الكلمة التى القاها الطبيب الاردنى اسماعيل النوايسة فى مؤتمر الجاليات الأردنية بأوروبا

الكلمة التى القاها الطبيب الاردنى اسماعيل النوايسة فى مؤتمر الجاليات الأردنية بأوروبا
دنيا الوطن-فيينا النمسا-ناصر الحايك

كلمة مؤتمر الجاليات الأردنية في أوروبا

أيها السيدات والسادة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 

انه لمن دواعي السعادة والشرف العظيم للجالية الأردنية في مدينة فينا ان ترحب بإخوة أردنيين من الجاليات الأردنية في المغترب الأوربي في هذه العاصمة النمساوية العريقة والجميلة.

إن انعقاد أول مؤتمر للجاليات الأردنية في أوروبا لهو دلالة على تجسيد شعور الوحدة الوطنية, والشعور المشترك لدى جميع الأردنيين بأن الأردن والدفاع عن القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين خطٌ احمر في التركيبة والعقل الأردني سواء كان الأردني في داخل الأردن أو يعيش في المغترب. ونحمد الله على الأمن والاستقرار في ظل قيادة الأردن الحكيمة العاقلة .والتي جسّدت هذا الشعور الأردني .سائرة على النهج الخيِّر والذي جعل الأردنيين يصطفون وراء قيادتهم الحكيمة بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني امد الله بعمره ومنحه وافر الصحة والعافية.

إخواني:ان عالمنا العربي مستهدف من داخل الوطن ومن خارجه.وأردننا الحبيب هو جزءٌ من هذا المحيط العربي متلاطم الأمواج. واستهداف الوطن من الداخل في جميع المجتمعات الإنسانية متشابه ولا فرق بين وطنٍ عربيِ وغير عربي . واستهداف الوطن العربي من الداخل تكمن أسبابه بالفقر والجهل والبطالة وحب السلطة لدى بعض حكام العرب وتراكم الظلم وفقدان العدل وعدالة توزيع الثروة. و انعدام حرية الرأي, وعدم إصلاح الخلل الاجتماعي, وتقزيم دور المرأة التي هي نصف المجتمع ومربية الأجيال . وفقدان النقد الذاتي والانشغال في الغيبويات بدلاً من الانشغال في واقع الأمة المؤلم والغيبوية شيءٌ غير الغيب الديني وعدم الاستفادة من الأخطاء التاريخية التي وقعت امتنا العربية فيها مرةً تلو الأخرى, ومن دون التطلع الى تاريخنا وإصلاح الخلل. والعصر الذي نعيش به هو عصر العلم والبحث العلمي, والتقدم المستمر.

ومن لا يسير مع التقدم العلمي سوف يجد نفسه في مؤخرة القافلة العالمية.

والأمم التي تستمر على هذه الشاكلة لا تستشرق المستقبل لأجيالها وهي في طريقها الى الاندحار وسوف تموت كما يموت الأفراد. ولكن موت الأمم قد يحتاج قروناً من الزمن. ورائحة موت الأمة تفتح شهية الافتراس لدى الطامعين من حيث يجتمعون حولها كلٌ ينتظر حصَته. ومن يريد استشراق المستقبل للأجيال القادمة فعليه أن يبدأ من روضة الأطفال وتعليمهم أساليب التفكير الحديثة والفهم بدلاً من التركيز على الحفظ التقليدي والمتعارف عليه. وتعليم الأطفال كيف يفكرون يجب أن يتم على أيدي أساتذة من ذوي الخبرة القصوى في أساليب تعليم الأطفال وليس على أيدي معلمين تقليديين كما هو الوضع القائم.

انه من السهل ان نبني الأبراج العالية ولكن ليس من السهولة أن نبني الإنسان المثقف المدرك الواعي.لابد من القوانين الصارمة التي تنظم حياة البشر وتُطبّقُ على الجميع بدون استثناء.

والمتطلع الى تاريخ الغرب الذي نعيش في روبوعه يعرف بأن الغرب قد مر بكل ما ذكر أعلاه وأسوأ مما ذُكر ودارت حروب في الغرب وسالت دماء غزيرة أوصلتهم الى اتخاذ العبر من سؤ ما مر من تاريخهم. واعتبرت بعض الدول الأوربية بشكلٍ عام وبعضها بشكل خاص ان الأمن والاستقرار يكمن في إقامة العدل والمساواة وعدالة توزيع الثروة وبناء الإنسان ومكافحة الفقر والبطالة ومن خلال القوانين الصارمة والتي تضمن حقوق الجميع . ومن المحزن ان البطالة منتشرة في ربوع الوطن العربي بين الشباب وهم أكثر الفئات في المجتمعات العربية والأكثر قدرةً على العطاء. ولا بد من إستراتيجية وطنية لحل هذه المعضلة ذات الأهمية القصوى لكي يستمر تقدم الوطن ويحل في ربوعه الأمن والاستقرار. وفقدان الحلول الجادة لمكافحة البطالة سوف يقود الى ظهور العنف والجريمة في المجتمعات العربية وانعدام الأمن والاستقرار على المدى البعيد.ان معرفة أعراض المرض عند الطبيب هي في غاية الأهمية ولكن الأهم منها هو معرفة السبب وإيجاد إستراتيجية للتعامل مع المرض والوصول الى شفاء المريض. والفقر والجهل وفقدان العدل وعدالة توزيع الثروة هي أمراض اجتماعية وبحاجة الى إستراتيجية علاجية على مستوى الوطن وعلى أيدي ذوي الكفاءة والاختصاص الخيرين من أبناء الوطن.

