عاجل

  • مجمع ناصر الطبي: شهيد ومصابون إثر قصف من مسيرة إسرائيلية على فلسطينيين وسط خان يونس

  • مصادر محلية: إصابات باستهداف طائرات الاحتلال مخيما للنازحين في شارع الصناعة جنوب غرب مدينة غزة

ماذا جرى للجيش الإسرائيلي في حرب غزة .. هزائم مريرة

ماذا جرى للجيش الإسرائيلي في حرب غزة .. هزائم مريرة
بقلم : عبدالله عيسى

استطاع قادة إسرائيل تحميل مأساة اليهود على يد النازية للفلسطينيين والعرب وان العرب هم النازيون الجدد وان كابوس هتلر قد يتكرر ان لم يبادر الإسرائيلي بالقتل وارتكاب المجازر وغذت الدعاية الإسرائيلية خلال الخمسينات والستينات الدعاية الإعلامية الناصرية عن غير قصد فأوجدت حافزا قويا لدى اليهود للدفاع عن وجودهم في إسرائيل واتقاء شر مجازر سيتعرضون لها على يد العرب ..

كل هذا وغيره اوجد جيلا إسرائيليا انتحاريا يريد الدفاع عن وجوده وحياته ودولته في وجه كلامنجية بعض الإذاعات العربية وعلى رأسهم اذاعة صوت العرب وما فعله الإذاعي المصري احمد سعيد عن جهل.

وفي الوقت نفسه كانت الدعاية العربية تردد ان اليهودي جبان وإذا بهذا الجندي الإسرائيلي الجبان  يهزم ثلاثة جيوش عربية في ستة أيام !!!

أي كانت الدعاية العربية والتوجيه المعنوي العربي يرسخ في ذهن الجندي العربي أن أمامه عدو جبان سيهرب عند سماع صوت أول قذيفة مدفعية أو طلقة رصاصة على طريقة غوار الطوشة في مسرحية ضيعة تشرين عندما أرسل المختار جيشه لدحر الحرامي وهو يهتفون :" يا حرامي اقرأ الفاتحة على روحك وتشهد ". ..بينما ذاكرة الجندي العربي تختزن صورة الوحش للجندي الإسرائيلي الذي لايهزم .

أسباب الهزيمة المرة في عام 67 كثيرة ولكن كما ذكرت أعلاه إنني استعرض الجانب المعنوي فقط وتأثيراته .

بعد حرب 67 تغيرت الصورة والمفاهيم المعنوية لدى الجيوش العربية فأعادت جميعها بناء جيوشها على أسس علمية عسكريا ومعنويا وأبعدت الخزعبلات عن جنودها وضباطها وأعادت تأهيلهم عسكريا وعلميا بسرعة قياسية وكانت البداية في معركة الكرامة في أغوار الأردن فتحقق الانتصار العربي العسكري الأول منذ عام 48 وتبعتها حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية وكان الجيش المصري متعطشسا لخوض اي معركة حقيقية ضد اسرائيل للثار من جرائم اسرائيل في حرب 67  ثم حرب أكتوبر المجيدة على الجبهتين المصرية والسورية ومنذ انتصار معركة الكرامة الأردنية الفلسطينية عام 1968 لم يخسر العرب معركة أو حربا ضد إسرائيل قط حتى الآن .. الانتصارات كانت محدودة ولم تكن حاسمة لدحر إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 67 وهي قطاع غزة والضفة الغربية وسيناء والجولان والتي في جزء منها مثل سيناء تم تحرير جزء منها بالقتال والجزء الآخر بالمفوضات وهذا شان الضفة وغزة وبقيت الجولان محتلة.. الا ان تكرار هزيمة 67 اصبح مستحيلا لغاية الان .

