اللواء كامل ابو عيسى يتذكر : ابو عمار يأمر الوفد بمغادرة طابا وهو يصرخ على الهاتف هذه ليست مفاوضات

رام الله - دنيا الوطن
يقول اللواء كامل ابو عيسى لدنيا الوطن متذكرا مفاوضات طابا :"بعد الاعلان الرسمي عن وثيقة اتفاق المبادئ الموقعه بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل في اوسلو بدأت عملية تشكيل الوفد الفلسطيني المفاوض للتفاوض على وضع الخطط وتحديد المسارات اللازمة لتنفيذ ما تم وسيتم الاتفاق عليه مع الجانب الاسرائيلي ، فكانت مفاوضات طابا الاولى وهي المفاوضات العلنية الاولى التي تجري بين الوفدين الفلسطيني والاسرائيلي وقد شاءت الظروف ان اكون عضوا في هذا الوفد حيث وافق الرئيس ابو عمار على مشاركتي بهذه المفاوضات بعد لأي وتردد استمر حتى اللحظه الاخيره وكان سبب ترددة يعبر عن قناعه راسخه لديه عبر عنها بالقول " ان الجو مش بتاعو ... خذ بالك منه كويس يا ابو يوسف " .
وصل الوفد الفلسطيني الى فندق طابا وبدأت الاستعدادات لحضور جلسه الافتتاح في صبيحة اليوم التالي ، وفي تمام الساعه الثامنة والنصف صباحا نزلنا وقد فوجئنا باعضاء الوفد الاسرائيلي يقفون مصطفين جنبا الى جنب على ابواب قاعه التعارف يتقدمهم الجنرال امنون ليفكن شاحاك وكان علينا ان نصافحهم فردا فردا وهو ما تم بالفعل قبل الولوج الى القاعة وهي قاعة كبيره امتدت في احد جنباتها طاوله كبيره امتلأت بالعصائر المتنوعه والمشروبات الساخنة كالقهوه والشاي والنس كافيه وكان على الجميع الانتظار في هذه القاعه لمدة خمسه وأربعين دقيقه للتعارف وتناول المشروبات وبينما كنت احتسي فنجاناً من القهوه واذا برجل اشقر اللون متوسط الطول وعريض المنكبين يضع على وسط راسه قبعه صغيره وهي ترمز للمتدينين اليهود يتنقل بين اعضاء الوفد الفلسطيني ويسأل بعضهم عن شيئ ما ثم ينظر خلسه نحوي وفي المره الاخيره وبينما كان يقف مع احد الاخوه استدرت نحوه وبدون مقدمات قلت له بغضب : نحن هنا في قاعة للمفاوضات السلمية ولسنا في ساحة للملاحقات الامنية ما تقوم به شيئ معيب واذا كنت تريد ان تعرف او تفهم شيئ ما يخصني بإمكانك الحضور نحوي وسؤالي مباشره عما تريد ! احمر وجهه وبدأت على ملامحه علامات الغضب وقبل ان يبادرني بالرد واذا برجل وسيم لا يخلو وجهه من الوداعه يضع يده على كتفي وهو يقول : معك حق ... معك حق لقد اخطأ في طريقة التعارف كان عليه ان يأتي اليك مباشرة "كان هذا الرجل هو جابي زوهر مستشار اسحاق رابين لشؤون الادارة المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة " ومن ثم نظر نحوه وقال : تعال هنا يا ابراهام فحضر الرجل ومد يده مصافحا وهو يعّرف عن نفسه انه " ابراهام افي كيتون " مستشار رئيس الوزراء اسحاق رابين لشؤون الشين بيت " فقلت له وانا اسمي الدكتور كامل من فلسطين فقال لي اين هي فلسطين ؟ فقلت له انها وطني المحتل فقال : دعك من هذا الكلام فلسطين غير موجوده واعتقد انك من مدينه دير البلح " كفار شالوم " فقلت له : الى متى انت وامثالك تنكرون وجود فلسطين انها موجوده بدليل وجودنا في هذه القاعة ، قال كيف ؟ فقلت له في عام 1968 م كنت فتاً صغيرا وقمت باعتقالي ومكثت في سجونكم عدة سنوات واليوم وبعد مرور اكثر من خمسه وعشرين سنه على هذه الحادثة جئت مع غيرك تفاوض الفتى الفلسطيني وهو يحمل اعلى الدرجات العلمية لكي تسلمه فلسطين ، ظهرت علامات الغضب على قسماته وأدار ظهره بعد ان سحب يده من يدي وبدون وداع وقد تولى جابي زوهر مجددا عمليه اطفاء الحريق بطريقه دبلوماسيه وهو يقول اتدري يا دكتور احيانا فان عمل الانسان المديد في المهنه يترك شيئ ما على شخصيتة معذرة يا دكتور ... لا تنسى انه جنرال ورجل امن شديد المراس ثم ودعنى بأدب ومضى يتنقل كغيره من اعضاء الوفد في ارجاء القاعة ، كانت الدقائق تسير ببطئ شديد وفي تمام الساعة التاسعه والنصف دخل الوفدان الى قاعه المفاوضات وعلى مائدة المفاوضات وبعد افتتاح الجلسه قرأ "يوئيل زينغر " المستشار القانوني للوفد الإسرائيلي وثيقة الشروط والمطالب الاسرائيلية المجحفة وحتى تهيأ لي بان اسرائيل وعبر هذه الوثيقة تريد مصادرة كل ما اقرت به في اتفاق المبادئ الموقع في اوسلو فالسيادة الاسرائيليه للاحتلال البغيض ستبقى على سطح الارض وفي اعماقها وفي اعماق البحر وامتداداته حتى تخوم المياه الدوليه هذا بالاضافة للسيطره على المجال الجوى وعلى فضاء المناطق الفلسطينية والمجال الكهرومغناطيسي التابع لها مع بقاء المستوطنات والطرق والمسارات التي تربطها مع اسرائيل ، وللامانه فقد صدرت مني شخره عفويه بدت وكأنها تعبير عفوي عن امتعاضي الشديد مما اسمع وكما يبدو وبالرغم من عفويتها الا انها كانت التعبير الصادق للرد على هذه