خبراء في مجال الاقتصاد يجمعون: التعديلات الدستورية تبرز صحة الممارسة الديمقراطية في الجزائر

رام الله - دنيا الوطن -  حنان لعروسي
شهدت الجزائر إصدار أول دستور سنة 1963 غير أنه لم يدم سوى 20 يوما ، ما جعل الجزائر تدخل في دوامة الفراغ الدستوري لمدة تجاوزت 11 عاما ، لتثور الكوكبة المثقفة في الجزائر للمطالبة بالإصلاحات في البلاد شريطة أن تراعي التعديلات الدستورية تطلعات الشعب نحو التغيير و تحسين الإطار المعيشي العام ، وهنا نود أن نوضح بأن الجزائر مرت بإصلاحات و تغييرات بعد أحداث أكتوبر 1988 و كرست في دستور 1989 الذي خرج بمادة جريئة كسبت ثقة الشعب وهي المادة الـ 5 في الفقرة الـ 4 التي نصت بما يلي " إمكانية لجوء رئيس الجمهورية إلى الشعب في كل قضية وطنية هامة " ليتم بذلك فسح المجال لدستور تعددي تمت صياغته في فيفري 1989 ، الذي رسخ مبادئ الديمقراطية و المشاركة ليتم التخلص من النظام الأحادي مما مهد بروز نخب جديدة تعكس طموحات المجتمع الجزائري ، و تعترف بالحوار ، إلى جانب خلق نمط من القيادة السياسية تسعى إلى تحقيق التنمية السياسية في الجزائر ، إلا أن هذا التطور الهائل و الانفتاح السياسي اصطدم بالعديد من العثرات ، لعل من أهمها تزامن تلك الإصلاحات مع فقدان الاستقرار و تصاعد شديد في مستوى الأمن ، مما أدى إلى الانشقاق داخل السلطة ذاتها و تباعد الصلة التي تربط السلطة بمختلف التشكيلات السياسية التي يفترض أن تكون امتدادا لها سواء المؤيدة منها أو المعارضة . 

أما فيما يخص الجانب الاقتصادي للإصلاحات الدستورية التي مرت بها الجزائر ، جرت بموجب القانون 01 / 80 المؤرخ في 12 جانفي 1980 المتضمن التعديل الدستوري حيث عدلت الفقرة الأولى من المادة 190 على النحو التالي " يؤسس مجلس محاسبة مكلف بمراقبة مالية الدولة و الحزب و المجموعات الملية و المؤسسات الاشتراكية بجميع أنواعها " و إذا كان ظاهر هذا التعديل يعمل على إقامة نوع من الشفافية و النزاهة في تسيير الأموال العمومية فإنه كان يندرج آنذاك في إطار صراع جناحين في السلطة ، الجناح المحافظ لنهج الرئيس الراحل هواري بومدين و الجناح الإصلاحي الذي كان يقوده الرئيس الشاذلي بن جديد و قد سمح هذا التعديل عن طريق إنشاء مجلس المحاسبة بتصفية عناصر الجناح المحافظ ، مرورا إلى دستور 1989 الذي شكل آخر حلقة ضمن سلسلة الإصلاحات السياسية و الاقتصادية و الدستورية التي قامت بها السلطة ومن بين هذه الإصلاحات صدور قانون 1981 المتضمن التنازل عن الأملاك الخاصة بالدولة و القانون 1987 حول المستثمرات الفلاحية الذي يسجل بداية التخلي على نظامي التسيير الذاتي و الثورة الزراعية ، و صدور قانون 1988 حول استقلالية المؤسسات و بذلك تم التخلي على نظام التسيير الاشتراكي للمؤسسات ، هذه الإصلاحات أدت إلى انعكاسات سلبية على الوضع الاجتماعي مست النظام الدستوري من بينها المساس بمبدأ المساواة بين المواطنين و مساس بحق العمل، و الذي لا ينبغي تجاهله هو أن تلك الحوادث و الاضطرابات التي عرفتها الجزائر كانت وراء أسباب عديدة ، منها سياسة التقشف التي انتهجتها الحكومة ، نتيجة انخفاض سعر البترول إلى جانب تدني القدرة الشرائية للمواطن و تجميد الأجور لمدة 4 سنوات ، و ارتفاع أسعار المواد المختلفة بطريقة فوضوية ، بحيث لم يكن بمقدور السلطة السيطرة على الأسعار ، فضلا عن ارتفاع البطالة ، لاسيما عند الشباب و توقف التصنيع ، و ضعف الانتاج الفلاحي ، و قلة مردودية المؤسسات الاقتصادية و ارتفاع ديون الجزائر من مليار دولار سنة 1970 إلى 19 مليار دولار سنة 1988 ، يضاف إلى ذلك ظهور طبقة بورجوازية طفيلية ، أثرت على حساب المصلحة العامة . أما فيما يخص المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور الجديد فقد ركز هذه المرة أكثر على الجانب الاقتصادي و التجاري للخروج من الأزمة حيث نصت المادة 8 " على أن الشعب يختار لنفسه مؤسسات غايتها لاسيما تشجيع بناء اقتصاد متنوع يثمن قدرات البلد كلها " و كذا " حماية الاقتصاد الوطني من أي شكل من أشكال التلاعب أو الاختلاس أو الرشوة أو التجارة غير المشروعة أو التعسف أو الاستحواذ أو المصادرة غير المشروعة ".
كما أكد المشروع في مادته 170 أن " مجلس المحاسبة يتمتع بالاستقلالية و يساهم في تطوير الحكم الراشد و الشفافية في تسيير الأموال العمومية " كما يكلف بالرقابة البعدية لأموال الدولة و الجماعات الإقليمية و المرافق العمومية و كذلك رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة " ، فيما أشار المشروع في مادته 17 مكرر على أن الدولة تضمن الاستعمال الرشيد للموارد الطبيعية و الحفاظ عليها لصالح الأجيال القادمة " و " تحمي الدولة الأراضي الفلاحية و الأملاك العمومية للمياه "

