بالفيديو .. أم شهداء الشمعة الثلاثة : أولادي تفحموا !

بالفيديو .. أم شهداء الشمعة الثلاثة : أولادي تفحموا  !
محمود هنية 
على ضوء الشمعة، تجمع أطفال محمد أبو هندي في فراش النوم، يراجعون تفاصيل رحلتهم على شاطئ مدينة غزة، بينما تستمع والدتهم لضحكاتهم المتلاحقة كموج البحر الذي جمعهم قبل ساعات.   

ككل يوم جمعة، أخذ محمد أبو هندي عائلته للجلوس على بحر غزة؛ هربا من عتمة البيت، وارتفاع درجات حرارته؛ في ظل انقطاع التيار الكهربائي طيلة ساعات اليوم، وغادر الشاطئ حينما غرُبت الشمس، ولم يكن يعلم أنها ستأخذ برفقتها ثلاثة من أبناءها الذي يتابعون غيابها برفقته. 

عاد محمد من وسع البحر إلى ضيق المنزل، وصعوبة الحياة الاقتصادية منذ سنوات طويلة ، أدّت بهم إلى السكن في بهو منزل "بدروم" أرضي في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والذي كان مقبرةً لأبناءهم في حياتهم، قبل موتهم.  

نيرانٌ اشتعلت وسط عتمة سادت زقاق المخيم، لتحرق الغرفة التي تجمعوا فيها، إذ لم تشفع لهم ضحكاتهم، ولا حب أمهم التي تسايرهم الحديث البريء، لتحرق ثلاثة أطفال، رهف تبلغ عامين وشقيقتها يسرا 3 أعوام وشقيقهما ناصر الرضيع. 

 ضحايا الحصار أو الظلم الواقع على غزة من العدو والقريب أيضا، مشهد مروع من مسلسل لم تنته حكايته بعد في قطاع لم ينفك أن يعيش أقسى مشاهد الموت حرقًا بفعل غياب الكهرباء واستمرار الحصار. 

ورغم أن سكان قطاع غزة تغلبوا على عتمة الليل، بإضاءة منازلهم ببدائل عن الشمع، عبر  وسائط بدائية أخرى، إلا أن فقر عائلة ابو هندي المدقع حال دون تمكنها اصلا من تحقيق حياة كريمة لأطفال التهمهم الفقر والجوع والحرمان، كما يروي جيرانهم.

 وكما التقوا في المنزل، جمعتهم إحدى زوايا ثلاجة الموت في مستشفى الشفاء، إلا أن صوت ضحكاتهم قد غاب، دون عودة، ليعلوا السواد أرجاء أجسادهم، اجتمعوا جثثا متفحمة لا يقوى ذو قلبٍ على النظر إليها. 

وفي الغرفة المجاورة لثلاجة الموتى، كان شقيقهما في حالة بين المتوسطة والخطيرة، إلى جانب والديهما، وهناك دوى صراخ الأم الثكلى أرجاء المستشفى، دون وعي، تبحث عن أبناءها، عن ضحكاتهم، تفاصيل حديثهم، مناداتهم لها "لماذا تأخرتي يا ماما في تجهيز العشاء؟". 

لا يجيبها أحد عندما تنادي "وين أولادي؟ بدي أشوف رهف، أسمعوني صوت يسرا، أريد أن أُرضع ناصر"، بعد أن أبلغوها أنهم بخير، ومصابون بحروق بسيطة!، وكذلك الأب الذي أبلغوه بأن أبناءه يعالجون في قسم الباطنة، ولم يكتشفوا الحقيقة إلى حين كتابة هذه السطور. 

صرخات الأم قد وصلت جثامين أبناءها، من قسم الاستقبال في المستشفى إلى ثلاجة الموتى، يريدون أن يجيبوها كما اعتادوا سماع كلامها، إذ روت جزءًا من الحكاية، وهي تقول أنها تركت ابناءها لتجهز لهم عشاءً بعد رحلة البحر، ما هي إلا دقائق حتى عادت لتجد النار سبقت العشاء إليهم، لكنها لم تيقن أنهم في عداد الموتى، أمام حديث الحاضرين لها بأنهم بخير، عبثًا يحاولون تهدئة روعها! أمّا الأب محمد، الذي غادر  المنزل قبل الحريق بدقائق، عاد إليه  حينما بدأت  تتصاعد النيران من داخل البيت، وقتها فقد الوعي ولم يعرف حتى اللحظات الأخيرة ان أطفاله غادروا الدنيا دون وداع .

كان جميع من يتواجد في المستشفى من جيران أبو هندي، حريصين أن لا يعلنوا حقيقة وفاة أبناءه الثلاثة، ولكنها  تسربت إلى قلب أمهم بصراخاتها المتكررة " اولادي تفحموا قلبي حاسسني أنهم ميتين".


 

عن الرسالة