النظام السياسي الفلسطيني في خطر

النظام السياسي الفلسطيني في خطر
كتب غازي مرتجى

مع استمرار احتجاجات المعلمين في الضفة ومطالبتهم بـ"رد كرامتهم" بات النظام السياسي الفلسطيني كلُه دون استثناء في خطر - فالتراجع والموافقة على مطالب المعلمين الجديدة (رفع قيمة العلاوة الى 70%) يعني خروج كافة القطاعات للمطالبة بزيادات أخرى وهلُم جرّ .. وعدم الموافقة على ذلك والاستمرار في الاضراب يعني (خراب مالطا) وتدمير القطاع التعليمي عن بكرة أبيه .

في بداية أزمة المعلمين حاول بعض "المختلفين" المُتخلفّين مع رامي الحمدلله من داخل حركة  فتح تعزيز الأزمة بل وروجوا إلى ضرورة إقالة الحكومة وعزّزوا خروج المعلمين إلى الشوارع واستمرار الإضراب .

استمرار إضراب المعلمين يكشف في الدرجة الأولى فشل الأمن الفلسطيني في توقع حجم هذه الاحتجاجات  .. وهذا الاستمرار يعني في الدرجة الأولى أنّ النظام السياسي الفلسطيني في خطر فـ"العين الاسرائيلية" تنظر جيداً إلى ما يحدث في الضفة وتروّج لضعف السلطة وعدم قدرتها السيطرة على الأمن كذلك تنظر الدول الاقليمية والعربية وكل من له (اهتمام) في الوضع الفلسطيني بذلك .. استمرار إضراب المعلمين ليوم آخر يعني انهيار نظرية استقرار الشارع ويُعزّز مفهوم الفلتان .

الأمنُ أيضاً تعامل مع الأزمة بنظرية خاطئة من البداية عندما اعتقل بعض المعلمين ما زاد استفزازهم ونصب الحواجز في الطرقات ما أجّج ثورتهم .. ولو استخدمت نظرية المؤامرة في تحليل خيوط الحكاية لقُلت أنّ الاعتقالات والحواجز كانت مُدبرّة لاستفزاز الخصوم .

الآن انقلب السحرعلى الساحر  وبات معارضو رامي الحمدلله هم من يُحاولون فكفكة رموز الإضراب وحلحلة الأوضاع الميدانية وإنهاء الاعتصامات بأقل الخسائر .

المشكلة الكُبرى التي تلازم بعض قيادات فتح هي الاستقواء بأي "حدث" واستغلاله ضد (المختلفين) معهم  حتى لو كان موجها بالأصل ضد "الوطن" أو فتح ذاتها ..

موقف فتح من الاتهامات المصرية لحماس بالمسؤولية عن اغتيال النائب العام المصري موقف خاطيء أيضاً (وقد راجعت المسؤول عن التصريح ونفى تصريحه بذلك) .. فالموقف الفتحاوي كان يجب أن يكون بضرورة تشكيل لجنة مشتركة للتحقق من تلك الاتهامات مع ضرورة وضع امكانيات الأمن والمعلومات في غزة والقاهرة على الطاولة والتحقيق فيها للوصول إلى نتيجة , فإن كانت إيجابية فليُحاكم المسؤولين عنها في القضاء الفلسطيني وإن كانت سلبية فلتُعاد الأوضاع إلى حالها .

عودة إلى أزمة المعلمين فإنّ اجتماع العشرات من المعلمين مع أعضاء في المجلس التشريعي ومسؤولين فتحاويين وقيادات بالمجتمع المدني وأولياء أمور بالأمس كانت خطوة إيجابية وما  طُرح على التنسيقيات الخاصة بالمعلمين لم يُطرح سابقاً وأعطت الحكومة ضمانات لذلك عبر وزيرها "صبري صيدم" .. رفضُ المعلمون لهذه المقترحات لم يكُن يحمل "تفكيراً" صحياً إلاّ لو كانوا يُحاورون من اجل الحوار فقط دون قرار بالحل وإنهاء الإضراب .

موقف حركة حماس من الإضراب غير مُبرر أيضاً إلا في نظرية (المعارضة) وسأتفهّم موقفهم تماماً في حال سمحوا بإضراب المعلمين في غزة لهذه لفترة تمتد عن أسابيع ثلاثة - كان من واجب حماس التعامل مع الإضراب بأسلوب "الشريك" لا المُعارض فهم شُركاء في الحكومة والنظام السياسي وما ينطبق على الضفة يُطبّق في غزة , والابقاء على حالة الإنكار لكون حركة حماس دخلت الحُكم مشكلة لا زلنا نُعاني منها منذ فازت حماس بالانتخابات التشريعية فهي تنتهج نهج المعارضة حتى وهي الحاكم !

باعتقادي أن الأوضاع الميدانية ستتأزم خلال الساعات القادمة ما لم ينزل "المعلمون" عن الشجرة التي امتطوها لأنّ زيادة أيام الإضراب التي تمر ليست بصالح أي من الطرفين والإبقاء على الأوضاع الميدانية على حالها سيتحوّل في ليلة وضُحاها إلى ثورة جديدة ستطالُ الأخضر واليابس .. فإن كان "المعلمون" يعلمون ذلك فهو مُخطط مُوجه وإن كانوا لا يعلمون فتلك مصيبة أكبر - وأربأ عن المعلمين أن يكونوا أدوات في أيدي من يُحاول ضرب النظام السياسي في مقتل وأن ينساقوا مع ما حاولت به جهات كبيرة سابقاً وفشلت !