اللواء الدكتور كامل أبو عيسى يتذكر لدنيا الوطن :ابو اياد وابو عمار و قصة البكاء عشرة ايام على صدر الوطن

اللواء الدكتور كامل أبو عيسى يتذكر لدنيا الوطن :ابو اياد وابو عمار و قصة البكاء عشرة ايام على صدر الوطن
غزة - دنيا الوطن

قال الدكتوراللواء كامل ابو عيسى لدنيا الوطن :"تفاجأت بأقوال وردت على لسان السيدة سهى عرفات والتي أكدت لفضائية فلسطينية ان الرئيس ابو عمار ظل يبكي بحرارة بعد استشهاد الاخ القائد ابو اياد ولمدة تزيد عن العشرة أيام ، المفاجأة بالنسبة لي تكمن في ان الرئيس عرفات وبعد أسبوعين على حادثة اغتيال الشهيد ابو اياد أرسل في طلبي وفي تمام الساعة السابعة مساءاً خاطبني قائلا : عليك ان توقف حالة الحزن والانهيار التي ألمت بك وان تكف عن البكاء على الشهيد ابو إياد ، أريدك ان تعود كما عهدتك الدكتور كامل القوي المتماسك والشجاع ، لقد كان رحمه الله وخصوصاً في عامه الأخير يعتز بك ويحبك أكثر من أولادة ، كفاك حزنا وتهيأ جيداً لتحمل المهام والأعباء الجديدة التي سيتم تكليفك بها ، " يا خويا أنت بكيت لعدة أيام فقط عندما صدر بحقك حكم غيابي لمدة 25 عام من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي في نهاية عام 1973 وهو الأمر الذي منعك من العودة للوطن وللفوز بمن تحب في القدس ومنعك من رؤية والدتك حتى هذه اللحظة " فهل الشهيد ابو اياد أغلى عليك من والدتك ومن حبايبك في القدس ؟ نحن يا دكتور كامل كلنا مشاريع شهادة ، ودعته بأدب مليء بالأحاسيس الجياشة بعد ان وعدته بالامتثال لنصائحه وتعليماته ولكني لم أكن اعلم ولم أكن على علم بأن الرئيس عرفات الذي يحاول إخراجي من ديمومة الحزن والبكاء التي ألمت بي كان يبكي هو الأخر وبحرارة على فراق الشهيد ابو اياد ، الشهيد ابو اياد كان بالنسبة الى ابو عمار القائد المفكر والمدبر وقدرته على التفكير والتدبير وحل المعضلات والمشاكل وتجاوز الأزمات قدرة عجيبة وفريدة من نوعها وهو باختصار كان صمام أمان لمنظمة التحرير والثورة الفلسطينية وكان المعلم والملهم والقائد في حركة فتح ، كان ابو اياد وعندما تشتد رياح الضغط الإقليمي على الثورة والى حد تفجير الخلافات القاسية في الساحة الفلسطينية يقف الى جانب المحتجين على سياسات وتوجهات الرئيس عرفات وهو بذلك يحافظ على وحدة البيت الفلسطيني ومن ثم يعود ببراعة لإقناع المحتجين والمنتقدين لسياسات ابو عمار بضرورة وأهمية حل هذه الخلافات بالحوار ومن ثم يعود للتحاور والتشاور مع الرئيس ابو عمار وبعد ان يتفق معه على الوصفة المناسبة لتهدئة الخواطر يبدأ في ترويض مواقف الأطراف المحتجة وحتى تعود المياه الى مجاريها . " كان يقول لي : أقف مع كل الأطراف المحتجة ولكي امنعها بحكم الواقع من الاستجابة الى مؤامرات الضغط العربي والإقليمي والتي في نهاية المطاف تستهدف السيطرة والتدجين لكل عوامل القوه المكونه للقرار الوطني الفلسطيني المستقل ونحن نقود سفينة الحرية الفلسطينية في بحور متلاطمة الأمواج وقد تمرسنا على الإبحار في مثل هذه الظروف الصعبة والحالكة " . بكائي الشديد والمديد علية بعد استشهاده لم يكن فقط بسبب فقداننا لهذا العملاق المتميز على صعيد الفعل والقيادة بل وكذلك بسبب حلم رأيته في منامي قبل أربعين يوما من حادثة الاغتيال ، لقد كنت معة في بيت الشهيد القائد هايل عبد الحميد "ابو الهول " وهناك من يطلق الرصاص علينا وحتى امتلأ قميصي بالدم ، وفي صبيحة يوم الاغتيال حضر إلى مكتبي الخاص وجلس معي طويلا بعد أن أجرى مقابله صحفية مع الصحفي التونسي " كمال بن يونس " وكلما كنت أهم بالانصراف لانجاز بعض الأوراق المطلوبة في مكتبي كان يقول لي : اجلس لا أريدك ان تعمل اليوم ، يا سيدي خلى أخوك أبو عمار يزعل