قطاع غزة .. واحصائيات الهجرة

كتب غازي مرتجى
عندما نتحدث عن غزة فإنّ أول ما يتبادر الى ذهنك حجم الدم والدمار الذي عانى منه القطاع خلال خمسين يوماً من العدوان الاسرائيلي عليه , لكن عند البعض فإن كلمة "غزة" تعني لهم خلاف ذلك وكل يغني على ليلاه ..! استطلاع مخيف أجراه الدكتور نبيل كوكالي , وفيه من المعطيات والدلالات الكثير , على الرغم من امكانية ازدياد نسبة الخطأ في النسبة التي أجرى عليها المركز استطلاعه , لأنّ قطاع غزة تحوّل إلى ثلاثة اقسام , قسم دُمّر تماماً ويحتاج لإعادة تأهيل بكافة المستويات وهذا القسم أتاه العدوان من حيث "ضناه" .. وقسم تدمّر بعد تدمير مأوى سكنه ولا يجد الآن ما يسد به رمقه وينتظر مثله مثل أي شخص على طابور الاعانات ليتحصّل في النهاية على ملابس له او لزوجته وأولاده .. وقسم ثالث وهم بقية مواطني غزة تضرّروا على الأقل نفسياً عدا عن الضرر الجزئي في منازلهم ورزقهم , وهؤلاء بحاجة إلى إعادة تأهيل أيضاً .
في غزة أصبح الصديق لا يعرف أخبار صديقه إلا صدفة , والقريب لا يعرف مكان سكن قريبه إلاّ بعد سؤال وتفحص .. صباحاً اتصلّ بي أحد الاصدقاء طالباً الحديث إلى بعض رجال الأعمال من أصدقائه لأحدثهم عن وضعه الجديد وكيف فقد شقته في أحد الأبراج السكنية في قطاع غزة والتي تدمرّت بفعل العدوان الإسرائيلي , لم أعرف كيف اتحدث ولم أستطع الرد فقد كان هذا الشخص من "برجوازيي" غزة قبل العدوان ..! ؟
عودة إلى استطلاع الدكتور كوكالي والذي أكدّ الاستطلاع أن ما نسبته 25 % من الشباب الفلسطيني في غزة يفكرّون بالهجرة , ومما وردني من معلومات فإنّ تجارة تهريب "البشر" راجت خلال الحرب على غزة , ليس بالأرقام والاعداد التي نتوقعها لكن هناك حالات زادت عن مائة حالة .
أحدهم أرسل رسالة وطلب نشرها عبر دنيا الوطن قائلاً ان عدد من المهجرّين من قطاع غزة عبر الاسكندرية الى ايطاليا وبلجيكا غرقوا محذراً من طريقة التهريب هذه , وفي تفاصيلها بحسب ما أخبرني صديق احد من تم تهريبهم إلى الاسكندرية فإنّ التهريب خلال العدوان كلّف مبالغ مالية تعتبر طائلة , والتهريب عبارة عن الوصول الى الاسكندرية ومن ثم الانطلاق عبر السفن و"اللانشات" الى ايطاليا ومنها الى بلجيكا أو سويسرا , وبحسب الرسالة التي وصلتنا فإن المهربين يمكثون في البحر اكثر من 10 ايام , وبعضهم يصل في حالة مزرية والآخرين يغرقون تحت الماء نظراً لتخلّي المُهرّب عنهم .
خلال حرب غزة كان بإمكان المواطنين الهروب جنوباً حيث معبر رفح ولن تمنعهم الشقيقة مصر من ذلك لكنهم آثروا الموت في غزة على الهروب منها رغم انّ قوة الانفجارات التي ضربت القطاع كانت تعادل 4 قنابل نووية كالتي القيت على هيروشيما اليابانية .
في قطاع غزة لا يفكر احد بالهجرة في حال توفرّت له لقمة عيشه ولا يخجل أحد في غزة من العيش بـ"اليومية" ويفضلها على العيش مرغداً مرفهاً في الخارج .. لكن في ظل الوضع الحالي الذي انقطعت فيه اليومية والشهرية حتى فإن نسبة من يفكّر بالهجرة ستزداد وتتضخم .
يؤسف المواطن العادي في القطاع حملات التشويه والردح المتبادل بين حركتي فتح وحماس على الرغم من اغاني العشق والدلال التي سمعناها قبل الحرب بفترة قصيرة ..!؟
حجم الدمار في قطاع غزة لا يمكن تخيله ولا يمكن لوسيلة اعلام ابرازه بالشكل المطلوب ويكفي أن نقرأ تقريراً للأمم المتحدة :"20 عام تحتاج غزة لاعادتها الى يوم واحد قبل الحرب" فما بالك بحالة التطور التي ستطرأ خلال العشرين عاماً الخاصة بازالة الركام واعادة اعمار ما دمرته آلة العدوان ..!؟؟
غزّة أمانة برقاب كل من نصّب نفسه حاكماً عليها .. وأبناء غزة أمانة في اعناق كل من تغنّوا في المقاومة خلال العدوان وباعوها بعده .. لكن ما يؤكده المنطق والعقل والتاريخ .. أنّ غزة لم ولن تنكسر يوماً ..
التعليقات