بولندا وفلسطين وجزء من التاريخ المشترك

كشيشتوف ماجوس - الكسندرا بوكوفسكا "ماكبي"
ممثل بولندا لدى دولة فلسطين
للتاريخ مجراه وللأحداث تأثيرها على مسار التاريخ، وبولندا واحدة من الدول التي أثرت وتأثرت كثيراً بمسار الأحداث، وبفعل المتغيرات في العالم، وتركت بصماتها الخاصة في السياسية والعلوم والاقتصاد في أوروبا والعالم. غابت عن الخارطة السياسية وعادت؛ وكما تتصارع بعض القوى، تتشابه دول أخرى أو يدفع بها مسار التاريخ لحالة التماثل، فلسطين وبولندا في حالة تشابه تاريخي، يقول المثل العامي "يلي زينا تعالو عندنا"، وهكذا كان، من فلسطين الباحثة عن استقلالها تحت الانتداب البريطاني يستجمع البولنديون قواهم للتحرير. يردد البولنديون دوما مقطعاً من نشيدهم الوطني .. لا تغيب بولندا ما دمنا أحياء. ولفلسطين حضورها.
حكاية البداية.. نهوض رغم الهزيمة
نوفمبر/ تشرين الثاني شهر له أهمية خاصة بالنسبة للشعب البولندي؛ في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1918، وبعد أكثر من 120 عاما من غياب بولندا عن خريطة العالم، والنضال من أجل الحرية والاستقلال، استعادت بولندا إستعادت بولندا إستقلالها. في تشرين الثاني يستذكر البولنديون موتاهم - أولئك الأحباء، ومنهم جنود مجهولون.
ربما قلة من الناس تعرف أنه خلال الحرب العالمية الثانية، كان يعيش في فلسطين، التابعة للانتداب البريطاني نحو 120،000 الفاً من الجنود البولنديون، تجمعوا في وحدات منظمة، ضباط، رجال ونساء، تحت قيادة بولندية - يقاتلون من أجل حرية بولندا – وعندما إنطلقوا نحو معركة التحرير والاستقلال بقي بعضهم هنا، آثارهم تحكي قصص الحياة المفعمة بالنصر، بعضهم بقي هنا شاهداً واسماً وذكرى، رفاتهم إحتضنتها الأراضي المقدسة.
في اللطرون حضور الغياب
من المهم التذكير أنه بعد غزو بولندا في سبتمبر 1939، تعرضت بولندا للتقسيم من جديد، على يد اثنين من القوى المجاورة، ألمانيا والاتحاد السوفياتي، غرب بولندا سيطرت عليه ألمانيا، وشرق بولندا سيطر عليه الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت. الآلاف من جنود الجيش البولندي المهزوم توجهوا نحو رومانيا وهنغاريا لايجاد وسيلة لمواصلة القتال لتحرير بلدهم؛ كثير منهم في وقت لاحق وصلوا عن طريق البلقان وتركيا إلى سوريا الواقعة تحت الانتداب الفرنسي، حيث في ربيع عام 1940 تشكلت منهم في حمص السورية وحدة جنود فرسان الكاربات، قوامها نحو 300 من الضباط ونحو 3500 الجنود.
بعد استسلام فرنسا في 22 يونيو 1940، رفض الجنود البولنديون إلقاء أسلحتهم، وإتجهوا عبر مرتفعات الجولان حيث وصلوا قرية سمخ قرب بحيرة طبريا، للانضمام إلى الجيش البريطاني. وفي تموز من العام نفسه تم وضعهم في منطقة اللطرون، إلى الجنوب الشرقي من مدينة الرملة على بعد 14كم منها، حيث تم إعادة تأهيلهم وتدريبهم بشكل مكثف وتسليحم بالاسلحة التي كان يستخدمها الجيش البريطاني، وفي آب تم نقل الجنود الذين تم تشكيل لواء منهم للتمركز في محيط حيفا.
جيش أندرس
في آب 1941 تم تحريك اللواء من حيفا إلى مصر وليبيا، وفي آذار/مارس 1942، خاض اللواء أولى معاركة الى جانب الجيش البريطاني ضد القوات الألمانية، عاد بعدها ليعسكر مرة أخرى في فلسطين.
في تلك الفترة تم ترحيل مئات الالاف من البولنديين من المناطق البولندية الشرقية إلى عمق الاتحاد السوفيتي، الى سيبيريا وآسيا الوسطى، رجال ونساء والأطفال؛ وتم تشغيلهم بالسخرة، وعاشوا هناك في ظروف قاسية، سوء تغذية وبرد ومرض. بعد الهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي في حزيران 1941، عقدت الحكومة البولندية في المنفي والتي كان مقرها لندن، اتفاقا مع الاتحاد السوفيتي، أطلق بموجبها سراح معظم المواطنين البولنديين المعتقلين والذين تم نقلهم الى مناطق آسيا الوسطى، وتم تدريبهم وتشكيل الجيش البولندي في الاتحاد السوفياتي وعين الجنرال "فلاديسواف أندرس" قائدا لهذا الجيش.