أستاذ القانون الدولي السيد محمد بوسلطان
وفي نفس الإطار أكد الدكتور محمد بوسلطان المختص في القانون الدولي و عضو سابق في لجنة صياغة دستور 1989 الذي أكد بشأنه أنه كان مختلفا تماما عن الدستور التمهيدي الحالي حيث أن مضمونه كان يرتكز على التحول من النظام الأحادي إلى النظام التعددي و أن أهدافه لم تكن نفسها بل مغايرة حيث كانت اللجنة سابقا تحتاج إلى الانتقالية ، وهذه أكبر صعوبة واجهتها لجنة 89 يضيف المتحدث ، كما أن أعضاءها لم يكن معلنا عن أسمائهم حيث تم استدعائهم مباشرة إلى رئاسة الجمهورية ، وكانت عبارة عن هيئة بمشاركة مختلف المنظمات الجمهارية و الكثير من الأطياف " العمال ، النقابات ... وغيرهم " ، وعليه المهمة صعبة كونها كانت حسب الدكتور شبيهة بجمعية عامة عكس اللجنة الحالية التي صاغت الدستور التي أٌعتٌمد فيها على تقنيين أخصائيين في الجانب السياسي مستمدين سلطتهم من رئيس الجمهورية ، لهذا النتائج السياسية التي تم التوصل إليها مؤخرا لم يكن لها الحرية في العمل السياسي لأنها من توجيهات رئيس الجمهورية ، و بالتالي دورها دور تقني من أشخاص لهم تجربتهم في الممارسة السياسية بعضهم نواب في مجلس الأمة أو المجلس الدستوري ، فيما أعرب بوسلطان بأنها أول مرة تتجه الجزائر إلى نحو هذه الطريقة وحسب نظرته حولها أشار بأن الظرف الحالي الذي تمر به البلاد هو الذي سمح باختيار تشكيل لجنة تقنيين لصياغة ما تم التوصل إليه من خلال كل المراحل التي سبقت ، مبرزا في هذا الخصوص بأن الحكومة اعتمدت على ترجمة المادة الخام التي بحوزتها من خلال المشاورات التي أجرتها السلطة منذ إعلان تعديل الدستور سنة 2008 ، مضيفا بأن تنصيب الحكومة الحالية للدستور لا يزال قيد التجهيز علما أنه مر بمراحل عديدة و قطع أشواطا كبيرة و هو حاليا قيد المرحلة التحضيرية الأخيرة لأنها شكلت فقط مشروع أولي عرض لرئيس الجمهورية لينتقل بعدها إلى الطرق المهمة التي يشتغلها الدستور إذا كان يحتاج إلى الموافقة أو الرفض من طرف البرلمان أو الاستفتاء مباشرة علما أن المشروع حسبه وجب عليه أن يكون توافقيا يراعي توزيع السلطات داخل النظام و يخلق بعض التوازنات الجديدة داخل المؤسسات الدستورية ، مرورا بكيفية إعطاء المعارضة المنتخبة بعض الصلاحيات ومواكبة الحراك السياسي ، لينوه بأن الدستور الجزائري يتميز عن غيره بحمله وعود الثورة الجزائرية التي تحولت إلى ثوابت في إنشاء دولة جزائرية معاصرة في ظل احترام الحريات و الحقوق .

التعديلات الدستورية الجريئة و الإستعجالية لسنتي 2002 – 2008
منذ تولي رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة مقاليد الحكم عبَر عن عدم رضاه على دستور 1996 لأنه كان ينطوي على بعض التناقضات خاصة على مستوى تنظيم السلطة التنفيذية إلا أن الظروف و أولويات المرحلة لم تسمح له بالمبادرة بتعديلات دستورية عميقة يشارك الشعب فيها عن طريق الاستفتاء ، لذلك فقد اكتفى بتعديلات جزئية مندرجة لمعالجة تداعيات كل مرحلة ، على هذا الأساس انصب التعديل الأول و المقتضب على ترقية تمازيغت بكل مكوناتها كلغة وطنية ، إلى جانب اللغة العربية في الوقت الذي اعترض فيه البعض على هذه الترقية ، لأنه في ذلك حسبهم منافسة للغة العربية ، و بعد ذلك بادر بتعديل دستوري كان مجاله واسعا هذه المرة على اعتبار أنه طال رموز الثورة و الحقوق و الحريات و تنظيم السلطة التنفيذية ، أين تم تعديل المادة الخامسة من دستور 1996 ، و هو إضفاء طابع الثبات على هذه الرموز خاصة العلم و النشيد الوطنيين بجعلهما غير قابلين للتغيير بإضفاء طابع الديمومة عليهما لضمان حفظهما على مر الأزمنة و الأجيال على اعتبارهما مكاسب الثورة التحريرية المجيدة .

وفي نفس السياق المتعلق بالإصلاحات الدستورية في الجزائر ، ننوه بأن المقومات الداخلية للأمة الجزائرية الممثلة في الدين و اللغة و المبادئ العامة للمجتمع و الحفاظ على إرث الأجيال السابقة و الطابع الجمهوري ثابتة لا يمكن أن تكون أبدا محل مراجعة في أي مشروع دستوري تعرفه الجزائر مستقبلا وكذلك بعض المقومات التي تعتبر التزامات دولية للجزائر كميثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1966 ، و المبادئ التي يقوم عليها كحل النزاعات الدولية سلميا و نبذ العنصرية و التطرف بكل أشكاله .

للإشارة نوهت الطبقة المفكرة بالجزائر المشاورات التي اقترحها تعديلات الدستور الجريئة و التي أهمها استقلال القضاء مع فصل واضح بين السلطات و عصرنته و تعزيز دور المجلس الدستوري بفتح الباب لإخطاره لعدد من البرلمانيين بما فيهم الأقلية و تطوير الحريات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و تكريس حقوق جديدة مثل الحق في محاكمة عادلة وحماية الأطفال المشردين و المعوقين و الأشخاص المسنين وكذا تدعيم مكانة المرأة الجزائرية ودورها في التسيير و توطيد الحكم الراشد ودولة القانون من خلال مكافحة البيروقراطية .

وضوح معالم سنة 2016 بكشف النقاب عن الدستور التمهيدي في الجزائر وفصل مهام مؤسسات الدولة
يرى أهل السياسة أن التعديلات الدستورية في الجزائر بلوائحها و اقترحاتها منذ البداية مرورا إلى اليوم تعكس الإرادة في تكييف القانون الأسمى مع تطور المجتمع ، وعلى سبيل المثال الاقتراح الجريء حاليا في الدستور المتعلق في مجال الحريات حيث جاء التعديل بهذا الشكل " إقرار العمل على تحقيق المناصفة بين الرجل و المرأة "، "إقرار حرية ممارسة الشعائر الدينية في إطار القانون" و"حرية الصحافة ضمن احترام حقوق و حريات الغير ومنع ممارسة أي رقابة مسبقة عليها " وهي المرة الأولى التي ينص فيها الدستور على حرية الصحافة بدلا من حرية التعبير و أنها غير مقيدة بأي شكل من أشكال الرقابة الردعية المسبقة ،

