لماذا فقد ثلث الشباب الفلسطيني الثقة بالتنظيمات ؟

لماذا فقد ثلث الشباب الفلسطيني الثقة بالتنظيمات ؟
بقلم د. وليد القططي

في استطلاع جديد للرأي قام به مركز القدس للإعلام والاتصال أظهر أن نسبة 35.5 في المئة من الشباب الفلسطينيين في الضفة والقطاع لا يثقون بالتنظيمات السياسية الفلسطينية , وأن نسبة 35.7 في المئة منهم لا يثقون بأحد من الشخصيات التنظيمية  الفلسطينية , أي أن حوالي ثلث الشباب في المجتمع الفلسطيني قد فقدوا الثقة بالتنظيمات والشخصيات التنظيمية , وهي نسبة كبيرة في مجتمع يشكل الانتماء السياسي الحزبي أهم ملامحه , ولدى شعب لعبت فيه هذه التنظيمات دوراً مركزياً في قيادة نضاله الوطني لعشرات السنين على مدار سنوات الصراع الطويلة مع الكيان الصهيوني , وهي مؤشر خطير لتراجع دور هذه التنظيمات كوعاء يستوعب طاقات الشباب وإعادة توظيفها في النضال الوطني التحرري . فلماذا جاءت هذه النسبة المرتفعة نسبياً من عدم الثقة بهذه التنظيمات لدى الشباب الذين يُعتبرون عمادها ورافدها الذي لا ينضب ؟

إن فئة الشباب هم الفئة الأكثر تضرراً والأشد تأثراً بالوضع المأساوي الناتج عن الاحتلال والانقسام , فجيل الشباب الحالي في جُلهم ولدوا بعد اتفاقية أوسلو ونشأوا جميعاً في ظل السلطة الفلسطينية التي أفرزتها هذه الاتفاقية , وأن هذه الاتفاقية والسلطة كمشروع منبثق من رؤية سياسية وفكر سياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية أو من يمسك بزمام القرار فيها يفترض امكانية تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني المُعّدل عبر المفاوضات المباشرة والضغط الدولي , وكانت اتفاقية وسلطة أوسلو هي البوابة التي يفترض أن يمر عبرها المشروع الوطني الفلسطيني المُختزل , وبعد سنوات التيه والضياع الطويلة في دهاليز أوسلو المظلمة اتضح أن هذا المشروع لا يمكن أن يُمر عبر تلك البوابة إلا إذا دخل الجمل في سم الخياط , فكانت انتفاضة القدس التي فجرّها الشباب تجسيداً حياً لتلك القناعة التي تدل على فقدان الثقة بمشروع أوسلو وتوابعه , وكذلك فقدان الثقة بمن صنع مشروع أوسلو من تنظيمات وشخصيات , وذلك المشروع الذي لم يفشل فقط في تحقيق الحلم الوطني الفلسطيني , بل وفي تحقيق أحلام الشباب الفردية الخاصة البسيطة التي تحطّمت على صخرة أوسلو التي كرّست الاحتلال وزادت الاستيطان وانتجت الانقسام .

فاتفاقية وسلطة اوسلو إضافة إلى انها استُخدمت من قبل ( اسرائيل ) كغطاء للاحتلال وتوسيع الاستيطان , فهي المسؤولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن انتاج الانقسام الفلسطيني بعد أن وضعت عربة الكيان الوطني الفلسطيني أمام حصان التحرير , فأقامت سلطة وطنية على أرض محتلة , فكانت تلك السلطة والصراع عليها من أهم ملامح الانقسام الفلسطيني , ذلك الانقسام الذي أفرز شرخاً عمودياً وآخراً أفقياً في المجتمع الفلسطيني , فكان للانقسام دور في ارتفاع وتيرة الاستقطاب الحزبي والتفكك الاجتماعي والتدهور الاقتصادي – خاصة في غزة المحاصرة – فنتج جيل كامل من الشباب البؤساء الذين اصطدمت طموحاتهم بصخرتي الاحتلال والاستيطان , وأُحبطت أهدافهم أمام سد الحصار الظالم , وتوّقف قطار حياتهم عند محطة الانقسام النكد التي لم نستطع مغادرتها إلى محطة الوحدة الوطنية , وضاعت أحلامهم في دهاليز المناكفات السياسية وأزقة الردح السياسي المتبادل بعد كل جولة مفاوضات فاشلة للمصالحة  ... فكان الانقسام إضافة إلى فشل أوسلو في إنهاء الاحتلال والاستيطان سبباً آخراً لفقدان ثقة الشباب بمن صنع أوسلو والانقسام .

وإذا انتقلنا إلى مستوى آخر من الموضوع فنجد أن منظومة الحزبية والانتهازية والفساد هي السائدة كثلاثية مترابطة تؤدي كل منها إلى الأخرى وتؤدي مجتمعة إلى فقدان ثقة الغالبية المهمشة من الشباب ببعض تلك التنظيمات والأحزاب لاسيما التي تمارس نوعا من السلطة . فعندما يسيطر الحزب على السلطة في مجتمع ما , يعمد إلى توظيف عناصره وكوادره في مؤسسات الدولة أو السلطة , فيصبح الحزب طريقاً للتوظيف ووسيلة للترّقي وأداة للمنفعة , فينتشر الفساد في المؤسسات العامة والحزبية لاعتماد مبدأ الثقة قبل الكفاءة , والثقة هنا لا تعني سوى القدرة على كسب ود المسؤولين بشتى الطرق من الذين يعرفون ( من أين تؤكل الكتف ) , وتلك القدرة على كسب ود المسؤولين هي كلمة السر التي لا يعرفها إلا من يجيد فن الرياء والنفاق ومهارة التزلف والارتزاق ... فتتقدم القيم السلبية التي تشجع على الانتهازية والنفعية والنفاق في المجتمع وتتراجع القيم الايجابية التي تشجع على العمل والانجاز والابداع ... وفي نهاية المطاف تُفقد الثقة بالنظام السياسي الرسمي وغير الرسمي والتي تمثل تلك التنظيمات والأحزاب عموده الفقري من قبل الفئات الأكثر تهميشاً وتضرراً .

هذه الثلاثية من الحزبية والانتهازية والفساد وافرازاتها مثل غياب الديمقراطية والمشاركة السياسية داخل مؤسسات بعض تلك الاحزاب والحركات , وعدم تداول السلطة وترّقي القيادات الشابة داخلها , والتربع على كرسي القيادة لعشرات السنين , وضعف آليات العمل المؤسساتي المنظم , والاعتماد على العمل الفردي والشللي والنخبوي الذي يعتمد على مجموعة من أصحاب المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة , وعدم عقد مؤتمراتها العامة إلاّ نادراً , وضعف تمثيل الشباب والنساء داخل أُطرها القيادية , وارتباط السيطرة على المال بالسيطرة على القرار في ثنائية زواج السلطة والثروة فتصبح السلطة طريقاً للثروة وأحياناً المزيد من الثروة , وتصبح القيادة ونفوذها مفتاحا للتكسب والارتزاق , فليس من الغريب بعد ذلك أن يفقد ثلث الشباب الفلسطيني ثقتهم بهذه التنظيمات ومسؤوليها ؟! .

والخلاصة إن الحفاظ على ثقة الشباب الفلسطيني بتنظيماته وفصائله الوطنية يتطلب منها اثناء أدائها لدورها النضالي الوطني أن تصحح مساراتها السياسية والجماهيرية والتنظيمية باستمرار , وقبل كل ذلك أن تحافظ على وحدة الشعب وقضيته وثوابته الوطنية ونهجه المقاوم .