سقطت الرقة - داعش تستولى على أول محافظة سورية

سقطت الرقة - داعش تستولى على أول محافظة سورية
رام الله - دنيا الوطن

وسط تبادل لنيران المدفعية، وقصف بالبراميل المتفجرة، سقطت لؤلؤة بادية الشام "الرقة" السورية أمام الزحف الداعشي، لتصبح بذلك أول محافظة شامية تنضم لرقعة "دولة الخلافة" المزعومة، التي تزيد رقعتها يومًا بعد يوم. 

فقد نجح تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" في فرض سيطرته الكاملة على محافظة الرقة، التى يقطنها قرابة مليون شخص، إثر انتصاره على القوات النظامية الأسدية في مطار "الطبقة العسكري"، والذي يبعد 40 كم عن مركز المحافظة، وفق ما أكده ناشطون سوريون، أمس الأول. 

ومن الآن فصاعدًا، وحتى الخلاص من هذا التنظيم الإرهابي، قدر للمدينة الهادئة، التي كان اسمها "الرقة" ينطبق على مسماها، أن تشهد القسوة الداعشية التي لا تلين، وستشهد مرغمة أعمال الذبح والسبي والتهجير باسم الدين. 

سقوط الرقة غير معطيات المعادلة الحربية الجنونية فى سوريا، فلم تعد خريطة سوريا، كما كانت، تابعة لنظام واحد، بل انقسمت لثلاث دول، الأولى نظامية، والأخرى ثورية يضطرها الصراع إلى التعاون مع "جبهة النصرة"، وثالثة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ"داعش". 

وتوضح الخريطة العسكرية في سوريا سيطرة قوات الأسد على معظم المدن في المحافظات الكبرى، باستثناء الرقة، بينما فقدت السيطرة على جزء كبير من الأرياف، أهمها في حلب وأدلب وحماة(شمالًا)، ودير الزور (شرقًا)، ودرعا (جنوبًا)، والغوطة الشرقية بدمشق، بينما تسيطر وحدات حماية الشعب الكردي، المنسجمة سياسيًا مع النظام، على أرياف الحسكة ومدينة القامشلي. 

أما الجيش السورى الحر وجبهة النصرة، فإن اتفاقهما على عدو واحد لم يجعلهما أصدقاء يومًا، حيث جمعتهما المعارك وظلت تفرقهما الأهداف والعقائد، وحال هذا التحالف الصورى دون الدعم العسكرى الغربى، التى مازالت تطمح له المعارضة حتى هذه اللحظة ، إلا أن تحالف الأعداء هذا ضمن لهم السيطرة على مناطق في حلب ودير الزور وأدلب والغوطة الشرقية ودرعا وحماة. 

أما تنظيم داعش، الذى سيطر على "الرقة"، فقد وسع نطاق سيطرته في الآونة الأخيرة على مناطق عِدة في القامشلي والحسكة والرقة، وكذلك دير الزور، حيث المناطق الشمالية التى تجمع الحدود بين سوريا وتركيا، وهو الخطر الذي تخشاه "أنقرة". 

وفى أتون هذه الحرب الدائرة بين حدود سوريا والعراق، لا يدري الكثير من الخبراء العسكريين من سيحسم الصراع بين تلك الفصائل المتناحرة.
وتقع محافظة الرقة في شمال وسط سوريا، على الضفة الشمالية لنهر الفرات، وباستيلاء داعش عليها، يكون قد ضمن لدولته الإرهابية الوليدة موارد اقتصادية هائلة، تتوزع بين الزراعة والحقول النفطية، التي ستؤثر بشكل كبير فى زيادة المصادر المالية لخزانة التنظيم، الذي صُنف كأثرى تنظيم إرهابي فى العالم. 

أما الآثار الحضارية في المدينة، فباتت عرضة لمرمى نيران داعش، التي لا تترك أي إرث ثقافي إلا وطالته يدها بالنسف والتدمير، وتتميز "الرقة" بآثارها التى تعود لفترات تاريخية متنوعة، كالعصرين الروماني والإسلامي، حيث أسسها الملك سلوقس الأول، لتكون عاصمة له عام 244 ق.م، ثم تصبح حاضرة اقتصادية كبيرة خلال العصر الرومانى، لتفتحها الجيوش الإسلامية عام 639م، وتصبح "الرقة" منذ ذلك الحين حاضرة علمية وثقافية تحوى الكثير من الآثار الإسلامية، كقصر العذارى وقصر البنات، والجامع الكبير، الذي بني في القرن الثامن الميلادي، وتضم المدينة عدة أضرحة لعدد من الشخصيات الإسلامية، منهم الصحابي عمار بن ياسر، وأويس القرني، والتي قام التنظيم الإرهابي بتسويتها بالأرض. 

اليوم ومع ظهور الشبح المخيف لداعش فى الرقة، بات مستقبلها الغامض متباينًا بشدة مع ماضيها العريق، فشتان بين حضارة إسلامية جعلت من المدينة قاعدة سياسية وعاصمة ثقافية تجذب العلماء، وقوة ظلامية إرهابية، لا تحمل للمدينة غير الخراب والدماء، فالمدينة القديمة اتخذها الخليفة الأموى هشام بن عبدالملك "105ــ126هـ" عاصمة جديدة له، وانتقل إليها تاركًا دمشق، وبني بها قصره الشهير "الرصافة"، وفي عام 772 م، بدأ الخليفة العباسي المنصور بناء عاصمة صيفية للدولة العباسية بالقرب من الرقة، سميت "الرافقة"، وقد أسست المدينة الجديدة بشكل حدوة فرس على الطراز المعماري لبغداد، وسرعان ما اندمجت مع الرقة، وبين عامي 796 و808م، جعل الخليفة العباسي هارون الرشيد الرقة عاصمة له أيضًا، وأصبحت المدينة مركزًا علميًا وثقافيًا مهمًا ، غير أن أمس المدينة شهد انتكاسة كبرى، حين سيطر عليها المغول سنة 1258م وقاموا بتدميرها. 

وشهد عام 2013 سيطرة الجيش الحر وفصائل جبهة النصرة على الرقة، لتكون أول محافظة تخرج من قبضة نظام الأسد في سوريا، ومع مطلع العام الحالى، وبعد رفض "جبهة النصرة" الانضمام إلى "داعش"، بدأت المجموعتان تتحركان كل على حدة، قبل أن يتواجهان في معارك، اعتبارًا من يناير 2014، واعترضت "الدولة الإسلامية في العراق والشام" علنًا على سلطة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ورفضت الاستجابة لدعوته بالتركيز على العراق، وترك سوريا لـ"جبهة النصرة"، وتواصل القتال فى الرقة ودير الزور، إلى أن قام "داعش" بإعلان دولة خلافته فى 28 يونيو 2014، ليحقق مكاسبه الميدانية على أطراف النزاع السورى "النصرة ـ الجيش الحر ـ الجيش النظامى"، وتسقط الرقة بين فكي داعش. 

التعليقات