الأستاذ الأكاديمي و الإعلامي السيد كريم حرش
أما الشق المهم في مشروع تعديل الدستور و الذي ثمنه الإعلامي كريم حرش في العديد من الجوانب ما جاء في إستحداث بعض المجالس الإستشارية ضمن الدستور ، فقد تحدث عن المجلس الإسلامي الأعلى و تحدث عن كيفية تعيين رئيسه و أعضاءه و أيضا عن مجلس أعلى للأمن و مجلس وطني لحقوق الإنسان و مجلس وطني لمكافحة الفساد إلى جانب مجلس وطني علمي و تحدث فيهم عن الرئاسة و العضوية و الإستقلالية في التسيير ، يضيف الأستاذ حرش بأن المجلس الأعلى للشباب لم يدرج المشرع مثلما يتم تداوله في الساحات السياسية والترويج له بأن الرئاسة عينت فلان و علان فلا أساس لها من الصحة وهي مجرد إشاعات لمعرفة ردود فعل الرأي العام و الضغط على السلطة ،
المادة 173- 4 : يقدم المجلس الأعلى للشباب آراء وتوصيات حول المسائل المتعلقة بحاجات الشباب وازدهاره في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والرياضي.
كما يساهم المجلس في ترقية القيم الوطنية والضمير الوطني والحس المدني والتضامن الاجتماعي في أوساط الشباب.
لهذا لابد للشاب يضيف الإعلامي حرش أن يكون في مستوى تطلعات المهام المنوطة به و بقدر المسؤولية الملقاة على عاتقه و يتكاتف فيما بينه و يسعى لوضع يده في يد من يرى فيهم الكفاءة و الجرأة و القدرة و الصرامة على أن يكون ضمن هيئة إستشارية بحجم المجلس الأعلى للشباب ، وهذا لن يكون بالمظاهر أو الانتماءات أو الجهوية أو غيرها ولكن يكون بالكفاءة و القدرة و توفر الميكانيزمات الضرورية على أوسع نطاق وسط الشباب و القدرة على إبتكار و عرض أفكار و أطروحات و بلورتها في الواقع و الدفاع عن المصالح العليا للشباب الجزائري بكل إيمان و إخلاص و إعتزاز .

إن الشعب الجزائري ناضل و يناضل دوما في سبيل الحرية و الديمقراطية ، ويعتزم أن يبني بهذا الدستور الجديد مؤسسات دستورية ، أساساها مشاركة كل جزائري و جزائرية في تسيير الشؤون العمومية، و القدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية ، و المساواة و ضمان الحرية لكل فرد .
فالدستور يجسم عبقرية الشعب الخاصة ، و مرآته الصافية التي تعكس تطلعاته ، و ثمرة إصراره ، و نتاج التحولات الاجتماعية العميقة التي أحدثها ، و بموافقته عليه يؤكد كل عزم و تقدير أكثر من أي وقت مضى سمو القانون .

الأبعاد الاقتصادية و السياسية للمورد النفطي بالجزائر
يعتبر النفط أو كما يحلو للكثير تسميته " الذهب الأسود " ، السائل المعدني الذي يحتوي على الكثير من المركبات المعدنية المهمة ، و الذي يصر على تصدر قائمة الأحداث العالمية بين الحين و الآخر ، فالنفط هو المصدر الرئيسي للطاقة على اختلاف أنواعها و أشكالها عالميا ، سواء كان ذلك للمنازل أو المصانع أو وسائل النقل المختلفة ، وهو بلا شك المصدر الرئيسي لتوليد الكهرباء ، كما يعتبر من أهم مصادر المواد الخام لكثير من الصناعات ، و مما يزيد من أهمية هذا المعدن النفيس رخص سعره ، مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى و سهولة استعماله ، بالإضافة إلى كونه أقل تلويثا للبيئة من مصادر الطاقة الأخرى .
ورغم كل محاولات الدول الكبرى التقليل من الاعتماد عليه الا أن النفط حافظ على أهميته ، بل وزاد الطلب العالمي عليه و أصبح عنصرا مهما ومؤثرا في تطور الأوضاع السياسية و الاقتصادية .
ومع كل الأهمية التي يحظى بها النفط ، فإنه بدأ يتقدم في قائمة الأخطار التي تهدد الدول المستهلكة و المنتجة له في بعض الأحيان ، فعلى الصعيد الاقتصادي ، يشكل ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط بسبب الأوضاع السياسية العالمية وغيرها خطرا حقيقيا على النمو الاقتصادي لكثير من دول العالم عامة و الجزائر بوجه الخصوص بصفتها دولة منتجة للنفط ، حيث يؤدي هذا الإضطراب إلى الإضرار بصادراتها كون صادرات الجزائر هي صادرات ذات إتجاه واحد و أثناء حدوث أي خلل فيها قد ينعكس سلبا على مداخيلها و بالتالي على أدائها الاقتصادي ، وبما أن ميزانية الجزائر هي أحد الأدوات التي تستعملها في أداء سياستها الاقتصادية ، حيث تعكس الحياة الاقتصادية و الاجتماعية في مجتمعنا ، فهي إدارة تساعد في توجيه الاقتصاد القومي نحو الأفضل ، فلم تعد الميزانية أرقاما و كميات كما كانت في المفهوم التقليدي بل لها آثار في كل من حجم الإنتاج القومي و كذا في مستوى النشاط الاقتصادي بكافة فروعه و قطاعاته و الميزانية العامة تؤثر في القطاعات الاقتصادية ، فغالبا ما تستخدمها الدولة " النفقات و الإرادات " لإشباع الحاجات العامة التي يهدف الإقتصاد إلى تحقيقها فهي قد تستجيب لأي تغيير يحدث في الصادرات النفطية .
تعديلات الميزانية في أعقاب تراجع أسعار النفط بالجزائر
تتشكل الميزانية العامة للدولة من الإيرادات و النفقات النهائية للدولة المحددة سنويا بموجب قانون المالية و الموزعة وفق الأحكام التشريعية و التنظيمية المعمول بها وعرف المشرع الجزائري الميزانية بأنها الوثيقة التي تقدر للسنة المدنية مجموع الإيرادات و النفقات الخاصة بالتسيير و الاستثمار منها نفقات التجهيز العمومي و النفقات بالرأس مال و ترخص بها ، كما أن لها تعريف آخر وهو جرد النفقات و الإيرادات المقرر تحقيقها خلال مدة محددة من طرف شخص أو مجموعة وهي تعني بالنسبة للدولة مجموعة الحسابات التي ترسم لسنة واحدة الموارد و الأعباء الدائمة .
قامت الدولة الجزائرية بفتح حساب خاص يودع فيه فائض قيمة ما تستفيد منه البلاد من عملياتها المختلفة و خاصة تصدير المحروقات ، و تقوم بعدها باللجوء إلى الصندوق لتصحيح أي عجز أو اختلال ينتج عادة عن تحديد سعر مرجعي يقدر بـ 37 دولارا ، بينما سعر التوازن للميزانية يقدر بـ100 دولار ، وهو السعر التقديري الواجب تحقيقه لضمان توازن الميزانية بكافة نفقاتها التي تشمل ميزانية التسيير و التجهيز ، هذه الميزانية التي تعرف ارتفاعا مستمرا و تشكل أعباء لميزانية الدولة التي عجزت خلال السنوات الماضية عن إيجاد بدائل تستغلها كالفلاحة و الصناعة تسمح لها بتوسيع مصادر الدخل خارج نطاق المحروقات ، وهو ما يدفعها إلى اللجوء مرارا إلى درء العجز في الميزانية بفضل الإيرادات الإجمالية للمحروقات و الفوائض التي تودعها في صندوق ضبط الموارد .

