إحدى المدن الذكية العالمية .. روابي : تحديات مستمرة واصرار على بناء غد أفضل

إحدى المدن الذكية العالمية .. روابي : تحديات مستمرة واصرار على بناء غد أفضل
رام الله - دنيا الوطن
عند الحديث عن المدن الذكية التي تم تطويرها حول العالم خلال العقد الماضي، لا يمكن للمرء المرور دون التوقف عند مدينة روابي؛ لما تقدمه من حداثة وجرأة في تحدى الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وهو ما جعل المدينة تتميز باهتمامٍ واسع على المستوىين المحلي والدولي. فتطور المدينة كحقيقة على أرض الواقع يحمل في طياته دلالات وأبعاد كبيرة قد لا تظهر تجلياتها بشكل كامل إلاّ بعد اكتمال دورة الحياة والاقتصاد فيها.   

فحداثة فكرة مدينة روابي وآليات تنفيذها والتقنيات الذكية التي تم استخدامها وتطويرها بأيدي وعقول فلسطينية، تحاكي متطلبات العصر الحديث وتطوراته، وتشكل نموذجاً متقدماً من الاصرار الفلسطيني على ضرورة الإسهام في تطوير واقعنا وإرساء قواعد مجتمع متقدم قادر على اللحاق بركب التطور الحضاري وبناء دولته المستقلة على أُسس الحرية والكرامة والمساواة.


فمنذ بدايتها كفكرة ركزت رؤية روابي على إرساء المقومات الأساسية التي من شأنها استحداث مدينة جديدة ذات أبعاد اقتصادية وتنموية واجتماعية مميزة، تلبي احتياجات وتطلعات المجتمع الفلسطيني، مما مكنها من ترسيخ مكانتها كأول مدينة فلسطينية منذ مئات السنين تُبنى وفق مخطط تنظيمي هيكلي مسبق، لتوفر بيئة سكنية لشريحة عريضة من الأسر الفلسطينية. كما وتُؤسس لبيئة اقتصادية واعدة قادرة على احتضان قطاعات الأعمال المختلفة المحلية منها والعالمية. ولاستكمال نموذجية المدينة كان لا بد من التقكير بالطرق الأمثل لتزويد ساكنيها وزائريها بكافة الخدمات والمرافق العامة اللازمة لإكمال منظومة الحياة والسكن والعمل فيها، كما وتُسهم أيضاً في النهوض ببعض الخدمات الجوهرية للبلدات والقرى المجاورة. 

تحقيق هذا الحلم الكبير لم يكن سهلاً، بل تطلب سنوات من الإصرار والإرادة لتطوير المدينة بكافة تفاصيلها إبتدءًا من الفكرة ثم التخطيط المسبق، والتنفيذ من خلال الإستثمار الأمثل للموارد المتاحة، والمحافظة على معايير التنمية المستدامة، إضافةً إلى بناء شراكات مع الجهات المختصة للقيام بمشاريع نوعية تخدم مجتمع المدينة، والذي هو في النهاية جزء لا يتجزأ من المجتمع المحلي، وذلك دون أن يغفل عن العمل على تطوير البعد الإنساني والثقافي، في اطار بيئة صحية ومجتمعية متقدمة.  

لقد واجه طريق إنجاز هذا المشروع الكثير من التحديات والمعيقات، كان أولها توفير الإستثمارات اللازمة، وبخاصة وأن المدينة هي مشروع عقاري بتمويل كامل من القطاع الخاص ممثلاً بشركة مسار العالمية، والتي نجحت في جلب استثمار قطري مميز لفلسطين كشريك استراتيجي في تطوير المدينة رغم تقدير عامل المغامرة في ذلك الوقت. لتبدأ بعدها عمليات البناء والتي واجهت تحديات عديدة على مستوى إيجاد المقاولين والموردين المحليين القادرين على استيعاب حجم عمل هو الأضخم مما هو متعارف عليه في السوق الفلسطيني، وموائمة ذلك مع تطبيق المعايير العالمية في مستوى الأداء والتنفيذ، الأمر الذي جعل من تجربة مدينة روابي ركيزة نوعية ساهمت بشكل ملموس في تطوير قدرة وكفاءة العديد من الشركات العاملة في القطاع الإنشائي الفلسطيني. 

أما التحدي الأكبر الذي تواجهه روابي كما يواجهه كافة أبناء شعبنا، فهو بلا شك وجود الإحتلال الإسرائيلي وممارساته التي تسعى دائماً لتقويض أي نجاح أو تطور للشعب الفلسطيني، والوقوف في وجه أية إنجازات فلسطينية تعزز من سيطرته على أرضه وموارده. فقد وضعت سلطات الاحتلال العديد من المعوقات أمام تطور المدينة، على رأسها عدم الموافقة على شق الطرق أو ربط المدينة بالمياه مما عطًل بشكل كبير انتقال السكان إليها لفترة طويلة من الزمن. 

