"ذاكرةلا تصدأ" لـ"الإعلام" و"اللجنة الشعبية" سبع شهادات مرئية ترصد مرارة النكبة
رام الله - دنيا الوطن
خصصت وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوارالشمالية واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة الحلقة الـ(50) من سلسلة "ذاكرةلا تصدأ" لشهادات وثقت بالصوت والصورة حكاية اللحظات الأخيرة للنزوح عن حيفاويافا وصبارين والكفرين وشحمة وبعلين وقاقون، بالتزامن مع السنوية الـ(68) للنكبة.
خصصت وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوارالشمالية واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة الحلقة الـ(50) من سلسلة "ذاكرةلا تصدأ" لشهادات وثقت بالصوت والصورة حكاية اللحظات الأخيرة للنزوح عن حيفاويافا وصبارين والكفرين وشحمة وبعلين وقاقون، بالتزامن مع السنوية الـ(68) للنكبة.
عشق الكفرين في الشريط الأول يقص أحمد عبد الله دغمان: أنا من سكانالكفرين قضاء حيفا، وكأنها اليوم أمامي ولا زلت أسكنها.
ورسمت لها خارطة لمحبتيببلدي ووطني، وأوصيت بأن تكون ذكرى لأولادي وأحفادي، وفيها تضاريس الكفرين وأهلبلدي ومنازل عائلات: عبد الجواد، وسرحان، وأبو سريس، وصالح، وأبو النهيا، وغيرهم.
يتابع: عندما هجرونا من قريتنا، ذهبنا إلى أم الفحم، وأقمنافي بيوت شعر، ولجأنا إلى قرية معاوية، ولما وصلناها صار اليهود يهدمون ببيوتهافخرجنا نحن وأهل معاوية معًا، ثم انتقلنا لمخيم جنزور غرب قبور الشهداء في بلدةقباطية، واليوم نحن هنا في الفارعة ننتظر العودة.
قهر صبارين فيما يبوح سعيد محمد عبد الهادي بلحية بيضاء وتجاعيد عميقة:أنا من صبارين قضاء حيفا، كنا نشتغل بالزراعة ونربي الماشية، ولما سمعنا عن مذابحدير ياسين وبدأت عصابات اليهود تهجم علينا خرجنا من البلد، وهذا ما حدث فيالسنديانة، وأم الشوف، وأم الزينات، وغيرها.
من رواية عبد الهادي، فقد لحقت العصابات الصهيونية أهاليصبارين، واعتقلوا 15 من رجالها وأوقفوهم صفًا واحدًا وأطلقوا عليهم النار. فيماعاد هو وأخ أحد الشهداء للبحث عن الجثث، فلما وصلا ليلًا، شاهدهم المحتلون منبعيد، واستنفروا للبحث عنهم، ولولا صعودهما على شجرة كبيرة لانضموا إلى من يبحثونعن جثامينهم. ألم يافا ويسرد محمد سعيد الخطيب بكوفية حمراءووجه تكسوه لحية بيضاء: أنا من سكان يافا، وولدت فيها عام 1936، وكان جدي يعمل في المحكمة الشرعية،ووالدي معلمًا في مدرسة النهضة.
وكان الإنجليز يحضرون الشاحنات لتشجيعنا على تركمدينتنا، ويقفون في صفين من بيت شجان إلى تل أبيب إلى صرفند، لكننا رفضنا الخروج. كان الخطيب شاهدًا على معارك يافا، ونفاذ ذخيرةمقاتليها، وانضمام عدد من المتطوعين المسلمين من يوغسلافيا للقتال فيها إلى جانبالمدافعين عنها.
ومما لا ينساه الهجمات على ثكنات أبو كبير وتل الريش وسقوط العديدمن الشهداء. يضيف: شاهدت اليهود وهم يحملون رؤوس مناضلين مقطوعة،ويمشون في شوارع يافا والمنشية لتخويف الناس وإجبارهم على الرحيل. وجع بعلين وتقدم زينب حسن جوابرة حكاية الخروج من بعلين، فتروي: كانتتجاورنا قرى تل الصافي، وبرقوسة، وصميل، والجسير، ولما وقعت النكبة، وسمعنا عن أحداثتل الصافي، فاجتمع الرجال وقرروا أن نخرج، فوضعوا الأطفال في عربات الخيول، وخرجتالنساء برفقة بعض الرجال لحراستهن، وظل الباقي في البلد. وبحسب جوابرة، فإنه وخلال الخروج في عتمة الليل، كانت أمها تسير وبجنبها أولادها وبناتها على الجهةالأخرى، وطفلها الصغير على رقبتها، ورضيعها ابن الأربعين يومًا في حضنها.
