الصواريخ انهت نظرية الأمن الإسرائيلي

بقلم : عبدالله عيسى
رئيس التحرير
كان هاجس قادة إسرائيل منذ عام 1948 هو إبعاد الخطر العربي المتمثل في دول المواجهة عن حدود إسرائيل قدر الإمكان وكانت الغاية من تشبث إسرائيل بالأراضي المحتلة عام 1967 وهي الضفة الغربية وغزة والجولان وسيناء هي نقل المفاوضات بين إسرائيل والعرب من مفاوضات على مناطق 1948 الى مفاوضات على حدود 1967 وخاضت حروبا كثيرة وتحملت خسائر كبيرة بشرية وعسكرية ومالية من اجل توفير الأمن لإسرائيل على حدود 1948 حسب اعتقادهم .
وقال شارون ذات مرة ان حدود دولة إسرائيل تصل الى المكان الذي تصل إليه دباباتنا وقال نتنياهو في كتابه" مكان تحت الشمس ": اعرف الأرض بقدميك .
وكان نتنياهو ضابطا صغيرا في الجيش الإسرائيلي في سلاح المشاة وعادة رجال المشاة يسيرون مسافات طويلة ومن هنا يرى نتنياهو حسب درايته في سلاح المشاة ان المعرفة الحقيقية للأرض ليس على الخرائط وإنما من يجوبها مشيا على الأقدام.. وهو يفسر بطريقة أخرى حدود دولة إسرائيل حسب مفهوم شارون .. فشارون حدد حدود إسرائيل بالدبابات الإسرائيلية والى اين تصل بينما يرى نتنياهو ان الحدود على طريقة سباق الضاحية .
كل النظريات التي وضعها قادة إسرائيل للأمن الإسرائيلي انهارت على يد صدام حسين ومن قبله جمال عبدالناصر وياسر عرفات" أبو عمار " ثم لاحقا حزب الله وحماس.
فعرفات ابتكر فكرة زج راجمات الصواريخ في الحرب والتي أخذت تقصف الجليل حتى عام 1982 ثم جاء صدام ورأى أن مجاراة إسرائيل تكنولوجيا يحتاج إلى وقت طويل جدا واخذ ينتقد خطة الرئيس السوري حافظ الاسد الذي عمل على إيجاد توزن استراتيجي مع إسرائيل ولم ينجح .
ابو عمار فتح أعين العرب على موضوع استخدام صواريخ جراد لقصف الجليل حتى قرر شارون اجتياح لبنان في عملية عسكرية ضخمة وضع لها الاسم الكودي " عملية سلام الجليل " واستطاع إخراج الثورة الفلسطينية من بيروت .
وعندما خاض صدام حسين حرب الثمانية سنوات ضد إيران كان في البداية يظن ان الحرب ستستغرق أسابيع وهكذا قيل له عربيا " تؤدب إيران في حرب خاطفة تستغرق أسابيع ونمنع إيران من تصدير الثورة الإسلامية للدول العربية ".
وجد صدام حسين صلابة وشدة وعناد إيراني لامثيل له وخسر الطرفان خسائر بشرية جسيمة دون جدوى وكانت يران ترفض وقف إطلاق النار ووضعت شرطا لوقف الحرب وهو " إسقاط صدام حسين ".
القصة الأهم كانت انشغال صدام بتوظيف كل العوامل والأدوات العسكرية للضغط على ايران فتوصل الى فكرة استخدام صواريخ سكاد وفتح مصانع السلاح العراقي واستعان في البداية بخبرات فلسطينية ومصرية لتطويرها بتقليل وزن الراس المتفجر حتى يصل الصاروخ لمسافة ابعد وفعلا أنتج صواريخ الحسين والعباس والتي تصل لمسافات من 500 إلى 1000 كيلومترا.
واخذ يقصف المدن الإيرانية حتى تحولت الى مدن أشباح فوافقت ايران في النهاية على وقف الحرب .
