الدكتور علي شعار: ما شاهدناه خلال فترة قصيرة في رحلتنا إلى أوروبا لتقييم أوضاع اللاجئات يكفي لكتابة مجلدات

رام الله - دنيا الوطن
"في كل ثانية في كل لحظة، كنا نشاهد المعاناة التي تصيب أطفالا، تصيب سيدات.. من لحظة بداية رحلتهم إلى لحظة وصولهم بين قوسين إلى "برّ الأمان". .. ولا أدري إلى أي درجة هو برّ أمان.."
هذا بعض مما قاله الدكتور علي شعار، مدير برامج الصحة الإنجابية بصندوق الأمم المتحدة للسكان بفلسطين، للزميلة مي يعقوب عقب صدور التقرير الأممي المشترك حول وضع اللاجئات المتنقلات عبر أوروبا.
قصص مؤلمة تستمعون إليها في الحوار الإذاعي التالي:
إذاعة الأمم المتحدة: أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالاشتراك مع مفوضية اللاجئين ولجنة المرأة اللاجئة، تقريرا يبين خطر العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس الذي تتعرض له النساء والفتيات المتنقلات عبر أوروبا. أنت كنت من بين فريق التقييم المشترك، كما أنك أحد مؤلفي التقرير الجديد. من خلال حديثك مع النساء والفتيات المتنقلات في أوروبا، ماذا قلن لك عن أبرز الأسباب التي دفعت بهن إلى ترك بلدهن؟
د. علي شعار: من الأسباب التي دفعت النساء أو العائلات إلى ترك بلادهن، قضية فقدان الإحساس بالأمن في أماكن يوجد فيها تهديد جسدي على حياتهن وحياة عائلاتهن- وفي الواقع الكثير من العائلات التي قابلناها قد فقدت العديد من أفرادها، وسيدات فقدن أزواجهن، وبالتالي الإحساس بالأمن أصبح مفقودا. السبب الثاني، هو فقدان الرزق والعيش. ومن بين الناس الذين بدأوا مشوار الهجرة هذا، أناس كانوا ميسوري الحال، أناس كانوا يعيشون في رفاهية معينة، فقدت نتيجة النزاعات وفقدت نتيجة إمكانية متابعتهم لإحساسهم بالأمن في أماكن عيشهم. السبب الثالث والذي كان ظاهرا في الفترة الأخيرة هو الخوف من تجنيد اليافعين. هذا ما قيل لنا من قبل العديد من العائلات ومن السيدات تحديدا وهو أنه خوفا من قيام أطراف النزاع المسلح بتجنيد أطفالهن واليافعين من عائلاتهن اضطررن إلى أخذ القرار بترك البلد. والسبب الأخير هو فقدان الأمل. فالسيدات والعائلات اللواتي يتحركن مع أطفال قلن لنا إنهن فقدن أية فرصة كجيل كََبِرّ، على الأقل نحن نبحث عن بصيص أمل لأطفالنا بمستقبل أفضل. وهذا ما قالته الكثير من العائلات، الرجال والنساء ذكروا هذه الأسباب.