واعتقد أن من الأسباب المهمة في تحقيق الانتصارات العربية المتتالية هو تغير نظرة العربي السابقة الخيالية للجندي الإسرائيلي واصبحت النظرة موضوعية على أن الجندي العربي يواجه في الجبهة جنديا إسرائيليا قد يكون جبانا أو شجاعا أو مجرما قاتلا يرتكب مجازر وهذا هو الإسرائيلي إنسان كأي إنسان اخر في العالم به كل نوازع البشر من خير وشر .. من خوف وشجاعة .

الإسرائيلي تغير أيضا بعد حرب 67 فلم يعد الجندي الإسرائيلي مقتنعا بمقولة وزير الدفاع الإسرائيلي " موشي ديان " عندما أعلن بعد حرب 67 أن " الجيش الإسرائيلي لا يقهر ".

من جانب اخر لعب أبو عمار دورا أساسيا وهذه حقيقة للتاريخ لا نقاش فيها في خلخلة كل مفاهيم الجيش الإسرائيلي ورفع الروح المعنوية العربية الشعبية والرسمية و على مستوى الجيوش العربية بحرب الاستنزاف التي شنها ضد إسرائيل بإطار الثورة الفلسطينية منذ انطلاقة حركة فتح في عام 1965.

في  نيسان  1982" قبل اجتياح لبنان بشهرين فقط "أقدم الجندي الإسرائيلي هاري غولدمان المتدين على إطلاق النار على المصلين المسلمين في المسجد الأقصى بتحريض من قوى دينية يهودية متطرفة فقتل وجرح منهم العشرات فاعتقلته السلطات الإسرائيلية وأعلنت انه مختل عقليا .

وفي صيف عام 1982 وبعد اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان أرسل شارون في طلب الجندي المعتقل وابلغه رسالة واحدة :" انك كنت تتطلع إلى قتل الفلسطينيين الفرصة أمامك الان أن تذهب مع الجيش في لبنان ".. فرح الجندي بهذه الفرصة وغادر المعتقل إلى لبنان وهناك دارت معارك طاحنة ضد الجيش الإسرائيلي فأصيب الجندي الإسرائيلي ومن مستشفى إسرائيلي روى ما حصل بينه وبين شارون وقال :" عندما دخلت المسجد الأقصى ورأيت المصلين كنت احتقرهم واراهم دون البشر وأطلقت النار عليهم وبعد أن ذهبت إلى لبنان وجدت نوعا اخر من الفلسطينيين مقاتلين أشداء تمكنوا من تدمير دبابتي وتسببوا في قطع ساقي إنني احترم الفلسطينيين الآن ".

هذا الجندي وقصته نموذجا لضحية من ضحايا دعاية وتعبئة معنوية من قوى يهودية دينية متطرفة ولم يدرك الحقيقة إلا بعد أن فقد ساقيه في حرب بيروت .

بعد حرب 48 توجه بن غوريون في 15 مايو إلى صالة سينما في تل أبيب وبدون تردد وكثير من الحسابات وقرف مفاوضات وعلى واشنطن رايحين جايين فأعلن عن إقامة دولة إسرائيل ووضع العالم كله أمام الآمر الواقع بموافقة القوى العظمى مسبقا ولكن وضع باقي دول العالم إمام الأمر الواقع .

وقبل سنوات استفزت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية صحفيا إسرائيليا وقال للفلسطينيين:" يا ناس ارحمونا سكنتم الطائرات أكثر من بيوتكم  وانتم تبحثون عن دولة افعلوا كما فعل بن غوريون وأعلنوا دولتكم .. لا تحتاجون لا كثر من صالة سينما برام الله لإعلان الدولة".

بعد إعلان بن غوروين عن إقامة دولة إسرائيل كانت حدودها مناطق 48 حاليا أو إسرائيل الحالية بدون الأراضي المحتلة عام 67 وخلال السنوات 48-67 قامت كل التحركات العسكرية والاستعدادات العربية بهدف القضاء على إسرائيل ورفض العرب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1949 والذي يقضي بتقسيم حدود إسرائيل الحالية مناصفة بدولتين فلسطينية وإسرائيلية يضاف للدولة الفلسطينية الضفة الغربية وقطاع غزة حيث لم تكن حرب 67 قد وقعت ولم تحتل بعد الضفة وغزة .