الدول العربية كانت تراقب التجربة العراقية وسرعان ما اعتمدت سوريا هذا السلاح ومن نفس المصدر كوريا الشمالية وبادرت فورا وخلال حرب تحرير الكويت 1990 بشراء شحنة صواريخ سكاد من كوريا بقيمة 2 مليار دولار دفعت قيمتها دولا خليجية .
يقول نتنياهو في كتابه مكان تحت الشمس :" عندما تنطلق طائرة حربية عراقية "في عهد صدام " من الحدود العراقية –الاردنية تحتاج الى 3 دقائق فقط للوصول الى تل ابيب بينما اقل وقت ممكن لتجهيز الطائرات الإسرائيلية لاعتراض الطائرات العراقية في الجو الى 5 دقائق .اي هنالك فارق 2 دقيقة بين إقلاع الطائرات العراقية وتجازوها الحدود العراقية الأردنية وبين تحليق طائرات إسرائيلية معترضة وخلال دقيقتين أي الفارق الزمني تكون الطائرات العراقية تقصف العمق الإسرائيلي ".
انشغل قادة إسرائيل سنوات طويلة في حكاية الدقيقتين أي الفارق الزمني واعتبروا ان تقليص الفجوة الزمنية هو الحل وما ينطبق على العراق ينطبق على بقية دول المواجهة مصر والأردن وسوريا قبل توقيع اتفاقيات السلام مع مصر والأردن .
وحالات تأهب الطيران المعترض يكون عادة ضمن حالتين الأولى التأهب القصوى وفي هذه الحالة تكون الطائرات المعترضة تحلق في السماء وتتلقى من غرفة العمليات التعليمات لاعتراض طائرات معادية وفي هذه الحالة تأخذ المسألة وقتا قصيرا جدا والحالة الثانية التي كانت تتبعها كل دول المواجهة إضافة لإسرائيل قبل اتفاقيات السلام وهي تشغيل وتسليح عدة طائرات معترضة في ارض المطار ويجلس الطيار في الطائرة في حالة تأهب لعدة ساعات وبعدها ينزل من الطائرة ويأتي طيار اخر يأخذ مكان الطيار السابق وهكذا أي نبطشيات على مدار 24 ساعة أي هنالك طائرات جاهزة للانطلاق في المطار لاعتراض طائرات معادية .. وكما ذكرت هذه الحالة من التأهب كانت تستعمل في مصر وسوريا والأردن وإسرائيل قبل اتفاقيات السلام وبعد ذلك بقيت على مستوى سوريا وإسرائيل فقط .
وهذه الحالة التي يتحدث عنها نتنياهو لان طائراته المعترضة تكون مجهزة في ارض المطار وتحتاج إلى خمس دقائق للانطلاق والوصل للهدف في الجو .
حالة واحدة في هذا المجال عرفها العالم وهي أمريكا عندما كانت طائراتها من القاذفات الإستراتيجية بي 52 كانت تحلق في سماء أمريكا 24 ساعة يوميا وعلى مدار 40 عاما وبنظام نبطشيات أي طائرات تهبط على ارض المطار وأخرى تحلق مكانها تحسبا لهجوم سوفييتي وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي الإجراء الوحيد الذي اتخذته أمريكا هو إنزال القاذفات الإستراتيجية من الجو والعودة للحالة الثانية تجهيز الطائرات على ارض المطار وتشغيلها .
كانت صواريخ الكاتيوشا للثورة الفلسطينية قبل عام 1982 بداية التفكير باستخدام الصواريخ وسبقها جمال عبدالناصر بإنتاج صورايخ الظافر والتي استخدمت على نطاق محدود جدا في حرب اكتوبر 1973 ولكنها لم تكن ناجحة بسبب عدم دقة إصابة الأهداف حتى جاء الرئيس حسني مبارك واستطاع إنتاج ترسانة صواريخ رهيبة بالتعاون مع كوريا الشمالية بل ان الخبراء المصريين هم من طوروا صورايخ سكاد إضافة لتزويد الصورايخ المصرية بعيدة المدى بتقنيات أمريكية لامثيل لها تم حصول مصر عليها سرا بعملية تجسسية في مصنع للصواريخ الأمريكية على يد المشير ابو غزالة والتي تسببت بأزمة دبلوماسية كبيرة بين مصر وأمريكا في حينها انتهت بإقالة ابو غزالة .
