الإعلام: المدارس توقد نار الشوق للقرى المدمرة

رام الله - دنيا الوطن
أوقد انطلاق العام الدراسي في أيامه الأولى نار شوق  اللاجئين لقراهم المدمرة، التي لا زالت مدارسها تسكنقلوبهم. 

واستردوا خلال الحلقة (40) من سلسلة " ذاكرة لا تصدأ" لوزارةالإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية واللجنة الشعبية للخدمات في مخيمالفارعة، تفاصيل مدارسهم  وكتبهم ومعلميهمقبل عام 1948. ورويالسبعيني هزّاع عبد الرحمن الغول:  تعلمنافي مدرسة قريتنا الكفرين  قضاء حيفا، الصف الأولالابتدائي، وكانت محاطة بالأشجار، وفي موقع جميل يرد الروح. 

ودرّسنا المعلمان نايف(ينحدر من بلدة يعبد) ونعيم دروزة (القادم من نابلس). وتلقينا العربية والحسابوالقرآن، وما زلت أحفظ حتى اليوم الأبيات التي تغني للقهوة العربية وتتغزل بها:"أنا المحبوبة السمرا، وأجلى في الفناجين، وعود الهند لي عطر، وذكري شاع فيالصين"، وكنا نتشارك 3 و4 طلاب في مقعد واحد، ولم تكن في قريتنا مدارسللبنات، وفي إحدى الأيام جاء طلاب وطالبات يهود من نفس جيلنا للمدرسة، ولم نسمحلهم بدخول، وطردناهم  من البلد.

معلمون ومحفوظات 
واستردمحمد أسعد إسماعيل( ولد في الكفرين عام 1930)، قصة المدرسة ذات الأربعة صفوف، كلواحد منها بطول ستة أمتار وبعرض مماثل. يقول: "كنا 14 طالباً، ولا أنسى المعلمأبو نزار العكاوي، وعبد الغني من طولكرم، وتعلمنا القراءة والقرآن والحساب، ولازلت أحفظ جداول الضرب من الصف الأول حتى اليوم، أما في دروس العربية فنشدناكثيراً، وأحفظ:( للورد عندي محل، لأنه لا يمل، كل الرياحين جند، وهو الأمير الأجل،إن غاب عزوا وباهوا، حتى إذا عاد ذلوا)."يسرد:"من كان يريد منا أن يكمل بعد الرابع، يذهب إلى مدارس عكا، وحين يعود بعدالصف السادس، تقام له الاحتفالات والأعراس. 

وقد كنت الأول في الصف، وبعدي محمدسالم، والثالث محمد عيسى موسى، والرابع محمد الكايد، وخلفنا محمد الهويدي وقريبهذياب، ومحمود علي أبو علي. ولا أذكر أننا تعلمنا اللغة الإنجليزية، ولكن من كانمنا يختم الصف السادس، يصبح معلماَ."زيموحّدويمسكمحمد صالح العرجا، المولود في الفالوجة جنوب فلسطين عام  1934، بتفاصيل مدرسته التي تعلم فيها للصفالسادس، قبل أن تقع فصول النكبة، فيروي: "كانت المدرسة كبيرة، وفيها 8 غرف.وهناك مدرسة للبنات أيضاً، وقبل هذا كنا نذهب في سن الخامسة إلى كُتاب الشيخ عبدالحميد النشاش، الذي كان مُقعدًا ويزحف على الأرض، ويمسك بعصاه الطويلة لمعاقبة منلا يحفظ دروسه، وعنده تعلمنا القرآن وبعض الدروس العربية.

 وبعد عام انتقلنا إلىكُتاب الشيخ جبر النجار، وكان متعلماً أكثر، حيث درسنا التاريخ القديم منذ العصرالحجري، ولم يكن التعليم عند الشيخين إلزامياً، ويتم مقابل أجر عيني، ندفعه منالحبوب والثمار والبيض وغيرها من السلع." وفي سن السابعة، انتقلنا لمدرسةالحكومة، كان زينا البنطال القصير والكاكي اللون (صيفاً شتاء)، والقميص الكاكيأيضاً، والجوارب الخضراء، مع حلق الشعر بشكل قصير. أما البنات فكن يلبسن الزيالأسود والقبة البيضاء، وأغطية الرأس، ويحملن حقائب من القماش، يصنعنها بأنفسهن."

وحسبالعرجا، فقد كان ترتيب الصفوف يبدأ بالأول الابتدائي حتى السابع، ثم الأول والثانيوالثالث الثانوي( أو مترك لندن)، ومن كان يجتازه يصبح عميداً ومسؤولاً عن الكليات،كشأن قدري طوقان. فيما كان مناهج الإنجليزية دسماً، ويبدأ من الصف الخامس، بكتاباسمه( مورس )، ثم كتاب القراءة وكتاب مساند يضم المصطلحات والتراكيب الواردة فيالنص، ومن الدروس: حكاية الفراعنة، والأهم أننا كنا لا نتكلم في الصف إلابالإنجليزية، وكان أستاذنا حسني محمد السعافين، بزيه وشماغه الأحمر وعصاه يدخلالرعب إلى قلوبنا، ويطلب منا أن نحفظ الدرس مثل أسمائنا.نشيدالعلميتذكر:"من أساتذتنا سامي وزهدي أبو سفيان من غزة، وأكرم رزق، ورمضان حنفي من تلالترمس المجاورة، والشيخ على حنفي من غزة، والبقية من أبناء بلدتنا، بينما درّسناالدين أحمد العقيلاني. 