الهلوسه الصهيونيه المجنونه وبعد انتهاء الجلسه تذكرت جنرالات المانيا النازية عندما تم استدعاءهم للتفاوض مع وفد الدول الحليفه المنتصره في الحرب العالميه الثانية وقد فوجئوا بالجنرال الالماني وهو يمسك ورقه بيضاء ويوقع عليها ويقدمها لهم ولكي يخطو عليها ما يحلو لهم من شروط واشتراطات ، وفي المساء وبينما كان احد الاخوه يحاول وضع الردود باللغه الانجليزية على وثيقه المطالب الاسرائيلية دخلت عليه وكان منهمكا في عمليه ايجاد الصياغات اللغوية المناسبة وقلت له بعد ان استمعت لما لديه من افكار غير مريحة : اما ان نوقع على وثيقة استسلام بدون مواربه واما ان نضع ردودا قويه ونقيضة لكل ما جاء في الوثيقة الاسرائيلية المذله والمهينه فقال لي : نحن في ساعة متأخرة من الليل وفي صباح الغد يجب ان نقدم موقفنا في الجلسه القادمة فناولته ورقه كنت قد أعددتها من خلال الملاحظات التي دونتها اثناء الجلسه الاولى وطلبت منه اعتمادها وبعد تردد ومماطله اخذ بها وقام بترجمتها في اطار وثيقه الرد الفلسطينية وهي الوثيقة التي اخرجت الوفد الاسرائيلي عن طوره بعد الاستماع لها وقد طلبوا رفع الجلسه ولاجراء المزيد من المداولات الجانبية تمهيدا لتشكيل اللجان التفاوضيه الاختصاصيه ، وبينما كنت واقفا في الصاله المرفقة مع قاعة المفاوضات بجوار اللواء نصر يوسف حضر احد الاشخاص الإسرائيليين ليقول لي ان سيدي الجنرال عوزي ديان يود الحديث معك ولمده نصف ساعة اذا كنت لا تمانع فقلت له لا مانع ما دمنا في قاعة المفاوضات كان اللواء نصر يوسف وهو رئيس اللجنه الامنية يقف بجانبي عندما حضر الجنرال عوزي ديان وبعد ان صافحنا بدأ بالتعريف عن نفسه وبدون مقدمات فهو من مواليد البلاد وبعد مقتل ابويه في حرب عام 1948 قام بتربيته عمه الجنرال موشي ديان وقد انشأه نشأه عسكريه والى ان أصبح جنرالاً ورئيساً لوحدة "دوف دوفان" فقلت له أي وحدة المستعربين المتورطه في اعمال القتل والاجرام ضد ابناء الشعب الفلسطيني فقال : دعك من هذا فنحن نبحث الان معا عن السلام ولكن قل لي : لقد علمت بانك تحمل شهادة الدكتوراه من جامعه موسكو الحكوميه في فلسفه التاريخ السياسي وبعد عامين او ثلاثه ستتم احالتي على التقاعد وانا الان منتسب الى الجامعه العبريه ولدي رغبة للحصول على الدكتوراه في فلسفه التاريخ السياسي ولدى طلب منك وارجو ان تقبله فقلت له وما هو : ؟ فقال اثناء تحضيري للاطروحة سأكون بحاجة للمساعدة فهل تقبل بمساعدتي لو حضرت كتلميذ الى بيتك في دير البلح وطلبت منك ذلك ؟ فقلت له ولكن بشرط وحيد فقال وما هو ؟ قلت له شرطي ان اعود الى دوله فلسطينية مستقله وذات سيادة وليس الى دير البلح عندها امتقع وجهه وترك يدي وادار ظهره بغضب ومضى في حال سبيله .
وبعد ساعه على هذه الحادثة وبينما كنت اقف على مسافه غير بعيدة من قاعة التعارف واذا بشخص طويل متناسق الجسم وسيم القسمات يتقدم نحوي وهو يبتسم ويمد يده مصافحا قال لى : مرحبا يا دكتور انا الجنرال امنون ليبكن شحاك علمت بأنك تحمل درجه الدكتوراه من جامعه موسكو الحكوميه في فلسفه التاريخ السياسي وقد اشتقت للحديث باللغه الروسيه فانا من اصول بولنديه واجيد الحديث باللغه الروسية قالوا لي بأنك مشاكس على الرغم من تكوينك الاكاديمي الكبير ، ابتسمت وقلت له المشاكسه ليست من طبعي بحكم تكويني العلمي ولكن الطبخة السياسية التي تحاولون تمريرها علينا عبر المفاوضات لا تبشر بنهايه حقيقية للصراع فقال ولماذا انت منزعج من ذلك هذا الصراع الدموي المديد بيننا لا يمكن ان ينتهي بجلسه او بعدة جلسات من المفاوضات ، فقلت له هذا صحيح ولكن المزعج في الامر ومن وجهة نظري هو الاستعلاء والتكبر ومحاولات فرض السطوه المعنويه التي تمارسونها علينا وكأننا تلاميذ حضرنا فقط للقبول بتعليمات وارشادات وشروط المعلم ابتسم وقال : لا تنسى ان عوامل الشك والريبه والخوف من المجهول سمات ملازمه عبر تراكماتها للعقل اليهودي كنتيجه لمعاناتنا كيهود عبر مئات السنين فقلت له : وما ذنبنا نحن كفلسطينيين ونحن الشعب المظلوم والمقهور من قبلكم وهل علينا ان ندفع ثمن معاناتكم المديده التي تعرضتم لها بين شعوب الكره الارضيه ان الوثيقة التفاوضيه التي تقدمتم بها على لسان مستشاركم القانوني يوئيل زينغر كفيله بان تعيدنا عرايا امام شعبنا وامام الرئيس عرفات وربما تشفقون انتم علينا لو قبلنا بها انها وثيقة استسلام واذعان . ودعني وهو يبتسم ويقول : انا من انصار حقكم في تقرير المصير ولكن على مراحل وارجو ان تكون اكثر ايجابية في التعاطي مع الامر لقد خلق الله الكون في سبعة ايام وليس في سبعة دقائق او سبعه ساعات ولديكم مثل رائع في اللغه العربية يقول " في التأني السلامة وفي العجله الندامه " .
