نصيرة محمد:"اخترت المعرفة سبيلا للتحرر وآمنت بالشعر والكتابة عالما مكثفا ومتوهجا وحرا يملؤني قوة

نصيرة محمد:"اخترت المعرفة سبيلا للتحرر وآمنت بالشعر والكتابة عالما مكثفا ومتوهجا وحرا يملؤني قوة
الجزائر - دنيا الوطن - رياض وطار

نصيرة محمدي شاعرة وإعلامية وأستاذة جامعية جزائرية،اشتغلت في الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية واشتغلت في التعليم بجامعة الجزائر ،شاركت في ملتقيات ومهرجانات ثقافية في الجزائر والوطن العربي وفرنسا. أصدرت  ستة كتب هي "غجرية" ،"كأس سوداء" ،"روح النهرين" وكذا "سيرة كتابة" و"حوارات " وترجمة صدرت بفرنسا عن دار l'harmattan بعنوان

« comme le noir se referme sur une étoile »  قامت بترجمت الكتاب الفرنسية اليزابيت فوتيي بالتعاون مع المغربي عبد اللطيف شويرقات وسيصدر لها كتابان آخران هذا العام.

في هذا الحوار تفتح نصيرة محمدي  قلبها لقراء دنيا الوطن لتبوح لهم عن رؤيتها لواقع الكتابة النسوية بالجزائر والوطني العربي  وكذا عن نظرتها للنقد ومواكبته للحركة الإبداعية وعن أمور أخرى تتعلق بالإبداع والمبدعين.

 -تم مؤخرا الترجمة إلى الفرنسية لمجموعة من قصائدك من ديواني "كأس أسود" و "غجرية" ماذا يعني هذا بالنسبة إليك؟

-ترجمة نصوصي من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية هي ترحال جديد لشعري صوب مناطق أخرى ،وكيانات مختلفة ،وفضاءات ربما تتسع لحرقة الكتابة ومكابدات السؤال.هذه الترجمة ضوء يسافر من أعماقي إلى جهات العالم.تشعر أنك في كل سفر قد تحررت،وأن ما تكتبه هو ملك الآخرين ،لهم كل الحرية في احتضانه أو نسفه،وفي قراءته بأشكال متعددة فالنص الذي لا يفتح نافذة للتأمل والأسئلة أعتبره نصا غير قادر على الحياة والإستمرار والديمومة، النص الذي لا يستفزنا ويحرك عالمنا الساكن الراكد المستسلم لقناعاته الجاهزة ومفاهيمه المسطحة لا يستحق اسمه وهويته،لا بد من كتابة مايلوعنا ويزعزعنا ويجرحنا بالأسئلة والتفكير والتوغل في مجاهل الروح.

-تكتبين القصيدة الحداثية هل هذا خيار عن قناعة أم انه نتيجة الصدفة وما رأيك في النزاع القائم بين دعاة القصيدة الكلاسيكية والحداثية؟

-أنا نتاج قراءات وتجارب وأسفار ومكابدات في أرض الشعر والكتابة.

أذكر حين كنت طفلة في الثامنة من عمري مستلقية على عشب أخضر كالجنة وبيدي كتاب جبران خليل جبران أتشرب رائحته وسطوره ولغته بسحر ودهشة لمعت في رأسي الصغير فكرة أن أكون كاتبة، أسررت بذلك لرفيقة طفولتي الذكية شهرزاد فالتهبت عيونها من فرط ما كان الأمر بالنسبة لها كالحلم الغريب، ظللت أحمل حلمي بداخلي وظل الكتاب عالمي الملون بالإخضرار وضوء الشمس ولسعة برد من أقاصي الطفولة لا زالت ترافقني إلى الآن، ربما لأن حلمي ولد في بقعة باردة أكثر مما يحتمل جسدي المنذور لمغامرات الحياة.