وجاءت تجربة صدام الصاروخية في الحرب العراقية الإيرانية والتي شجعت كل الدول العربية على تعويض التفوق التكنولوجي الإسرائيلي بالسلاح الصاروخي .
يقول نتنياهو :" إسرائيل متفوقة تكنولوجيا وتحتاج الجيوش العربية خاصة في مجال سلاح الجو الى عشرات السنين للحاق باسرائيل ولكن العرب لديهم التفوق الكمي والعددي من حيث عدد الجيوش والأسلحة ومن هنا يتحول التفوق الكمي الى تفوق نوعي ".
مخاوف نتنياهو من التفوق الكمي العربي هي مخاوف كل قادة إسرائيل منذ عام 1948 أي ليست جديدة بل ان مخاوفهم قبل حرب حزيران 1967 كانت من جانب اخر ايضا .. فيقول نتنياهو :" كنا نخشى عشية حرب 1967 ان تقوم الجيوش العربية بالهجوم من قاطع طولكرم في الضفة الغربية وتندفع الى نتانيا وهي كلها مسافة 20 كيلومترا فقط بحيث تقطع الجيوش العربية هذه المسافة القصيرة فتقطع إسرائيل الى نصفين فينفصل شمالها عن جنوبها وتكون نهاية دولة إسرائيل ".
طبعا مخاوف قادة إسرائيل لم تتحقق ولم يحصل هجوم عربي من طولكرم الى نتانيا لقطع شمال إسرائيل عن جنوبها .
مخاوف نتنياهو حققها القذافي لساعة في اجتماع للقمة العربية قبل سنوات عندما اثيرت كالعادة القضية الفلسطينية وتعثر مفاوضات السلام فقال :" يا جماعة لنحسب كم لدى اسرائيل من دبابات وطائرات وأسلحة أخرى ونحسب كم لدى الدول العربية "
اخذ ورقة وقلم واخذ يسال الزعماء العرب كم لديكم طائرات ودبابات وصورايخ فوصل العدد الى عشرات ألاف من الدبابات وآلاف الطائرات أي أضعاف ما تملكه إسرائيل وقال :" نهجم على إسرائيل وننهي القصة ".
فرد عليه الرئيس الاسد :" موضوع الحرب مع إسرائيل غير مطروح حاليا وكان هذا راي كل الزعماء العرب وليس بشار الاسد فقط.
كل عناصر نظرية الأمن الإسرائيلي القديمة انهارت وتغيرت بفعل السلاح الصاروخي العربي فلم يعد صدام او غيره يفكر بمهاجمة إسرائيل بالطائرات لانهم يعلمون التفوق التكنولوجي الإسرائيلي وللعلم أن طائرات اف 16 الإسرائيلية تختلف عن طائرات اف 16 العربية فالتي تباع لاي دولة عربية تقوم أمريكا بإجراء تعديلات طفيفة عليها تجعلها اقل كفاءة في مواجهة الطائرات الإسرائيلية كي تضمن التفوق العسكري الإسرائيلي وهذه قصة معروفة منذ عشرات السنين وليس الان فقط وحتى سقوط نظام شاه ايران الذ كان شرطي المنطقة كانت أمريكا تزود ايران وإسرائيل فقط بطائرات كاملة التجهيز وهي نفس الطائرات التي تخدم في سلاح الجو الأمريكي بينما الدول العربية تحصل على نسخة معدلة من الطائرة الحربية .