احسست بانه اكثر انفتاحا وليونه من اعضاء الوفد الاسرائيلي الاخرين مقارنه مع ابراهام افي كيتون مستشار رابين لشؤون الشين بيت او عوزي ديان رئيس وحدة المستعربين الدمويه "دوف دوفان " وفي صبيحة اليوم التالي وبينما كنت اجلس في بهو الفندق حضر جابي زوهر مستشار اسحاق رابين للشؤون العربية والمسؤول عن الادارة المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة نهضت من مكاني وصافحتة وطلبت منه الجلوس فقال لا دعنا نتمشى سويا لبعض الوقت وحتى نتمكن من تبادل بعض الافكار المفيدة ، علمت انك كنت مع اللواء امين الهندي في زياره الى فرنسا قبل عام ونصف وانك القيت محاضرات ناجحة عن مشاكل الشرق الاوسط والصراع العربي الاسرائيلي ولمدة اربعه ايام وقد ارسل الفرنسيون برقية شكر للرئيس عرفات لكونه سمح لك بذلك وقد عبروا فيها عن اعجابهم الشديد بما لديك من مواهب وافكار استراتيجيه صائبة وانا بدوري اريد ان اسألك عن رأي الاوروبيين باسرائيل وبنا كيهود فقلت له انهم منزعجون جدا من سياساتكم وليس من الصعب تلمس الكراهيه المختزنه في نفوسهم تجاهكم كيهود فقال اعلم ذلك جيدا ولكن لماذا برأيك ؟ فقلت له : الاوروبيون يعتبرون انفسهم انهم الاباء والمؤسسين لدوله اسرائيل وانها أي اسرائيل تنكرت لهم وتوغلت بعيدا في خدمه المشروع الامريكي في المنطقة على حسابهم وحساب مصالحهم فقال معك حق انهم يكرهوننا ويجدون صعوبه وحرج كبير في التعبير عن هذه الكراهيه ولكن قل لي : كيف تري مستقبل اسرائيل في العقود القادمه ؟ فقلت له اسرائيل دوله بلا مستقبل فهي لا تحسن فن التفاهم والتعايش مع الاخرين فقال اريد توضيحا لهذه الفكره ؟ فقلت له انكم تبدأون في الصح عبر خطواتكم وتنتهون بالخطأ دائما لانكم مجبرون على خدمه الغير واليك المثل التالي : في عام 1967 كان بامكانكم التفاهم مع العرب وعدم الدخول في حرب العداء المكشوفه مع الرئيس جمال عبد الناصر الا ان اطماعكم المرهونه بالتحالف مع امريكا ومع القوى الدوليه المعادية للحركه القوميه العربية ولمصر وللرئيس جمال عبد الناصر جعلت منكم رأس الحربة فكانت حرب الرابع من حزيران من عام 1967 م وقمتم باحتلال الاراضي العربية وما تبقى من الاراضي الفلسطينية والان وبعد مضي حوالي الخمس والعشرين سنه على هذه الحرب العدوانيه تبحثون عن مخرج من هذه الورطه وكل المخارج التي امامكم صعبه للغايه، مصر استعادت سيناء منكم بعد حرب اكتوبر العربية الناجحة كما استعادت سوريا بعض الاجزاء من مناطقها المحتله ولم ولن ينتهى هذا الصراع المستمر بيننا وبينكم وبدليل انكم اليوم تفاوضون منظمه التحرير الفلسطينية للخلاص من خطر القنبله الديموغرافية العربية في فلسطين فأنتم الان تسيطرون على اكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون فلسطيني وعليكم التحول الى دوله ثنائيه القوميه او ترك هذه المناطق لقيام دوله مستقله عليها وكلا الخيارين صعب عليكم من وجهة النظر الصهيونيه فالدوله ثنائيه القومية هي الغاء عملي لمشروع دوله اسرائيل الصهيونيه والانسحاب من المناطق الفلسطينية المحتله وعلى قاعدة تأسيس دوله فلسطينية ومن وجهة نظر صهيونية يعني بدايه انحسار المشروع الصهيوني لدوله اسرائيل في عموم الأراضي الفلسطينية نظر نحوي وهو يبتسم بدون ان تختفي عن ملامحه علامات الحيرة والارتباك وقال : ما هو الحل الامثل من وجهة نظرك لهذه المعضله ؟ فقلت له الحل الامثل يبدأ اولا باعترافكم بانكم من تسبب بهذه المأساه الكبيره للشعب الفلسطيني ، فقال : اجل نحن بالفعل من تسبب بهذه المأساه فقلت له : وعليه فان عليكم ان تقوموا بالانسحاب من كافه الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وان تعترفوا بقيام دوله فلسطينية مستقله في هذه المناطق وان تقوموا باعمار وبناء مؤسسات هذه الدوله لتكون دوله ديمقراطيه ومزدهره عندها وبإعتبارنا كشعب فلسطيني شعب عاطفي كبقيه الشعوب العربية سنقوم بالحفاظ على امنكم الخارجي وباعتباره مصلحه مشتركه ولن تكونوا بحاجة لفرض الشروط والاشتراطات المجحفة علينا والتي ستؤدي في نهاية المطاف لانفجار دموي كبير ومرعب بيننا بعد عقد او عقدين من الصراع ، نظر نحوي بحزن وهو يقول : اتدري لقد تحدثت معي عن افكار عميقة وبلغة بسيطة معك حق في كل ما قلتة لي ولكن المشكله الصعبة التي تواجهنا هي اننا في مقابل حفاظنا على امننا الخارجي وعبر تحويل الشعب الفلسطيني الى شعب صديق لنا يعيش في دولته الامنه والمزدهره سينفجر امننا الداخلي كنتيجة لهذا المشروع وهذا الحل العادل والمنطقي ، فقلت له إذاً هذه ليست مفاوضات تلك التي تجري بيننا اذهبوا ورتبوا بيتكم الداخلي اولا ومن ثم عودوا للتفاوض الجاد وعلى أساس هذه المبادئ وهذه الأفكار المنطقية كبديل عن سياسة فرض الشروط المذلة والمجحفة بحق شعب يتوق للحريه والاستقلال والخلاص من عبودية الاحتلال . ودعني وهو يشد على يدي ومضى في حال سبيله وكأنه يسير مرغما نحو