كنت أقرأ بشراهة وكان فراغ عالمي من اللعب لا تملؤه إلا الكتب،صحيح أني كنت أحب الركض وتسلق الأماكن العالية إلا أن الأمر لم يتجل إلا في سنين الدراسة وغيرة الذكور من تفوقي عليهم ،وكثيرا ما ترتب عنه حروب صغيرة بيني وبينهم؛عراك أطفال يحولني في كل مرة إلى طفلة تركض وتركض ولا يقبض عليها أبدا.النزوع إلى الحداثة قدر يفتح مداركنا ووعينا على المنجز الشعري للإنسانية،يثري داخلنا ويفكك أسئلتنا ويعري أعماقنا لنتشرب من المنابع كلها ،ونترع بماء الشعر في شفافيته وصفائه وعذوبته لنرتوي بحقيقة الكشف الباهر ،والتجلي الخطير لما يمكن أن يكون عليه الوجود بلا شعر.الشعر حقيقتي ويقيني.

-بين الكتابة الإبداعية والإعلامية والتدريس أين تجد نصيرة محمدي راحتها ولماذا؟

-أنا كل هذا يا صديقي؛ نصف في الكتابة ونصف في الصحافة والتعليم، حقول مترابطة ومشدود بعضه ببعض، كل ما أقوم به يفتح نقطة خفية في ذاتي، يحيلني إلى رحالة تلتقط بحواسها وروحها أشياء العالم وتغتني بها ،ظمأ لا شفاء منه إلا الموت إلى معانقة الحياة والتخبط فيها  فما جدوى أن ينتقل الإنسان من البياض إلى البياض.أتجلى في الكتابة طبعا لأن نارها تحرقني وتضيئني.بهجة الروح وألق القلب لا يعادله أي شيء سوى فرح الشعر.

-قيل الكثير من قبل النقاد عن الأدب النسائي والرجالي فمنهم من أكد على ضرورة التصنيف ومنهم من اعتبر النص نصا واحد ولا يمكن أن يكون هناك تمييز بين المرأة والرجل في الكتابة الإبداعية كامرأة مبدعة أي من الرأي الصائب؟

-أنا لا أؤمن إلا بكتابة تملك عناصر ديمومتها وخلودها بقوة الروح والأشياء.

صحيح أن المرأة تمتلك نظرة متحرقة للوجود بحكم الظلم التاريخي الذي مورس عليها ،لكن الأدب لا يشفع إلا للأقوياء والجيدين ؛أي الإبداع والتجاوز هو المحك الوحيد للتجارب الأدبية التي يتقاسمها طرفان .هما الرجل والمرأة معا.أنا ضد المؤسسة النقدية الذكورية التي تفصل تجارب هذين الكائنين ،وتزجي بهما إلى أحكام غير عادلة ومريضة تحيل على منظومة ذهنية بائسة أنهكتها الحسابات والتقسيمات والإقصاءات و الهشاشة المعرفية .لا أثق إلا في الأقلية التي تصنع وجودها وتجذر كينونتها بالعمل والإبداع والذهاب بالفكر إلى مداه.

-تنحدرين من منطقة محافظة لا تؤمن بحرية المرأة هل اتخاذك الكتابة سواء كانت الإعلامية أو الإبداعية هو تمرد منك على المجتمع؟

.وعيت من البداية سطوة القبيلة و أمراض مجتمعي وتعنت الذكور وقسوتهم ،اخترت المعرفة سبيلا للتحرر،وآمنت بالشعر والكتابة عالما مكثفا ومتوهجا وحرا يملؤني قوة وثقة وجمالا.

معاركي طويلة وكبيرة ،ولم تنته إلى غاية اللحظة .كان طريقا شائكا وملتبسا وقاسيا تجرعت فيه روحي أكبر العذابات ولكني انتصرت لحقيقتي وخياراتي الصعبة.

نعم لك أن تصفني بالمتمردة والطفلة التي خرجت عن القبيلة والرافضة ووووو،لكن أقول لك أنا إنسانة حرة من الداخل.