ومما سبق فإن السلطات العمومية تستخدم صندوق ضبط الموارد منذ سنوات أي منذ إنشائه في سنة 2000 ، كآلية تثبيت و ضبط و تعديل للميزانية العامة للدولة ، حيث تم تصنيفها ضمن الصناديق الخاصة و بالتدقيق ضمن حسابات التخصيص الخاص الذي يمكن الدولة من سد عجزها نتيجة تراجع إيرادات الجباية البترولية التي يمكن أن تكون أقل من تقديرات و توقعات قانون المالية ، و لكن أيضا تسديد و تسوية المديونية العمومية الداخلية و الخارجية ، و عرف صندوق ضبط الموارد خلال الفترة الأخيرة تقلبات أيضا نتيجة التراجع المحسوس في عائدات البلاد ، مع إنخفاض الإنتاج و الصادرات و نسب نمو قطاع الطاقة ، وهو ما ساهم في عدم تحقيق التوقعات المعلن عنها سابقا من الوزارة ، ببلوغ قيمة حصيلة الصندوق 7226.4 مليار دينار مع قانون مالية 2014 ، أي ما يعادل 89.4 مليار دولار ، بينما قدر الرصيد الإجمالي للصندوق مع سنة 2014 بحوالي 4774 مليار دينار أي ما يعادل قرابة 59 مليار دولار ، وهو ما يعكس التأثير الكبير لتقلبات أسعار النفط ، و الإيرادات الناتجة عن قطاع الطاقة ، و يضع هذا العامل الجزائر تحت الضغط نتيجة توقعات ارتفاع قيمة العجز في الميزانية و الخزينة إلى أكثر من 46 مليار دولار .

وفي نفس المضمار كشفت الحكومة الجزائرية مؤخرا على لسان المدير العام للتجارة الخارجية السيد إلياس فروخي أن البلد يعيش مرحلة عدم توازن في الميزانية التجارية و المدفوعات ، بسبب إنهيار أسعار البترول وهو ما أدى إلى تراجع صادرات الجزائر ب 40 بالمائة . موضحا أن التقرير الأخير الصادر عن المركز الوطني للإعلام و الإحصائيات القائل بأن صادرات الجزائر تراجعت بأربعين بالمائة و ب11 بالمائة من وارداتها ،كان منتظرا بسبب إنهيار أسعار البترول و الغاز فيما قابل انخفاض الصادرات و الواردات ارتفاع محسوس في حجمها بمعنى الكمية ، للإشارة الجزائر اقتصدت 4 ملايير دولار بعد انخفاض الواردات ب 11 بالمائة ، فيما تسعى الدبلوماسية الجزائرية في البحث عن أسواق خارجية لتنويع صادرات الجزائر خارج البترول ، من خلال عقد اتفاقيات التبادل الحر مع دول أجنبية ، و الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية ، مما سيسمح بسهولة ولوج المنتوج الجزائري إلى الأسواق الدولية و تحديد الاستثمارات بما يليق بمعايير و احتياجات تلك الأسواق ، علما أن الاستثمارات الجزائرية المنطلقة منذ أكثر من 15 سنة لا تلبي حتى احتياجات السوق العربية و بالكاد توفر متطلبات السوق الجزائرية ، و أن التدابير التشجيعية المتخذة حاليا غير كافية .

تحديات كبيرة ... مشروع قانون المالية 2016 بالجزائر يثير الجدل
كشفت المؤشرات المعتمدة في مشروع قانون مالية 2016 أهم التدابير المتخذة عن حجم التحديات التي تنتظر الجزائر مستقبلا مع اتساع العجز في الميزانية و الخزينة و تداعيات الانخفاض الكبير في أسعار النفط الجزائري ، ما أدى إلى إسراع خبراء الجزائر في كيفية توسيع و بناء اقتصاد قوي لضمان مستقبل البلاد خاصة أن المحروقات لن تكون دائمة و الأسعار ليست مستقرة ، علما أن الجزائر تمتلك احتياطيا من الذهب و نقد أجنبي قدر بـ 192.5 مليار دولار ، فيما يبلغ إنتاجها من النفط بـ 1.19 مليون برميل من النفط يوميا .
وفي هذا السياق تعرف الأزمات السعرية في صناعة البترول بأنها اختلال مفاجئ في توازن السوق يؤدي إلى انخفاض أو ارتفاع حاد في الأسعار يمتد على فترة زمنية معينة حيث تقع نتيجة تأثر محددات العرض أو الطلب أو كلاهما في آن واحد بعوامل داخلية كالتغيرات الهيكلية في الصناعة مثل عدم وفرة العرض لإعادة التوازن 1970-1979 إلى السوق أو إنهيار التجمعات الاحتكارية كما حدث في أزمة الطاقة الأولى ، كما يمكن أن يكون مرده عوامل خارجية لا علاقة لها بالصناعة مثل حركة رؤوس الأموال الساخنة و التغيرات الجيوسياسية .