المجهول . عدت الى مكاني وبعد ان جلست لأحتسي فنجاناً من القهوه مع سيجارة اشعلتها ومعها امعنت التفكير بهذا الاهتمام الاسرائيلي الغير معهود بي فأنا لست من القيادات الرسميه في الوفد وقد تم الحاق اسمي وبعد تردد وفي اللحظات الاخيرة من قبل الرئيس ابو عمار في كشف المفاوضين ، فهذه الامور لا يمكن ان تجري بمحض الصدفة فمنذ حادثة ابراهام آفي كيتون ومرورا بلقائي مع الجنرال عوزي ديان ومن ثم حديثي مع رئيس الوفد الاسرائيلي امنون ليبكن شحاك واخيرا مع جابي زوهر ايقنت بان في الامر شيئ ما لم يعد غامضا ولا يحتاج الى فراسه الاستبيان فهذه المجموعه هي التي تقود الوفد الاسرائيلي المفاوض وهي صاحبة القرار وقد ارادت من خلال احتكاكها المباشر معي التعرف عن قرب على شخصيتي الغامضة بالنسبه لهم وارادت وبحكم قربي من الرئيس عرفات ان توصل رسائلها المتعلقة بهدف ونتائج المفاوضات ، ابراهام آفي كيتون لا يعترف بفلسطين ويختصر المفاوضات بالعوده في اطار جمع الشمل والجنرال عوزي ديان لا يريد لنا ان نقيم دوله فلسطينية فالامر بالنسبه له ينتهي في اطار جمع الشمل ايضا وكذلك والجنرال امنون ليبكن شحاك المؤيد لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني يرى ان ذلك يجب ان يمر عبر عدة مراحل تبدأ اولا بجمع الشمل وجابي زوهر المؤيد لحق تقرير المصير للفلسطينيين يرى بان هذا الحق وفي حال تنفيذه عمليا وعبر قيام دوله فلسطينية مستقله وذات سيادة سيؤدي الى انفجار الامن والوضع الداخلي في اسرائيل وبالتالي وفي المجموع فانهم جميعا جاءوا للتفاوض وهم على قناعة واحدة مشتركة بان مفاوضات السلام هذه لن تؤدي الى صناعة السلام العادل مع الشعب الفلسطيني وبينما كنت جالسا مستغرقا في افكاري و إذا بالمدعو "يوني بن مناحيم " يقدم نفسه لي كمراسل للتلفزيون الاسرائيلي وبعد ان نصب كاميراته طلب مني اجراء مقابله ستبث مساءا في برنامج العالم هذا المساء قال انه برنامج هام وباللغه العربية ويبث اسبوعيا لسكان المناطق ويقصد بها المناطق المحتله وان الاخوين محمد دحلان وحسن عصفور سجلا حضورهما في هذا البرنامج ولمدة ثلت ساعه لكل منهما وان المطلوب الان مني اجراء المقابله لاكمال ثلث الساعة الاخير في البرنامج ، اعتذرت منه رافضا اجراء المقابله قال لي : لماذا ؟ انت هنا في مفاوضات سلام وعليك ان تتحدث عن اهميه هذا السلام بالنسبه للشعبين ، فقلت له : انا غير مخول باجراء مثل هذه المقابلات الصحفيه الهامة دعك مني وأبحث عن غيري ، فقال : ولكن المطلوب انت وبالذات ولسوف تراك امك وتفرح فهي لم تراك منذ اكثر من عشرين سنه ، فقلت له لا اريد لها هذه الفرحة ، تركني وغاب قليلا ومن ثم عاد وقال لي : اتعرف انت مع من تتحدث ؟ قلت له نعم مع العقيد يوني بن مناحم رجل الامن في شعبه الاستخبارات العسكريه الاسرائيلية ومراسل التلفزيون الاسرائيلي قال لا ... انت تتحدث مع دوله اسرائيل ودوله اسرائيل تريدك ان تشارك في هذا البرنامج السياسي الهام كما شارك اخوتك محمد دحلان وحسن عصفور فانت لست احسن منهم ولست اقل منهم فقلت له : ربما يكونوا هم وغيرهم احسن مني وافضل مني ولديهم الصلاحيات لهذا الامر وانا لا امتلكها في هذه اللحظات فقال وهو ينظر نحوي بغضب ستخسر كثيرا ، قلت له فليكن فقال : والله ان هذه الحادثة ستبقى غصه في حلقك مدى حياتك فقلت له شكرا ولسوف اتقبل هذه الغصه بصدر رحب ، تركني وأنصرف غاضبا وعلى الفور بدأت في تهيئه نفسي للمغادره قبل ان يتم الاعلان رسميا من قبل الطرف الاسرائيلي عن عدم صلاحيتي للتفاوض . وفي ظهيره اليوم التالي وصلت القاهره وفي مساء ذلك اليوم عدت على متن الطائرة الى تونس وفي الطريق كتبت تقريري الشهير للاخ الرئيس ابو عمار وتحت عنوان " مفاوضات طابا بين ضعف الاداء والاذعان لسياسة الاملاء " توجهت فورا من مطار قرطاج الدولي الى مقر الرئيس ابو عمار في العاصمة التونسية كان ذلك قبل منتصف الليل بقليل ومن ثم عدت الى منزلي لاخد قسط من الراحة الا ان هذه الراحة المنشودة لم تتم حيث اتصل بي الاخ اللواء امين الهندي في حدود الساعة السابعة صباحا أيقظني من النوم وبصوته الودود قال لي : ماذا فعلت يا دكتور لقد قضى اخوك ابو عمار ليلته في اجتماعات متواصله مع اطراف القيادة بسبب التقرير الذي قدمتة عن مفاوضات طابا ، سأكون في انتظارك بعد ساعة لنشرب القهوه سويا ومن ثم ندهب الى مقر الرئيس لمتابعه الامر وفي حدود الساعة التاسعه والنصف صباحا تحركت مع الاخ امين الى مكتب الرئيس وقد قال لي : سأدخل قبلك على الرئيس فاذا كانت الاجواء ايجابية سأبلغه عن وجودك حتى تلتقي به وبعد عدة دقائق عاد الاخ امين مبتسماً وامسك بيدي وخرج معي الى خارج المقر وهو يقول : الرئيس غاضب جداً وقد اتصل امامي مع طابا وامر الوفد بالعودة فوراً وفي غضون ثماني واربعين ساعه الى تونس وهو يصرخ بهم قائلا "بلا شحاك بلا محاك " هذه ليست مفاوضات احزمو حقائبكم وارحلو من هناك " .
