دراسة حول حقوق المرأة والواقع القانوني والمواثيق الدولية وتوظيفها لصالح قضايا في المحاكم الفلسطينية

رام الله - دنيا الوطن
عقدت جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية حلقة دراسية بعنوان "القوانين المحلية والمواثيق الدولية"، وذلك يوم الخميس الموافق الثالث عشر من تشرين الثاني لعام 2014، بحضور عدد كبير من المؤسسات الأهلية والحكومية وعدد من المحاميات، تناولت فيها القضايا المفصلية التي تتعلق بوضعية المرأة القانونية في فلسطين بعد مصادقة السلطة الوطنية الفلسطينية على اتفاقية  القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة "سيداو".

رغم انضمام  دولة فلسطين بعد قبولها كعضو مراقب في هيئة الأمم المتحدة إلى عدد كبير من المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تؤكد على المساواة وعدم التمييز بين المرأة والرجل من منظور النوع الاجتماعي، إلا أن المرأة الفلسطينية ما زالت تخضع لمنظومة قوانين متضاربة وتمييزية مكونة من  خليط النصوص والمصادر التشريعية من العهد العثماني والانتداب البريطاني والقوانين الأردنية والمصرية والأوامر العسكرية الإسرائيلية، والقوانين الإسرائيلية التي تسري في القدس الشرقية المحتلة،  والقوانين والأنظمة الصادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية؛ إضافة إلى القوانين الفلسطينية التي صدرت عن المجلس التشريعي الفلسطيني الأول المنتخب بتاريخ 20-1-1996.

حيث أصدر العديد من القوانين منها قانون العمل، وقانون الخدمة المدنية، وقانون الطفل الفلسطيني، وقانون الإعاقة، وقانون الإجراءات الجزائية .... إلخ.

وبالرغم من العمل الدؤوب لمنظمات العمل الأهلي الحقوقية والنسوية، ومطالبتها عبر عملية تعبئة وتأثير وضغط لتطوير منظومة القوانين الفلسطينية، وتوحيدها على أساس فلسفة حقوقية تعتمد نبذ كافة أشكال التمييز بما فيها المبني على أساس النوع الاجتماعي، والعمل على بناء وإصلاح النظام التشريعي بما يضمن استقلال السلطة التشريعية، وتعزيز وصول النساء والرجال إلى العدالة؛ الأمر الذي يتطلب تطوير البنى والهياكل وزيادة شفافيتها، الذي يعمل على إنفاذ القانون وتعميق ثقافته، وسن نصوصا قانونية واضحة غير قابلة للتأويل جوهرها حفظ الكرامة الإنسانية، وتعميق المساواة، وتحقيق العدالة؛ خاصة للنساء اللواتي يتعرضن للتمييز الصارخ. وبشكل خاص لا بد من سن مسودة قانون العقوبات الفلسطيني، وقانون الأحوال الشخصية.

حيث ما زال العمل في دولة فلسطين المحتلة يجري وفق القوانين الأردنية والمصرية السارية حتى اللحظة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع العلم أن المادة 43 من القانون الأساسي نصت على : " لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، إصدار قرارات لها قوة القانون، ويجب عرضها على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها بعد صدور هذه القرارات وإلا زال ما لها من قوة القانون، أما إذا عرضت على المجلس التشريعي على النحو السابق ولم يقرها زال ما لها من قوة القانون". 

ومع ذلك لم نحصل إلا على تعطيل بعض المواد من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960، وهي المادة 340 بفقرتيها 1و2، وجزء من المادة 18 من قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لسنة 1936 الساري في قطاع غزة حول العذر المحل والعذر المخفف، وتعطيل المادة 98 من العقوبات الأردني التي تنص على : " يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه".

إن الانضمام لأي اتفاق دولي يقضي أن تتحمل الدولة المنضمة لهذا الاتفاق لمجموع الالتزامات التي أقرها على عاتق الأطراف، وهي بالعادة التزامات تشريعية وإدارية (سياسات) وقضائية، والالتزام  بالمساءلة، وينبثق عن ذلك  العديد من التوجهات والالتزامات كإدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية وتشريعاتها،  واتخاذ التدابير التشريعية وغير التشريعية، وما يناسب من جزاءات لحظر التمييز ضد المرأة، وفرض حماية قانونية لحقوق المرأة، واتخاذ جميع التدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة، واتخاذ التدابير المناسبة لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة، وإلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة، وضمان ممارسة  المرأة لحقوقها، والعمل على تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف تحقيق القضاء على العادات العرفية، وكل الممارسات القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، وفق المفاهيم والثقافة الأبوية، وضرورة اتخاذ التدابير المناسبة لضمان مساواة المرأة مع الرجل، في فرص تمثيل حكومتها على المستوى الدولي والاشتراك في أعمال المنظمات الدولية،  ومنح المرأة حقوقا مساوية لحقوق الرجل في اكتساب جنسيتها أو تغييرها أو الاحتفاظ بها، واتخاذ تدابير لضمان المساواة بين الرجل والمرأة في مجال التعليم والعمل والضمان الاجتماعي، والاعتراف بالشخصية القانونية للمرأة ومنحها ذات الأهلية الممنوحة للرجل في مجال إبرام العقود وإدارة الممتلكات، والقضاء على التمييز ضد المرأة في الأمور المتعلقة بحرية اختيار الزوج والتمتع بنفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه، ومنحها مزايا تفضيلية لضمان تمتعها بالحقوق والحريات.

وبناء على ما تقدم فإن إعمال اتفاقية سيداو في فلسطين تتطلب ضرورة مراجعة كافة التشريعات وتحديدا قوانين العقوبات والأحوال الشخصية والمدنية؛ لإلغاء ما تضمنته هذه التشريعات من قضايا تمييزية أهمها: إنكار شخصية المرأة القانونية وأهليتها في إبرام عقد الزواج،  وإنكار شخصية المرأة في إبرام العقود، وحقها للوصول إلى العدالة، وضرورة رفع التمييز في الحقوق الممنوحة على صعيد الأسرة بين الرجل والمرأة، وفي التجريم والعقاب بين الرجل والمرأة (الجرائم الجنسية، العذر المحل والمخفف)، وفي المعاملات المالية، وحق التنقل، وتضمين التشريعات الفلسطينية لتدابير جزائية لضمان محاربة التمييز والقضاء عليه ، وتضمين التشريعات العمالية لأحكام تضمن إنصاف المرأة العاملة داخل الأسرة وفي المنزل،  ووضع تشريع يضمن حماية المرأة من العنف الجسدي والجنسي،  واعتماد إجراءات وتدابير إدارية تضمن وصولها للمناصب القيادية الوظيفية، وفي المناصب التمثيلية لدى الدول والمؤسسات النقابية، وفي الأطر النقابية والمهنية .

على ضوء ما تم ذكره آنفا، فإننا نتساءل أين نحن من اتفاقية سيداو وتطبيقها على أرض الواقع؟ هذه الاتفاقية الدولية التي اعتمدت من الجمعية العامة سنة 1979، وتم العمل بها سنة 1981، وتضم ثلاثين مادة، تؤكد المواد 16 الأولى فيها على كافة الحقوق للمرأة وعدم التمييز على أساس الجنس، في حين أن المواد الثلاثة عشر الباقية تشرح كيفية تشكيل اللجان وتعيين الخبراء وتقديم التقارير ... إلخ.

هذه الاتفاقية قائمة على مبدأ أساسي وهو عدم التمييز، ويعرف التمييز في المادة الأولى منها على: "لأغراض هذه الاتفاقية يعني مصطلح التمييز ضد المرأة أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس، ويكون من آثاره أو أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة، على أساس تساوي الرجل والمرأة، بحقوق الانسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو إبطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق أو تمتعها بها وممارستها لها بغض النظر عن حالتها الزوجية".  هذا النص يدلل أن الاتفاقية تعزز عدم التمييز على أساس الجنس، ويترتب على ذلك كافة الحقوق، وبالتالي فهي ملزمة للدولة التي تصادق عليها من حيث قيامها برفع تقارير دولية للجنة حسب المادة  18، والتي تنص على:

1. تتعهد الدول الأطراف بأن تقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة، للنظر من اللجنة، تقريرا عما اتخذته من تدابير تشريعية وقضائية وإدارية وغيرها من أجل إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وعن التقدم المحرز في هذا الصدد، ولذلك :

أ‌- في غضون سنة واحدة من بدء النفاذ بالنسبة للدولة المعنية.

ب‌- وبعد ذلك كل أربع سنوات على الأقل، وكذلك كلما طلبت اللجنة ذلك.

2- يجوز أن تبين التقارير العوامل والصعاب التي تؤثر على مدى الوفاء بالالتزامات المقررة في هذه الاتفاقية .

وعليه فان فلسطين ملزمة في شهر نيسان سنة 2015 بتقديم تقارير إلى لجنة التمييز العنصري  ومناهضة التعذيب واتفاقية سيداو، ومن الجدير ذكره في هذا السياق أن مجلس الوزراء شكل لجنة دائمة لتقديم التقارير الرسمية، مع العلم أن منظمات المجتمع المدني ستقوم بتقديم تقرير الظل، ويتضمن الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة من الواقع القانوني الساري حاليا، والانتهاكات التي تتعرض لها من الاحتلال الإسرائيلي، وتعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني الجهة المختصة بإصدار القوانين والتشريعات منذ سنة 2006.

خرجت الحلقة الدراسية بمجموعه من التوصيات التي طالب بها المشاركون والمشاركات، وأبرزها  مواصلة العمل والتنسيق بين كافة منظمات العمل الأهلي والمؤسسات النسوية لسن قانون مسودة قانون العقوبات التي وافق عليها ائتلاف قانون العقوبات ومستشار الرئيس للشؤون القانونية ووزارة العدل.

اعتبار اتفاقية سيداو إحدى مرجعيات الدستور الفلسطيني القادم، وتنصيص ضرورة الالتزام بها كقاعدة دستورية ضمن مبادئ الدستور.القضاء على الأنماط الاجتماعية السلبية السائدة من خلال نشر التوعية والتثقيف باتجاه حقوق الإنسان كون حقوق المرأة هي حقوق إنسان غير قابلة للتجزئة.

أن نبدأ بأنفسنا للعمل على التغيير من خلال السلوك اليومي والممارسات الفعلية اتجاه احترام حقوق الإنسان.التربية والتنشئة داخل الأسرة وفي المدرسة وفي المجتمع على احترام حقوق المرأة الإنسان.العمل على تعديل المناهج الدراسية باتجاه إدماج النوع الاجتماعي فيها. إقرار قوانين وتشريعات تستند إلى المواثيق والاتفاقيات الدولية لفرض المساواة والعدالة الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني.

العمل على التوعية الجماهيرية وشرح الواقع القانوني السائد للضغط والتأثير باتجاه تغيير فحوى القانون وهيكلية القانون ونشر الوعي الحقوقي.دور القائمين على تنفيذ القانون بالاستناد إلى القانون الأساسي واتفاقية سيداو، وتفعيل  هذه المواد التي تساعد في الحصول على قرارات قانونية تخدم قضايا النساء وتتفق والمساواة وحساسة للنوع الاجتماعي والعدالة الاجتماعية. 

التعليقات