إذاعة الأمم المتحدة: هناك نساء يتنقلن بمفردهن. كيف كانت تجربتهن لتأمين "ثمن" دخولهن إلى اليونان؟ هل تعرضن إلى تحرشات ومضايقات جنسية؟
د. علي شعار: الحقيقة، لقد تواجدت أنا والفريق في المحطة التي تصل إليها القوارب من تركيا. وبالطبع رؤية الوضع النفسي وحالة التشتت والضياع التي يعيشونها وهم خارجون من المياه في ظروف صعبة تجعل من الصعب الخوض في نقاشات حول تفاصيل الرحلة، ولكن يأخذ الإنسان الانطباع أنه في الواقع "من اتخذ قرارا في أن يخوض هذه الطريق، كان يعرف أن هذه الطريق محفوفة بكثير من المخاطر ولكن خلال الفترة القصيرة التي قضيناها في المهمة، توجهنا لمجموعة من السيدات والعائلات وقمنا بالسؤال بالضبط عما قمتِ بالسؤال عنه، وهنا أود أن أسرد مجموعة من القصص: أولها، بنت في العشرين من عمرها، قادمة من سوريا، قالت إنه نتيجة تواجدها في الأدغال اضطرت إلى تناول حبوب منبهة، ولمدة ستة أيام لم تنم لحظة واحدة نتيجة خوفها من حدوث اعتداء. قصة ثانية، للأسف هي أيضا من سوريا: سيدة قالت لنا إن أحد المهربين قام بتمرير كوع يده على صدرها والضغط للتأكد مما إذا كانت تخبئ أية أموال في صدرها. وعندما أيقن أن هناك أموالا، قام بمحاولة جرها بعيدا عن المجموعة التي كانت ضمنها من أجل الاختلاء بها، أو أخذها إلى مكان منفرد. سيدة ثالثة قالت بالشكل الصريح إنها اضطرت في محطات مختلفة على طريقها أن تقدم خدمات جنسية لأنها لم تمتلك المال الكافي لإيصالها إلى المحطة التالية، ولدى التحدث معها قالت "إنني فقدت عقلي". وبالتالي أظن أن هذه القصص الثلاث تبين الوضع بشكل واضح، وهذه القصص هي التي أخذناها خلال فترة البعثة التي تعتبر نسبيا قصيرة، تعطي انطباعا أنه في الواقع تتعرض السيدات أثناء رحلتهن إلى الكثير من المضايقات التي تضعهن في المكان الأضعف في معادلة القوة، فتحصل المضايقة والتحرش والابتزاز...
هناك ملاحظة لاحظناها وهي أن السيدات والفتيات يلجأن إلى الانضمام إلى مجموعة، قد تكون هذه المجموعة جزءا من العائلة التي بدأت الرحلة من النقطة الأولى واستكملت المشوار، وقد تكون هذه المجموعة تكونت أثناء الرحلة وانضمت إليها الفتاة أو السيدة من منطلق الحصول على نوع من الحماية. إذاعة الأمم المتحدة: يعني أبسط حقوق الإنسان غير متوفرة..
- د. علي شعار: نعم أخت مي، أستطيع أن أقول لكِ إن ما شاهدناه خلال فترة زمنية قصيرة، يكفي لأن يكتب عليه الإنسان كتبا لأنه في كل ثانية في كل لحظة، كنا نشاهد المعاناة التي تصيب أطفالا، تصيب سيدات، ولكِ أن تتخيلي كيف كانت الطريق من لحظة البداية إلى لحظة وصولهم إلى بين قوسين "برّ الأمان" ولا أدري إلى أي درجة هو برّ أمان..
إذاعة الأمم المتحدة: هل التقيت بفتيات غير مصحوبات من ذويهن، أو افترقن عن ذويهن خلال الرحلة؟ كيف يتدبرن أمورهن؟
د. علي شعار: نعم مثلما ذكرت هن يلجأن إلى الانضمام إلى مجموعة في الحركة سواء كانت من عائلة، من منطقة، من قرية قريبة. ولكن للأسف سمعنا عن حالة أن فتاة فقدت ذويها أثناء الرحلة، تحديدا في تركيا، وتحدثوا عن وضع مأساوي تعرضت له هذه الفتاة، عندما افترقت عن ذويها وأصبحت وحيدة. وهذه من الأسباب التي تدفع أي سيدة أو فتاة تسافر بمفردها لأن تنضم إلى مجموعة تؤمن لها نوعا من الحماية.
