"ذاكرة لا تصدأ" لـ"الإعلام" و"اللجنة الشعبية".. الكبار يبوحون بالحكاية والأحفاد يحرسونها

"ذاكرة لا تصدأ" لـ"الإعلام" و"اللجنة الشعبية".. الكبار يبوحون بالحكاية والأحفاد يحرسونها
رام الله - دنيا الوطن
جمعت الحلقة (43) من سلسلة " ذاكرة لا تصدأً" لوزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة عشرات الشهود على النكبة بأحفادهم، وفتحت حوارًا بين الأجيال، استعرض خلاله رجال ونساء ذاقوا مرارة الاقتلاع مقاطع من قراهم المدمرة، وعلموها للصغار، الذين ارتدوا الكوفية بجوار أسماء بلداتهم وقراهم.

وتخلل الحوار عرض 12 مقطعًا لشهادات مرئية من حيفا ويافا وصبارين وشحمة والكفرين وبعلين والفالوجة ونورس وبريكة وأم الزينات وصبارين، وهي  ومضات سبق أن أنتجتها وزارة الإعلام الصيف الفائت، واختزلت فصول النكبة واللحظات الأقسى خلال إقصاء العصابات الصهيونية لمواطني المدن والقرى، في مشهد يوجع القلب والروح.

بوح

وبعدها باح حافظ مصطفى خليل بحكاية قرية البرية قضاء الرملة، وما اشتهرت به. فيما نقل أحمد عبد الله دغمان  قصة احتفاظه بخريطة الكفرين، وما عليها من بيوت وينابيع، وعدّد  الأسماء الشعبية لأراضي القرية القريبة من حيفا، التي كانت مسرحًا لأحلامه كالصوابين، والمندسّة، وخلة حمد، والروحة، وميدان فلاح، والبصّامة.

وروت فوزية خالد سرحان، وجميلة محمد سرحان ما  تمسكان به من تفاصيل قريتهن الكفرين وسهولها الغنية بالخضروات، ومثلهن فعل هزاع عثمان الغول، وصبحي محمد عناية، وخيرية كامل نعجة، ومحمد أسعد إسماعيل، ومنى عصام عبد الجواد، وخيرية أحمد أبو مراد، وأحمد يوسف صبح. فيما أشارت السبعينية فهمية حمد منصور لقريتها أم الزينات، التي ذاع صيتها بحقولها وأشجار خروبها وينابيعها وجبالها، وكذلك فعلت تمام حسن صبح، وفاطمة مصطفى صبح، وأحمد ذيب صبح، وأحمد محمد أبو طربوش، الذي قدم شهادة عن مذبحة استهدفت عائلة الدبور، حين رأى أفراد العائلة يغرقون بدمهم بجوار عين ماء، وقد ذبحت العصابات أيضًا جمالهم في منظر مرعب.

حنين

 وروى صبجي ضيف الله السوالمة، وصلاح إبراهيم السوالمة قصة قرية عرب أبو كشك،  التي تقع على بعد نحو 21 كم شمال شرق يافا، وتمتد على بعد كيلومترين من الجانب الشرقي لطريق يافا – حيفا الرئيس، ويصلها بها درب ممهد، كما تصلها دروب ممهدة أخرى بقرى عرب السوالمة، والشيخ مونس وعرب المويلح والمحمودية وجلجوليا.

وبثت الثمانينية آمنة يوسف شاهين أبو هنية مقاطع من الرحيل عن قرية شحمة جنوب فلسطين، فتقول: كان زوجي يعمل مزارعاً، وعنده بئر ماء، وحين قررنا الرحيل بعد هجوم اليهود، عاد لإطفاء الماتور (المُولد)، وقال: هي يوم أو يوم ونعود. ثم واصلنا، وكانت الناس حافية، وطلعت في ملابسها، وكان صوت البارود خلفنا، وسمعنا عن نساء حملن المخدات بدل أولادهن من شدة الخوف. وأخفت أمي الكواشين والذهب والمصاري في العقود( مبانٍ عالية الارتفاع وسميكة الجدران). وركبت أنا وأختي صبحية على الحمار، وركب أخوتي وأبي على الخيل. وشاهدنا إمرأة مقتولة على جانب الطريق. ورأينا عجوزاً رفضت مغادرة منزلها، بعد أن حرقها اليهود داخل بيتها.

ومثلها فعلت جميلة أحمد جوابرة في وصف قريتها بعلين، قضاء غزة، التي كانت مساكنها متراصة، ومبنية بشكل دائري، ووسطها ساحات وممرات ضيقة، فيما سطوحها المسقوفة بالطين والقصب متجاورة، ولم يكن يصعد لها الرجال لترميمها قبل الشتاء، إلا بعد أخذ إذن من الجيران؛ لعدم الكشف عن النساء. أما محيط المساكن فكان من بساتين وكروم العنب والتفاح واللوزيات، ولكل واحد من الأهالي "حاكورة" مقابل بيته. فيما زرع الأهالي السمسم والقمح والذرة البيضاء، التي كانت تصير خبزا يُسمى(الكراديش).