 -تعتبرين من الأسماء النسائية القليلة التي أثرت المكتبة الجزائرية والعربية بالعديد من الإصدارات في رأيك لما هذا العزوف من المرأة المبدعة في إصدار ما تجود بها أناملها سواء كان شعرا أو رواية.

.لا أتصور أن الكاتب يعزف عن نشر كتاباته إذا لم يكن في الأمر لبس .محيطنا الثقافي بائس ،والمؤسسات الثقافية عاجزة عن ترميم جرح كبير يعيشه الكتاب والمبدعون.هذه مسألة يطول نقاشها في جزائر لم تحمل بعد مشروعها الثقافي الحداثي الوطني التنويري.

 - يفتقد المشهد الأدبي إلى النقاد الجادين هل هذا اثر عليك في مسارك الإبداعي؟

.طبعا الأدب بحاجة دائمة لمطرقة النقد ،كم من خزعبلات تنتشر في غياب نقد مؤسس وعيون تقرأ المنجز الشعري والأدبي عموما. كم من أسماء تبهرج المشهد تحت طائلة المحسوبية والعشائرية والمصالح والولاءات.

 -يرى المتتبع للمشهد الأدبي أن عصر الشعر قد ولى ومضى واليوم نعيش عصر الرواية بدليل اتجاه العديد من الشعراء نحو الكتابة الروائية فيما يعاكس البعض الرأي أي من الرأيين يعتبر صائبا ولماذا؟.

-في سياق سؤالك يحضرني ما قاله الناقد عبد الله إبراهيم:"تحولت الرواية من كونها حكاية متخيلة إلى خطاب رمزي باحث في الشأن العام.ديوان كاشف للإحتقانات المطمورة في المجتمعات.وخاضت الرواية مغامرة جريئة في تطوير بنياتها السردية والأسلوبية فيما أخفق الشعر العربي الحديث ،وانحسر إلى الوراء لعدم تمثله تلك الأحوال تمثلا مناسبا ". صحيح أن الرواية صدرت واجهة المشهد الأدبي ومعتركه الحقيقي،وصحيح أني أقرأ الرواية أكثر من الشعر إلا أنني لا أستطيع نفي حضور الشعر كحقيقة متعالية في حياتي ،وأن جوهر وجودي هو الشعر ،وأن حرقتي وحقيقتي هي الشعر.لا أتصور كيف ينحسر الشعر وتتوارى أنواره.

سؤال يصعب علي تمثله فيما روحي ووجداني وسؤالي الكبير هو الشعر.

-كنت من اللذين رافقوا  الروائي الراحل الطاهر وطار في تأسيسه لجمعية الجاحظية ثم تمردت عليه رفقة بعض المبدعين الشباب وأسستم لرابطة الاختلاف ماهي الخلفية التي جعلتكم تتصرفون بهذا الشكل وماذا تقولين عن شخصية الراحل الطاهر وطار؟

.الروائي العظيم الطاهر وطار علامة ثقافة كاملة في جزائر الثورة والإستقلال،رجل المراحل وسيد الكتابة ومحرك الثقافة الجزائرية على مدى سنوات طويلة وشاقة كان فيها وطار رمزية مختلفة ونادرة وأيقونة مشعة في سمائنا.

ما أسميته تمردا عليه هو تحرر من الأبوية و محاولة إحراز شيء من الإستقلالية والتفكير بعيدا عن الوصاية ،كانت تجربة خصبة ومثمرة بما فيها من مد وجزر وتجاذبات لم تفض في النهاية إلا إلى فكرة قبول الآخر المختلف عنا والتسامح ونبذ الإقصاء والتبعية، توصلت مع عمي الطاهر إلى هذه الحقيقة بعد مقاطعته لي حين أسسنا رابطة كتاب الإختلاف وسأكتب ذلك في يوم ما.

 

التعليقات