وبعد اندلاع الثورة الإيرانية قام جنرالات من الجيش الإيراني في عهد الشاه بتهريب سرب من طائرات اف 14 وبيعها لدولة خليجية فقامت الثورة الإيرانية بإعدام هؤلاء الجنرالات .
رغم أن قادة إسرائيل ما زالوا يتشبثون بنظرية الامن الإسرائيلية والتي عفا عليها الزمن بالاعتماد على عناصر تفوق سلاح الجو الإسرائيلي فان معظم الدول العربية لم تعد تعتمد على سلاح الجو بدرجة أساسية في الحروب وانما على سلاح الصواريخ وثانيا ان دول المواجهة التقليدية انتهت عمليا .
ويعتبر اللواء محمد المصري من اهم الباحثين في نظرية الامن الإسرائيلي واسباب انهيارها .
وخلال مباحثات الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مع وزير الخارجية الأمريكي بعد حرب الخليج الاولى والاستعدادات لمؤتمر مدريد للسلام قال الاسد:" ان مطالب الحكومة الإسرائيلية بحدود آمنة من خلال أراض منزوعة السلاح في الجولان هي مطالب لاقيمة لها لان الوضع تغير وصواريخ سكاد السورية لا يوجد لها أي منصات على حدود الجولان انها في مناطق قرب الحدود العراقية وأقماركم الصناعية بالتاكيد تبين ذلك ".
فاشتراطات نتنياهو تعتبر خارج الزمن في مفاوضاته مع الفلسطينيين بإقامة محطة انذار مبكر في الضفة وان الضفة مثل سور الصين العظيم كخط دفاعي أول عن إسرائيل لصد هجوم عربي قادم من الشرق وحتى عندما زار الصين وشرح نظريته قال له الرئيس الصيني :" انك تخلط الأمور فسور الصين لم يعد خطا دفاعيا عن الصين انه الان مخصص للسياح والمتنزهين والسلام هو خط الدفاع الأول لإسرائيل وليس الاحتفاظ بالضفة ".
رئيس التحرير
كان هاجس قادة إسرائيل منذ عام 1948 هو إبعاد الخطر العربي المتمثل في دول المواجهة عن حدود إسرائيل قدر الإمكان وكانت الغاية من تشبث إسرائيل بالأراضي المحتلة عام 1967 وهي الضفة الغربية وغزة والجولان وسيناء هي نقل المفاوضات بين إسرائيل والعرب من مفاوضات على مناطق 1948 الى مفاوضات على حدود 1967 وخاضت حروبا كثيرة وتحملت خسائر كبيرة بشرية وعسكرية ومالية من اجل توفير الأمن لإسرائيل على حدود 1948 حسب اعتقادهم .
وقال شارون ذات مرة ان حدود دولة إسرائيل تصل الى المكان الذي تصل إليه دباباتنا وقال نتنياهو في كتابه" مكان تحت الشمس ": اعرف الأرض بقدميك .
وكان نتنياهو ضابطا صغيرا في الجيش الإسرائيلي في سلاح المشاة وعادة رجال المشاة يسيرون مسافات طويلة ومن هنا يرى نتنياهو حسب درايته في سلاح المشاة ان المعرفة الحقيقية للأرض ليس على الخرائط وإنما من يجوبها مشيا على الأقدام.. وهو يفسر بطريقة أخرى حدود دولة إسرائيل حسب مفهوم شارون .. فشارون حدد حدود إسرائيل بالدبابات الإسرائيلية والى اين تصل بينما يرى نتنياهو ان الحدود على طريقة سباق الضاحية .
كل النظريات التي وضعها قادة إسرائيل للأمن الإسرائيلي انهارت على يد صدام حسين ومن قبله جمال عبدالناصر وياسر عرفات" أبو عمار " ثم لاحقا حزب الله وحماس.
