الامهات الضغوطات والأعباء تجبرهم على الصراخ على الأطفال

الامهات الضغوطات والأعباء تجبرهم على الصراخ على الأطفال
رام الله - دنيا الوطن - وكالات 
في ظل مصاعب ومتاعب الحياة وتزاحمها، ومتطلبات العمل خارج البيت وداخل البيت، ومسؤولية الأولاد، والبكاء، وشجار الأطفال؛ تنفجر الأم غاضبة! تصرخ على الأولاد طالبة منهم الهدوء، يتدخل الزوج في هذه اللحظة طالبًا منها الصمت! وأحيانا يتفاقم الموضوع إلى أن يصبح مشكلة. تتساءل الكثيرات: لماذا زوجي لا يفهمني؟ لو يأخذ مكاني ساعة واحدة فقط مع الأولاد والبيت ربما يعذرني.

وحول هذا الموضوع كان  هذا الحوار مع العامل الاجتماعي محمد إبراهيم كبها:

* هل فعلا يضطرنا أطفالنا إلى الصراخ في وجوههم؟ أم هي ضغوطات وأعباء نفجرها فيهم؟ وهل للصراخ نتائج إيجابية نجد أثرها على الأطفال؟

بالنسبة إلى الشق الأول من السؤال؛ ليس هناك ما يضطر الوالدين إلى الصراخ على أولادهم، فالأصل في مشروع التربية أنّ قواعد التعامل وأسسها وأصولها يحددها الآباء والأمهات وألا تكون ردات فعل لحظية مؤقتة وموضعية. فالأصل أن تُخطّ الحدود من قبل الوالدين والخطوط العريضة للسلوكيات المقبولة؛ وبناء عليه يسير مشروع تربية الأولاد في البيت، وتكون التبعات واضحة في حال الإخلال في قاعدة أو حدّ أو سلوك مقبول. فحين يطبق هذا الأصل تكون ردات الفعل متزنة بعيدة عن التشنّج والعصبية الزائدة.

لكن لا بدّ أن نعترف بأننا بشر، نصيب ونخطئ، وإن حدث "صراخ" هذا لا يعني انهيارا لمشروع التربية ولا زعزعة لأركانه؛ إلا في حال انعكست حالة الصراخ من ردات متباعدة نادرة إلى حالة اعتيادية وردّة فعل طبيعيّة تلقائية، بحيث يكون الصراخ هو لغة التخاطب داخل البيت.

الوالدان يتحملان أعباء كثيرة في مسيرة حياتهما، أعباء اجتماعية وأخرى اقتصادية.. تدبير مصاريف البيت ومستلزمات الأولاد.. والاهتمام بحاجات المنزل.. هذا إضافة إلى الالتزامات الاجتماعية الملزمة، وقد تكون خانقة، وقد تُضاف إلى ذلك كلّه مشاكل اجتماعية وأخرى أسرية زوجية وضغوطات العمل، وما يتبع العمل من إرهاق جسديّ نفسي وذهنيّ. ذلك كلّه وعوامل أخرى تثقل كاهل الوالدين بشكل عام؛ عدا عن ما يقع على الأم من واجبات البيت من ترتيب وإعداد للطعام وواجبات زوجها وثقل الأولاد عليها، يتجمع كل ما ذكر في دائرة حياة الوالدين، ويشكل بعدا ضاغطا قويا عليهم، حيث لا يجد أحدهما متنفسا لهذه الضغوط إلا أن ينقلها لمن هو دونه في الهرم الاجتماعي والعائلي، فالأب قد ينفّس عن ذلك بصراخ أو بعصبية تجاه زوجته، والأم تجاه أولادها، والولد الأكبر فيمن هو دونه في الجيل.

طبعا هذا ليس مبررا وليس السبب الوحيد لذلك، فكثير ما نجد من ينتهجون سلوك "الصراخ" في ردات فعلهم، ويفتقدون المهارات الأساسية والأدوات الصائبة في التعامل مع الأولاد، ويفتقدون الرؤية الكلية الصحيحة السليمة لمشروع تربية الأولاد، ففقدان هذه المهارات والأدوات يؤدي إلى عفوية في بنيان مشروع التربية، بحيث يجر ذلك إلى فوضى عارمة وانتهاك حدود متوالٍ وعدم اتزان نفسيّ وذهنيّ في ميزان السلوكيات داخل نظام الأسرة الواحدة.

