"سائد السويركي" إعلامي ارتبطت ملامحه بالانتفاضة : شهد شاب يضع "الورود" على "نصف قبره"

"سائد السويركي" إعلامي ارتبطت ملامحه بالانتفاضة : شهد شاب يضع "الورود" على "نصف قبره"
رام الله - خاص دنيا الوطن- تسنيم الزيان
مع حلول الذكرى الخامسة عشر لانتفاضة الأقصى الثانية، عادت ذاكرة الإعلامي سائد السويركي إلى الوراء حيث الحظات الأولى من استهداف الاحتلال الإسرائيلي للطفل محمد الدرة ووالده الذي حاول جاهداً أن يقيه من زخات الرصاص التي انهمرت كالمطر من جنود الاحتلال تجاههم، ويتنقل السويركي بذاكرته مابين اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس بغزة، والصحفيين الذين كان شاهدا على استشهادهم فحفرت في أعماق قلبه قبل ذاكرته وجعا لا يُنسى، حيث لم تفارق ذاكرة السويركي والذي يعمل مراسلاً لقناة روسيا اليوم وعمل لسنوات طويلة في تلفزيون فلسطين الرسمي، ذاك الشاب الذي فقد نصف جسده في أحد الغارات الإسرائيلية ليكتشف فيما بعد أن الشاب يقوم بشراء الورد ليضعها على نصفه الذي دفن بحي الشجاعية شرق مدينة غزة.
"دنيا الوطن" التقت السويريكي الإعلامي والأديب الذي ارتبطت ملامحه في ذهن المواطنين بالبدايات الأولى لأول شاشة فلسطينية رسمية ،و حملت تغطيته لأحداث انتفاضة الأقصى صوت وصورة وملامح فلسطينية خالصة..

تغطية صحافية بدائية 

يوضح الإعلامي سائد السويركي أنه منذ الانتفاضة الأولى حتى يومنا هذا شهد الإعلام تغيرا كبيرا ، فيقول: " تغطية الأحداث في الانتفاضة الأولى كانت بدائية حيث لم يكن هناك وسائل إعلام كبيرة كما الموجود حاليا، حيث أن تلفزيون فلسطين كان الأبرز وذو إمكانات بسيطة جدا ، أما في عام 2000 أذكر تلك اللحظة جيدا تحديدا يوم استشهاد الطفل محمد الدرة، كنت متواجدا مع طاقم التصوير لتلفزيون فلسطين على المفرق بالقرب من الدرة، وكان وضع التلفزيون في تلك الفترة كان نوعا ما أفضل من الآن ، حيث كانت تغطيته رائعة وتُتَخذ مصدرا للخبر ، كما أن صورته هي التي تنقل إلى جميع القنوات في العالم ".

وتابع السويركي متحدثا عن ذكريات الماضي التي جسدت صورا في الذاكرة لا تنسى : " أذكر عند استشهاد القيادي في حماس الشيخ أحمد ياسين ، كان تلفزيون فلسطين هو أول من صور الحدث ومنحها للآخرين ، هذا بالإضافة إلى كثير من القيادات التي تم اغتيالها، وبالتالي كانت التغطية شبه مباشرة ، لدرجة أن إسرائيل في كثير من الفترات كانت تتهم التلفزيون الفلسطيني بالتحريض وتطالبه بتغطية أكثر توازنا ، والرد كان من قبل التلفزيون أن دوره هو الوقوف إلى جانب شعبه "، لافتا إلى أنه تم استهداف تلفزيون فلسطين أكثر من مرة من قبل الاحتلال ، فتلفزيون فلسطين الذي كان يقع في منطقة المنطار ، كان يحتوي على أجهزة من أدوات البث ليست موجودة بكل الشرق الأوسط.

ولفت إلى أن الجيش الإسرائيلي دخل إلى منطقة الشجاعية ووضع المتفجرات فيه وتم نسفه بالكامل، ماضيا بقوله  : "  أصبح هناك بعد ذلك تطور أكثر فلم تعد قناة فلسطين وحدها بالساحة ، بل بدأت تخرج المؤسسات الإذاعية وتأخذ موقعها كإذاعة الشعب التي كان لها حضور كبير في تلك الفترة ،كما بدأت حماس وقتها تهتم بالجانب الإعلامي كذلك ، فأنشأت مجموعة من المؤسسات الإعلامية الخاصة بها ".

وبين السويركي أن المشهد الفلسطيني الآن مختلف عن السابق ، فالإعلام تطور كثيرا عن أوقات الانتفاضة، مشيرا إلى أنه أصبح من يقود المشهد الإعلامي العربي والدولي في داخل فلسطين شباب من غزة أصلا ، هم من ساهموا بتغطية الانتفاضة والحرب الأولى والثانية والثالثة على قطاع غزة ومسيرة طويلة من الحصار، متمما: " لذلك أعتقد أن المشهد الإعلامي هو متطور وأكثر خطرا حاليا واستطاع أن يواجه الرواية الإسرائيلية وتوضيح من هو الضحية ومن هو مرتكب المجازر بحق الفلسطينيين".