فعرفات ابتكر فكرة زج راجمات الصواريخ في الحرب والتي أخذت تقصف الجليل حتى عام 1982 ثم جاء صدام ورأى أن مجاراة إسرائيل تكنولوجيا يحتاج إلى وقت طويل جدا واخذ ينتقد خطة الرئيس السوري حافظ الاسد الذي عمل على إيجاد توزن استراتيجي مع إسرائيل ولم ينجح .
ابو عمار فتح أعين العرب على موضوع استخدام صواريخ جراد لقصف الجليل حتى قرر شارون اجتياح لبنان في عملية عسكرية ضخمة وضع لها الاسم الكودي " عملية سلام الجليل " واستطاع إخراج الثورة الفلسطينية من بيروت .
وعندما خاض صدام حسين حرب الثمانية سنوات ضد إيران كان في البداية يظن ان الحرب ستستغرق أسابيع وهكذا قيل له عربيا " تؤدب إيران في حرب خاطفة تستغرق أسابيع ونمنع إيران من تصدير الثورة الإسلامية للدول العربية ".
وجد صدام حسين صلابة وشدة وعناد إيراني لامثيل له وخسر الطرفان خسائر بشرية جسيمة دون جدوى وكانت يران ترفض وقف إطلاق النار ووضعت شرطا لوقف الحرب وهو " إسقاط صدام حسين ".
القصة الأهم كانت انشغال صدام بتوظيف كل العوامل والأدوات العسكرية للضغط على ايران فتوصل الى فكرة استخدام صواريخ سكاد وفتح مصانع السلاح العراقي واستعان في البداية بخبرات فلسطينية ومصرية لتطويرها بتقليل وزن الراس المتفجر حتى يصل الصاروخ لمسافة ابعد وفعلا أنتج صواريخ الحسين والعباس والتي تصل لمسافات من 500 إلى 1000 كيلومترا.
واخذ يقصف المدن الإيرانية حتى تحولت الى مدن أشباح فوافقت ايران في النهاية على وقف الحرب .
الدول العربية كانت تراقب التجربة العراقية وسرعان ما اعتمدت سوريا هذا السلاح ومن نفس المصدر كوريا الشمالية وبادرت فورا وخلال حرب تحرير الكويت 1990 بشراء شحنة صواريخ سكاد من كوريا بقيمة 2 مليار دولار دفعت قيمتها دولا خليجية .
يقول نتنياهو في كتابه مكان تحت الشمس :" عندما تنطلق طائرة حربية عراقية "في عهد صدام " من الحدود العراقية –الاردنية تحتاج الى 3 دقائق فقط للوصول الى تل ابيب بينما اقل وقت ممكن لتجهيز الطائرات الإسرائيلية لاعتراض الطائرات العراقية في الجو الى 5 دقائق .اي هنالك فارق 2 دقيقة بين إقلاع الطائرات العراقية وتجازوها الحدود العراقية الأردنية وبين تحليق طائرات إسرائيلية معترضة وخلال دقيقتين أي الفارق الزمني تكون الطائرات العراقية تقصف العمق الإسرائيلي ".
انشغل قادة إسرائيل سنوات طويلة في حكاية الدقيقتين أي الفارق الزمني واعتبروا ان تقليص الفجوة الزمنية هو الحل وما ينطبق على العراق ينطبق على بقية دول المواجهة مصر والأردن وسوريا قبل توقيع اتفاقيات السلام مع مصر والأردن .
وحالات تأهب الطيران المعترض يكون عادة ضمن حالتين الأولى التأهب القصوى وفي هذه الحالة تكون الطائرات المعترضة تحلق في السماء وتتلقى من غرفة العمليات التعليمات لاعتراض طائرات معادية وفي هذه الحالة تأخذ المسألة وقتا قصيرا جدا والحالة الثانية التي كانت تتبعها كل دول المواجهة إضافة لإسرائيل قبل اتفاقيات السلام وهي تشغيل وتسليح عدة طائرات معترضة في ارض المطار ويجلس الطيار في الطائرة في حالة تأهب لعدة ساعات وبعدها ينزل من الطائرة ويأتي طيار اخر يأخذ مكان الطيار السابق وهكذا أي نبطشيات على مدار 24 ساعة أي هنالك طائرات جاهزة للانطلاق في المطار لاعتراض طائرات معادية .. وكما ذكرت هذه الحالة من التأهب كانت تستعمل في مصر وسوريا والأردن وإسرائيل قبل اتفاقيات السلام وبعد ذلك بقيت على مستوى سوريا وإسرائيل فقط .