الفاعل الاقتصادي السيد عبد الرحمن بوسعيد
وفي خضم هذا الصراع السوسيو اقتصادي يرى الدكتور عبد الرحمن بوسعيد الفاعل الاقتصادي ورجل الأعمال الشهير أن اقتصاد الجزائر هو اقتصاد وحيد القرن الاستهلاكي المبني على مصدر وحيد و هو البترول منذ الاستقلال إلى اليوم ، يعني اقتصاد منتج بمصادر متنوعة للتمويل تعتمد على الذهب الأسود ، يضيف كل ما يمر في الميدان من تذبذب الأسعار له تأثيرات جيو سياسية مختلفة ، أهمها عجز الميزانية الذي يتجاوز أكثر من النصف ليصبح الوضع شبيه بمنتصف الثمانيات بالجزائر كونها لم تمر بدورة تخطيطية و بناء استشرافي استراتيجي للمستقبل بل تعتمد على العائد فقط في نمو ميزانيتها ، و للأسف أسعار بيع البترول وصلت إلى أقل من سعر تكلفة الإنتاج ، علما يقول بوسعيد أن الأسعار مستمرة في النزول وجعلت المستفيد الأول الدول الأوربية و على رأسها إيران و الولايات المتحدة الأمريكية التي تختزن احتياطاتها البترولية 300 سنة قادمة في بحار ألاسكا .
تحذيرات من أزمات خانقة .... ترشيد الاستهلاك الجزائري ... دعوات إلى التقشف
مع تواصل مسلسل تهاوي أسعار النفط و معطياتها التي أدخلت الحكومة الجزائرية في صراع مع الزمن لتعطيل العجز المسجل ، وهو ما يؤثر على الحسابات المالية للبلاد ، خاصة أن قانون المالية أثار جدلا واسعا نتيجة وضع الحمل على المواطن بدعوته إلى التقشف عوض وضعه على المؤسسات الاقتصادية التي يفترض أن تكون سباقة لحمل الثقل بعد أن استفادت من البحبوحة المالية لسنوات عديدة حسب آراء الاقتصاديون الذين أكدوا أيضا بأن كل التوقعات تصب في خانة استمرار الأزمة النفطية لخمس سنوات قادمة على الأقل ، مدة لا يضمن تغطيتها صندوق ضبط الإرادات و لا احتياطي الصرف ما يفتح الباب على مصراعيه على الاستدانة .

أستاذ العلوم الاقتصادية السيد أحمد شريفي
وفي هذا الخصوص كشف أحمد شريفي أستاذ العلوم الإقتصادية بأن ميزانية الدولة تتأثر في شقيها سواء في الإرادات أو في شق النفقات مرورا إلى شق ميزان المدفوعات بمعنى أن الواردات تفوق الصادرات بكميات كبيرة و بالتالي يصبح لها عجز في الميزان التجاري إلى جانب ضاغط على الوضعية المالية وعلى احتياطي الصرف الجزائري و أيضا يؤثر على قيمة العملة ، مشيرا بأنه مطلوب من الجهاز التنفيذي " تقوية الإرادات العادية في الميزانية و الرشادة الصارمة في عملية تحصيل الواردات و ترشيد النفقات و المال الموجود ، وكذا تنويع الإدخار بحيث لا نعتمد على إدخار إجباري متمثل في الجباية و الضرائب و الرسوم ، بل لا بد يضيف السيد شريقي إلى فتح الباب للإدخار الطوعي الواسع و تفعيل السوق المالية محذرا بتهاوي الأسعار إلى 20 دولارا للبرميل الواحد .
للعلم سجلت الجزائر سنة 2015 عجزا تجاريا ب71ر13 مليار دولار مقارنة بفائض بلغ 306ر4 مليار دولار خلال سنة 2014 .
وأوضحت وزارة المالية أن الصادرات تراجعت إلى 787ر37 مليار دولار سنة 2015 ،مقابل 886ر62 مليار دولار سنة 2014 أي بانخفاض نسبته 40 بالمائة، أما الواردات فتراجعت بدورها لكن بأقل حدة إذ بلغت 501ر51 مليار دولار سنة 2015 مقابل 58ر58 مليار دولار سنة 2014 (-12 بالمائة)،و هكذا بلغت نسبة تغطية الصادرات للواردات 37ر73 بالمئة سنة 2015 مقابل 35ر107 بالمائة سنة 2014 في السياق ذاته، تقلصت صادرات المحروقات إلى 724ر35 مليار دولار مقابل 304ر60 مليار دولار (-76ر40 بالمئة)، فيما انخفضت الصادرات خارج المحروقات إلى 063ر2 مليار دولار سنة 2015 مقابل 582ر2 مليار دولار (1ر20 بالمائة)، حالها حال واردات المواد الغذائية التي انخفضت إلى 314ر9 مليار دولار سنة 2015 (مقابل 11 مليار دولار سنة 2014)، فيما انخفضت واردات المواد الاستهلاكية غير الغذائية إلى 597ر8 مليار دولار مقابل 334ر10 مليار دولار سنة 2014.
هذا وتراجعت أيضا واردات المواد الوسيطة إلى 88ر15 مليار دولار سنة 2015 (مقابل 62ر17 مليار دولار سنة 2004)، فيما بلغت واردات مواد التجهيز 7ر17 مليار دولار مقابل 62ر19 مليار دولار.
الجزائر تتجه إلى بعث إنتاجها الوطني للخروج من الأزمة بعد انخفاض سعر النفط
يعتبر القانون التجاري مجموعة من العلاقات القانونية التي تنظم العلاقة بين التاجر وكل ما يتعلق بأي نشاط تجاري و ما يتعلق بالشركات ، وعليه تعتزم الحكومة بالجزائر إلى التركيز أكثر على التجارة في المراحل القادمة ، حيث تعتزم إلى بعث الانتاج الوطني من جديد ليتسنى تدريجيا استخلاف الصادرات التي باتت مكلفة جدا في سياق انخفاض كبير لعائدات النفط ، ومن تم تعبئة كل الطاقات التي يتوفر عليها قطاع الصناعة بصفته محرك بلا منازع للنمو ، وقد تجلت هذه الإرادة في جعل من بعث استثمار منتجح و تنويع الاقتصاد الوطني أولوية الساعة ، من خلال إعادة تنظيم القطاع التجاري العمومي و مباشرة مراجعة قانون الاستثمار و انطلاق انجاز مركب الحديد و الصلب "لبلارة" و كذا إعادة دفتر شروط جديد خاص بوكلاء السيارات ، ذلك هو الثمن الذي تعتزم فيه الحكومة تحقيق بروز اقتصادي لسنة 2019 مع نمو يقدر بـ 7 % خارج المحروقات ، محققة أساسا من القطاع الصناعي و مباشرة إعادة بناء الأطر التنظيمية و القانونية لعدة نشاطات تابعة للقطاع ، و قد أفضت إعادة تنظيم القطاع العمومي التجاري إلى بروز 12 مجمعا اقتصاديا منبثقا عن 14 شركة ، إضافة إلى 7 مجمعات جديدة تعتبر جميعها محركا للنمو الاقتصادي في البلاد .

