قصة طفل كادح تختصر الحكاية : أزمة الإعلام الإلكتروني وبنك فلسطين وتشريعات الـ(دونرز)

كتب غازي مرتجى
أجلسُ أنا وصديق لي في إحدى المطاعم في قطاع غزة فيدخل طفلٌ صاحب حاجة ويُنادي (أريد الأكل) , في جوارنا يجلس أربعة من كبار قيادات أحد التنظيمات الفلسطينية التي ترفع شعار الكادحين والفقراء وتُحارب المُخملية والبرجوازية , استمر الطفل باستجداء "الجرسون" فحمله المغلوب على أمره في محاولة لطرده من المطعم .
المنظرُ الذي سببه محاولة طرد الطفل من المحل لا يزال أمام ناظري حتى الآن فبُكائه المُبكي وصرخاته المُؤلمة لم تكُن لمُمثل أو مُتطفل إنما تنُم عن حاجة ماسة .
عودة إلى مُحاربي البُرجوازية العفنة فقد استمروا بالضحك والنقاش ونظروا إلى الطفل "الكادح" دون أدنى مسؤولية .
مُباشرة خُيّل لي وضع الشعب الفلسطيني الذي ينظر له قياداته كما مُحاربي عفن البرجوازية ,فمُعظم قيادات الشعب الفلسطيني يسوقون الشعارات ويُنظرّون علينا وطنية تارة بالدين تارة أخرى دون أن يُطبّقوا من تلك الشعارات وهذا التنظير قيد أُنملة .
قصة هذا الطفل (الكادح) كقصة شعب تتلاعب به التنظيمات وتُلاطمه كأمواج البحر .
صديقي وهو للمُصادفة أحد قادة الأحزاب الفلسطينية الإسلامية لم يتعامل بمنطقه الحزبي وتعامل بالدافع الإنساني فهّب ليُساعد هذا الطفل .. فشرب الطفلُ وروى ظمأته - واستمرّ قادة الشعب الفلسطيني بالشرب على (دمائه) دون رادع وطني , ديني أو إنساني !
**
في الحديث عن الفوضى غير الخلاّقة في الاعلام الالكتروني يُمكن فرد صفحات ومُجلدات للحديث عن التجاوزات اللاأخلاقية وغير المحترمة التي تستغل الانفتاح التكنولوجي الواسع .
في فلسطين لا زلنا نُحكم وفق قانون النشر والمطبوعات الذي عفا الزمن عليه وأصبح لا ينطبق حتى على الصحف الورقية والمجلات المطبوعة , ففي أكبر ثغرة قانونية يُمكن للقاضي غير العارف بجوجل وفيسبوك والفضاء الالكتروني أن يحكُم على المُدعى عليه بـ"إساءة استخدام جهاز كهربائي" .!
لقد اطلعت على تجربة الأردن - الكويت وتركيا في هذا المضمار وكيف حاولت تلك الجهات جاهدة الحد من الاستغلال السلبي للفضاء الالكتروني ونجحت في عدة قضايا حاولت التأثير سلباً على الاستقرار الوطني العام .
في فلسطين لو حُكم باغلاق صفحة فيسبوك (وهو ضمن القانون بالقياس) ستقوم الدنيا ولن يُقعدها سوى إعادة فتحها حتى لو احتوت على صور جنسية ومُحتوى ضار , وهناك سوابق متعددة فمن يريد الانتقام يُمكنه فتح صفحة فيسبوك مجهولة المنشأ ويقوم بكتابة ما يحلو له عليها لأنه يعلم بعدم وجود رادع قانوني جنائي ضده .
إحدى الصفحات الالكترونية تعبث مؤخراً بالاقتصاد الوطني الفلسطيني بأسوأ الصور واستغلت الفضاء المفتوح في مُحاولة لضرب الاقتصاد الفلسطيني في مقتل دون أي إثبات أو دليل والاستناد فقط إلى مصادر مجهولة .
في حال نُشر هذا التحقيق عبر وسيلة اعلام معروفة المنشأ ومعلومة بهيئة تحريرها وإدارتها ستكون تلك الأنباء "مُصدقة" ولن يقع صاحب الوكالة وهيئة تحريرها في إجراءات قانونية قد تصل إلى السجن وإغلاق المكاتب وغيرها .
أساسيات العمل الالكتروني في الولايات المتحدة تستند إلى ضرورة أن يكون منشيء وصاحب أي صفحة الكترونية معروف ولا يحصل على ترخيص الا وفق شروط صاغتها الجهات المختصة هناك - أما في فلسطين فألف دولار كفيلة بأن يكون لك منصة الكترونية تُهاجم فيها من تشاء وألف أخرى لإعلان تلك الصفحة على فيسبوك وتويتر وتستطيع التأثير في الرأي العام بشكل سلبي .
رسالة للرئيس أبو مازن ودولة رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمدلله والنائب العام الفلسطيني ونقابة الصحفيين وكل من له علاقة بالتشريعات والنصوص - استحداث قانون اعلام الكتروني عصري يخدم القضايا الوطنية ويحجب الاستغلال السيء للتكنولوجيا ويُؤسس لإعلام وطني قادر على مجابهة اعلام الاحتلال المُوجّه .
ان تشريع قوانين جديدة لا يحتاج (ملايين الدولارات) وعشرات الدورات التدريبية سيئة الصيت وبالتأكيد يُمكن صياغته بالقياس دون الحاجة الى مشاريع ممولة لا يُعرف مدى أحقية صرفها في الاتجاه الصحيح ولا نستطيع التأكُد ما إن كانت سياسة المُمول ستقف حجر عثرة أمام أي قانون يستلزم تشريعه ويكون ملائما ً للحالة السياسية الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية .
أنا مع بنك فلسطين في رفع قضية في المحاكم الفلسطينية وحتى الدُولية لمعرفة مسقط رأس المنصة الالكترونية التي حاولت إسقاطه بالضربة القاضية - ولتتخذ الجهات القانونية الرسمية سابقة بإجراءات ضمن إطار القانون تضمن عدم التلاعب بمستقبل الاقتصاد الوطني أو حتى السلامة الشخصية لأي من المسؤولين الفلسطينيين.