إذاعة الأمم المتحدة: ماذا عن الرجال؟ هل هم في مأمن من المضايقات؟ وكيف هي رحلتهم إلى "برّ الأمان" أوروبا؟
د. علي شعار: هم ليسوا في وضع أفضل! معظم الرجال الذين تحدثنا معهم، وفي الوقت الذي يكون هناك مهربون، قوى أمن، شرطة، حرس الحدود، والمجموعات المسلحة، قد تكون السيدات تحت خطر المنع من الدخول، الإرجاع، الاعتقال إلخ.. ولكن يكون الرجال معرضين بشكل مباشر إلى القتل والعنف وإلى السجن وإلى التنكيل. أظن أنهم ليسوا في وضع أفضل. من المهم أن نذكر أن المهربين الموجودين على الطرف التركي من البحر يمارسون اضطهادا كبيرا ضد الرجال. وفي الوقت التي تجري فيه قضية المقايضة في السفر عبر القارب من تركيا إلى اليونان على أسس معينة، بمعنى أن يكون في القارب عشرون أو خمسة عشر شخصا، يرغم الرجال على ركوب قوارب بأعداد كبيرة ويرغمون على قيادة القارب حتى إن لم يكونوا ملمين بكيفية قيادة القارب والسيطرة عليه والتوجه به إلى الشاطئ المقابل. ويتم تهديدهم بالقتل إذا احتجوا أو امتنعوا عن ركوب القارب. تحت تهديد السلاح يتم إرغامهم على ركوب القارب.
إذاعة الأمم المتحدة: حسنا في مراكز العبور عندما تصل الوافدات إلى تلك الأماكن، ما الذي يجدنه؟ هل هناك من خدمات أساسية مؤمنة توفر لهن شيئا من الكرامة؟
د. علي شعار: لنكن عادلين، أظن أن الذي شهدناه في اليونان ومقدونيا كان في مستوى، وكانت هناك محاولات جدية وعلى مستوى أخلاقي عال، للتعامل مع الوضع القائم. ولكن الوضع القائم كان أكبر بكثير من الإمكانيات المتوفرة في المناطق التي يصل إليها اللاجئون. الجهود الأخلاقية التي أشير إليها تشمل منظمات الأمم المتحدة الموجودة في الميدان، الصليب الأحمر، المؤسسات الدولية، ولكن أيضا المؤسسات المحلية بتفاوت كبير على حسب قدراتها وحسب السياسات المحلية في المنطقة. بمعنى أن إحدى الجزر قد تكون داعمة لاستقبال اللاجئين، وقد تكون الجزر الأخرى أقل جهوزية. الشيء الذي أثار إعجابنا في اليونان هو الإقبال الشعبي والمتطوعون المحليون. وبالتالي تشعرين أن هناك قبولا ورغبة في تقديم مساعدات ولكن هل هذه المساعدات تنسجم وتتلاءم مع الاحتياجات الضرورية للاجئين، الجواب طبعا كلا. أهم شيء في الموضوع هو قضية عدم القدرة على التواصل، وهنا أقصد التواصل الثقافي واللغوي. ففي اليوم الأول لنا في جزيرة كيوس، وقعت حادثة وهي أن عائلة سورية من ضمن أفرادها سيدة مسنة وهي كانت في وضع نفسي "عنيف"، مما اضطرهم إلى أن يربطوا رجلها في عامود الخيمة، لفترة تقريبا امتدت يوما وساعات على الرغم من أن العيادة الطبية كانت على بعد مترين منهم. صدف أنني كنت موجودا وأنا أتكلم العربية والإنكليزية، فقمت بعملية الترجمة وتبين أن السيدة بحاجة إلى مهدئ تم جلبه خلال 30 دقيقة وانحلت المشكلة. بالطبع قضية الترجمة مهمة. في هذه الحالة بالذات أحب أن أذكر أنه عندما توجه ابن السيدة إلى الصيدلية الخاصة ليشتري الدواء، لم يقبل صاحب الصيدلية اليوناني أن يأخذ منه ثمن الدواء، قائلا إن هذا دعم لهم وهو شيء جميل وإنساني. فهناك تحدي اللغة بالإضافة إلى التحديات اللوجستية والمساعدات. القضية الأخرى هي قضية الخبرة، فهناك عدد هائل من المتطوعين، ولكن لديهم مشكلة اللغة بالإضافة إلى مشكلة هي قضية الحساسية حيال الاحتياجات الخاصة للاجئين، على الرغم من أن اللاجئين الذين يصلون إلى الشاطئ في أوروبا ليسوا معنيين بأي تأخير يحدث، فكل ما يريدونه هو الوصول إلى المحطة القادمة، لا يرديون التوقف حتى لو كانت هناك حاجة إلى خدمات صحية، خدمات مشورة، خدمات نفسية. هم يريدون أن يتابعوا إلى المحطة التالية نتيجة تخوفهم من أي عدم يقين معين ممكن أن يجدوه في الطريق. ولكن على الرغم من هذا لم يكن هناك أناس قادرون على أن يتحسسوا إذا رأوا سيدة معزولة أو لديها بعض الأعراض التي تستدعي سؤالها عن تعرضها لأي مشكلة معينة وبالتالي هذا كان أيضا من النواقص التي كانت موجودة.