إلاَ إنَ إصرار القائمين على روابي وتحديَهم المستمد من الإرادة الوطنية وثقة وصبر العائلات الفلسطينية المالكة في المدينة، لم تجعل مشكلة المياه وغيرها من التحديات تثني من عزيمتهم، فقد بذلت الشركة المطورة للمدينة جهوداً كبيرة  وتكبدت تكاليف إضافية من ميزانية المشروع لمواصلة العمل والتغلب على هذه المشكلات من خلال الوسائل التقنية المتاحة، واستثمار االعلاقات الاقليمية والدولية، وذلك للتأكيد على عدالة قضية شعبنا وحقه في الحياة على أرضه ووطنه والاستفادة من موارده كباقي شعوب العالم، واضعين على أنفسهم التزاماً مطلقاً بالنجاح ومواجهة كافة التحديات. وقد نجحت هذه الجهود بانتزاع بعض هذه الحقوق التي تشكل جزءاً بسيطاً من حقوق شعبنا في أرضه وموارده. وتقف روابي الآن أمام تحديات جديدة يضعها الاحتلال، فالمدينة ما زالت بحاجة لفتح مزيداً من الطرق الجديدة، وتأمين مصدر للمياه للمراحل المستقبلية.

لقد  نجحت روابي ورغم كل العقبات، في بث الحياة في داخلها خلال الصيف الماضي، حيث تمكنت من احتضان الرواد من ساكنيها، لتقدم نموذجاً من الإصرار والتحدي وإرادة الحياة التي يتمتع بها شعبنا. أما ساكنيها فقد اعتبروا اختيارهم للسكن في هذه المدينة جزءاً من التحدي والصمود على أرض الوطن، والرغبة في تطويره.   

 يقول محمد نزال أحد ساكني المدينة، وهو شاب وعريس جديد: "اغتربتُ عن وطني فلسطينَ الحبيب حينما سافرتُ إلى أمريكا. نعم لا أخفي أنني رأيتُ عالماً اّخر مليءٌ بالحداثة والتطور التكنولوجي، وبيئة نموذجية لحياة البشر، ولكن بالنسبة لي حفنات تراب من أرض الوطن كانت ولا زالت تعني لي العالم ومافيه. ولذلك عند عودتي بدأتُ أبحث عن حياة متقاربة مع تلك البيئة، وبعد إطلاعي على مدينة روابي الجميلة وبيئتها الحياتية الجديدة وما توفره من مواصفات عيش مميزة، رأيت حلمي يتحقق. لقد وجدت في روابي دليلاً على السير نحو استقلالنا في أرض الوطن، واصرارنا على العيش والتطور فيه، وخصوصاً في ظل التوسع الاستيطاني الرهيب على رؤوس جبال فلسطين".

واليوم؛ تقف روابي أمام مرحلة جديدة لإستكمال تجسيد رؤيتها كمدينة متكاملة ليس فقط للسكن، بل، وأيضاً للعمل والحياة، وضمان استمراريتها وتطورها على هذا الصعيد. لذلك فقد بدأ مطوروها مرحلة جديدة من تكثيف الجهود لإنهاء تطوير وإطلاق مركز المدينة التجاري كخطوة نحو تأسيس بيئة اقتصادية قادرة على استقطاب استثمارات محلية وعالمية، الأمر الذي من شأنه ارساء أسس تنمية اقتصادية مستدامة في المدينة، وبالتالي خلق فرص عمل لشريحة عريضة من الشباب الفلسطيني، واطلاق قدراتهم الإبداعية لتمكينهم من الإسهام في بناء مستقبلهم على أرض وطنهم، وما يوفره ذلك من إسهام ملموس في تعزيز قدرة شعبنا على الصمود، والحد من هجرة العقول، وايجاد قوة دافعة للنهوض بالواقع الاقتصادي الفلسطيني. تحقيق هذا الهدف هو بحد ذاته يشكل تحدياً كبيراً، وخصوصاً في ظل الظروف السياسية والإقتصادية الصعبة التي يفرضها الإحتلال.

 إن كل نجاح في مواجهة تحدي تحققه مدينة روابي، وكل خطوة جديدة تخطوها نحو تحقيق أهدافها، هو بلا شك نجاح للشعب الفلسطيني، وتعزيز لوجوده وتطوره، وبما يؤكد أنّ المدينة تشكل مكون أساسي من استراتيجية البقاء المقاوم. وها هي المدينة تتقدم اليوم بخطى ثابتة لتعزز الهوية الفلسطينية، وتحقق وعدها بتلبية متطلبات قاطنيها وساكنيها بأسلوب حياة جديدة يحقق أحلامهم، ويؤسس لمستفبل مشرق لأطفالهم. ويواصل القائمون عليها بذل قصارى جهدهم لتفتح الباب أمام فرص واعدة تسهم في دفع عجلة النمو الإقتصادى لتكون أملاً للأجيال القادمة.