الأردن وحرب غزة .. والتحديات

الأردن وحرب غزة .. والتحديات
بقلم : عبدالله عيسى

أثارت حرب غزة 2014 بقوة موضوع طرد السفير الإسرائيلي من الأردن وطلبت جموع أردنية أن تتخذ الحكومة الأردنية هذا الإجراء .

المسالة أثارت جدلا كبيرا على الساحة الأردنية بين من يرى ضرورة كي تتخذ الحكومة هذا القرار وآخرين فكروا باتجاه اخر .. بالخسائر التي يمكن أن يحققها الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة ومناطق 48 نتيجة اتخاذ الحكومة الأردنية لمثل هذا الإجراء .

كلاهما وجهتي نظر احترمهما فالرأي الأول يقول أن طرد السفير أو بقائه لا يفيد الأردن كثيرا وحتى طرد السفير لن يضر الأردن بشيء .

أما الرأي الثاني فنحتاج كي نتوقف عنده ببعض التفاصيل ..  

فالبعض في الشارع السياسي والأحزاب في الأردن رأى أن التضحية بكل المكاسب لتي يحققها الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة ومناطق 48 وطرد السفير الإسرائيلي أفضل .. وقالوا أي مكاسب هذه إنها كلام فارغ ولا يحتاجها الشعب الفلسطيني .

أما الرأي الثاني في الشارع الأردني والذي يرى في عدم طرد السفير الإسرائيلي فائدة فيقول :" لو طرد السفير سيقطع بالمقابل كل التواصل الأردني الفلسطيني من مساعدات وقوافل خير وإغلاق ثلاث مستشفيات ميدانية أردنية في الضفة وغزة ومساعدات عربية كبيرة تصل الضفة وغزة كلها عن طريق الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية .

أصحاب هذا الري يفسرون أكثر فيقولون :" لو سئل فلسطيني بغزة وهو يجري يوميا على الشؤون المدنية ومراسلات مع المستشفيات الأردنية كي يرسل مريضا من غزة لتلقي العلاج الذي يحتاجه إلى الأردن سيقول .. علاج المريض أهم ولو قطعت العلاقات مع إسرائيل لن يجد المريض طريقا للسفر للأردن إلا عبر مصر .

من يقيم في مراكز الإيواء بغزة ولا يجد قوت عياله تلك الليلة وتصله مساعدات الخير من الأردن والدول العربية الشقيقة والتي تصل أيضا إما عبر مصر أو عبر الأردن .. هل سيقول اترك أولادي يمتون جوعا بعد مات من مات منهم قتلا على يد الاحتلال المهم أن يطرد السفير الإسرائيلي وتقطع العلاقات ؟؟". انتهى اقتباس الرأي.

وعلى ذكر المساعدات الإنسانية الأردنية فقد حيرني هذا الموضوع منذ سنوات وسالت نفسي لماذا يفعل الأردن كل هذا ويقدم مساعدات تفوق إمكاناته للضفة وغزة ..ولماذا فتح الباب لأهلنا في مناطق 48 وقدم لهم جوازات سفر مؤقتة لأداء فريضة الحج وفتح لهم الجامعات الأردنية وأصبحت العاصمة الأردنية عمان محطة للشخصيات السياسية العربية من مناطق 48 وأعضاء كنيست عرب معروفين  مثل احمد الطيبي وغيره هجروا مطار بن غوريون وأصبح مطار عمان منطلقهم للسفر إلى أي بلد في العالم .. لم يجبرهم احد على فعل ذلك بل كان ذلك من اختيارهم وبرغبتهم .

وفي أحيان كثيرة أعود للتاريخ فأجد فيه تفسيرا لما يجري الآن عندما تحاصرني الحيرة في أمر ما .

فاعتقد أن الأردن شعبا وحكومة وملكا يعيشون أسرى قيم وأخلاق وشهامة البادية التي لا تعرف الحسابات الضيقة سواء المادية او المعنوية .. والحقيقة لم أجد تفسيرا للسياسة الأردنية الثابتة منذ عشرات السنين سوى أخلاق البادية الجميلة التي نفتقدها أحيانا هنا او هناك .

فعطاء الأردن لأشقائه لاعلاقة له بالإمكانيات والثروات وإنما بالشهامة العربية البدوية الأصيلة .. فالبدوي الذي لم يجد ما يكرم به ضيفا لا يعرفه سوى حصانه فذبحه إكراما لضيفه وهذا ما ألاحظه على ما يفعله الأردن قديما وحديثا .. فلا يساعد دولة شقيقة لان لديه فائض من الثروات فيرسل المستشفى الميداني إلى غزة منذ 6 سنوات والى الضفة ومصر ودول عربية وافريقية ويكلف هذا المستشفى خزينة الدولة الأردنية تكاليف باهظة سنويا ويقدم أفضل الخدمات الطبية والتجهيزات والأطباء الأخصائيين .. لا تستطيع أي دولة فعله إلا إذا كانت دولة صناعية غنية أو من الدول الكبرى ذات الإمكانات الهائلة .