في منتصف عام 1942 حصل الجنرال أندرس على موافقة ستالين لمغادرة الجيش البولندي عبر بحر قزوين الى ايران، ومنها عبر العراق الى فلسطين، ترك الاتحاد السوفياتي ضمن هذا الجيش نحو 80,000 ألف جندي وأكثر من 43،000 من المدنيين المرافقين له من النساء والأطفال اليتامى.
من فلسطين انطلق الفيلق الثاني والثالث للجيش البولندي
وآثار بقيت
وفي أيلول 1942 قررت الحكومة البولندية في المنفى ضُمَّ لواء فرسان الكاربات المتواجد أصلاً في فلسطين مع الجيش الواصل حديثاً بقيادة الجنرال أندرس وتشكيل جيش من عدة فرق؛ بذلك تم تشكيل جيش بولندي في الشرق، والذي عرف لاحقاً باسم قائده "جيش أندرس". وتم نشر القوات البولندية في معسكرات مؤقتة في المناطق الواقعة بين اللطرون وغزة، وللقادمين مع الجيش من الأطفال والشباب تم اقامة المدارس في الناصرة ومراكز للمتطوعات.
في آب 1943 من وحدات الجيش المختلفة تم تشكيل الفيلق الثاني للجيش البولندي وكان تعداده 53000 ألف جندي، تمركزوا في محيط تل ابيب وغزة (الفيلق الأول حارب ضد الألمان في أوروبا الغربية)، ثم تحرك الفيلق في كانون أول 1943 إلى إيطاليا، حيث خاض المعرك في مواجهة الجيش الألماني وإنتصر في مونتي كاسينو، أنكونا وبولونيا.
حتى عام 1947 بقي في فلسطين الآلاف من الجنود البولنديين من مختلف الوحدات المساعدة والمدنيين المرافقين للجيش، والذين تم تنظيمهم في فيلق ثالث، تم إجلاءه لاحقاً إلى المملكة المتحدة.
لم يترك جميع الجنود البولنديون الأرض المقدسة، بقيت هنا آثارهم، حيث ترقد رفاة 351 من الضباط والجنود الذين لقوا حتفهم في ساحات القتال في ليبيا ومصر، ونتيجة المرض والحوادث العرضية. ترقد رفاتهم في ثلاثة مقابر عسكرية للكومنولث البريطاني، في الرملة وغزة وحيفا، وفي مقابر مدنية مسيحية ويهودية متفرقة في القدس ويافا.
للتاريخ مجراه وللأحداث تأثيرها على مسار التاريخ، وبولندا واحدة من الدول التي أثرت وتأثرت كثيراً بمسار الأحداث، وبفعل المتغيرات في العالم، وتركت بصماتها الخاصة في السياسية والعلوم والاقتصاد في أوروبا والعالم. غابت عن الخارطة السياسية وعادت؛ وكما تتصارع بعض القوى، تتشابه دول أخرى أو يدفع بها مسار التاريخ لحالة التماثل، فلسطين وبولندا في حالة تشابه تاريخي، يقول المثل العامي "يلي زينا تعالو عندنا"، وهكذا كان، من فلسطين الباحثة عن استقلالها تحت الانتداب البريطاني يستجمع البولنديون قواهم للتحرير. يردد البولنديون دوما مقطعاً من نشيدهم الوطني .. لا تغيب بولندا ما دمنا أحياء. ولفلسطين حضورها.
حكاية البداية.. نهوض رغم الهزيمة
نوفمبر/ تشرين الثاني شهر له أهمية خاصة بالنسبة للشعب البولندي؛ في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1918، وبعد أكثر من 120 عاما من غياب بولندا عن خريطة العالم، والنضال من أجل الحرية والاستقلال، استعادت بولندا إستعادت بولندا إستقلالها. في تشرين الثاني يستذكر البولنديون موتاهم - أولئك الأحباء، ومنهم جنود مجهولون.
ربما قلة من الناس تعرف أنه خلال الحرب العالمية الثانية، كان يعيش في فلسطين، التابعة للانتداب البريطاني نحو 120،000 الفاً من الجنود البولنديون، تجمعوا في وحدات منظمة، ضباط، رجال ونساء، تحت قيادة بولندية - يقاتلون من أجل حرية بولندا – وعندما إنطلقوا نحو معركة التحرير والاستقلال بقي بعضهم هنا، آثارهم تحكي قصص الحياة المفعمة بالنصر، بعضهم بقي هنا شاهداً واسماً وذكرى، رفاتهم إحتضنتها الأراضي المقدسة.