لقد تحدثت أعلاه عن استهداف الوطن العربي من الداخل وهو كذلك مستهدف من الخارج . وهذا الاستهداف طويل وعريض ومتشعب ومبني على إستراتيجية بعيدة الأمد خططها أعداء الأمة وهم أكثر خبرة ودراية وتخطيط وأكثر مكراً ودهاء وأكثر تقنية وإدراكا لما يدور في عالمنا العربي والذي هو في نومٍ عميق ومغيب العقل والحكمة. و أعداء الأمة ذوي أطماع بعيدة الأمد وتهدف أطماعهم الى تمزيق الوطن العربي الى مذاهب وطوائف وعلى أيدي العرب أنفسهم وجاء في القرآن الكريم في صورة الحشر آية 2*وقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأيدِيهِمْ وأيْدِي اْلمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا ياَ أُلِي الأَبْصَارِ*صدق الله العظيم والمقصود في الآية أعداء الله .ولكن أعداء الأمة يطبقون مضمون هذه الآية على امة العرب والمسلمين أنفسهم لأنهم أدركوا مضمون هذه الآية وهم اللذين اعتبروا وأبصروا . ولم تدرك أمة العرب مضمون ما جاء في النص القرآني والذي حثهم أن يعتبروا ويبصروا.

إخواني: ان أعداء امتنا يسعون الى تمزيق الوطن العربي من خلال خلق طوائف ومذاهب تتحارب فيما بينها وتضعف بعضها البعض وتخرب بيوتها بأيديها وفي النهاية تلجأ بعد الوهن والدمار والخراب الى العدو نفسه تستعين به وهو الذي رسم إستراتيجية دمارهم وخراب بيوتهم وشتاتهم. وبعد هذا الدمار والخراب يلجأون الى العدو مجبرين لكي يتحالفوا معه ضد بعضهم البعض.وهنا ينطبق المثل العربي والذي يقول (كالمستجير من الرمضاء بالنار) ولعل داعش التي تعيث خراباً في العراق وسوريا وليبيا وتونس وغيرها من البلدان العربية هي ممن يسير على هذا الطريق الذي يريده أعداء الأمة من دون علمها ولجهلها بأنها تسير على الطريق الذي خَطَطَ له أعداء الأمة. وتقول المخابرات الغربية ان معظم أتباع داعش هم من الشباب اللذين لا يفهمون الإسلام وهم على مستوى العامية من الفهم الحقيقي للدين الإسلامي. والهدف البعيد من قيام داعش في نظر أعدائنا يكمن في القضاء على الأنظمة العربية القائمة والتي هي في حقيقة الأمر مُغيبة عن مطالب شعوبها.ومن ثم خلق فوضى في العالم العربي تُمّكن أعداء الأمة من تحقيق مأربهم.

أيها الإخوة الكرام: لعلي من أكبركم سناً وأقدمكم في الغرب فاسمحوا لي أن أبوح لكم بهذه النصائح المدعومة بالخبرة الشخصية والمشاهدة الطويلة في المغترب. علينا كأردنيين في المغترب ان نتعايش مع المجتمعات الغربية من خلال احترام تقاليدهم وعاداتهم فنحن أشبه بالضيوف في هذه المجتمعات مهما بقينا والضيف المحترم هو من يحترم من استضافه والتعامل معه عن طريق العقل والحكمة . بأنهم يحترمون ذوي العقول والمنطق ومن خلال العقل والمنطق يُمْكنُ لنا أن نخدم وطننا الأردن.

علينا أن نربي أطفالنا على حب العلم والمعرفة وتعليم اللغة العربية لأن اللغة تساعد على حفظ الهوية وتحمي أجيالنا من فقدان الجذور والذوبان الكلي في مجتمعات لها تراثها الجيد ولنا تراثنا الجيد. واخذ الجيد من كلاهما لأجيالنا سوف يميزهم في المستقبل عن نظرائهم لأنهم سوف يرون بمنظارين. ومن الأهم ان نعلمهم كيف يفكرون وان نمنحهم الوعظ الديني بلا تطرفٍ ومغالاة .

علينا ان نحثهم على الانتساب الى الأحزاب السياسية الديمقراطية في الأوطان الأوربية التي يعيشون على أرضها. وسوف يظهر من بين أجيالنا في المستقبل ان شاء الله من هو القادر عن الدفاع عن جذوره وأصوله العربية. واعلموا وأعو أن المشاركة السياسية في المجتمعات الغربية ذات أهمية قصوى وأصوات الجالية ذات فاعلية لا يستهان بها. والأمل كبير في الوطن الأردني بوحدة شعبه وحكمة قيادته أن يصبح أنموذجا لنهوض أمته العربية لتنهض من كبوتها وتسير على طريق الوحدة والعقل والحكمة وتضّيع الفرص على أعداء الأمة.وكيف لا وكان الإنسان الأردني دائماً مرفوع الرأس ولا يوجد من يزاود عليه وحق فيه قول الشاعر.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدكتور إسماعيل حسين النوايسة

استشاري الأمراض الباطنية

فيينا-النمسا

التعليقات