* أغلب الأمهات قلن بأن الصراخ على ألأطفال ما هو إلا ضغوطات وأعباء نفسية، سواء من خارج البيت أو من داخله؛ تنفجر في وجه الأطفال!؟ ما الحل الأمثل برأيك لمساعدة الأم على التخلص من هذه الضغوطات؟! هل من كلمة توجهها إلى كل أم؟

بغض النظر عن الأسباب، لا يوجد هناك ما يبرر انتهاج سلوك الصراخ الدائم والانفجار العصبي في وجه الأطفال في البيت، فالتفكر في التبعات والمآلات يوجب الحذر في البدايات، فلو تدرك الأم ويدرك الأب أولا ما قد تسببه العصبية المتفلتة وردات الفعل غير المتزنة في نفوس الأطفال؛ من اضطراب في الاستقرار النفسي، واهتزاز الثقة في النفس، والقلق والخوف بعد كل خطأ يرتكبونه خوفا من ردات فعل آبائهم وأمهاتهم... فمن يدرك كل ذلك يحذر من سلوك هذا النهج ويعاتب نفسه إن سلكه، ويدربها على الابتعاد عنه.

ثانيا، إحدى قواعد تربية الأولاد مفادها بأنّ الأصل في الوالدين التركيز على هدم السلوك السلبي لا هدم الشخص، فمن أدرك من الوالدين بأنّ واجبه إعداد أولاده ليكونوا جيلا طلائعيا؛ لما انتهج سلوكا يهدم من شخصياتهم ويهدم روح الإيجابية فيهم، فأولادنا ليسوا سيئين، إنما طيبون بأصلهم، قد يرتكبون سلوكيات سلبية غير مقبولة توجب الرد بحكمة واتزان.

لذا، ننصح بالتروي، والتفكير جيدا بالتبعات، وبكلية المشروع لا بالجزئيات، والتعامل بمنطق وعقلانية ومشاعر إيجابية، لا بردات فعل عاطفية آنية. فإن لم تستطع الأم التروي وترى بأنها ستنفذ غضبها فلتخرج من الغرفة وتغادر المكان الذي فيه أطفالها وعليها ألا تعود إليه حتى تهدأ، وجيد أن تجد لها ما يشغلها في تلك الحالات وينفس عن غضبها، كالنوم، أو الاستماع إلى القرآن أو الأناشيد، أو الاسترخاء أو الجلوس على انفراد. وأما من تعاني من ضغوطات وأعباء اجتماعية أو أسرية أو اقتصادية فمن المفضل أن تجلس مع نفسها أو مع زوجها ليتحدثا بالأمر ويضعا الخطط للخروج من هذه الضغوطات والأعباء، وأن يعيا جيدا بأنهم يجب أن يقللوا من أثرها على أولادهم، وألا يدعا هذه الضغوطات تسيطر عليهم وتحدد لهم قواعد السلوكيات وردات الفعل.

وأخيرا، ننصح لكل أم أن تتدرب على كظم الغيظ والتنفيس عن الغضب بطرق وأساليب بعيدة عن الصراخ والانفلات العصبيّ، كممارسة الرياضة وقراءة القرآن والاستماع إليه، والإكثار من الأذكار، وقد يكون الرسم أو الكتابة مفيدان في ذلك.

* لماذا لا يتقبل الأزواج صراخ الزوجة على الأطفال؟ ويطلبون منها الصمت.. مع أنهم يرون تصرفات الأطفال والمجهود الذي تبذله كل زوجة في العمل والبيت والعناية بالأطفال؟!

دعونا نتفق بأنّ الأزواج شركاء في هذا السلوك بشكل مباشر أو غير مباشر، فإن طلبوا الصمت في حالة؛ نرى بعضهم ينتهجون ذات السلوك في حالة أخرى، فلا شيء يعفيهم من المسؤولية تجاه مشروع التربية الأسرية. وفي اتجاه آخر قد يكون طلبه هذا محقا ويأتي في سياق مساعدتها على كظم غيظها وتدريبها على التقليل من هذا النهج السلوكي غير المتزن وغير المقبول، فتركيبة نفسية الرجل الطبيعية تضع العقلانية حاكمة لسلوكياته أكثر من المرأة –نسبيا– التي تغلب على سلوكياتها وتصرفاتها العاطفة وتحكمها المشاعر، لذا ردات

فعلها تقع بين الصراخ والانفعال، وفي الجانب الآخر الحب والدلال والحنان. فطلبه منها أن تصمت ليس بالضرورة عدم إقرار بتعبها ومجهودها (وقد يكون ذلك أيضا)، وعدم وعي بما تتحمله من أعباء وضغوطات بالذات من أولادها (وقد يكون ذلك أيضا)، إنما لغلبة الجانب العقلي على سلوكياته ونفسيته ورؤيته لكلّية المشروع وليس وقوفا عند الجزئيات.

 

التعليقات