وبعد وقت، سألت الأم زينب عن أخيها في الجهة الخرى، فقالت له إنه اختفى، ولم يعد يمسكبثوبها. حنين شحمة وتبوح آمنة يوسف أبو هنية: أنا من قرية شحمة، وبلدتناكانت مشهورها بخيراتها، ولما اعتقل اليهود ابن عمي ذهب أخي إلى المعكسر، ووضعالتراب في عيني جندي وخطف سلاحه، فطوقنااليهود، وخاف الناس، وخرجنا من طريق عجور، ولحقوا بنا، وأطلقوا النار علينا، حتىونحن نأكل الطعام. ومما يلتصق بذاكرتها، كيف أن الطائرات صارت تضرب الفارينمن شحمة، وتوقع الشهداء منهم، فيما غفلت إحدى نساء القرية من الهلع عن حمل رضيعها،فأخذت بدلًا منه المخدة، وبعد أن انتبهت إلى مصيبتها أخذت تصرخ وتبكي وفقدت عقلها. رعب قاقون ويروي عبد الرزاق حسين قوزح: ولدت في قاقون قضاء طولكرم،وكان اليهود يهجموا على قريتنا، وفي أيار عام 1948 شنوا هجمات كثيرة علينا، وأذكركيف أن والدي حذر الأهالي من عدم التجمهر، خشية القنابل، وفي أحدى المرات، كماأخبره والده، أطلقوا قذيفتين من جهة بيارة النافع، وقتل نحو 40 من أهل قاقون معغروب الشمس، وأجبر الناس على الرحيل من دون دفن الجثامين.
ظل الراوي يسير بقطيع الماشية إلى أن وصل إلى قريةشويكة، وعاد أخوته للبلد لإحضار الأطفال والنساء، وركب الكبار في السن على عربة خيل، وذهبوا إلى عمتهمفي عتيل. أحزان أم الزينات وتقُطر شهادة أحمد محمد أبو طربوش حزنًا، وهو يروي قصته:
ولدت في أم الزينات عام 1936، وعشت طفولتي قرب جبال الكرمل، ولا أنسى هجومالعصابات اليهودية علينا آخر الليل، ولم يكن في القرية أسلحة، وهرب الأهالي من شدة الخوف، وسمعنا كيفقتلوا الناس في بيوتهم بدم بارد.
فر أبو طربوش مع عائلته، ولما وصلوا قرية أم الشوف،راحوا يبحثون عن الماء، وحين اقتربوا من بئرها شاهدوا سبعة من عائلة دبور يسبحونفي دمهم، ولم يسلم جملهم من الذبح.
قهر الفالوجا ويبوح محمد صالح العرجا: ولدت في الفالوجا عام 1934،وكانت بلدتنا قريبة من المدن، وفيها بلدية وسوق تجاري كبير يعقد كل خميس ( اسمهسوق البرّين). ولما وقعت النكبة ذهبنا إلى بلدة الدوايمة في يوم جمعة، ولما وصلناسمعنا عن مذبحة وقعت في مسجدها قبل صلاة الظهر. وبحسب العرجا، فقد حاصر الاحتلال بلدته ستة أشهر، وظلتدون طعام وشراب، وقاتل الجنود المصريون فيها طويلاً، وشاهد أبنه عمه محمد صالح شحادة يموت أمامه بعد إصابته بشطاياقذيفة، وحاول انقاذه وظلت أمعاؤه تتحرك. ولا ينسى الجندي المصري الذي كان يأكل الحمص، قبل أن تصله قذيفة تفصل رأسه عن جسده.
مرارة حيفا وتعود رابعة رشيد أبو يونس( توفيت في شباط الفائت) إلىحيفا فتقول: ولدت في 13 تشرين الثاني 1933، وسكنا حي الحليصة، وأقام جدي مسجدًاومنزلاً، وكان بيتنا مقابل الهادار، وراح اليهود يطلقون النار على المسجد وكل منيدخل إليه أو يخرج منه، واستشهد الإمام.
تتابع: تعرض بيتنا قبل النكبة لهجمات الإنجليز بحثًا عنجدي، واعتقلوا والدي مكانه، وظلت أمي وقتالنكبة بمفردها، وقررت أن نخرج، قذهبنا إلى يعبد في جنين، ولا أنسى حيفا وبيتنا وعائلتناوبحرنا.
شهادات شفوية بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلفإلى أن "ذاكرة لا تصدأ" لم تكتف خلال السنوات الأربع الماضية بسرد لحظات الاقتلاع القاسية، بل تعدته للحديث عن المدن والقرى المدمرة وحياتها الاجتماعية، وأفراحها،وزراعتها، ومدارسها، ومواسمها، وأعيادها، ومهنها، وعائلاتها، وحكاياتها الشعبية،وبيوتها، وأسواقها، وأحزانها، وأطباقها.
وأضاف أن السلسلة المرئية تعد وثيقة، وبخاصة أن خمسة منحُراس الذاكرة غيبهم الموت، بعد تسجيل شهاداتهم المحكية.