فيما  أعاد محمد صالح العرجا (81 عامًا) الحياة لبلدة الفالوجة، التي دمرتها العصابات الصهيونية عام 1948. وقدم  وصفاً دقيقاً لها، ولمدارسها، وحقولها، وعائلاتها، وتجارتها، ولحظات نكبتها، وحصارها، وذكرياتها مع الجيش المصري. صورة  يقول: كان عدد سكان بلدتنا خمسة آلاف، وفيها بلدية، ومدارس ثانوية وابتدائية للبنات، وأربع كتاتيب، ومركز صحي، ومحكمة، ومسلخ للحوم. وكانت متطورة، وتعيش على الزراعة ، ثم تحولت إلى التجارة. واستناداً للراوي فإن لبلدة، التي تقع شمال غزة وغرب الخليل،  قصة تاريخية، عمرها أكثر من ثمانية قرون، وترتبط أحمد بن محيي الدين البطالحي(الأشهب)، الذي مات في الفالوجة، ودفن في منطقة (زريق الخندق)، تبتعد عن بلدنا نحو ثلاثة كيلو مترات غرباً، وانتشر أولاده فيها، وظل مقامه مكاناً يرتبط بالنذر، وإيفاء الدين، وحل الخصومات. يتابع: عائلات القرية: السعافين، وعقيلان، والنجار، والنشاش، والمطرية، والبراجنة، ومناطقها، فالشومرة، والخصاص، وأم النعاج، والرسوم، وخربة الشلف، ودار كركية، وأبو الغربان، ومليطة، والقبال. وفي كل يوم خميس ينعقد سوق البرين، وفيه يتوافد الناس من البلدات والمدن المجاورة للمتاجرة بالسلع المختلفة، كالقماش واللحوم والذهب والخضار. وكنا نشاهد مواسم وادي النمل، والمنطار، أسدود، والنبي روبين، والرملة، التي كانت مثل العرس، وتعقد في شهر أيار، وفيها سباقات خيول على البحر، ودبكة، وأناشيد دينية للفرق الصوفية، وبيع، وشراء. ونقل الثمانيني حسين سالم أبو مراد  قصة قرية اللجون، قضاء جنين، فقال: عشنا طفولتنا في قرية تتفرع  عائلاتها من أم الفحم، وكانت تتبع جنين. ودرست فيها حتى الصف الرابع، ولا أنسى معلمنا محمد عيسى، الذي جاءنا من قرية كفر قدوم. تين وباح التربوي المتقاعد عوني ظاهر، المقيم في قرية ياصيد، صورة لمخيم الفارعة كما شاهده خلال طفولته: كنت أنظر إلى المخيم لأجد مكاناً ضخماً اسمه السجن، وبجواره بقعة بيضاء ومجموعة من البيوت المتجاورة كالخيام. وقتها جئت لبيع الصبر والتين في المخيم، كنت أسوق الصبر بسرعة بعد صلاة الفجر، أما التين فيتأخر بيعه حتى الضحى أحياناً، وكنا نبيع أول كيلو غرام منه بثلاثة قروش وفي النهاية نُخفّض السعر لتصبح الثلاثة كيلو غرامات بقرش، لكنني كنت أجد حسرة في عيون النساء اللواتي يبتعن تيننا، لم أكن وقتها لأفهما لصغر سني، لكنني حين كبرت عرفت الحنين الذين يسكنهن، فهن كن يقطفن التين من أرضهن السليبة، واليوم لا يقبلن أن يشترينه، "ولو بتراب المصاري"، في تعبير عن الحنين للديار.

وقصّت الطفلة بتول محمد صالح (12 عامًا)، التي تنحدر من قرية الكفرين: كانت قريتنا كما أخبرني جدي جميلة جدًا،  ونقل لي أسماء ينابيعها كعين قاسم وعين عباس، وعلمني  أسماء عائلاتها كصالح وصبح ونعجة وسرحان وأبو لبادة، وكيف اشتهرت بأشجار اللوز والزراعات الصيفية.

فيما عدد الفتية والزهرات أسماء قراهم الأصلية، وما يحفظونه من سيرة لموقعها وعائلاتها وما  اشتهرت به من محاصيل وأشجار.

أجيال

بدوره أشار منسق وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار عبد الباسط خلف، أن هذه الحلقة الخاصة من "ذاكرة لا تصدأ" عقدت على هامش اليوم التكريمي للمسنين في المخيم، الذي  نفذته شبكة حماية الطفل والأسرة، التي تضم فعاليات مخيم الفارعة الشبابية والنسوية والصحية ومؤسساته التربوية والرياضية ولجنته الشعبية.

وأضاف: إن "ذاكرة لا تصدأ" تهدف إلى الربط بين الأجيال الشاهدة على النكبة بالأحفاد، وقد وثقت السلسلة خلال السنوات الأربع الماضية  شهادات شفوية من مواطني عشرات القرى المدمرة عام 1948 بقالب إنساني، عن تفاصيل شتى.