من بين القضايا الأخرى، خدمات الصحة الإنجابية. على حدود مقدونيا، حدثت صدفة أخرى أنني كنت موجودا في المنطقة، أتى رجل في وقت الظلام وسأل إذا كان هناك طبيب يتكلم العربية، قائلا إن زوجته في الشهر الثامن وهم مازالوا على الجانب اليوناني من الحدود ولم يسمح لهم بالدخول إلى المنطقة المقدونية. والسيدة كانت في الشهر الثامن وقد بدأ يظهر السائل المحيط بالجنين وبدأت آلام المخاض. فتمكنا في تلك اللحظة من أن نقوم بإجراء سهل دخولها. لو لم يحصل ذلك، كان من الممكن أن تمضي السيدة ليلة كاملة في انتظار دخولها ولا ندري ما المضاعفات التي كانت قد تتعرض لها. احتمال المضاعفات كان واردا جدا لأن درجة الحرارة كانت اثنتين فوق الصفر أي كان هناك برد شديد وكان متوقعا أن تنتظر على الحدود في درجة الحرارة هذه.
إذاعة الأمم المتحدة: برأيك ما الذي يجب فعله لوضع حد لخطر العنف. كنتم هناك على أرض الواقع، كنتم في الميدان، ما هو المطلوب الآن للتخفيف من وطأة هذه الرحلة على اللاجئين الذين يفرون سعيا للأمان هربا من الموت؟
د. علي شعار: صحيح. أظن أن ما يلزم عمله هو وضع تدخلات بشكل نظامي. أولا، أن ندق ناقوس الخطر بأن هناك خطرا حقيقيا على السيدات المتنقلات في هذه الظروف بمختلف فئاتهن العمرية أو الاجتماعية. ثانيا، إيجاد خدمات واضحة من ناحية اللغة ومن ناحية الحساسية الثقافية ومن ناحية الخصوصية. بمعنى أن يكون في نقاط العبور إشارات أو أشخاص لتتبع الاحتياجات الخاصة للنساء المتنقلات بين محطة وأخرى. القضية الأخرى التي يجب أن تكون موجودة هي قضية نقل المعلومات من مكان إلى آخر وعبر الحدود ما بين الدول المختلفة. فيما يتعلق بقضايا الصحة الإنجابية والنساء الحوامل اللواتي يشكلن عددا هائلا من اللاجئين إلى أوروبا: في مقدونيا كان صندوق الأمم المتحدة للسكان ينشئ عيادة متنقلة للاستجابة في الوقت الذي كنا نقوم بمهمتنا. في اليونان ترتبط القضية بالطلب، إذا طلب شخص المساعدة فالخدمات موجودة بشكل مجاني.
إذاعة الأمم المتحدة: شكرا الدكتور علي شعار، مدير برامج الصحة الإنجابية بصندوق الأمم المتحدة للسكان بفلسطين، على كل هذه المعلومات التي قدمتها لنا عن بعثتك الأخيرة إلى أوروبا ...