في اللطرون حضور الغياب
من المهم التذكير أنه بعد غزو بولندا في سبتمبر 1939، تعرضت بولندا للتقسيم من جديد، على يد اثنين من القوى المجاورة، ألمانيا والاتحاد السوفياتي، غرب بولندا سيطرت عليه ألمانيا، وشرق بولندا سيطر عليه الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت. الآلاف من جنود الجيش البولندي المهزوم توجهوا نحو رومانيا وهنغاريا لايجاد وسيلة لمواصلة القتال لتحرير بلدهم؛ كثير منهم في وقت لاحق وصلوا عن طريق البلقان وتركيا إلى سوريا الواقعة تحت الانتداب الفرنسي، حيث في ربيع عام 1940 تشكلت منهم في حمص السورية وحدة جنود فرسان الكاربات، قوامها نحو 300 من الضباط ونحو 3500 الجنود.
بعد استسلام فرنسا في 22 يونيو 1940، رفض الجنود البولنديون إلقاء أسلحتهم، وإتجهوا عبر مرتفعات الجولان حيث وصلوا قرية سمخ قرب بحيرة طبريا، للانضمام إلى الجيش البريطاني. وفي تموز من العام نفسه تم وضعهم في منطقة اللطرون، إلى الجنوب الشرقي من مدينة الرملة على بعد 14كم منها، حيث تم إعادة تأهيلهم وتدريبهم بشكل مكثف وتسليحم بالاسلحة التي كان يستخدمها الجيش البريطاني، وفي آب تم نقل الجنود الذين تم تشكيل لواء منهم للتمركز في محيط حيفا.
جيش أندرس
في آب 1941 تم تحريك اللواء من حيفا إلى مصر وليبيا، وفي آذار/مارس 1942، خاض اللواء أولى معاركة الى جانب الجيش البريطاني ضد القوات الألمانية، عاد بعدها ليعسكر مرة أخرى في فلسطين.
في تلك الفترة تم ترحيل مئات الالاف من البولنديين من المناطق البولندية الشرقية إلى عمق الاتحاد السوفيتي، الى سيبيريا وآسيا الوسطى، رجال ونساء والأطفال؛ وتم تشغيلهم بالسخرة، وعاشوا هناك في ظروف قاسية، سوء تغذية وبرد ومرض. بعد الهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي في حزيران 1941، عقدت الحكومة البولندية في المنفي والتي كان مقرها لندن، اتفاقا مع الاتحاد السوفيتي، أطلق بموجبها سراح معظم المواطنين البولنديين المعتقلين والذين تم نقلهم الى مناطق آسيا الوسطى، وتم تدريبهم وتشكيل الجيش البولندي في الاتحاد السوفياتي وعين الجنرال "فلاديسواف أندرس" قائدا لهذا الجيش.
في منتصف عام 1942 حصل الجنرال أندرس على موافقة ستالين لمغادرة الجيش البولندي عبر بحر قزوين الى ايران، ومنها عبر العراق الى فلسطين، ترك الاتحاد السوفياتي ضمن هذا الجيش نحو 80,000 ألف جندي وأكثر من 43،000 من المدنيين المرافقين له من النساء والأطفال اليتامى.
من فلسطين انطلق الفيلق الثاني والثالث للجيش البولندي
وآثار بقيت
وفي أيلول 1942 قررت الحكومة البولندية في المنفى ضُمَّ لواء فرسان الكاربات المتواجد أصلاً في فلسطين مع الجيش الواصل حديثاً بقيادة الجنرال أندرس وتشكيل جيش من عدة فرق؛ بذلك تم تشكيل جيش بولندي في الشرق، والذي عرف لاحقاً باسم قائده "جيش أندرس". وتم نشر القوات البولندية في معسكرات مؤقتة في المناطق الواقعة بين اللطرون وغزة، وللقادمين مع الجيش من الأطفال والشباب تم اقامة المدارس في الناصرة ومراكز للمتطوعات.
في آب 1943 من وحدات الجيش المختلفة تم تشكيل الفيلق الثاني للجيش البولندي وكان تعداده 53000 ألف جندي، تمركزوا في محيط تل ابيب وغزة (الفيلق الأول حارب ضد الألمان في أوروبا الغربية)، ثم تحرك الفيلق في كانون أول 1943 إلى إيطاليا، حيث خاض المعرك في مواجهة الجيش الألماني وإنتصر في مونتي كاسينو، أنكونا وبولونيا.
حتى عام 1947 بقي في فلسطين الآلاف من الجنود البولنديين من مختلف الوحدات المساعدة والمدنيين المرافقين للجيش، والذين تم تنظيمهم في فيلق ثالث، تم إجلاءه لاحقاً إلى المملكة المتحدة.
لم يترك جميع الجنود البولنديون الأرض المقدسة، بقيت هنا آثارهم، حيث ترقد رفاة 351 من الضباط والجنود الذين لقوا حتفهم في ساحات القتال في ليبيا ومصر، ونتيجة المرض والحوادث العرضية. ترقد رفاتهم في ثلاثة مقابر عسكرية للكومنولث البريطاني، في الرملة وغزة وحيفا، وفي مقابر مدنية مسيحية ويهودية متفرقة في القدس ويافا.