إعطاء الأولوية للمنتوج الوطني و تثمين المناجم


ركزت الحكومة في الوقت الراهن إلى الانتقال من اقتصاد تنمية إلى اقتصاد قادر على التصدير ، حيث برزت هذه الضرورة مسعى قائما على إشراك المتعاملين الوطنيين للقطاعيين الخاص و العام وكذا على الشراكة الأجنبية ، و عليه تم تنظيم أزيد من عشر لقاءات اقتصادية ثنائية و عقد نحو عشر لجان مختلطة في الجزائر و في الخارج خلال السنة ، و يتعلق الأمر بشكل خاص بفرنسيين و أمريكيين و إيطاليين و صينيين و ألمانيين و تونسيين و بولونيين و إيرانيين و سودانيين و جنوب إفريقيين ، و أفضت معظم هذه اللقاءات إلى إبرام اتفاقات تعاون اقتصادي و نداءات لتعزيز الاستثمارات في الجزائر عوض الاقتصار على المبادلات التجارية التقليدية ، أما بالنسبة للأجندة الصناعية لسنة 2016 فستكون مكثفة بما أن القطاع سيستكمل الورشات الجارية : قانون الاستثمار ودفتر الشروط لتركيب السيارات و المفاوضات مع صانع السيارات بيجو ، كما ستتميز السنة الحالية بتواريخ هامة لاسيما في الصناعة المنجمية التي تولي إليها وزارة الصناعة أهمية قصوى ، سيتعلق الأمر بتجسيد المفاوضات الجارية من أجل إنشاء مجمعات لاستغلال حقول منجمية ، ومنها على وجه الخصوص حقل غاز جبيلا " تيندوف " الذي تقدر احتياطاته بـ 3 ملايير طن من المعادن .
للإشارة حققت الجزائر سنة 2014 فائضا تجاريا قدره 4.63 ، وقد بلغت قيمة الصادرات 62.95 مليار دولار ، مما يدل على انخفاض طفيف بنسبة 4.47 % ، أما الواردات فقد بلغت قيمتها 58.33 دولار ، أي بزيادة قدرها 6 بالمائة مقرانة بعام 2013 ، ويوضح هذا المؤشر أن هناك زيادة متزامنة في الواردات و انخفاض في الصادرات المسجلة خلال الفترة المذكورة أعلاه ، وعلاوة على ذلك من حيث تغطية الواردات بالصادرات فإن النتائج تدل على أنها تحررت إلى 108 % سنة 2014 مقابل 118 سجلت سنة 2013
اقتصاديو الجزائر يدعون إلى التركيز على المقاولة الوطنية في المرحلة الراهنة
طالب العديد من الخبراء في مجال الاقتصاد إلى المضي قدما و بشكل قبلي نحو اقتصاد ناشىء بالاعتماد أساسا على المقاولة الوطنية من خلال دعم المؤسسات الوطنية المنتجة و التي تعمل على خلق الشغل و الثروة و بالشراكة مع متعاملين أجانب و لكن دون المساس بالمكتسبات و المصالح الاجتماعية للجزائريين . و رغم تأثرها بتراجع أسعار النفط إلا أن التوازنات الكبرى للاقتصاد الكلي تبقى ثابتة وبوضع يسمح لها بمرافقة هذا المسعى ، خاصة أن الحكومة وضعت كل الفرضيات الخاصة بتقلبات أسعار الخام في الحسبان ، كما تسمح السيولة المالية المعتبرة للبنوك و المقدرة حاليا بنحو 2.324 مليار بمواصلة تمويل الاستثمارات حيث تم إعطاء تعليمات واضحة بهذا الخصوص من أجل منح المزيد من القروض للاقتصاد ، بالمقابل استرجاع السيولة المالية الموجودة خارج التعاملات البنكية و المقدرة بنحو 3.700 مليار دج و توظيفها في خدمة الاقتصاد الوطني ، علما أن دور البنوك لها المساهمة في تأطير و ترقية التجارة الخارجية حيث طالبها يلعب دوره كما ينبغي في هذا الصدد خاصة من خلال تمويل الاستثمارات المنتجة موازاة مع تفعيل أكبر لآليات الرقابة على عمليات تمويل الواردات .


عبد الرحمن مبتول خبير اقتصادي
أكد الخبير الاقتصادي الجزائري عبد الرحمن مبتول أن "مشروع قانون المالية 2016 يتماشى مع قانون العام الماضي ، وتقدر حجم الواردات في 2015 بــ7 مليارا دولار، ومع أن مشروع القانون الجديد سيفرض الضرائب والرسوم فإنه لن يعوض العجز الحاصل المقدر قيمته بــ30 مليار دولار""
ويرى مبتول أن "مصير الجزائر مرتبط بأسعار المحروقات مستقبلا التي تقدر صادراتها بـ97%"، وهذا دليل فشل كل الحكومات الجزائرية المتعاقبة في خلق اقتصاد بديل ، علما أن إيرادات الصندوق تراجعت من 18.1 مليار دولار في 2014 إلى 7.1 مليار دولار في العام المنقضي ، و تضمنت تقارير وزارة المالية أرقاما صادمة ترهن المشاريع التنموية و تجعل الوضع الاقتصادي و الاجتماعي على كف عفريت .
وبلغة الأرقام التفصيلية يرى مبتول أن "قيمة احتياطات الصرف الخارجي تبلغ 190 مليار دولار، وإذا استمرت الأمور في التدهور فإن صندوق ضبط الإيرادات ينتهي في منتصف 2017 ومع بداية 2019 يكون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي السبيل الوحيد".
ويؤكد الخبير أن الضرائب الجديدة المفروضة في قانون المالية 2016، جاء لتعويض العجز، ففي المحروقات والكهرباء والإنترنت أصبحت 17% بنسبة زيادة تقدر بـ10%، وفي نسبة الضرائب على استيراد الأجهزة الكهرومنزلية زيادة من 17% إلى 30%، إضافة إلى ضرائب في تأمين السيارات وأيضا الطوابع الخاصة بها 600%، واستيراد السيارات الفخمة ناهيك عن الواردات من الفواكه والمكسرات التي سترتفع فيها الرسوم من 30% إلى 60%.