"في كل ثانية في كل لحظة، كنا نشاهد المعاناة التي تصيب أطفالا، تصيب سيدات.. من لحظة بداية رحلتهم إلى لحظة وصولهم بين قوسين إلى "برّ الأمان". .. ولا أدري إلى أي درجة هو برّ أمان.."
هذا بعض مما قاله الدكتور علي شعار، مدير برامج الصحة الإنجابية بصندوق الأمم المتحدة للسكان بفلسطين، للزميلة مي يعقوب عقب صدور التقرير الأممي المشترك حول وضع اللاجئات المتنقلات عبر أوروبا.
قصص مؤلمة تستمعون إليها في الحوار الإذاعي التالي:
إذاعة الأمم المتحدة: أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالاشتراك مع مفوضية اللاجئين ولجنة المرأة اللاجئة، تقريرا يبين خطر العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس الذي تتعرض له النساء والفتيات المتنقلات عبر أوروبا. أنت كنت من بين فريق التقييم المشترك، كما أنك أحد مؤلفي التقرير الجديد. من خلال حديثك مع النساء والفتيات المتنقلات في أوروبا، ماذا قلن لك عن أبرز الأسباب التي دفعت بهن إلى ترك بلدهن؟
د. علي شعار: من الأسباب التي دفعت النساء أو العائلات إلى ترك بلادهن، قضية فقدان الإحساس بالأمن في أماكن يوجد فيها تهديد جسدي على حياتهن وحياة عائلاتهن- وفي الواقع الكثير من العائلات التي قابلناها قد فقدت العديد من أفرادها، وسيدات فقدن أزواجهن، وبالتالي الإحساس بالأمن أصبح مفقودا. السبب الثاني، هو فقدان الرزق والعيش. ومن بين الناس الذين بدأوا مشوار الهجرة هذا، أناس كانوا ميسوري الحال، أناس كانوا يعيشون في رفاهية معينة، فقدت نتيجة النزاعات وفقدت نتيجة إمكانية متابعتهم لإحساسهم بالأمن في أماكن عيشهم. السبب الثالث والذي كان ظاهرا في الفترة الأخيرة هو الخوف من تجنيد اليافعين. هذا ما قيل لنا من قبل العديد من العائلات ومن السيدات تحديدا وهو أنه خوفا من قيام أطراف النزاع المسلح بتجنيد أطفالهن واليافعين من عائلاتهن اضطررن إلى أخذ القرار بترك البلد. والسبب الأخير هو فقدان الأمل. فالسيدات والعائلات اللواتي يتحركن مع أطفال قلن لنا إنهن فقدن أية فرصة كجيل كََبِرّ، على الأقل نحن نبحث عن بصيص أمل لأطفالنا بمستقبل أفضل. وهذا ما قالته الكثير من العائلات، الرجال والنساء ذكروا هذه الأسباب.