وهذه الحالة التي يتحدث عنها نتنياهو لان طائراته المعترضة تكون مجهزة في ارض المطار وتحتاج إلى خمس دقائق للانطلاق والوصل للهدف في الجو .
حالة واحدة في هذا المجال عرفها العالم وهي أمريكا عندما كانت طائراتها من القاذفات الإستراتيجية بي 52 كانت تحلق في سماء أمريكا 24 ساعة يوميا وعلى مدار 40 عاما وبنظام نبطشيات أي طائرات تهبط على ارض المطار وأخرى تحلق مكانها تحسبا لهجوم سوفييتي وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي الإجراء الوحيد الذي اتخذته أمريكا هو إنزال القاذفات الإستراتيجية من الجو والعودة للحالة الثانية تجهيز الطائرات على ارض المطار وتشغيلها .
كانت صواريخ الكاتيوشا للثورة الفلسطينية قبل عام 1982 بداية التفكير باستخدام الصواريخ وسبقها جمال عبدالناصر بإنتاج صورايخ الظافر والتي استخدمت على نطاق محدود جدا في حرب اكتوبر 1973 ولكنها لم تكن ناجحة بسبب عدم دقة إصابة الأهداف حتى جاء الرئيس حسني مبارك واستطاع إنتاج ترسانة صواريخ رهيبة بالتعاون مع كوريا الشمالية بل ان الخبراء المصريين هم من طوروا صورايخ سكاد إضافة لتزويد الصورايخ المصرية بعيدة المدى بتقنيات أمريكية لامثيل لها تم حصول مصر عليها سرا بعملية تجسسية في مصنع للصواريخ الأمريكية على يد المشير ابو غزالة والتي تسببت بأزمة دبلوماسية كبيرة بين مصر وأمريكا في حينها انتهت بإقالة ابو غزالة .
وجاءت تجربة صدام الصاروخية في الحرب العراقية الإيرانية والتي شجعت كل الدول العربية على تعويض التفوق التكنولوجي الإسرائيلي بالسلاح الصاروخي .
يقول نتنياهو :" إسرائيل متفوقة تكنولوجيا وتحتاج الجيوش العربية خاصة في مجال سلاح الجو الى عشرات السنين للحاق باسرائيل ولكن العرب لديهم التفوق الكمي والعددي من حيث عدد الجيوش والأسلحة ومن هنا يتحول التفوق الكمي الى تفوق نوعي ".
مخاوف نتنياهو من التفوق الكمي العربي هي مخاوف كل قادة إسرائيل منذ عام 1948 أي ليست جديدة بل ان مخاوفهم قبل حرب حزيران 1967 كانت من جانب اخر ايضا .. فيقول نتنياهو :" كنا نخشى عشية حرب 1967 ان تقوم الجيوش العربية بالهجوم من قاطع طولكرم في الضفة الغربية وتندفع الى نتانيا وهي كلها مسافة 20 كيلومترا فقط بحيث تقطع الجيوش العربية هذه المسافة القصيرة فتقطع إسرائيل الى نصفين فينفصل شمالها عن جنوبها وتكون نهاية دولة إسرائيل ".
طبعا مخاوف قادة إسرائيل لم تتحقق ولم يحصل هجوم عربي من طولكرم الى نتانيا لقطع شمال إسرائيل عن جنوبها .
