أخطاء طبية قاتلة : وماتت نعمة ..!؟

أخطاء طبية قاتلة : وماتت نعمة ..!؟
كتب الاعلامي ناصر عطاالله 

وماتت نعمة .. قالوا خطأ طبي ، رغم أن الولادة كانت طبيعية ، ولكن يد الطبيب اقتحمت شرياناً رئيساً مغذياً للقلب فقطعته ، ورغم شديد النزف ، تشخيص الطبيب كان يقول أنه أمر طبيعي للنفاس ، وبعد أيام شديدة اللهجة على المريضة ، تكهن الطبيب أن النزيف بسبب تقرحات في الرحم ، فضغط على أهل المريضة لإستئصاله ، فكان له ما شاء ،وتم استئصال الرحم الذي بات خارج جسد المريضة ، ولكن النزف واصل زحفه في الجسد العليل ، ليصب في جسدها الثلاثين وحدة دم ، دون جدوى .

ويمارس كهنة المعبد الطبي في إدارتهم لحياتنا ، ذات الوسائل في إيصال المريض الى حفة الموت المحقق ، ليكتب النموذج رقم (1) ويتكرم المسئول الطبي على أهل المريضة ، بكتابة " خطر جداً" .

وتبقى الروح في الجسد العليل حتى تتدخل الايادي البيضاء لمن استطاع إليها سبيلا ، وتكون رحلتها المتأخرة الى مستشفيات الداخل الفلسطيني،ولكن وصولها الى هناك ، يحول المستشفى الى مركز أحوال مدنية لكتابة شهادة الوفاة ، وفوات الأوان على أرواح كثيرة كان من الممكن إنقاذها بأخطاء طبية في مستشفيات غزة ، يبقى ميدان مغلق في ضمائر البيروقراطيين ، الذين يحسبونها بالشواكل والمال ولا يحسبونها بالأرواح .

نعمة التي ماتت ، بعد ولادة ثانية في حياتها وهي في مقتبل العمر (18) سنة ، دفنت في التراب ، وراح اسمها يتلاشى في المؤسسة الرسمية ، وتحول زوجها الى أرمل وولديها الى ثكلى ، والحسرة في قلوب أهلها وأحبتها ، ويواصل الطبيب باسمه وصفته ، عمله كأي كائن لم يمارس خطأ يذكر ، ليحمل المزيد من الشهادات ، ويكتسب الخبرة التي تجعل منه اسماً وشهرة ، هذا يكون فقط في قطاع غزة ، التي يمارس البعض فيها اختبارات المهنة ، وأن كانت خسائره أرواح البشر .

الرسميون الذين يدافعون عن أمثال هذا الطبيب ومعينيه ، يحاولون ترحيل الموت الى القضاء والقدر ، وحسنا أننا نؤمن بالقضاء والقدر ، ولكن الاسباب التي أوصلتنا الى قضاء الله وقدره ، يجب أن يكون لنا معها وقفة ، وأن لا تمر مرور المستسلمين لدكاكين القتل بالخطأ الطبي في مستشفيات قطاع غزة .

ماتت نعمة وكان موتها بخطأ طبي ، ولكن روحها ستبقى معلقة في ميزان العادل الذي يحصّل حقوق العباد ، بعضهم من بعض .

ونظرة الى واقعنا في قطاع غزة ، وحال مرضانا يدفعنا الى أن نوقف الكثير من المهازل ولا تغفل إنسانيتنا في تحصيل مهاراتنا المهنية ، فأمثال نعمة الشابة الولادة ، سيقفون على محراك بحث دقيق ، ويحصلون على اسماء قاتليهم بكل عدالة ، ليقتص لهم المنتقم الجبار .

رحم الله نعمة ومعها ضحايا الأخطاء الطبية وهم كثر .

والصبر والسلوان لأهلها ومحبيها وولديها الثكالى

والصحوة لضمائر أطباء فقدوا انسانيتهم ، واستبدلوها بشهادات زائفة، لا أقول كل الاطباء ، ولا أعمم ، ولكن أقصد الذين تعجّلوا عملهم ولم يتلطفوا بمرضاهم فقتلوا النفس التي حرم الله .

ورغم المصاب وفقدان روح انسانة ، موتها كشف عورات مستشفياتنا في قطاع غزة ، يبقى أن نقدم الشكر والعرفان الى كل من حاول إنقاذ روح المريضة ، ولم يغفل قيم الحياة ، ولا قيمة الانسان ، فشكراً لمستشار السيد الرئيس ، والوزير السابق الدكتور كمال الشرافي ، الذي لم يتوانى للحظة بدفع ما يمكن دفعه من صلبان البيروقراطية في إدارة التحويلات الطبية ، وتسهيل تحويل المريضة نعمة قبل أن تصبح قتيلة الخطأ الطبي .

شكراً للدكتور مدحت طه في مكتب السيد الرئيس محمود عباس ، الذي واصل وتابع ونشط على مدار ساعات ليذلل عقبات تحويل الحالة الى مستشفيات الداخل الفلسطيني .

شكراً للدكتور بسام البدري مسئول التحويلات الطبية في قطاع غزة ، الذي اصطدم ويصطدم كل يوم بعقبات تبطيء من تحويل المرضى الى المستشفيات القادرة على استكمال علاج الحالات الصعبة والحرجة .

شكراً لكل من قدم وساهم وفجع بفشل مساعيه ، بوفاة نعمة ، لأن سطوة الخطأ الطبي كانت اقسى من كل مساعي الانسانيين ، وقدر الله لا بد نافذ.

ماتت نعمة الجملة ، وأغلقت السجلات بورقة واحدة يطلق عليها "شهادة وفاة".

إنا لله وإنا إليه راجعون