جزمة توفيق عكاشة

جزمة توفيق عكاشة
بقلم : عبدالله عيسى
رئيس التحرير

في أواخر عهد مبارك ظهرت برامج التوك شو على شاشات فضائيات خاصة تابعة لرجال أعمال في مصر واعتقد ان هذه البرامج كانت بداية عهد النكبة الحقيقية للإعلام المصري والسقوط المدوي .

في عقود ماضية تتلمذنا في مدارس كبار الإعلاميين المصريين والذين كانوا منارة إعلامية في العالم العربي حتى أتحفنا زماننا بتوفيق عكاشة واحمد موسى وغيرهما من الإعلاميين الشتامين ولا حجة لهم ولا دليل في إقناع الجمهور بوجهة نظرهم سوى الجزمة القديمة .

في مسلسل سوري قديم للفنان الراحل " ابو عنتر " والذي اخذ ادوار البلطجي دائما فكان يحكي قصة بايخة للمساجين فلا يضحك احد فيشهر خنجره في وجوههم قائلا :" هذه نكتة اضحكوا ".. فيضحكوا مجبرين .

وإعلام التوك شو يشهر الجزمة في وجه الجمهور بلا حياء ليجبرهم على الأخذ بوجه نظره .

وبعد ثورة 25 يناير خرج إعلام التوك شو من عقاله ليتحول الى مأساة حقيقية ويحول حياة المصريين الى مأساة ايضا ويوصل علاقات مصر بدول عديدة إلى الدرك الأسفل بل الى نقطة اللاعودة بالردح والشتائم والجزمة القديمة والإسفاف في توجيه الاتهامات دون ان يترك خطا للرجعة في علاقات مصر مع أي دولة وقع بينهما خلاف مهما كبر مما حول خلافات مصر وللأسف مع دول من خلافات سياسية الى أحقاد شخصية مع شعوب وزعماء .

اذكر في اوائل الثمانينات ان الرئيس السوري حافظ الأسد أصيب بمرض شديد وقيل في حينها انه مرض السرطان واختفى عن الساحة فترة وبطبيعة الحال كان الإعلام الإسرائيلي بالمرصاد ..وأصدرت القيادة السورية بيانا قالت فيه ان الرئيس حافظ الاسد أصيب بوعكة صحية حيث تم إجراء عملية الزائدة الدودية له ويتماثل للشفاء .

ولم اسمع مذيعا إسرائيليا يشتم الاسد او يخرج حذاءه ويضعه على الطاولة كما يفعل عكاشة ولم يشتم والدة الأسد وإنما أعلنوا خبرا صغيرا يقول :" ان عملية الزائدة الدودية قد أجريت للرئيس السوري حافظ الاسد عام 1962 ".. انتهى الامر .

وكما هو معروف طبيا لا تجرى عملية الزائدة الدودية للإنسان الا مرة واحدة في حياته ويا معشر السوريين ابحثوا عن المرض الحقيقي لرئيسكم .

أي بسطر واحد فند الإعلام الإسرائيلي كل الرواية السورية في حينها حول الحالة الصحية للرئيس مع الإشارة ان حافظ الأسد عندما أجريت له عملية الزائدة الدودية عام 1962 لم يكن رئيسا لسوريا بل كان ضابط كبيرا في الجيش .. توظيف إعلامي ومعلوماتي استخباري واضح وفي الصميم .

فأيهما أكثر إقناعا للناس بث مثل هذا الخبر ام الردح وحفلات الجزم اليومية على شاشات الفضائيات المصرية الخاصة ؟!.

قبل يومين طلب عكاشة من نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية ان يتخذ قرارا يسمح لمصر بضرب ليبيا وغزة وقال :إن لم يفعل سأضربه بالجزمة !!

ثم شتم نبيل العربي قائلا :" يا وجه القملة ".!!

وإذا اتى على ذكر معارض للنظام لوح بالحزمة في وجه المشاهدين وان أراد تهديد غزة او قطر او ليبيا او تركيا يلوح مع زميله احمد موسى بضرب هذه الدول بالجزمة .. هل هي جزمة عابرة للقارات ام صاروخ كروز ؟!

وإذا قذف توفيق عكاشة بجزمته على قطر كما يهدد هل ستستنفر قاعدة العيديد وتتحرك الباترويوت والدفاعات الجوية القطرية لاعتراض جسم غريب قادم من الفضاء وتعلن البوارج الأمريكية حالة الاستنفار القصوى في الخليج  توقعا منها ان روسيا فعلتها وشنت هجوما صاروخيا لتكتشف لاحقا انها جزمة توفيق عكاشة او احمد موسى!!
 
للأسف هذه الاساليب في الردح الإعلامي افقدت الدولة المصرية علاقتها بالمعارضة وأوصلتها الى الدرك الأسفل بعيدا عن الإخوان المسلمين أي المعارضة التي تعمل في ظل القانون وأوجدت شرخا خطيرا في علاقات مصر مع شعوب عربية ودولا .. وهل يرى إعلام التوك شو ان حل مشاكل مصر الداخلية وخلافاتها مع الدول الأخرى تحل بالردح والجزمة والشتائم البذيئة .

والمشكلة أن دولا وشعوبا اصبحت تحمل الحكومة المصرية تبعات هذا الإعلام مع ان الحقيقة مختلفة وانما هو سوق الإعلانات لجذب مشاهدين لبرامجهم لا اكثر ولا اقل لرفع اجورهم فتراهم يتنقلون بين كل الفضائيات حسب الأجر الأعلى بل ان ابراهيم عيسى لم يترك فضائية تعتب عليه وسلك طريقا سياسيا منحرفا ودينيا اكثر انحرفا بالتطاول على قدسية الدين الإسلامي بسرد قصص لا أصل لها وروايتها مشبوهة تاريخيا وتصديرها للمشاهد المسلم فيقع في حيرة من امره .

وذات مرة قال الشيخ يوسف القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة عندما سئل عن فتوى إرضاع الكبير :" هنالك قضايا في الدين غير مسموح بطرحها على العامة من الناس وانما يتم نقاشها بشكل ضيق بين العلماء حتى لاتثير مفاهيم خاطئة لدى الناس ".انتهى الاقتباس .

أي عندما يقول مستشرق ان الخليفة عمر بن الخطاب أقال خالد بن الوليد لخلاف قديم بينهما يخرج كل علمائنا يرفضون هذا الرأي وينكروه على المستشرق وعندما يقول ابراهيم عيسى ان عمر ابن الخطاب كان يضرب الصحابي الجليل ابو هريرة بالعصا أمر مقبول ولا احد يعترض على فضيلة الشيخ العلامة ابراهيم عيسى والأزهر الشريف لاعلاقة له بعمر بن الخطاب ولا بابي هريرة .. كان الله بعون الأزهر الشريف فهو مشغول هذه الأيام بمشاريع الفنان محمد صبحي أهم لديه من الطعن بصحابة رسول الله الكريم .

 


 


 


التعليقات