اسطورة تجنيد داعش للشباب العربي

اسطورة تجنيد داعش للشباب العربي
بقلم : عبدالله عيسى
رئيس التحرير

في وقت مبكر وقبل سنوات حذرت في مقال من أسلوب معالجة مشكلة وأزمات الشاب العربي بتعليقي على برنامج هالة شو عندما أعلنت الإعلامية المصرية هالة سرحان الثورة في عهد الرئيس مبارك لحل مشاكل الشباب والمصري وما ينطبق على الشباب المصري ينطبق على الشباب العربي أي المشكلة واحدة والحلول طبعا واحدة أي سرحانية على طريقة هالة شو .

وكنت في حينها أتوقع أن تطرح هالة السرحان مشاكل الشباب المصري والعربي الذي يعيش في حالة من الضياع التام وان تغوص في أعماق المشكلة والحلول المطلوبة وإذا بها تكرس حلقات طويلة لشبان وشابات من طلاب الجامعات او غيرهم لتناقشهم في لهجتهم الجديدة أي مصطلحات عامية خرجت عن المألوف والعادات والتقاليد أحيانا واعتبرت ان فهم الشباب وحل مشكلتهم يكمن في هذا السر الخطير ان نعرف لغة الشباب وان نفهم معنى كلمة الشبابية " نفضلوا وكبر دماغك والخ ".

أي ان اخطر قضية يواجهها الوطن العربي بأكمله وهي تحديات جيل شباب ضائع حائر حلتها هالة السرحان بدعوة مفتوحة لكبار مسئولي الدولة بان يفهموا معنى كلمة " نفضلوا ".. وكأن الشاب العربي يتحدث باللغة الروسية ونحن ما زلنا نتحدث باللغة العربية والمشكلة تكمن هنا حسب وجهة نظرها الفاشلة .

فاختصرت هالة السرحان كل مأساة الشباب العربي الذي يعاني من البطالة وضبابية مستقبلهم وإحباطهم بسبب السياسة الإسرائيلية في فلسطين وعجز أنظمة عربية عن ردع إسرائيل لوقف ممارساتها ضد الشعب الفلسطيني وانحراف جزء من الشباب إلى المخدرات والجريمة والحقد على المجتمع وخصوصا طبقة الأغنياء واعدام صدام حسين صباح يوم عيد الأضحى ثم اغتيال ابو عمار بالسم ولاحقا اغتيال وسحل معمر القذافي على مرأى من العالم كله .. كل هذه السياسات الإسرائيلية والأمريكية أوجدت حالة من السخط في العربي غير مسبوقة ولامثيل لها لدى جيل من الكبار انتهت صلاحيته عمليا وحالة من الثورة الكامنة لدى جيل الشباب أضافت إلى تراكمات البطالة والفقر وانعدام الأفق لمستقبلهم .

ولنتكلم بموضوعية وبطريقة علمية تؤدي إلى حل جذور المشكلة وان لا ندخل في مهاترات الإرهاب التي لاطائل منها لانها تعالج القشور ولا تعالج جوهر المشكلة بل أن سياسة مكافحة الإرهاب التي تعتمدها امريكا عبر التحالف الدولي تؤدي الى مزيد من الإرهاب ولاتنهي هذه القضية الخطيرة وهي تنظيم الدولة الإسلامية " داعش ".

وقد يقول قائل أن إعدام صدام حسين لقي ترحيبا في بعض الأوساط الشعبية الخليجية نظرا لاحتلاله الكويت وان الشباب العربي لم يسع للثار لإعدام صدام او لاغتيال ابو عمار " ياسر عرفات " او لإعدام وسحل معمر القذافي او للمأساة التي أوجدتها أمريكا في سوريا ..هذا صحيح ولكن اهانة وإعدام زعماء عرب اوجد كما ذكرت حالة سخط كامنة في مختلف الأجيال العربية من الكبار والشباب وهذا لايعني ان صدام حسين كان زعيما مثاليا او معمر القذافي كان الزعيم الذي يتمناه الشعب الليبي ولكن ابو عمار كان قائد ثورة فلسطينية عظيمة وتعرض لحصار مهين لسنوات وارتكب شارون اكبر خطأ بإقدامه على اغتيال عرفات .

بغض النظر عن سيئات كل الأنظمة العربية والتي نعرفها جميعا ولكنها أثبتت انها كانت صمام أمان لشعوبها ودولها بكل مساوئ تلك الأنظمة وانهيار بعض الأنظمة أدى للحال الذي نشهده الآن في ليبيا وسوريا والعراق واليمن ومصر ففجرت أزمات خطيرة جدا لشعوبها والدول العربية المجاورة  كما ان الانقسام الفلسطيني اوجد حالة كارثية للشعب الفلسطيني وقضيته .

في السبعينات والثمانينات كان قادة معارضة يسارية عرب يزورون الاتحاد السوفييتي ويحرضون على رؤسائهم وقادة دولهم وحدثني احدهم في الثمانيات ممن زاروا الاتحاد السوفييت فقال :" قلنا لهم أن الرئيس عميل وخائن وما إلى ذلك فكان رد مسئول سوفييتي : إذا تأكدتم من خيانة رئيسكم لا تتهموه بالعمالة بل اقتلوه واجعلوه بطلا قوميا حتى لانتهار الصورة الوطنية لدى جيل الشباب ".

أمريكا لم تعمل بوجهة النظر السوفييتية فأرادت التخلص من زعماء عرب تعارض وجودهم مع مصالحها فحرضت ووجهت لقتلهم بشكل مهين لكل العرب باعتبارهم زعماء فاسدون قتلة مجرمون حسب وجهة النظر الأمريكية مع ان الحقيقة ليست كذلك ابدا بل هي صراع مصالح .

سأروي حادثة واحدة ذات مغزى عندما اندلعت ثورة 25 يناير وحصلت أعمال نهب وحرق لشركات ومؤسسات الدولة والحزب الوطني في مصر استضافت قناة الجزيرة طالبا جامعيا مصريا ليلا بلقاء قصير مع مراسلها في القاهرة وسألته الجزيرة عن أعمال النهب فأكد الشاب ذلك وقال اقتحم الشبان شركات ومؤسسات الدولة ونهبوا محتوياتها وسألته الجزيرة هل شارك بذلك وهل نهبت مهم فقال بكل بساطة :" نعم شارك وأخذت جهاز كمبيوتر من شركة إنها أموال الشعب وهذا من حقي!!!!".

طالب جامعي دفعه الفقر إلى هذا التفكير الحاقد على المجتمع وان يبرر لنفسه السرقة على الملا بدون تردد .. طبعا الشاب لم يسال عن عبارات نفضلوا ولا كبر دماغك لان مشكلته عميقة وليست تافهة .

شاب عراقي سجن سابقا في أبو غريب وجدت ضالته في التطرف وهو ابو بكر البغدادي فاستطاع خلال فترة أشهر ان يحشد عشرات الآلاف من المقاتلين من الجيش العراقي المنحل والذي كان ضحية سياسة أمريكا وطائفية نوري المالكي الذي وصف جيشه الجديد المنهار بأنه يعيد مشهد الشيعة ضد معاوية ويزيد !!.

وهذا الجيش الطائفي لم يصمد ساعات أمام بضعة آلاف من المقاتلين من داعش وخلال شهر احتلت داعش معظم العراق وأصبح المالكي منشغلا في تحصين بغداد كي لايجد ابو بكر البغدادي يجلس على مكتبه في العاصمة العراقية .

أزمات سياسية واقتصادية متداخلة على مدى السنوات الماضية واجهت الشباب العربي وسياسة أمريكية غريبة بلا منطق في تعمدها إذلال الدول العربية الفقيرة بالمساعدات وتحريض وتهديد دائم لدول الخليج العربي بعدم تقديم مساعدات من جانبها للدول الفقيرة وان جادت أمريكا بمساعداتها تكون مساعدات عسكرية في معظمها أما المساعدات المالية والاقتصادية فكانت شحيحة جدا مما فاقم الفقر والبطالة لدى الشباب العربي وتكدست الأسلحة فوضعت دولا عربية أمام خيار بيع أسلحتها على الأرصفة في الشوارع للإنفاق على شعوبها .. انها مهزلة حقيقية وصنعت المأساة التي نعيشها الان .

كيف نجح الخليفة البغدادي في تجنيد غير مسبوق للشباب العربي بعشرات الآلاف بل انه فعل امرأ غير مسبوق أيضا على مستوى العالم كله انه ولأول مرة تستقطب حركة دينية او سياسية متطرفة عشرات ألاف من المقاتلين من 96 دولة في العالم وتضمهم الى صفوفها في مواجهة تحالف دولي يضم 65 دولة في العالم إنها الحرب العالمية الثالثة .

إننا بحاجة الى فهم أسباب وجذور الظاهرة الداعشية قبل مواجهتها بحاملات الطائرات والقاذفات الإستراتيجية بي 52 التي تتوعد أمريكا باستخدامها .. عشرات المليارات من الدولارات أنفقتها أمريكا على هذه الحرب بلا تردد مع ان هذه الأموال لو وظفت كمساعدات للدول العربية وخلق فرص عمل للشباب وبرامج توعية دينية وتصحيح مفاهيم من علماء المسلمين ومشايخ الأزهر الشريف وبإعلام هادف ومشاريع صغيرة لحل مشكلة البطالة وتطوير شركات بفرص عمل جديدة وتشجيع البحث العلمي لدى جيل الشباب العربي لوفرت امريكا على نفسها مليارات كثيرة ولحقنت دماء كثيرة في سوريا والعراق وليبيا واليمن .

الحرب الأمريكية ضد داعش تزداد حدة وبالمقابل تنظيم الدولة الإسلامية يزداد قوة وتمددا بدا بالعراق وتوسع في سوريا ثم ليبيا وسيناء وما هو قادم أكثر .

باختصار فان امريكا تعالج قضية الإرهاب على طريقة هالة السرحان بان تتعامل مع القشور فهالة سرحان مسخت قضية الشباب في فهم كلمة " نفضلوا وكبر دماغك " وأمريكا تعالج المشكلة بقوة حاملات الطائرات .. وإذا استمرت السياسة الأمريكية على هذا النحو ولم تضع خطة إستراتيجية واضحة للمنطقة العربية  بمشاركة حقيقية مع الدول العربية تعتمد أولا على حل أزمة الشباب العربي وتوجيهه التوجيه الصحيح كي يفيد نفسه والمجتمع عبر مساعدات اقتصادية فعالة للدول العربية التي تحتاج تلك المساعدات فان حاملات الطائرات الأمريكية ستبقى ضيفا على مياهنا العربية لفترة طويلة جدا .

 


التعليقات