صعوبات أساسية 

من جهة أخرى تحدث السويركي عن الصعوبات الأساسية التي واجهته كإعلامي ، مبينا أن الاستهداف المباشر هو أسوأ شئ كان يحصل، مضيفا: "  إسرائيل كانت لا تخشى شئ ، وبكل المراحل منذ الانتفاضة حتى وقتنا هذا كان الصحفي المستهدف الأول ، لأن إسرائيل تُدرك تماما أن الصورة هي الأقوى والأكثر تعبيرا فيما يتعلق بالمشهد الفلسطيني لنقل الحقيقة، حيث أن من دفع إسرائيل بوقف الحرب الأولى والثانية والثالثة وتخفيف قبضتها الحديدية هو شلال الصور الذي خرج من المصورين الفلسطينيين والمراسلين".

وأوضح أنه وقتها إسرائيل أصبحت في زاوية صعبة جدا ، حيث تم تصويرها على أنها تستهدف الأطفال والنساء وعمليا هذه هي الصورة الحقيقية التي كانت تخرج من قطاع غزة ، منذ عام 2000 حتى يومنا إسرائيل كانت تستهدف كل شئ بشكل متعمد وليس فقط الصحفيين الذين فقدنا منهم عدد لا بأس به".

شهداء الحقيقة بذكريات أليمة

ويقول السويركي بصوت يشوبه الألم " لا ننسى الصحفي فضل شناعة الذي كان يصور في المنطقة الحدودية حيث قامت الدبابة الإسرائيلية التصويب نحوه بشكل مباشر ، وكل ما ارتكبه من ذنب هو نقل الحقيقة ، وهم أرادوا اغتيال الكاميرا في تلك اللحظة لطمس الواقع ، وكذلك هناك مجموعة من الناشطين الأجانب الذين تم استهدافهم من قبل الاحتلال في تلك الفترة ، أبرزهم كانت ريتشل كوري الصحفية التي تم استهدافها لذات الأسباب"، مؤكدا أن إسرائيل لا تريد الرواية الفلسطينية أن تخرج إلى العالم وبالتالي الهدف الوحيد بالسياسة الإسرائيلية الاستهداف الدائم للصحفيين ليس خوفا منهم بالتحديد وإنما الحذر من تأثيرات صورهم التي ستجوب العالم ويمكن لها أن تُحدث تغيرا وتصمد في وجه الرواية الإسرائيلية التي من شأنها تصوير الاحتلال كضحية وفلسطين هي الجلاد.

وعن الأحداث المميزة التي ارتبط اسم سائد السويركي بها والتي حفرت موقعا في ذاكرته لا يمكن محوه فيقول: "تلك الفترة كانت غزيرة بالأحداث بشكل يومي ، ففي حدث لا يُغتفر ارتكبت إسرائيل مجزرة بالقرب من صلاح الدين في رفح وكان الضحايا بالعشرات وتم وضعهم في ثلاجات الورود والخضروات ، ذلك المشهد الذي لم يكن في تلك الحرب وسابقتها وإنما هو مُكرر منذ بدايات الانتفاضة، وبالتالي تلك هي الصور العالقة في ذهني "، مشيرا إلى أن إسرائيل كانت تستخدم لأول مرة نوع من أنواع الغاز كانت تطلقه دون تمييز على الأماكن ، وقتها أصاب الأطفال والشيوخ والنساء نوع من ضيق التنفس ، وجزء منهم من فقد حياته لأنه مريض أساسا ، إلى جانب أن المستشفيات كانت ممتلئة جدا بالضحايا نتيجة لتلك الغازات السامة التي أطلقتها إسرائيل "، متمما: "  لقد عملت فيلم عن ذلك الغاز اسمه فيلم الضباب".

إنسان يضع الورود على نصف ٍمن قبره

ويستمر السويركي بسرده لذكريات انتفاضةٍ أشبه بالمسلسلات : " شاب فلسطيني لن أنساه حتى أخر عمري ، حيث أُصيب في غارة إسرائيلية وفقد الجُزء السفلي من جسده ، لدرجة تجعلك مستغربا كيف بقي على قيد الحياة ، هو الآن يتحرك عن طريق الكرسي المتحرك ، التقيت معه ذات يوم بمكان لبيع الورود ، حيث تفاجأت وأصابني الفضول لمعرفة أين يذهب بتلك الورود ، وامتلكت الجرأة لكي أسأله وبالفعل سألته فكانت إجابته هي الأغرب ، حيث كان يأخذها ويضعها على القبر الذي دُفن فيه نصف جسده في مقبرة الشجاعية ".

وتصادف هذه الأيام الذكرى الخامسة عشر لانتفاضة الأقصى بعد أن أقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي أرائيل شارون على اقتحام المسجد الأقصى تحت وقع الحراسة المشددة ما تسبب في اشتعال الغضب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة.