دنيا الوطن تنشر حصرياً كتاب "صوت العاصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة الاولى:قصة "ايام الحب والحصار"

دنيا الوطن تنشر حصرياً كتاب "صوت العاصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة الاولى:قصة  "ايام الحب والحصار"
رام الله -خاص دنيا الوطن

أهدى الكاتب والاعلامي المعروف نبيل عمرو دنيا الوطن كتابه الجديد "صوت العاصفة" لاعادة نشره حصرياً على صفحات الموقع الالكتروني الاول في فلسطين .

ويسرد نبيل عمرو في كتابه تجربته الشخصية في إذاعة "صوت العاصفة" التي تحولت إلى إذاعة "صوت فلسطين" لاحقا ،كما يتطرق إلى علاقته مع القيادة السياسية والرئيس الراحل ياسر عرفات بشكل خاص خلال فترة عمله في الإذاعة.

وتحظى كتابات"نبيل عمرو" باهتمام كبير من قبل الشارع الفلسطيني ونخبة المثقفين وقادة الرأي.

و حصل نبيل عمرو للعام الثاني على التوالي كأبرز كاتب في استفتاء دنيا الوطن الذي شارك فيه اكثر من 180 ألف قارئ ،كما رشحه المشاركون للعودة إلى اللجنة المركزية لحركة فتح إيمانا منهم بقدرته السياسية التي تحتاجها المرحلة الحساسة في تاريخ القضية الفلسطينية.

وتولى عمرو عدة مناصب حساسة في السلطة الفلسطينية ،كما أنه أحد مؤسسي اذاعة صوت فلسطين ومن المقربين للرئيس الشهيد ياسر عرفات .

وتنشر دنيا الوطن الكتاب على حلقات يومية .قدم للكتاب الكاتب يحيى رباح ،واهداه الكاتب لروح عميد الاذاعيين الفلسطينيين فؤاد ياسين مؤسس صوت العاصفة .. وفيما يلي نص الحلقة الأولى .


في هذا الكتاب.

تقديم الجزء الاول

لو لم أكن فلسطينياً ،

ترى ماذا عساي أن أكون

لو لم أكن فلسطينياً،

سأخسر تلك الدهشة المقدسة التي لا تضاهى ،

دهشة قيامتي من موتي ،

ومواعيدي مع المستقبل حين نلتقى على مفارق الطرق،

وأكتشافي بأن قمة الأمان أن أكون في ذروة الخطر،

وبشارتي بأني أشعل الحرائق في أزمنة الصقيع،

وأزرع أشجار يقيني في مواسم القحط

تمراً حلواً و ظلاً ظليلاً ،

لو لم أكن فلسطينياً ،

لخسرت ما لا يضاهى ،

أسترداد صوتي المسروق من حنجرتي ،

وحضوري من غيابي ،

وبكائي الذي أخفيته عن عيون الشامتين .

وهكذا يعود صديقي العزيز نبيل عمرو لفتح خزائن الذاكرة الذهبية ،ويكتب عن تجربة فلسطينية مدهشة ،هي تجربة الإذاعة الفلسطينية التي كان هو واحداً من فرسانها المتميزين في زمن الثورة ،وهو زمن جميل مليء بالإنبثاقات بحيث كنا نؤمن فيه أن لاشيء على الإطلاق لانستطيع أن نفعله ،تجربة أذاعة صوت العاصفة ،صوت فتح ،صوت الثورة الفلسطينية ،التي أنطلقت في الحادي عشر من آيار عام 1968م ،من العنوان الأشهر في زمانه 4 شارع الشريفين المتفرع من شارع قصرالنيل في قلب القاهرة ،والذي ركب هو أيضاً مع الثورة التي كان يتحدث بأسمها بساط الريح الفلسطيني ،وجدد ميلاده في مناطق متعددة ،وبلاد بعيدة ،مثلما قيل في الأساطير عن شجرة عجيبة ما أن يقطع عرفها حتى تتجلى بألف فرع جديد!!!

وهكذا كان ،

فقد أنطلق صوت العاصفة ،صوت فلسطين ،صوت الثورة من الجزائر وبغداد وعمان ،من درعا في سوريا ،ومن صنعاء وعدن ،من برج رحّال والبابلية وجبل سينيق شرقي صيدا وجبل تربل شمال طرابلس إلى بيروت نفسها ،ومن الخرطوم  وتونس إلى أريحا ورام الله وغزة !!!

 هنا صوت العاصفة

صوت فلسطين

صوت الثورة الفلسطينية

المهم أن يظل الصوت مستمراً ولا ينطفىء ،فقد عانى شعبنا الفلسطيني من كثرة الذين تحدثوا عنه رغماً عنه ،وتحدثوا باسمه وعندما جاء دوره منعوه من الكلام ، وعندما أنطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة على يد فتح في مطلع عام 1965م،وجاءت معركة الكرامة في آذار عام 1968م لتثبت أن الإنتصار فعل ممكن ،كان لابد من أصحاب البشرى أن يتحدثوا عنها هم أنفسهم ،وهذا ماكان حين إنطلقت إذاعة صوت العاصفة ،لتصنع تجربة متفردة في الشكل والمضمون ،في كيمياء اللغة ،في مساحة الجسارة ،في الإبداع الذي يستمد معاييره من الدهشة ،من شباب لم يكن احد منهم قد دخل مبنى اذاعة من قبل باستثناء رجل واحد وهو فؤاد ياسين ابو صخر الذي كان احد المعلقين السياسيين في اذاعة صوت العرب.

وكنا –بيننا وبين انفسنا –قد عملنا بموجب القانون الذي يقول ان "افضل وسائل تعليم العوم في قلب النهر هو العوم نفسه " وقد حدث ان التجربة نجحت ،بل انها نجحت اكثر من كل التوقعات ،واثبتت هذه العائلة الفلسطينية العجيبة، عائلة الثورة الفلسطينية المعاصرة ،ان هذا الشعب العظيم شاءت له اقداره ان يحيا بين حدين قوة الانتشار وعبقرية الانفجار ،وكانت الاذاعة الفلسطينية هي الصوت المدوي لهذه الظاهرة الخارقة .

اعتقد ان صديقي العزيز نبيل عمرو قد استطاع وهو يقدم هذه التجربة ،ان يضع بين يدي اجيالنا الفلسطينية ما يمكن ان ينهلوا منه ويستندوا اليه، وذلك ان تجربتنا الفلسطينية في مجموعها، ابتداء من الكفاح المسلح الذي كان يتخطى القواعد وصولا الى الاعلام الذي جناحاه يرفعان كوفيتنا الفلسطينية فوق راس الشمس ،هذه التجربة تنطلق امس واليوم وغدا من فلسفة المحاولة المستمرة، ومن عدم الرضوخ للحظة الانكسار مهما كانت قاسية .

تحية للاخ العزيز نبيل عمرو على هذا الجهد المثابر ،وتحية لكل الذين ساهموا بجهد مميز في تجربة الاذاعة الفلسطينية.

يحيى رباح


تمهيد 

بعد ما يقارب ثلث القرن، على صدور كتابي " ايام الحب والحصار"

 قررت اعادة طباعته، مع اضافة فصل جديد اليه، يحكي حكايتي الشخصية والمهنية مع اذاعة صوت العاصفة، والتي صار اسمها اذاعة صوت فلسطين، حين قررت القيادة السياسية تأسيس الاعلام الفلسطيني الموحد في العام 1974، في هبة وحدوية مشهودة لم تتوقف عند الاعلام، بل طالت اجهزة الامن، حيث تم تأسيس جهاز الامن الفلسطيني الموحد، واختار الاجماع الفلسطيني الشهيد صلاح خلف " ابو اياد " رئيسا له.

ايام الحب والحصار، يحكي تجربة الاذاعة الفلسطينية في بيروت، وخصوصا اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982، ورأيت ان اعيد نشر هذه التجربة، لعلها تكون مفيدة للاجيال الاذاعية والاعلامية التي تتداول الاثير، وتنشر في فضائه اللامتناهي ما يجدر ان ينشر عن فلسطين والقضية والوطن والمجتمع والناس والحلم.

قد يقول قائل .. لقد تغيرت الاذاعة على مدى ثلث قرن وتطورت الوسائل التقنية التي تحمل الصوت الى الاثير ثم الى المستمع، ودخل الى اللعبة المستمرة عناصر جديدة لم تكن من قبل، مثل الاقمار الصناعية والميكروفونات الاكثر دقة وحساسية، واجهزة التسجيل التي تزيد الصوت الادمي والموسيقي حلاوة فوق حلاوة.

وأقول.. هذا صحيح تماما .. الا ان الذي لا يتغير ابدا هو الجهد الآدمي، الذي يُشغِّلُ كل العناصر القديمة والجديدة، ويعطي للاجيال دروسا بليغة وفعالة في كيفية النجاح، وكيفية التأثير فما زالت الاذاعة هي وسيلة الاتصال الجماهيري الاولى، ورغم كل الطفرات الهائلة التي احرزها التلفزيون، الا انه لم يهزم الاذاعة، ولم يضعها في المقام الثاني، فمن اين لمليارات البشر الذين يقضون وقتا هاما من اوقات حياتهم اليومية في السيارات والشوارع والمنتزهات ان يشاهدوا التلفزيون، ويتخلوا عن الاذاعة التي هي في متناول اليد فالاذاعة تدل المواطن على الطرق وحالة الطقس والاخبار الطازجة، والاغنيات من لحظة ولادتها والحوارات التي صارت تتم على الهاتف ويشارك فيها الملايين.

غير ان للاذاعة الفلسطينية تميزا خاصا يمليه تميز الحالة الفلسطينية ذاتها، إن الوضع الاستثنائي للحياة الفلسطينية، افرز وضعا استثنائيا للاذاعة الفلسطينية، لم تكن الاذاعة الفلسطينية شبيهة باي اذاعة لاي كيان على وجه الارض، كانت تنطلق اساسا من فلسطين ثم من اي مكان يقبل اصحابه ان ننطلق منه لتملأ اثيرها اصواتٌ فلسطينية، الا انها كانت في معظم الاوقات، بعيدة عن ان تكون مالكة لحريتها ولمساحة ابداء الرأي والموقف دون قيود. واذا كانت الاذاعات الرسمية للدول تنطق باسم قياداتها السياسية صراحة، الا ان اذاعات الفلسطينيين كانت تنطق باسم الحلم  ولكن تحت اسقف واعتبارات الدول المضيفة، لذا كانت عرضة للتدمير وهذا ما حدث عندما اقتلعت الجرافات السورية محطتنا البدائية في درعا، ثم كانت عرضة للانتقال من مكان لآخر كما حدث مع اذاعة العاصفة اثناء معارك ايلول 1970.

وكانت عرضة للاغلاق، ولقد حدث ذلك مرتين او ثلاثة حين كانت قيادة الثورة تختلف مع القيادة المصرية وتقوم الاذاعة الفلسطينية بتغطية الموقف على نحو لا يرضي قيادة الدولة المضيفة، حدث ذلك في زمن عبد الناصر والسادات فيما بعد .

وفي الاضافة التي وضعتها في "الطبعة الثانية" حرصت على ان اسرد حكايتي، كتلميذ ساهم كثيرون في تعليمه وارشاده. وكشاهد على جهد جبار قام به متطوعون من الطلبة، تعلموا القراءة الاذاعية في ايام ثم تعلموا الكتابة كذلك، كان قائد هذه الفرقة الابداعية رجل متكامل الخلق والمواهب اسمه فؤاد ياسين.

وفي الاضافة كذلك تطرقت لأهم ما انتجته اذاعة العاصفة ثم اذاعة صوت فلسطين فيما بعد، وهي الاناشيد التي وصفها الكاتب العربي الكبير يوسف ادريس على انها "ثورة ابداعية في عالم الغناء العربي السياسي". وتحدثت عن تأسيس الاغنية وانتاجها، وتجهيز المذيع من الالف الى الياء، وصقل موهبة الكتابة عند المحللين والمعلقين، وكيف كانت القواعد المميزة للاذاعة الثورية صارمة الى حد بعيد، وكيف كان التطوير يأتي في وقته ما جعل الاذاعة الفلسطينية مواكبة لذوق الجمهور وشديدة التأثير فيه عبر الثقة والاقناع والتنويع والشجاعة تحت النار والخطر.

لم تكن الافكار والوقائع التي يتضمنها هذا الكتاب من صنعي، بل كنت المتلقي لكل من كان يعرض فكرة جديدة، او توجيها سديدا، وطيلة عملي الاذاعي الذي استغرق ما لا يقل عن خمسة عشر عاما، لا اذكر يوما واحدا مر دون ان يعلمني شخص ما شيئا جديدا.

حين قررت اعادة طباعة ": ايام الحب والحصار" واضفت إليه شهادتي عن الفترة التي سبقت تجربة الاذاعة المقاتلة في بيروت، كان في ذهني أن اقدم خلاصة تجربتي لابناء شعبنا الفلسطيني، ولمن يرغب من الاشقاء العرب، لعل طلبة الإعلام والعاملين في مجاله الرحب .. الحيوي والحساس والمؤثر يستفيدون ولو بفكرة .. هذا ما تمنيته منذ وضعت الكلمة الاولى في هذه المخطوطة..

مع كل الحب

نبيل عمرو

التعليقات