إذاعة الأمم المتحدة: هناك نساء يتنقلن بمفردهن. كيف كانت تجربتهن لتأمين "ثمن" دخولهن إلى اليونان؟ هل تعرضن إلى تحرشات ومضايقات جنسية؟
د. علي شعار: الحقيقة، لقد تواجدت أنا والفريق في المحطة التي تصل إليها القوارب من تركيا. وبالطبع رؤية الوضع النفسي وحالة التشتت والضياع التي يعيشونها وهم خارجون من المياه في ظروف صعبة تجعل من الصعب الخوض في نقاشات حول تفاصيل الرحلة، ولكن يأخذ الإنسان الانطباع أنه في الواقع "من اتخذ قرارا في أن يخوض هذه الطريق، كان يعرف أن هذه الطريق محفوفة بكثير من المخاطر ولكن خلال الفترة القصيرة التي قضيناها في المهمة، توجهنا لمجموعة من السيدات والعائلات وقمنا بالسؤال بالضبط عما قمتِ بالسؤال عنه، وهنا أود أن أسرد مجموعة من القصص: أولها، بنت في العشرين من عمرها، قادمة من سوريا، قالت إنه نتيجة تواجدها في الأدغال اضطرت إلى تناول حبوب منبهة، ولمدة ستة أيام لم تنم لحظة واحدة نتيجة خوفها من حدوث اعتداء. قصة ثانية، للأسف هي أيضا من سوريا: سيدة قالت لنا إن أحد المهربين قام بتمرير كوع يده على صدرها والضغط للتأكد مما إذا كانت تخبئ أية أموال في صدرها. وعندما أيقن أن هناك أموالا، قام بمحاولة جرها بعيدا عن المجموعة التي كانت ضمنها من أجل الاختلاء بها، أو أخذها إلى مكان منفرد. سيدة ثالثة قالت بالشكل الصريح إنها اضطرت في محطات مختلفة على طريقها أن تقدم خدمات جنسية لأنها لم تمتلك المال الكافي لإيصالها إلى المحطة التالية، ولدى التحدث معها قالت "إنني فقدت عقلي". وبالتالي أظن أن هذه القصص الثلاث تبين الوضع بشكل واضح، وهذه القصص هي التي أخذناها خلال فترة البعثة التي تعتبر نسبيا قصيرة، تعطي انطباعا أنه في الواقع تتعرض السيدات أثناء رحلتهن إلى الكثير من المضايقات التي تضعهن في المكان الأضعف في معادلة القوة، فتحصل المضايقة والتحرش والابتزاز...
هناك ملاحظة لاحظناها وهي أن السيدات والفتيات يلجأن إلى الانضمام إلى مجموعة، قد تكون هذه المجموعة جزءا من العائلة التي بدأت الرحلة من النقطة الأولى واستكملت المشوار، وقد تكون هذه المجموعة تكونت أثناء الرحلة وانضمت إليها الفتاة أو السيدة من منطلق الحصول على نوع من الحماية. إذاعة الأمم المتحدة: يعني أبسط حقوق الإنسان غير متوفرة..
- د. علي شعار: نعم أخت مي، أستطيع أن أقول لكِ إن ما شاهدناه خلال فترة زمنية قصيرة، يكفي لأن يكتب عليه الإنسان كتبا لأنه في كل ثانية في كل لحظة، كنا نشاهد المعاناة التي تصيب أطفالا، تصيب سيدات، ولكِ أن تتخيلي كيف كانت الطريق من لحظة البداية إلى لحظة وصولهم إلى بين قوسين "برّ الأمان" ولا أدري إلى أي درجة هو برّ أمان..
إذاعة الأمم المتحدة: هل التقيت بفتيات غير مصحوبات من ذويهن، أو افترقن عن ذويهن خلال الرحلة؟ كيف يتدبرن أمورهن؟
د. علي شعار: نعم مثلما ذكرت هن يلجأن إلى الانضمام إلى مجموعة في الحركة سواء كانت من عائلة، من منطقة، من قرية قريبة. ولكن للأسف سمعنا عن حالة أن فتاة فقدت ذويها أثناء الرحلة، تحديدا في تركيا، وتحدثوا عن وضع مأساوي تعرضت له هذه الفتاة، عندما افترقت عن ذويها وأصبحت وحيدة. وهذه من الأسباب التي تدفع أي سيدة أو فتاة تسافر بمفردها لأن تنضم إلى مجموعة تؤمن لها نوعا من الحماية.