حتى الدول الصناعية أرسلت بعض الأطباء لاماكن النزاعات وكانت مجرد مستوصفات بائسة أو عيادات بها بعض الأطباء ومعدات شحيحة .

المستشفى الميداني الأردني قام بمعالجة حسب الإحصائيات مليون ونص المليون حالة مرضية بغزة "منهم مكرر كمراجعة " وهذا ما جعل رئيس الوزراء الأسبق إسماعيل هنية يزور المستشفى الأردني وأشاد كثيرا بالخدمات الإنسانية التي قدمها المستشفى الأردني لأهل غزة .

شهامة الأردنيين أتعبت إسرائيل وأزعجتهم في إرسال قوافل مساعدات إنسانية لا تتوقف من الهيئة الخيرية الأردنية إلى غزة  منذ سنوات وخلال حرب غزة 2014 أرسلت قوافل مضاعفة.

وخلال زيارة سابقة قبل أشهر نعيد قراءة الخبر التالي :"أشاد رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية بمواقف الملك عبدالله الثاني ووقوفه الدائم الى جانب الشعب الفلسطيني ودور المملكة الأردنية الهاشمية في حماية ورعاية المسجد الاقصى المبارك والمقدسات بالقدس المحتلة.
جاء ذلك خلال زيارة هنية على رأس وفد ضم وزير الداخلية فتحي حماد ووزير الصحة الدكتور مفيد المخلللاتي، ومستشاره للشؤون الخارجية الدكتور باسم نعيم وعدد من المسؤولين في الحكومة  الى مقر المستشفى الميداني الاردني غزة 26.
وكان في استقبال الوفد الفلسطيني: قائد المستشفى غزة 26 عبدالعزيز حسين العلاوين ومدير المستشفى الدكتور عبد النبي عيد البدور وعدد من طواقم المستشفى الطبية والادارية.
وأشاد هنية خلال الزيارة بالعلاقة الأخوية بين الشعبين الاردني والفلسطيني، لافتًا إلى أن العلاقة الاردنية الفلسطينية أعمق ولها خصوصيتها.
وقال ان هذه الزيارة جاءت لتؤكد دور المملكة في مواجهة التهويد الذي تتعرض لها مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، لافتًا إلى أن القدس اليوم في أخطر مراحلها.
وأكد هنية أنه لا يمكن أن "نمرر أي مشروع يسهم في تصفية القضية الفلسطينية أو بأي حق من الحقوق يمكن أن يمس الأردن".
وثمن هنية الخدمات الطبية التي يقدمها المستشفى الميداني الاردني للاهل في قطاع غزة، قائلا:  "ان هذه الخدمات ليست غريبة عن الشعب الاردني وكان الاردن اول من هب لنجدة اهلنا في القطاع وما هذا المستشفى الا الدليل الواضح على صدق المحبة والاخوة والتلاحم بين الشعبين الشقيقين". انتهى الاقتباس

وخلال حرب غزة نعيد قراءة تصريح صحفي لابو عبيدة فقال :" أشاد الناطق الرسمي بإسم كتائب القسام "" ابو عبيده "" في مواقف الشعب الأردني الجار والذي تعتبره المقاومة الجسد والروح المكمل لجسد وروح المقاومة , وصاحب أطول حدود مع العدو الصهيوني ,

وحيا الناطق باسم كتائب القسام الوقفه الشجاعه والمستمره والتضامن من الشعب الاردني تجاه الاهل في فلسطين وفي غزه ومقاومة غزه ". انتهى الاقتباس

من جانب اخر فإنني اعتقد أن شهامة الأردن ملكا وشعبا وضعت في أحيان كثيرة بإطار خاطئ من أناس أرادوا تبرير عجزهم وعدم رغبتهم بمساعدة الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة.

فقد تجاوز الأردن الجغرافيا البعيدة نسبيا مع غزة والفاصل الإسرائيلي بين الأردن وغزة وسير قوافل المساعدات دائما وبدون انقطاع .

قصة أخيرة سأرويها عن سيدة فاضلة من الكرك في الأردن " أي ليست من أصول فلسطينية مع احترامي للجميع وزوجة وزير أردني سابق وقعت على الأرض في بيتها وبقيت تتألم ورفضت أن تذهب للمستشفى بعد إلحاح زوجها وأولادها فقالت لهم :" إنني اخجل أن اذهب للمستشفى الآن .. كيف اذهب كي أتعالج في المستشفى والمستشفيات الأردنية تعج بجرحى غزة .. هل يترك الأطباء المصابين والجرحى من غزة كي يعالجوني أنا .. إنني اخجل من نفسي أن يحصل هذا .. اتالم هنا في بيتي واخذ العلاج من طبيب ولا أعالج بدلا من جرحى غزة "..

ألا ترون في هذه القصة والتي لم اذكر اسم زوجها الوزير السابق والشخصية المعروفة في الأردن أن أخلاق البادية الجميلة والشهامة العربية هي التي تحكم الأردن ملكا وحكومة وشعبا ؟.

 


 


التعليقات