إقتصاد في خطر و مداخيل النفط الشجرة التي تحجب الغابة
يترجم مشروع المالية 2016 عزم السلطات العمومية على توخي الحذر حيال أزمة سوق المحروقات العالمية و في الوقت نفسه توخي الثبات في مجال العدالة الاجتماعية و التضامن الوطني و الحرص على مواصلة التنمية الوطنية ، مما تعين على السلطات العمومية أن توضح أكثر للسكان خطورة الظرف المالي الذي تمر به الجزائر و كذا الطابع المنفرد عالميا لنفاقتها العمومية الاستثمارية و تحويلاتها الاجتماعية وهو ما جعل الشعب ينضم للجهود الضرورية للحفاظ على استقلالية القرار الاقتصادي للبلاد و التي تبقى أساسية لمواصلة سياسة مطابقة لقيمها المتمثلة في العدالة الاجتماعية و التضمان الوطني ، مما دعا الحكومة إلى الاستمرار في ترشيد النفقات العمومية و مكافحة التبذير و كافة أشكال المساس بالثروات الوطنية بما في ذلك الفساد ، وفي هذا الخصوص أكدت الحكومة على لسان رئيس الدولة أن الشعب بحكم قناعته يعي جيدا أن الجزائر تتوفر على عدة مؤهلات سيتجند لتثمين و تحويل هذه التحديات إلى نجاحات وطنية ، فيما دعا رئيس الجمهورية الحكومة إلى تكثيف الاتصال المؤسساتي بهدف التوضيح للرأي العام واقع التحولات التي تمت مباشرتها أو ستتم مباشرتها و التي لا تشكك بتاتا في السيادة الوطنية على اقتصاد البلاد و لا تقرر مسبقا تخلي الدولة عن المؤسسات الاستراتيجية الناشطة في السوق ، وكذا طمأنة الرأي العام أن هذه التحولات لن تشكك في خيار التضامن و العدالة الاجتماعية .
تذليل الصعوبات أمام خلق المؤسسات الاقتصادية و المشاريع الجديدة
قدم مؤخرا خبراء الجزائر إلى الحكومة العديد من المقترحات و الإرشادات لزيادة الانتاج و تذليل الصعوبات التي أهمها ضرورة توجيه الاستثمار إلى القطاع الصناعي المنتج و إيجاد حلول عملية لإشكالية العقار الصناعي ، ومن تم تخفيف العبء الجبائي على المؤسسات الإقتصادية الجزائرية و تسهيل الإجراءات الإدارية لخلق المؤسسات و المشاريع الاقتصادية الجديدة ، وكذا تحفيز الابتكار و الأفكار الجديدة مع تطوير البنى التحتية مع طبيعة النشاطات الاقتصادية ، و التوجه إلى استخدام الأنظمة الآلية و الطاقات البديلة ، بالإضافة إلى حل الاشكاليات المتعلقة بتوفير المواد الخام و الموارد الأولية لبعض القطاعات كالبناء ، إلى جانب تنشيط قطاع الخدمات الصناعية و خلق حاضنات الأعمال و العناقيد الصناعية و المدن الجديدة بمواصفات عالمية و فضاءات اقتصادية جديدة .
لتطلق الحكومة الجزائرية عدة مخططات فورية للخروج من أزمة النفط تجسدت بإبرام اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي من المقرر أن يفضي إلى قيام منطقة تبادل حر ، و يتواصل بالتفاوض الحازم حول الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية التي تنتظر الجزائر بشأنه مساندة شركائها ، كما تقوم الجزائر حاليا على المستوى الداخلي بالتغيرات و التعديلات اللازمة وهكذا فإن مراجعة القوانين ، قصد تكييفها مع اقتصاد السوق ، قد بلغت مرحلتها النهائية أو تكاد .
إلى جانب فتح المجال أمام الشراكة و الاستثمار الخاص محليا كان أم أجنبيا و تقديم التشجيع لهما و قد تم جني بواكير ثمارهما ، و على سبيل المثال شهدت السنوات الخمس الأخيرة إسهاما يقدر بأكثر من 6 ملايير دولار من الاستثمار الخاص المحلي و بما يربو عن 10 ملايير دولار كاستثمارات أجنبية مباشرة ، و يمثل القطاع الخاص اليوم أكثر من 50 % من حجم واردات البلاد وما يقارب 2/3 النمو خارج قطاع المحروقات .
فيما تسعى من جهتها، شركة سوناطراك إلى تغير صيغ التعامل والدفع في تحويلات المواد الطاقوية نحو الخارج خاصة البنزين، حيث لن تضطر سوناطراك إلى دفع قيمة البنزين والغاز عن طريق عملية استيراد عادية بل ستدفع للمتعامل الأجنبي قيمة التحويل، حيث ستوفر سوناطراك حسب الأرقام التي يستعرضها قانون المالية الجديد ما يعادل 1.5 ملايين دولار عن كل مليون برميل معالج، مما يعني تقليص تحويلات العملة الصعبة إلى الخارج بما يعادل 112 مليون دولار سنويا لما يقارب 1 مليون برميل معالج شهريا.