وصل الوفد الفلسطيني الى فندق طابا وبدأت الاستعدادات لحضور جلسه الافتتاح في صبيحة اليوم التالي ، وفي تمام الساعه الثامنة والنصف صباحا نزلنا وقد فوجئنا باعضاء الوفد الاسرائيلي يقفون مصطفين جنبا الى جنب على ابواب قاعه التعارف يتقدمهم الجنرال امنون ليفكن شاحاك وكان علينا ان نصافحهم فردا فردا وهو ما تم بالفعل قبل الولوج الى القاعة وهي قاعة كبيره امتدت في احد جنباتها طاوله كبيره امتلأت بالعصائر المتنوعه والمشروبات الساخنة كالقهوه والشاي والنس كافيه وكان على الجميع الانتظار في هذه القاعه لمدة خمسه وأربعين دقيقه للتعارف وتناول المشروبات وبينما كنت احتسي فنجاناً من القهوه واذا برجل اشقر اللون متوسط الطول وعريض المنكبين يضع على وسط راسه قبعه صغيره وهي ترمز للمتدينين اليهود يتنقل بين اعضاء الوفد الفلسطيني ويسأل بعضهم عن شيئ ما ثم ينظر خلسه نحوي وفي المره الاخيره وبينما كان يقف مع احد الاخوه استدرت نحوه وبدون مقدمات قلت له بغضب : نحن هنا في قاعة للمفاوضات السلمية ولسنا في ساحة للملاحقات الامنية ما تقوم به شيئ معيب واذا كنت تريد ان تعرف او تفهم شيئ ما يخصني بإمكانك الحضور نحوي وسؤالي مباشره عما تريد ! احمر وجهه وبدأت على ملامحه علامات الغضب وقبل ان يبادرني بالرد واذا برجل وسيم لا يخلو وجهه من الوداعه يضع يده على كتفي وهو يقول : معك حق ... معك حق لقد اخطأ في طريقة التعارف كان عليه ان يأتي اليك مباشرة "كان هذا الرجل هو جابي زوهر مستشار اسحاق رابين لشؤون الادارة المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة " ومن ثم نظر نحوه وقال : تعال هنا يا ابراهام فحضر الرجل ومد يده مصافحا وهو يعّرف عن نفسه انه " ابراهام افي كيتون " مستشار رئيس الوزراء اسحاق رابين لشؤون الشين بيت " فقلت له وانا اسمي الدكتور كامل من فلسطين فقال لي اين هي فلسطين ؟ فقلت له انها وطني المحتل فقال : دعك من هذا الكلام فلسطين غير موجوده واعتقد انك من مدينه دير البلح " كفار شالوم " فقلت له : الى متى انت وامثالك تنكرون وجود فلسطين انها موجوده بدليل وجودنا في هذه القاعة ، قال كيف ؟ فقلت له في عام 1968 م كنت فتاً صغيرا وقمت باعتقالي ومكثت في سجونكم عدة سنوات واليوم وبعد مرور اكثر من خمسه وعشرين سنه على هذه الحادثة جئت مع غيرك تفاوض الفتى الفلسطيني وهو يحمل اعلى الدرجات العلمية لكي تسلمه فلسطين ، ظهرت علامات الغضب على قسماته وأدار ظهره بعد ان سحب يده من يدي وبدون وداع وقد تولى جابي زوهر مجددا عمليه اطفاء الحريق بطريقه دبلوماسيه وهو يقول اتدري يا دكتور احيانا فان عمل الانسان المديد في المهنه يترك شيئ ما على شخصيتة معذرة يا دكتور ... لا تنسى انه جنرال ورجل امن شديد المراس ثم ودعنى بأدب ومضى يتنقل كغيره من اعضاء الوفد في ارجاء القاعة ، كانت الدقائق تسير ببطئ شديد وفي تمام الساعة التاسعه والنصف دخل الوفدان الى قاعه المفاوضات وعلى مائدة المفاوضات وبعد افتتاح الجلسه قرأ "يوئيل زينغر " المستشار القانوني للوفد الإسرائيلي وثيقة الشروط والمطالب الاسرائيلية المجحفة وحتى تهيأ لي بان اسرائيل وعبر هذه الوثيقة تريد مصادرة كل ما اقرت به في اتفاق المبادئ الموقع في اوسلو فالسيادة الاسرائيليه للاحتلال البغيض ستبقى على سطح الارض وفي اعماقها وفي اعماق البحر وامتداداته حتى تخوم المياه الدوليه هذا بالاضافة للسيطره على المجال الجوى وعلى فضاء المناطق الفلسطينية والمجال الكهرومغناطيسي التابع لها مع بقاء المستوطنات والطرق والمسارات التي تربطها مع اسرائيل ، وللامانه فقد صدرت مني شخره عفويه بدت وكأنها تعبير عفوي عن امتعاضي الشديد مما اسمع وكما يبدو وبالرغم من عفويتها الا انها كانت التعبير الصادق للرد على هذه الهلوسه الصهيونيه المجنونه وبعد انتهاء الجلسه تذكرت جنرالات المانيا النازية عندما تم استدعاءهم للتفاوض مع وفد الدول الحليفه المنتصره في الحرب العالميه الثانية وقد فوجئوا بالجنرال الالماني وهو يمسك ورقه بيضاء ويوقع عليها ويقدمها لهم ولكي يخطو عليها ما يحلو لهم من شروط واشتراطات ، وفي المساء وبينما كان احد الاخوه يحاول وضع الردود باللغه الانجليزية على وثيقه المطالب الاسرائيلية دخلت عليه وكان