رحل أحمد وبقيت نقاط أسطورة السلة!

رحل أحمد وبقيت نقاط أسطورة السلة!
رام الله - دنيا الوطن
تتبعت الحلقة (32) من سلسلة "كواكب لا تغيب" التي تنفذها وزارة الإعلام فيمحافظة طوباس والأغوار الشمالية بالتعاون مع الاتحاد العام للمرأة سيرة أحمد محمدأيوب، الذي كان من أوائل شهداء مخيم الفارعة خلال انتفاضة الحجارة عام 1987.

تشق كلمات والده الثمانيني محمد عبد أيوب طريقها من قلب محترق وكبد يقطر حزناً، فيقول:كان في عز شبابه حين سرقوه منا، ولا أستطيع أن أنساه إلى أن يأخذ الله أمانته،وإذا سألت أي واحد من المخيم عنه، فسيبكي حين يتذكر ولدي المحبوب والخلوق.

ابتسامةوتطوع

ووفق الراوي، فقد كان الابن الأشقر وطويل القامة والمبتسم غالبًا يقدم المساعدة للأسرىالذي يطلق الاحتلال سراحهم ليلاً من المعتقل الملاصق للمخيم (مركز الشهيد صلاح خلفاليوم)، وعرف بتشجيعه للشبان على التبرع بالدم لصالح جرحى مواجهات الفارعة.

يكمل الأب المولود في بلدة الفالوجة عام 1927 قبل أن تدمرها العصابات الصهيونية سنةالنكبة: حرص أحمد على ارتداء ثلاثة بناطيل في وقت واحد، فيخرج من المنزل ليعودبواحد فقط، حين يقدم البقية للمحتاجين وللأصدقاء. وقد أمتهن الكهرباء ودرسها، ولميُكمل تعليمه، وكان يرفض الزواج أو بناء بيت، وقد خسرناه بلمح البصر.

تحقيق كروي!

وتسكنفي ذاكرة والد أحمد وأخوته وأبناء جيله ولع أيوب بكرة السلة، وبراعته فيها، لدرجةأن (ديفيد) أحد ضباط المخابرات في معتقل الفارعة استدعاه للتحقيق في الطريقة التييستطيع تسديد الرمية داخل الهدف بسهولة، وسر قفزاته العالية على المرمى المُعلق فيالهواء. ومما قاله الضابط: إن أحمد يتفوق على لاعبي ما يسمى "مكابي تل أبيب"بتسجيله السريع للنقاط ولرشاقته.

يتابع والدي: في يوم الثلاثاء 15 آب 1989 كنا نتناول الغداء، ولم يكمل أحمد صحن العدس،حين هرب من المنزل بعد انتشار خبر اقتحام جنود الاحتلال لأزقة المخيم، ووصل بيارة البرتقالالقريبة، وبعد وقت قصير خرج إلى التلة المقابلة لها، لكن جنود وحدة ( جولاني) أطلقواعليه الرصاص، وأصابوه بأربعة منها، وشاهد أهالي من الفارعة طريقة إعدامه بدم بارد.

تعرضأحمد للملاحقة من جنود الاحتلال، ونشط في تشكيل لجان حراسة  ليلية للمخيم، واستطاع الفرار من كمائن اعتقالوتصفية عديدة نُصبت له، لكن الأب وشهود عيان لا ينسون إصرار الجنود على تصفيته،وعدم الاكتفاء باعتقاله.

وحدة ووجع

يحتفظالأب بشريط صور عتيق لولده الشهيد، وصار يتكفل لوحده بحمل الأحزان في قلبه، بعدرحيل زوجته عائشة قبل ثلاث سنوات، التي اعتادت البكاء وزيارة قبر ابنها، الذي ولدفي نيسان 1965، وكان في الرابعة والعشرين حين ارتقى. ومما تبثه الصور المرسومةباليد، أو الملتقطة لوثبات لاعب كرة السلة أن أحمد لا شبيه له بين أخوته، ولم يستطعالأحمدان الجديدان في العائلة سد فراغه، أو لعب دور الهجوم في الفريق السلوي.

ولاتقفز من ذاكرة الأب مساعدة أحمد له في مهنة محل بيع اللحوم، فقد أتقن منذ الصغر مهنة (القصّاب)، وكان يصر على توفيرالأيدي العاملة المتطوعة من الشبان في مواسم الخيار والبندورة لوالده، وقبل أنيكمل  الراوي شريط حكاياته القديم تعود الدموعلحجز مكانها في عيني  رجل تتنازع عليه أوجاعالشيخوخة والحنين لبلدته المدمرة وحقولها: الرسوم وأبو القوص والجلس وأبو القلاع،التي كان يزرعها عندما كان في جيل شهيده.

يتابعالأب العائد قبل يومين من زيارة قبر أحمد: يوم استشهد خرج كل المخيم عن بكرة أبيه،وسمع أهالي  الفارعة ما ردده  جنود الاحتلال بالعربية أن هذه الجنازة الكبيرةلرجل مهم ومعروف بين الناس.

أسطورةوقصص

وأحمدهو الابن الثالث لعائلة ذات خمس بنات، أعاد الأخوة محمود وعبد الكريم إطلاق اسم شقيقهم،فيقول أحمد محمود (14 عامًا): كان عمي أسطور كرة سلة، ومحبوبا بين الناس، وساعدجدي في العمل، وأحبه كل من عرفه، وسجل اسمه مبكرًا في قائمة شهداء المخيم، بعد أنفاز بكل مباريات الكرة.

بدورهأشار منسق وزارة الإعلام في محافظة طوباس عبد الباسط خلف إلى أن  سلسلة "كواكب لا تغيب" أعادت منذانطلاقتها قبل 3 سنوات كتابة 45 من القصص الإنسانية لشهداء انتفاضة الحجارة منطوباس ومخيمها وبلداتها: عقابا، وطمون، وتياسير.