وفي الطابور الصباحي، كان يختار الأساتذة سبعة أو ثمانيةطلاب لنشيد العلم، فيرددون: "علمي يا علمي، يا علم العرب أشرقي، وأخفقي فيالأفق الأزرق، يا علم، يا نسيج الأمهات في الليالي الحالكات، لبنيهن الإباء، كيفلا نفديك ، كل خيط فيك، قطرة من دمعهن، خفقة من صدرهن، قبلة من ثغرهن، يا علم، سرإلى المجد بنا، وابني من الوطن، قد حلفنا للفناء، حلفة ترضيك، إننا نسقيك، من دماءالشهداء، من جراح الكبرياء، دمت للمجد سماء، يا علم".

يضيف:"من القصص التي لا أنساها في المدرسة، كيف أننا وخلال حصة التعليم الزراعي،شاهدنا أفعى كبيرة، وكان جسمها مغطى بالزعانف، وهي أول مرة أرى فيها أفعى بهذاالحجم، وبقيت مرعوباً منها فترة طويلة، رغم أن الشبان ألأكبر مني قتلوها بالفؤوس.وفي كل شتاء استحضر حكاية أستاذتنا الشيخ عبدالحميد، الذي كان يطلب من تلميذ واحد كل يوم إحضار الحطب للتدفئة، وفي أحد الأيامعاقب أحدنا من عائلة الشغنوبي، حين لم يأت بالحطب صباحاً، فأمره أن يخرج لجلبه،ولما ذهب قرب الوادي لاقتلاع جذور الينبوت ( نبتة شوكية) غرق زميلنا ومات وسحبهالنهر إلى أسدو.

شهادةنسوية

وتسردوطفة حسني ذوقان( المولودة بعد النكبة)، حكاية المدرسة قبل نكسة عام 1967، حينكانت تذهب إلى مدرسة المخيم المكونة من ست غرف أرضية، وتمتد الدراسة على فترات:الأولى من الصباح حتى العاشرة، ثم فسحة لتناول كأس من الحليب وحبة من زيت السمك،بعدها دراسة حتى الثانية عشرة، ثم استراحة غداء في البيت لساعة، فعودة للمدرسة حتىالثالثة.تقول:"كنا نتعلم العربية والحساب، ولم نأخذ الإنجليزية إلا بعد الصف الخامس، وكانتمن تغيب عن الصف لأي سبب، تُحرم الاستراحة والغداء لثلاثة أيام، ومنعنا من صبغأيدينا بالحناء حتى في أفراح إخوتنا وأقاربنا. وخشيت علينا عائلتنا بعد النكبة منالذهاب إلى المدرسة، وبخاصة أن إكمال التعليم كان يجب أن يكون في نابلس."

وتقصالسبعينة زهية محمد عليان، المولودة في أم الزينات، قصة ضياع صفها الأول، فقد سكنتمع عائلتها في مخيم الجلزون، وكانت المدرسة باردة جداً، دون وسائل تدفئة، فرفضتالذهاب، وبقيت في الخيمة، ولم تدرس غير 15 يوم، وتستطيع اليوم فقط أن تكتب اسمها.كتابةبالفحمويعيدالثمانيني عبد القادر حمد عبد الهادي الزمن إلى مدرسة صبارين بجوار حيفا فيقول: "كانتالمدرسة كلها أربعة صفوف، وسبقتها مدرسة غير رسمية للشيخ محمود، دخلتها وأنا ابنتسع سنوات، وكنا نتعلم اللغة العربية والحساب والقرآن الكريم، وكان المعلم يكتبعلى لوح التنك بالفحم. وحينما فتحت المدرسة الرسمية أبوابها، نقلوني إلى الصفالثاني لكبر سني، ولكن بعد أسبوع طلب من المعلم أن أكتب على اللوح الرقم 250، فلمأعرف، عندها قرر أعادني مرة أخرى للصف الأول. 

ووفق رواية عبد الهادي، فقد كان فيالمدرسة أربعة أساتذة هم: سليمان الدرزي، وسهيل، وماجد، وأبو مصطفى.60شهادة

بدوره،أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إلى أن "ذاكرة لاتصدأ" تنقلت خلال أربعين حلقة بين مدن وقرى شمال فلسطين وجنوبها ووسطها،وتنوعت بين السرد المكتوب، والومضات المرئية القصيرة. ووثقت حتى اليوم أكثر من 60شهادة لرجال ونساء تجرعوا مر النكبة.

وأضافأن السلسلة فقدت في نحو أربع  سنوات  7 من الشهود الذين حرسوا الذاكرة، غيّبهم الموت،فيما أوصى أخرهم (خليل أحمد  أبو زهرة) أولاده بدفنه في صبارين، بأي طريقة، ولوهربوا عظامه إليها.