منهمكا في عمليه ايجاد الصياغات اللغوية المناسبة وقلت له بعد ان استمعت لما لديه من افكار غير مريحة : اما ان نوقع على وثيقة استسلام بدون مواربه واما ان نضع ردودا قويه ونقيضة لكل ما جاء في الوثيقة الاسرائيلية المذله والمهينه فقال لي : نحن في ساعة متأخرة من الليل وفي صباح الغد يجب ان نقدم موقفنا في الجلسه القادمة فناولته ورقه كنت قد أعددتها من خلال الملاحظات التي دونتها اثناء الجلسه الاولى وطلبت منه اعتمادها وبعد تردد ومماطله اخذ بها وقام بترجمتها في اطار وثيقه الرد الفلسطينية وهي الوثيقة التي اخرجت الوفد الاسرائيلي عن طوره بعد الاستماع لها وقد طلبوا رفع الجلسه ولاجراء المزيد من المداولات الجانبية تمهيدا لتشكيل اللجان التفاوضيه الاختصاصيه ، وبينما كنت واقفا في الصاله المرفقة مع قاعة المفاوضات بجوار اللواء نصر يوسف حضر احد الاشخاص الإسرائيليين ليقول لي ان سيدي الجنرال عوزي ديان يود الحديث معك ولمده نصف ساعة اذا كنت لا تمانع فقلت له لا مانع ما دمنا في قاعة المفاوضات كان اللواء نصر يوسف وهو رئيس اللجنه الامنية يقف بجانبي عندما حضر الجنرال عوزي ديان وبعد ان صافحنا بدأ بالتعريف عن نفسه وبدون مقدمات فهو من مواليد البلاد وبعد مقتل ابويه في حرب عام 1948 قام بتربيته عمه الجنرال موشي ديان وقد انشأه نشأه عسكريه والى ان أصبح جنرالاً ورئيساً لوحدة "دوف دوفان" فقلت له أي وحدة المستعربين المتورطه في اعمال القتل والاجرام ضد ابناء الشعب الفلسطيني فقال : دعك من هذا فنحن نبحث الان معا عن السلام ولكن قل لي : لقد علمت بانك تحمل شهادة الدكتوراه من جامعه موسكو الحكوميه في فلسفه التاريخ السياسي وبعد عامين او ثلاثه ستتم احالتي على التقاعد وانا الان منتسب الى الجامعه العبريه ولدي رغبة للحصول على الدكتوراه في فلسفه التاريخ السياسي ولدى طلب منك وارجو ان تقبله فقلت له وما هو : ؟ فقال اثناء تحضيري للاطروحة سأكون بحاجة للمساعدة فهل تقبل بمساعدتي لو حضرت كتلميذ الى بيتك في دير البلح وطلبت منك ذلك ؟ فقلت له ولكن بشرط وحيد فقال وما هو ؟ قلت له شرطي ان اعود الى دوله فلسطينية مستقله وذات سيادة وليس الى دير البلح عندها امتقع وجهه وترك يدي وادار ظهره بغضب ومضى في حال سبيله .
وبعد ساعه على هذه الحادثة وبينما كنت اقف على مسافه غير بعيدة من قاعة التعارف واذا بشخص طويل متناسق الجسم وسيم القسمات يتقدم نحوي وهو يبتسم ويمد يده مصافحا قال لى : مرحبا يا دكتور انا الجنرال امنون ليبكن شحاك علمت بأنك تحمل درجه الدكتوراه من جامعه موسكو الحكوميه في فلسفه التاريخ السياسي وقد اشتقت للحديث باللغه الروسيه فانا من اصول بولنديه واجيد الحديث باللغه الروسية قالوا لي بأنك مشاكس على الرغم من تكوينك الاكاديمي الكبير ، ابتسمت وقلت له المشاكسه ليست من طبعي بحكم تكويني العلمي ولكن الطبخة السياسية التي تحاولون تمريرها علينا عبر المفاوضات لا تبشر بنهايه حقيقية للصراع فقال ولماذا انت منزعج من ذلك هذا الصراع الدموي المديد بيننا لا يمكن ان ينتهي بجلسه او بعدة جلسات من المفاوضات ، فقلت له هذا صحيح ولكن المزعج في الامر ومن وجهة نظري هو الاستعلاء والتكبر ومحاولات فرض السطوه المعنويه التي تمارسونها علينا وكأننا تلاميذ حضرنا فقط للقبول بتعليمات وارشادات وشروط المعلم ابتسم وقال : لا تنسى ان عوامل الشك والريبه والخوف من المجهول سمات ملازمه عبر تراكماتها للعقل اليهودي كنتيجه لمعاناتنا كيهود عبر مئات السنين فقلت له : وما ذنبنا نحن كفلسطينيين ونحن الشعب المظلوم والمقهور من قبلكم وهل علينا ان ندفع ثمن معاناتكم المديده التي تعرضتم لها بين شعوب الكره الارضيه ان الوثيقة التفاوضيه التي تقدمتم بها على لسان مستشاركم القانوني يوئيل زينغر كفيله بان تعيدنا عرايا امام شعبنا وامام الرئيس عرفات وربما تشفقون انتم علينا لو قبلنا بها انها وثيقة استسلام واذعان . ودعني وهو يبتسم ويقول : انا من انصار حقكم في تقرير المصير ولكن على مراحل وارجو ان تكون اكثر ايجابية في التعاطي مع الامر لقد خلق الله الكون في سبعة ايام وليس في سبعة دقائق او سبعه ساعات ولديكم مثل رائع في اللغه العربية يقول " في التأني السلامة وفي العجله الندامه " .