شويه بسبب تأخر البريد القادم منك إليه . بالمناسبة هناك ظرف به خمسه آلاف دولار في الجكيت المعلق على شماعة الملابس خده وتصرف به كما تشاء ، اعتذرت منه بسبب أنني أخذت مثل هذا المبلغ قبل أسبوع فقال : إذاً سنقوم بتوزيعه على ضباط وجنود الإدارة العاملين في المكتب الخاص عندك ، وهو ما تم بالفعل ، وفجأة رن الهاتف وكان على الخط الأخ أبو المنذر صبحي أبو كرش عضو اللجنة المركزيه للحركة وسفيرنا في المملكه العربية السعودية يشكو للأخ ابو اياد من الاخ ابو عمار الذي كان قاسياً معه بسبب الموقف من الاجتياح العراقي للكويت ، فقال له لا تغضب سنحل هذه الإشكالية مع ابو عمار وعليك اليوم في تمام الساعة السابعة مساءاً الحضور إلى بيت ابو الهول وهناك سنتشاور في إيجاد الحلول المناسبة لهذا الأمر وسيكون معي فقط الدكتور كامل فهو حبيبة للأخ ابو الهول وبعد انقطاعنا عن بعض مدة السبعة شهور الاخيره سأذهب لمصالحتة بمعية الدكتور كامل ، ومن ثم أغلق سماعة الهاتف ونظر نحوي قائلا سنلتقي في المكتب الساعه السادسة مساءاً وبعد ذلك سنذهب سوياً الى بيت ابو الهول ، ودعته وانصرفت وفي تمام الساعة السادسة التقينا وتحت ضغط البرد الشديد عدت إلى المنزل بسرعة وأخذت دش سريع بالمياه الساخنة وارتديت ملابسي على عجل حتى لا أتأخر عن الموعد وإذا بالهاتف يرن كان على الخط ابو إياد وبدون مقدمات يقول لي مازحاً " ولك وينك لماذا تأخرت لانريد التأخر عن الموعد " فقلت له خمسه دقائق وسأكون عندك وإذا به يقول لي لاداعي بلاش تصيبك نزله برد بعد الحمام هاي أخوك ابو محمد العمري حضر فجأة سآخذه معي بدلاً عنك وسأعتذر للأخ ابو الهول نيابة عنك بسبب وضعك الصحي بلاش تمرض وصاحبك ابو عمار يحملنا المسؤولية "وبعد مضي ربع ساعة على هذه المكالمة رن الهاتف مجدداً فإذا بأحد الاخوه الأصدقاء يعزيني بدون مقدمات سألته ماذا جرى فقال : لقد تم اغتيال أصحابك الثلاثة ابو اياد وابو الهول وابو محمد العمري في بيت ابو الهول ، فتذكرت الحلم وأخذت ابكي لماذا لم ابلغ الأخ ابو اياد عن هذا الحلم المزعج ربما حينها غير رأيه وألغى مشروع هذه الزيارة من أساسة . عبقريه الاخ ابو اياد فرضت شخصيته القيادية الفريدة والمهابة على الصعيدين الفلسطيني والعربي من جهة والإقليمي والدولي من جهة أخرى فقد كان صاحب الكلمة المسموعة والتي تهتز منها العواصم والدول القريبة والبعيدة ومع ذلك فقد كان يتذكر بحزن مليئ بالحنان طلاب مدرسة خالد بن الوليد الثانوية في المنطقة الوسطى وبالقرب من دير البلح ، وكيف كانوا يأتون منتعلي الشباشب من شدة الفقر وكيف كانت أمطار الشتاء تتسلل عبر أسقف الغرف لتدلف عليهم ، كان قاسياً وحنوناً في نفس الوقت عزيز النفس وكان يردد دائما على مسامعي قولته المشهورة : الإنسان بحد ذاته وقفة عز اما يقفها ويدفع ثمنها اذا اقتضى الامر واما ينكسر ويعيش بدونها مهاناً وذليلاً طوال حياتة ، وكم كنت اتمنى لو كتب الله له العمر المديد ليشاهد بأم عينه وقفات العز والشموخ المتجسدة في جيل هبه القدس الشعبية المتواصله وكيف ان حلم الرئيس الشهيد ابو عمار قد اصبح قيد المنال واشبال وزهرات الشعب الفلسطيني في القدس المحتلة يتهيأون بفرح غامر لرفع العلم الفلسطيني فوق مآذن القدس وكنائس القدس وان شعارة الخالد " على القدس رايحين شهداء بالملايين " ما زال يطارد جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية وعلى ارض فلسطين التاريخية ومن البحر الى النهر ، وان طيف ابو اياد صاحب وقفة العز يلوح بيدية في تحية إكبار وتعظيم للمرابطات في ساحات المسجد الاقصى ولفتيات وفتيان الجيل الفلسطيني الجديد جيل الاستقلال والكرامة والحرية جيل وقفة العز والشموخ حتى قيام الدولة الفلسطينية .