المصالحة وتجربة القضاء العشائري

المصالحة وتجربة القضاء العشائري
كتب غازي مرتجى

الوضع المأساوي في قطاع غزة لا يخفى على أحد بل إن تفاصيله يحفظها المواطنون قبل الساسة والقادة عن ظهر قلب .

حالة الجمود في المصالحة الداخلية قوبلت بـ"لامبالاة" شعبية ليست بالجديدة .. لكن حالة اللامبالاة هذه المرة مجبولة بحالة يأس شديد لم يكن يتخيّل ان يصل اليها المواطن حتى في كوابيسه .

تأجيل زيارة وفد المنظمة للاختلاف على شكل الوفد ان كان فصائلياً أم موحداً يتبع منظمة التحرير واستمرار التلكؤ في حل مشاكل القطاع لن يؤدي الا الى انفجار جديد .

الحالة الفلسطينية تعيش مرحلة "الحرق" ولا زلت أكرّر ان ما قاله السيد الدكتور محمود الزهار كان "المختصر المفيد" حيث اكد سابقاً ان حركته تعيش مرحلة "حرق الوقت" حتى لا تعطي الحركة تنازلات كُبرى .

المواطنون في قطاع غزة لا ينتظرون "مجاملات" كلامية فقد ملّوا منها وتعبوا , ولا يتوقون لرؤية مزيد من الدماء لأسباب داخلية أو خارجية .. ولا يُفضلّون بالطبع انفلات عقد المصالحة الهش والعودة لما قبل الصفر من جديد .

الزميل عبدالله عيسى قال في مقال له :"يجب على السلطة ان تتعامل كحاضنة للجميع , لا كفصيل معارض" .. وأزيد :"يجب على فتح ان تتعامل كأم للجميع كما كانت دوماً" .

يُمكن تشبيه المصالحة الفلسطينية بالفرق بين القضاء الرسمي والقضاء العشائري , فالرسمي يلتزم بقانون مكتوب يعتمد على فهلوة المحامي والثغرات التي تملأ القانون الوضعي .. عدا عن الأموال التي يصرفها "المتخاصمون" فإن القضاء الرسمي يُصدر حكمه النهائي بعد سنوات إن كان لدى احد المتخاصمين حظاً وواسطة !

أما في القضاء العشائري فالحل يعتمد على احترام "المتخاصمين" للوسيط وضرورة تنازل احد الطرفين للآخر بمقدار "خطوة" اكراماً للوجهاء والمخاتير .. ولا يتعدى تكلفة الحل "فنجان قهوة" .. وقد يتمكّن أحد المخاتير المخضرمين من حل القضية عشائرياً بدقيقتين ..!

حركتا فتح وحماس التزمتا القضاء الرسمي لحل الخلافات بينهما .. فبانت "الفهلوة" وظهر الشيطان في "التفاصيل" ... لماذا لا تُجرّب الحركتين الحل العشائري بتنازل احدهما للآخر اكراماً لذوي الشهداء والجرحى  ؟ وفنجان القهوة العربية الاصيلة هدية مني !