احسست بانه اكثر انفتاحا وليونه من اعضاء الوفد الاسرائيلي الاخرين مقارنه مع ابراهام افي كيتون مستشار رابين لشؤون الشين بيت او عوزي ديان رئيس وحدة المستعربين الدمويه "دوف دوفان " وفي صبيحة اليوم التالي وبينما كنت اجلس في بهو الفندق حضر جابي زوهر مستشار اسحاق رابين للشؤون العربية والمسؤول عن الادارة المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة نهضت من مكاني وصافحتة وطلبت منه الجلوس فقال لا دعنا نتمشى سويا لبعض الوقت وحتى نتمكن من تبادل بعض الافكار المفيدة ، علمت انك كنت مع اللواء امين الهندي في زياره الى فرنسا قبل عام ونصف وانك القيت محاضرات ناجحة عن مشاكل الشرق الاوسط والصراع العربي الاسرائيلي ولمدة اربعه ايام وقد ارسل الفرنسيون برقية شكر للرئيس عرفات لكونه سمح لك بذلك وقد عبروا فيها عن اعجابهم الشديد بما لديك من مواهب وافكار استراتيجيه صائبة وانا بدوري اريد ان اسألك عن رأي الاوروبيين باسرائيل وبنا كيهود فقلت له انهم منزعجون جدا من سياساتكم وليس من الصعب تلمس الكراهيه المختزنه في نفوسهم تجاهكم كيهود فقال اعلم ذلك جيدا ولكن لماذا برأيك ؟ فقلت له : الاوروبيون يعتبرون انفسهم انهم الاباء والمؤسسين لدوله اسرائيل وانها أي اسرائيل تنكرت لهم وتوغلت بعيدا في خدمه المشروع الامريكي في المنطقة على حسابهم وحساب مصالحهم فقال معك حق انهم يكرهوننا ويجدون صعوبه وحرج كبير في التعبير عن هذه الكراهيه ولكن قل لي : كيف تري مستقبل اسرائيل في العقود القادمه ؟ فقلت له اسرائيل دوله بلا مستقبل فهي لا تحسن فن التفاهم والتعايش مع الاخرين فقال اريد توضيحا لهذه الفكره ؟ فقلت له انكم تبدأون في الصح عبر خطواتكم وتنتهون بالخطأ دائما لانكم مجبرون على خدمه الغير واليك المثل التالي : في عام 1967 كان بامكانكم التفاهم مع العرب وعدم الدخول في حرب العداء المكشوفه مع الرئيس جمال عبد الناصر الا ان اطماعكم المرهونه بالتحالف مع امريكا ومع القوى الدوليه المعادية للحركه القوميه العربية ولمصر وللرئيس جمال عبد الناصر جعلت منكم رأس الحربة فكانت حرب الرابع من حزيران من عام 1967 م وقمتم باحتلال الاراضي العربية وما تبقى من الاراضي الفلسطينية والان وبعد مضي حوالي الخمس والعشرين سنه على هذه الحرب العدوانيه تبحثون عن مخرج من هذه الورطه وكل المخارج التي امامكم صعبه للغايه، مصر استعادت سيناء منكم بعد حرب اكتوبر العربية الناجحة كما استعادت سوريا بعض الاجزاء من مناطقها المحتله ولم ولن ينتهى هذا الصراع المستمر بيننا وبينكم وبدليل انكم اليوم تفاوضون منظمه التحرير الفلسطينية للخلاص من خطر القنبله الديموغرافية العربية في فلسطين فأنتم الان تسيطرون على اكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون فلسطيني وعليكم التحول الى دوله ثنائيه القوميه او ترك هذه المناطق لقيام دوله مستقله عليها وكلا الخيارين صعب عليكم من وجهة النظر الصهيونيه فالدوله ثنائيه القومية هي الغاء عملي لمشروع دوله اسرائيل الصهيونيه والانسحاب من المناطق الفلسطينية المحتله وعلى قاعدة تأسيس دوله فلسطينية ومن وجهة نظر صهيونية يعني بدايه انحسار المشروع الصهيوني لدوله اسرائيل في عموم الأراضي الفلسطينية نظر نحوي وهو يبتسم بدون ان تختفي عن ملامحه علامات الحيرة والارتباك وقال : ما هو الحل الامثل من وجهة نظرك لهذه المعضله ؟ فقلت له الحل الامثل يبدأ اولا باعترافكم بانكم من تسبب بهذه المأساه الكبيره للشعب الفلسطيني ، فقال : اجل نحن بالفعل من تسبب بهذه المأساه فقلت له : وعليه فان عليكم ان تقوموا بالانسحاب من كافه الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وان تعترفوا بقيام دوله فلسطينية مستقله في هذه المناطق وان تقوموا باعمار وبناء مؤسسات هذه الدوله لتكون دوله ديمقراطيه ومزدهره عندها وبإعتبارنا كشعب فلسطيني شعب عاطفي كبقيه الشعوب العربية سنقوم بالحفاظ على امنكم الخارجي وباعتباره مصلحه مشتركه ولن تكونوا بحاجة لفرض الشروط والاشتراطات المجحفة علينا والتي ستؤدي في نهاية المطاف لانفجار دموي كبير ومرعب بيننا بعد عقد او عقدين من الصراع ، نظر نحوي بحزن وهو يقول : اتدري لقد تحدثت معي عن افكار عميقة وبلغة بسيطة معك حق في كل ما قلتة لي ولكن المشكله الصعبة التي تواجهنا هي اننا في مقابل حفاظنا على امننا الخارجي وعبر تحويل الشعب الفلسطيني الى شعب صديق لنا يعيش في دولته الامنه والمزدهره سينفجر امننا الداخلي كنتيجة لهذا المشروع وهذا الحل العادل والمنطقي ، فقلت له إذاً هذه ليست مفاوضات تلك التي تجري بيننا اذهبوا ورتبوا بيتكم الداخلي اولا ومن ثم عودوا للتفاوض الجاد وعلى أساس هذه المبادئ وهذه الأفكار المنطقية كبديل عن سياسة فرض الشروط المذلة والمجحفة بحق شعب يتوق للحريه والاستقلال والخلاص من عبودية الاحتلال . ودعني وهو يشد على يدي ومضى في حال سبيله وكأنه يسير مرغما نحو