقدمها عيادات وكالة الغوث فهي ضعيفة ومحدودة من ناحية عدم وجود أطباء اختصاص وعدم توفر الدواء بشكل متواصل ، مما يدفع بأبناء اللاجئين الى التوجه الى العيادات الخاصة ذات الأجور العالية التي ترهق ميزانياتهم .
وعلى الرغم من الزيادة السكانية الطبيعية التي تقتضي زيادة الخدمات التعليمية والصحية وغيرها ، الا أن اللجوء السوري شكّل ضغطا اضافيا على سكان بعض المخيمات من خلال اقامة الكثير منهم فيها نظرا للايجارات المعقولة للبيوت المتواضعة فيها بالمقارنة مع المدن ، بالاضافة للوافدين الذين يعملون في المخيمات او في القرب منها ، مما يشكل عوامل ضاغطة على الخدمات بالاضافة الى التنافسية في فرص العمل المحدودة .
ومن أبرز المشكلات التي باتت تهدد أبناء المخيمات هي انتشار المخدرات وبؤر الجريمة بشكل كبير في ظل عدم وجود اجراءات حقيقية رادعة من قبل الجهات المسؤولة ، فيما يفتقد مجتمع المخيم الى الخدمات الترفيهية من حدائق وملاعب وساحات عامة .. فتضيق الشوارع بالأطفال والشباب الذين يملأونها صراخا وضجيجا .
أما في قطاع التعليم، يشكل ارتفاع الرسوم الجامعية عبئا مرهقا للأسر متوسطة ومحدودة الدخل تجبرها على الاستدانة ، بدون وجود فرص حقيقية للعمل والتوظيف ، مما يشكل عاملا أساسيا لاحباط الشباب وزيادة الرواسب النفسية لديهم ، وعزوفهم عن الزواج وارتفاع نسبة العنوسة بين الشباب من الجنسين .
عدا عن انتشار ظاهرة التسرب المبكر لكثير من الطلاب من مدارسهم ، للالتحاق بسوق العمل ضمن حرف مهنية ويدوية بسيطة لمساعدة أسرهم في تلبية الاحتياجات المعيشية ، ما يؤدي الى تعرض البعض منهم للاستغلال او الانحراف .
ويعاني أبناء المخيمات أكثر من غيرهم من سياسات الاقصاء والتهميش والتمييز في كثير من مجالات العمل والتوظيف والمؤسسات الادارية والأمنية للدولة .
أما الخصوصية الفردية لساكني المخيمات سواء كأسر او حارات فهي شبه معدومة، وتكون فئة الشباب والفتيات خصوصا تحت ضغط نفسي شديد ، ولا يستطيعون تكوين الذات ويشعرون أنهم تحت المراقبة ، مما يؤدي الى انخفاض الثقة بالنفس وتكوين خبرات فردية ، وتزيد الخلافات بين الأسر التي تصبح هشة رغم عيشها المشترك.
تحسين الخدمات وظروف الحياة وشروط العيش في المخيمات ، لا يتعارض مع حق العودة ولا يعني التفريط به ، فرغم قسوة الحياة ومرارة العيش ، يبقى حلم العودة أعز ما يتمنى تحقيقه اللاجئ الفلسطيني وخاصة ابن المخيم .