الخبير الاقتصادي و المالي السيد محمد رمضان
منتدى رؤساء المؤسسات يحتضن المشاريع العمومية المجمدة كحل بديل
أشار الخبير الاقتصادي و المالي محمد رمضان فيما يخص اقتراح منتدى رؤساء المؤسسات باحتضان المشاريع العمومية المجمدة أن الإشكالية لا تكمن في الهوية القانونية سواء كان قطاع عام أو خاص مفيدا بأن المرحلة الحالية تلزمنا تكاثف الجهود لأنها فترة صعبة نوعا ما و انتقالية من نمط اقتصادي متأخر إلى نمط آخر ، داعيا في نفس السياق إلى ضرورة التخلي على البرغماتية و الواقعية لا بد أن تسود حسبه ، مفيدا في نفس الإطار بأن مجلس الوزراء مؤخرا تناول عدة ملفات لاسيما قانون المالية لسنة 2016 و قانون الاستثمار الجديد الذي قال بشأنه أنه سيخلص العملية الاستثمارية من نقل الإدارة و يمنح المستثمرين العديد من الامتيازات ، مضيفا بأن الحركة الحالية في الاتجاه الصواب رغم صعوبة المرحلة ، إلا أنها يقول ستوفر بتكاثف الجهود القيمة الإضافية في الجزائر من مناصب الشغل و تصدير المنتوجات و الخدمات ذات الجودة العالمية و تشجيع المؤسسات المصغرة و المتوسطة .
و يجمع البعض الآخر من الخبراء أيضا أنه يمكن رد عوامل تطور السياسة المالية بالجزائر إلى ثلاث محددات متداخلة و متكاملة هي : المحدد الاقتصادي المتمثل في حتمية تغيير الهيكل الاقتصادي ، المحدد الاجتماعي المتمثل في ضغط الطلب على الخدمات العمومية و المحدد المالي المتمثل في الراحة المالية الناتجة عن عوائد قطاع المحروقات من النقد الأجنبي ، إن السير الحسن للسياسة المالية و استقرار معدلات الدين العمومي و العجز الموازني مرهون أولا بالإيرادات العامة خاصة منها الجباية البترولية ، لذا فإن القدرة على تحمل السياسة المالية و العجز الموازني تبقى بدورها مرهونة بتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية الأمر الذي يضفى ميزة الضعف على السياسة المالية بالجزائر بسبب ارتباطها المباشر بمستويات ومدى تقلب أسعار النفط في السوق الدولية ، فاعتماد الاقتصاد الجزائري على الموارد البترولية كمصدر رئيسي للعملة الصعبة ترتب عنه آثار على الاقتصاد الكلي جعلت من نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي مرهونا بتقلبات أسعار النفط الدولية ، التي كان لها فروقات مقابلة لقيمة الصادرات و الإيرادات العمومية ومدى توفر النقد الأجنبي ، كما كان لها أيضا تأثير مباشر على إدارة الإنفاق العام ، إذ أنه نظرا إلى أسعار النفط المواتية في أغلب الأحيان أدت إلى إشارة حدوث زيادة دائمة في الدخل ، قادت إلى مستويات عالية من الإنفاق العام كان من الصعب خفضها.
علما أن السياسة المالية في الجزائر حضيت باهتمام قليل و أهمل إلى حد نموذجي دورها في الاستقرار الاقتصادي ، بمعنى ظهور دائم لإختلالات في مؤشرات الإقتصاد الكلي ، و قد أدت الأزمة المالية الأخيرة و تداعياتها بالأكاديميين و الحكومة إلى إعادة النظر في دور السياسة المالية الاستقرارية ، ومحاولة إيجاد حقائق تجريبية أو تطبيقية تقضي إلى إجماع حول طبيعة تأثير تقلبات أسعار النفط على الصدمات النوعية أو الهيكلية للسياسة المالية.
نود أن ننوه أن دور الميزانية المالية الحديثة ازدادت درجات في مختلف أوجه الحياة الاقتصادية و الإجتماعية على إقليمها فلم يعد هناك مجال للحديث عن حياد الميزانية بل أصبحت هذه الأخيرة أداة من أدوات السياسة المالية تلجأ إليها الدولة لتحقيق أهدافها السياسية و الاقتصادية التي تأخذ بها المعنى الواسع في ارأسماليات المتقدمة و في ظل الوظيفة المالية ، و الأسباب و المبررات التي تكمن وراء ظاهرة الازدياد المستمر في النفقات العامة وهو الواقع الذي أصبح يقابله ويوازيه في اتجاه مسار تدخل الدولة المستمر في مختلف الأمور العامة و الخاصة و هكذا فلم يعد المهم الحفاظ على توازن جانبي الإيرادات و المصروفات في الميزانية السنوية بل أصبح ما يستأثر بالاهتمام هو التوازن العام الاقتصادي و الاجتماعي للاقتصاد القومي ككل و ليس التوازن المالي و الحسابي للميزانية ومن ناحية أخرى فإن التوازن السنوي لم يعد أمر تلتزم الدولة بتنفيذه .
وضيق تدخل الدولة و اتساعه يتعلق بأنواع النشاط الاقتصادي الذي تقوم به فتغير هذا النطاق بين الضيق و الاتساع يعني بالضرورة تغير حجم ميزانية الدولة بين الصغر و الكبر إذ أن هذا الأخير لا يتوقف فقط على مدى الدور الاقتصادي للدولة ، فإن حجم الاقتصاد القومي مع تطوره يؤدي إلى كبر حجم ميزانية الدولة إذ يزداد إنفاقها ، و بالتالي إيرادها حتى مع بقاء عدد النشاطات الاقتصادية التي تقوم بها على حاله .
وفي الأخير لا تزال الحكومات المتعاقبة عاجزة عن اعتماد سياسة اجتماعية واضحة المعالم ، يتم من خلالها ضمان عدالة اجتماعية و تنمية فعلية لنمط معيشة السكان ، رغم الموارد المالية المتنامية التي تخصص برسم التحويلات الاجتماعية و الدعم المباشر و الضمني ، حيث تبقى الآليات المعتمدة عقيمة لأن كافة الفئات معينة بالدعم دون تمييز ، و لتسرب جزء معتبر منه دون أن يحقق الأهداف المنشودة ، سوى محاولات السلطة استعماله مسكنا ، يقي من أي هزات إجتماعية و يضمن هدنة و لو إلى حين .

ووفقا للتقديرات الإحصائية التي يكشفها تقرير عرض مشروع قانون المالية لسنة 2016 ،الذي بلغت نفقات التسيير فيه 3ر4.807 مليار دج (مقابل 2ر4.972 مليار دج في قانون المالية التكميلي 2015.
فإن السلطات العمومية رصدت سنة 2014 ما لا يقل عن 42 مليار دولار، ما يعادل 4552.1 مليار دينار، كتحويلات اجتماعية ودعم مباشر وضمني، منها 1991.3 مليار دينار، أو ما يعادل 18.897 مليار دولار، تحويلات اجتماعية و2560.8 مليار دينار، أو ما يعادل 24.264 مليار دولار، على شكل دعم ضمني. ورغم المبالغ الكبيرة التي رصدت من قبل الحكومة، فإن المشاكل التي يعاني منها المواطن لا تزال قائمة. فمستوى الرعاية الصحية يبقى سيئا للغاية، بل كارثيا في بعض المناطق، كما أن الحظيرة السكنية تعاني نقائص بالجملة رغم اعتماد الحكومات المتعاقبة مقاربة كمية في محاولة لامتصاص الطلب المتزايد، دون مراعاة للجانب المتصل بالصيانة والتسيير، ما جعل الحكومة تواجه مظاهر ”الأريفة” (من الريف) في الأحياء الجديدة. كما أن الدعم العام لمواد غذائية واستهلاكية وضع الدولة أمام واقع عسير، يحتم استمراره تفاديا لأي ثورات، والقبول بتسرب جزء كبير منه سواء للفئات الميسورة أو لشبكات التهريب، ولم تجد الحكومة الحل لمعادلة صعبة ظلت قائمة لسنوات. ويشير عرض الحكومة إلى تخصيص 1840.5 مليار دينار، ما يعادل 17.423 مليار دولار، كتحويلات اجتماعية برسم سنة 2016، ورغم تسجيل القيمة الإجمالية تراجعا مقارنة بسنة 2014 بحوالي 150 مليار دينار، فإنها تبقى أعلى من توقعات قانون المالية التكميلي 2015، بنسبة نمو بلغت 7.5%، و128.78 مليار دينار. كما أنها تعادل 9.8% من الناتج المحلي الخام، وهي مستويات قلّما تسجل في معظم الدول النامية والصاعدة، لكنها في الواقع لا تحل المشاكل التي تعاني منها الجزائر، لغياب رؤية واضحة حول مفهوم ”الدولة الراعية” والبعد الاجتماعي. ولا يتعلق القصور بمجال الدعم المباشر، بل إن السياسات المندرجة في إطار التشغيل الذي نتج عنه دعم ضمني، من خلال إعفاءات ضريبية لمختلف أجهزة التشغيل وتخفيض الإتاوات العقارية وأسعار الطاقة، لم تساهم في تحقيق نقلة على مستوى النسيج الصناعي ونوعية الخدمات المقدمة، بل إن نسبة الإخفاقات تبقى معتبرة. فإلى جانب توقف المئات من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمصغّرة عن النشاط، فإن العديد منها أيضا يواجه عسرا في التسديد لدى البنوك وعدم ملاءمة وعدم قدرة على التسديد، ما أبقى الوضع يراوح مكانه، وتظل الحكومة تتبنى سياسة ”المسكنات” الظرفية.