المجهول . عدت الى مكاني وبعد ان جلست لأحتسي فنجاناً من القهوه مع سيجارة اشعلتها ومعها امعنت التفكير بهذا الاهتمام الاسرائيلي الغير معهود بي فأنا لست من القيادات الرسميه في الوفد وقد تم الحاق اسمي وبعد تردد وفي اللحظات الاخيرة من قبل الرئيس ابو عمار في كشف المفاوضين ، فهذه الامور لا يمكن ان تجري بمحض الصدفة فمنذ حادثة ابراهام آفي كيتون ومرورا بلقائي مع الجنرال عوزي ديان ومن ثم حديثي مع رئيس الوفد الاسرائيلي امنون ليبكن شحاك واخيرا مع جابي زوهر ايقنت بان في الامر شيئ ما لم يعد غامضا ولا يحتاج الى فراسه الاستبيان فهذه المجموعه هي التي تقود الوفد الاسرائيلي المفاوض وهي صاحبة القرار وقد ارادت من خلال احتكاكها المباشر معي التعرف عن قرب على شخصيتي الغامضة بالنسبه لهم وارادت وبحكم قربي من الرئيس عرفات ان توصل رسائلها المتعلقة بهدف ونتائج المفاوضات ، ابراهام آفي كيتون لا يعترف بفلسطين ويختصر المفاوضات بالعوده في اطار جمع الشمل والجنرال عوزي ديان لا يريد لنا ان نقيم دوله فلسطينية فالامر بالنسبه له ينتهي في اطار جمع الشمل ايضا وكذلك والجنرال امنون ليبكن شحاك المؤيد لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني يرى ان ذلك يجب ان يمر عبر عدة مراحل تبدأ اولا بجمع الشمل وجابي زوهر المؤيد لحق تقرير المصير للفلسطينيين يرى بان هذا الحق وفي حال تنفيذه عمليا وعبر قيام دوله فلسطينية مستقله وذات سيادة سيؤدي الى انفجار الامن والوضع الداخلي في اسرائيل وبالتالي وفي المجموع فانهم جميعا جاءوا للتفاوض وهم على قناعة واحدة مشتركة بان مفاوضات السلام هذه لن تؤدي الى صناعة السلام العادل مع الشعب الفلسطيني وبينما كنت جالسا مستغرقا في افكاري و إذا بالمدعو "يوني بن مناحيم " يقدم نفسه لي كمراسل للتلفزيون الاسرائيلي وبعد ان نصب كاميراته طلب مني اجراء مقابله ستبث مساءا في برنامج العالم هذا المساء قال انه برنامج هام وباللغه العربية ويبث اسبوعيا لسكان المناطق ويقصد بها المناطق المحتله وان الاخوين محمد دحلان وحسن عصفور سجلا حضورهما في هذا البرنامج ولمدة ثلت ساعه لكل منهما وان المطلوب الان مني اجراء المقابله لاكمال ثلث الساعة الاخير في البرنامج ، اعتذرت منه رافضا اجراء المقابله قال لي : لماذا ؟ انت هنا في مفاوضات سلام وعليك ان تتحدث عن اهميه هذا السلام بالنسبه للشعبين ، فقلت له : انا غير مخول باجراء مثل هذه المقابلات الصحفيه الهامة دعك مني وأبحث عن غيري ، فقال : ولكن المطلوب انت وبالذات ولسوف تراك امك وتفرح فهي لم تراك منذ اكثر من عشرين سنه ، فقلت له لا اريد لها هذه الفرحة ، تركني وغاب قليلا ومن ثم عاد وقال لي : اتعرف انت مع من تتحدث ؟ قلت له نعم مع العقيد يوني بن مناحم رجل الامن في شعبه الاستخبارات العسكريه الاسرائيلية ومراسل التلفزيون الاسرائيلي قال لا ... انت تتحدث مع دوله اسرائيل ودوله اسرائيل تريدك ان تشارك في هذا البرنامج السياسي الهام كما شارك اخوتك محمد دحلان وحسن عصفور فانت لست احسن منهم ولست اقل منهم فقلت له : ربما يكونوا هم وغيرهم احسن مني وافضل مني ولديهم الصلاحيات لهذا الامر وانا لا امتلكها في هذه اللحظات فقال وهو ينظر نحوي بغضب ستخسر كثيرا ، قلت له فليكن فقال : والله ان هذه الحادثة ستبقى غصه في حلقك مدى حياتك فقلت له شكرا ولسوف اتقبل هذه الغصه بصدر رحب ، تركني وأنصرف غاضبا وعلى الفور بدأت في تهيئه نفسي للمغادره قبل ان يتم الاعلان رسميا من قبل الطرف الاسرائيلي عن عدم صلاحيتي للتفاوض . وفي ظهيره اليوم التالي وصلت القاهره وفي مساء ذلك اليوم عدت على متن الطائرة الى تونس وفي الطريق كتبت تقريري الشهير للاخ الرئيس ابو عمار وتحت عنوان " مفاوضات طابا بين ضعف الاداء والاذعان لسياسة الاملاء " توجهت فورا من مطار قرطاج الدولي الى مقر الرئيس ابو عمار في العاصمة التونسية كان ذلك قبل منتصف الليل بقليل ومن ثم عدت الى منزلي لاخد قسط من الراحة الا ان هذه الراحة المنشودة لم تتم حيث اتصل بي الاخ اللواء امين الهندي في حدود الساعة السابعة صباحا أيقظني من النوم وبصوته الودود قال لي : ماذا فعلت يا دكتور لقد قضى اخوك ابو عمار ليلته في اجتماعات متواصله مع اطراف القيادة بسبب التقرير الذي قدمتة عن مفاوضات طابا ، سأكون في انتظارك بعد ساعة لنشرب القهوه سويا ومن ثم ندهب الى مقر الرئيس لمتابعه الامر وفي حدود الساعة التاسعه والنصف صباحا تحركت مع الاخ امين الى مكتب الرئيس وقد قال لي : سأدخل قبلك على الرئيس فاذا كانت الاجواء ايجابية سأبلغه عن وجودك حتى تلتقي به وبعد عدة دقائق عاد الاخ امين مبتسماً وامسك بيدي وخرج معي الى خارج المقر وهو يقول : الرئيس غاضب جداً وقد اتصل امامي مع طابا وامر الوفد بالعودة فوراً وفي غضون ثماني واربعين ساعه الى تونس وهو يصرخ بهم قائلا "بلا شحاك بلا محاك " هذه ليست مفاوضات احزمو حقائبكم وارحلو من هناك " .