إذاعة الأمم المتحدة: ماذا عن الرجال؟ هل هم في مأمن من المضايقات؟ وكيف هي رحلتهم إلى "برّ الأمان" أوروبا؟
د. علي شعار: هم ليسوا في وضع أفضل! معظم الرجال الذين تحدثنا معهم، وفي الوقت الذي يكون هناك مهربون، قوى أمن، شرطة، حرس الحدود، والمجموعات المسلحة، قد تكون السيدات تحت خطر المنع من الدخول، الإرجاع، الاعتقال إلخ.. ولكن يكون الرجال معرضين بشكل مباشر إلى القتل والعنف وإلى السجن وإلى التنكيل. أظن أنهم ليسوا في وضع أفضل. من المهم أن نذكر أن المهربين الموجودين على الطرف التركي من البحر يمارسون اضطهادا كبيرا ضد الرجال. وفي الوقت التي تجري فيه قضية المقايضة في السفر عبر القارب من تركيا إلى اليونان على أسس معينة، بمعنى أن يكون في القارب عشرون أو خمسة عشر شخصا، يرغم الرجال على ركوب قوارب بأعداد كبيرة ويرغمون على قيادة القارب حتى إن لم يكونوا ملمين بكيفية قيادة القارب والسيطرة عليه والتوجه به إلى الشاطئ المقابل. ويتم تهديدهم بالقتل إذا احتجوا أو امتنعوا عن ركوب القارب. تحت تهديد السلاح يتم إرغامهم على ركوب القارب.
إذاعة الأمم المتحدة: حسنا في مراكز العبور عندما تصل الوافدات إلى تلك الأماكن، ما الذي يجدنه؟ هل هناك من خدمات أساسية مؤمنة توفر لهن شيئا من الكرامة؟
د. علي شعار: لنكن عادلين، أظن أن الذي شهدناه في اليونان ومقدونيا كان في مستوى، وكانت هناك محاولات جدية وعلى مستوى أخلاقي عال، للتعامل مع الوضع القائم. ولكن الوضع القائم كان أكبر بكثير من الإمكانيات المتوفرة في المناطق التي يصل إليها اللاجئون. الجهود الأخلاقية التي أشير إليها تشمل منظمات الأمم المتحدة الموجودة في الميدان، الصليب الأحمر، المؤسسات الدولية، ولكن أيضا المؤسسات المحلية بتفاوت كبير على حسب قدراتها وحسب السياسات المحلية في المنطقة. بمعنى أن إحدى الجزر قد تكون داعمة لاستقبال اللاجئين، وقد تكون الجزر الأخرى أقل جهوزية. الشيء الذي أثار إعجابنا في اليونان هو الإقبال الشعبي والمتطوعون المحليون. وبالتالي تشعرين أن هناك قبولا ورغبة في تقديم مساعدات ولكن هل هذه المساعدات تنسجم وتتلاءم مع الاحتياجات الضرورية للاجئين، الجواب طبعا كلا. أهم شيء في الموضوع هو قضية عدم القدرة على التواصل، وهنا أقصد التواصل الثقافي واللغوي. ففي اليوم الأول لنا في جزيرة كيوس، وقعت حادثة وهي أن عائلة سورية من ضمن أفرادها سيدة مسنة وهي كانت في وضع نفسي "عنيف"، مما اضطرهم إلى أن يربطوا رجلها في عامود الخيمة، لفترة تقريبا امتدت يوما وساعات على الرغم من أن العيادة الطبية كانت على بعد مترين منهم. صدف أنني كنت موجودا وأنا أتكلم العربية والإنكليزية، فقمت بعملية الترجمة وتبين أن السيدة بحاجة إلى مهدئ تم جلبه خلال 30 دقيقة وانحلت المشكلة. بالطبع قضية الترجمة مهمة. في هذه الحالة بالذات أحب أن أذكر أنه عندما توجه ابن السيدة إلى الصيدلية الخاصة ليشتري الدواء، لم يقبل صاحب الصيدلية اليوناني أن يأخذ منه ثمن الدواء، قائلا إن هذا دعم لهم وهو شيء جميل وإنساني. فهناك تحدي اللغة بالإضافة إلى التحديات اللوجستية والمساعدات. القضية الأخرى هي قضية الخبرة، فهناك عدد هائل من المتطوعين، ولكن لديهم مشكلة اللغة بالإضافة إلى مشكلة هي قضية الحساسية حيال الاحتياجات الخاصة للاجئين، على الرغم من أن اللاجئين الذين يصلون إلى الشاطئ في أوروبا ليسوا معنيين بأي تأخير يحدث، فكل ما يريدونه هو الوصول إلى المحطة القادمة، لا يرديون التوقف حتى لو كانت هناك حاجة إلى خدمات صحية، خدمات مشورة، خدمات نفسية. هم يريدون أن يتابعوا إلى المحطة التالية نتيجة تخوفهم من أي عدم يقين معين ممكن أن يجدوه في الطريق. ولكن على الرغم من هذا لم يكن هناك أناس قادرون على أن يتحسسوا إذا رأوا سيدة معزولة أو لديها بعض الأعراض التي تستدعي سؤالها عن تعرضها لأي مشكلة معينة وبالتالي هذا كان أيضا من النواقص التي كانت موجودة.