مخاوف نتنياهو حققها القذافي لساعة في اجتماع للقمة العربية قبل سنوات عندما اثيرت كالعادة القضية الفلسطينية وتعثر مفاوضات السلام فقال :" يا جماعة لنحسب كم لدى اسرائيل من دبابات وطائرات وأسلحة أخرى ونحسب كم لدى الدول العربية "
اخذ ورقة وقلم واخذ يسال الزعماء العرب كم لديكم طائرات ودبابات وصورايخ فوصل العدد الى عشرات ألاف من الدبابات وآلاف الطائرات أي أضعاف ما تملكه إسرائيل وقال :" نهجم على إسرائيل وننهي القصة ".
فرد عليه الرئيس الاسد :" موضوع الحرب مع إسرائيل غير مطروح حاليا وكان هذا راي كل الزعماء العرب وليس بشار الاسد فقط.
كل عناصر نظرية الأمن الإسرائيلي القديمة انهارت وتغيرت بفعل السلاح الصاروخي العربي فلم يعد صدام او غيره يفكر بمهاجمة إسرائيل بالطائرات لانهم يعلمون التفوق التكنولوجي الإسرائيلي وللعلم أن طائرات اف 16 الإسرائيلية تختلف عن طائرات اف 16 العربية فالتي تباع لاي دولة عربية تقوم أمريكا بإجراء تعديلات طفيفة عليها تجعلها اقل كفاءة في مواجهة الطائرات الإسرائيلية كي تضمن التفوق العسكري الإسرائيلي وهذه قصة معروفة منذ عشرات السنين وليس الان فقط وحتى سقوط نظام شاه ايران الذ كان شرطي المنطقة كانت أمريكا تزود ايران وإسرائيل فقط بطائرات كاملة التجهيز وهي نفس الطائرات التي تخدم في سلاح الجو الأمريكي بينما الدول العربية تحصل على نسخة معدلة من الطائرة الحربية .
وبعد اندلاع الثورة الإيرانية قام جنرالات من الجيش الإيراني في عهد الشاه بتهريب سرب من طائرات اف 14 وبيعها لدولة خليجية فقامت الثورة الإيرانية بإعدام هؤلاء الجنرالات .
رغم أن قادة إسرائيل ما زالوا يتشبثون بنظرية الامن الإسرائيلية والتي عفا عليها الزمن بالاعتماد على عناصر تفوق سلاح الجو الإسرائيلي فان معظم الدول العربية لم تعد تعتمد على سلاح الجو بدرجة أساسية في الحروب وانما على سلاح الصواريخ وثانيا ان دول المواجهة التقليدية انتهت عمليا .
ويعتبر اللواء محمد المصري من اهم الباحثين في نظرية الامن الإسرائيلي واسباب انهيارها .
وخلال مباحثات الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مع وزير الخارجية الأمريكي بعد حرب الخليج الاولى والاستعدادات لمؤتمر مدريد للسلام قال الاسد:" ان مطالب الحكومة الإسرائيلية بحدود آمنة من خلال أراض منزوعة السلاح في الجولان هي مطالب لاقيمة لها لان الوضع تغير وصواريخ سكاد السورية لا يوجد لها أي منصات على حدود الجولان انها في مناطق قرب الحدود العراقية وأقماركم الصناعية بالتاكيد تبين ذلك ".
فاشتراطات نتنياهو تعتبر خارج الزمن في مفاوضاته مع الفلسطينيين بإقامة محطة انذار مبكر في الضفة وان الضفة مثل سور الصين العظيم كخط دفاعي أول عن إسرائيل لصد هجوم عربي قادم من الشرق وحتى عندما زار الصين وشرح نظريته قال له الرئيس الصيني :" انك تخلط الأمور فسور الصين لم يعد خطا دفاعيا عن الصين انه الان مخصص للسياح والمتنزهين والسلام هو خط الدفاع الأول لإسرائيل وليس الاحتفاظ بالضفة ".
التعليقات