من بين القضايا الأخرى، خدمات الصحة الإنجابية. على حدود مقدونيا، حدثت صدفة أخرى أنني كنت موجودا في المنطقة، أتى رجل في وقت الظلام وسأل إذا كان هناك طبيب يتكلم العربية، قائلا إن زوجته في الشهر الثامن وهم مازالوا على الجانب اليوناني من الحدود ولم يسمح لهم بالدخول إلى المنطقة المقدونية. والسيدة كانت في الشهر الثامن وقد بدأ يظهر السائل المحيط بالجنين وبدأت آلام المخاض. فتمكنا في تلك اللحظة من أن نقوم بإجراء سهل دخولها. لو لم يحصل ذلك، كان من الممكن أن تمضي السيدة ليلة كاملة في انتظار دخولها ولا ندري ما المضاعفات التي كانت قد تتعرض لها. احتمال المضاعفات كان واردا جدا لأن درجة الحرارة كانت اثنتين فوق الصفر أي كان هناك برد شديد وكان متوقعا أن تنتظر على الحدود في درجة الحرارة هذه.
إذاعة الأمم المتحدة: برأيك ما الذي يجب فعله لوضع حد لخطر العنف. كنتم هناك على أرض الواقع، كنتم في الميدان، ما هو المطلوب الآن للتخفيف من وطأة هذه الرحلة على اللاجئين الذين يفرون سعيا للأمان هربا من الموت؟
د. علي شعار: صحيح. أظن أن ما يلزم عمله هو وضع تدخلات بشكل نظامي. أولا، أن ندق ناقوس الخطر بأن هناك خطرا حقيقيا على السيدات المتنقلات في هذه الظروف بمختلف فئاتهن العمرية أو الاجتماعية. ثانيا، إيجاد خدمات واضحة من ناحية اللغة ومن ناحية الحساسية الثقافية ومن ناحية الخصوصية. بمعنى أن يكون في نقاط العبور إشارات أو أشخاص لتتبع الاحتياجات الخاصة للنساء المتنقلات بين محطة وأخرى. القضية الأخرى التي يجب أن تكون موجودة هي قضية نقل المعلومات من مكان إلى آخر وعبر الحدود ما بين الدول المختلفة. فيما يتعلق بقضايا الصحة الإنجابية والنساء الحوامل اللواتي يشكلن عددا هائلا من اللاجئين إلى أوروبا: في مقدونيا كان صندوق الأمم المتحدة للسكان ينشئ عيادة متنقلة للاستجابة في الوقت الذي كنا نقوم بمهمتنا. في اليونان ترتبط القضية بالطلب، إذا طلب شخص المساعدة فالخدمات موجودة بشكل مجاني.
إذاعة الأمم المتحدة: شكرا الدكتور علي شعار، مدير برامج الصحة الإنجابية بصندوق الأمم المتحدة للسكان بفلسطين، على كل هذه المعلومات التي قدمتها لنا عن بعثتك الأخيرة إلى أوروبا ...
التعليقات