الزعيم العربي الأوحد الذي وافق على قرار التقسيم كان الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة وذلك أثناء زيارته التاريخية لمدينة اريحا الفلسطينية في عام 1965والقى خطابا أعلن فيه قبوله بقرار التقسيم الصادر عام 49 والذي يقضي بإقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية داخل مناطق 48 حاليا .. وشرح بورقيبة وجهة نظره أن نأخذ نصف مناطق 48 ونتبع سياسة خذ وطالب وإذا بالإذاعات العربية ولا سيما احمد سعيد يشن عليه هجوما شنيعا ومتواصلا وان بورقيبة عميل صهيوني الخ .

كان قادة إسرائيل منذ عهد بن غوريون يدركون أن أي انتصار عسكري عربي يعني إبادة إسرائيل والى الأبد فوضعوا إستراتيجية احتلال أراضي فلسطينية وعربية جديدة ودائما كي تكون المفوضات على الأراضي المحتلة خارج حدود مناطق 48 ونقل الحروب والصراعات إلى خارج حدود إسرائيل وكانت فرصتهم الذهبية في حرب 67 ومنذ تلك الحرب وحتى الآن على مدى 50 عاما تقريبا ونحن نحارب ونفاوض خارج حدود مناطق 48  .

نجحت فكرة قادة إسرائيل نجاحا باهرا ولكن مأساة إسرائيل أنهم لا يغيرون أفكارهم أبدا فما قاله هرتزل او بن غوريون مقدس لديهم مثل التوراة لا يحيدون عنه .. فشغلوا الجيش الإسرائيلي بحروب متتالية خارج حدود إسرائيل في لبنان ومصر وسوريا والأردن والضفة وغزة والعراق ..

الجندي الإسرائيلي  الذي خاض حربا واحدة دفاعا عن وجوده ودولته وهي حرب 67 " حسب المفهوم الإسرائيلي " تم تضليله  بعد ذلك بعدة مفاهيم أولا انه المنتصر دائما والعرب لا يستطيعون مواجهته في الجبهة والثاني أن ارض إسرائيل من النيل إلى الفرات وهي دعاية وخزعبلات لقوى يهودية دينية متطرفة من اجل تعبئة الجندي الإسرائيلي معنويا ودينيا والثالث اقتل العربي قبل أن يقتلك بالتذكير بضحايا النازية من اليهود .

احد الأسباب المهمة والخفية كان إشغال قادة إسرائيل لشعبهم وجيشهم بحروب متواصلة نظرا لوجود تناقضات شديدة في المجتمع الإسرائيلي وان خلود الشعب الإسرائيلي للراحة والسلام يعني عدم وجود عدو خارجي يجمع الإسرائيليين.

وذات مرة قال رئيس وزراء إسرائيل شامير في جلسة سياسية خاصة بعد أن اجبره بوش الأب على الذهاب لمؤتمر مدريد للسلام :" الحروب نستطيع التعامل معها سواء ضد أبو عمار أو الدول العربية ولكن إقامة سلام شامل يعني دخول الشعب الإسرائيلي في حرب أهلية وبالتالي نهاية دولة إسرائيل والى الأبد ".. وبعد هذا الحديث أعلن شامير :" سنخوض مفاوضات الى الأبد ".

والعبارة الأولى غير المعلنة فيها تفسير لمقولته آنذاك :" مفاوضات إلى الأبد ".

ولكن السؤال هل غير قادة إسرائيل من هذه الأفكار او حادوا عنها حتى الآن.. الإجابة في السياسة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تؤكد لا تغيير ابدا .

السلام بدوره لعب دورا كبيرا بدءا بنبيل شعث ووصولا للعامل الفلسطيني في سوبرماركت او مصنع إسرائيلي .. ويروي نبيل شعث انه وخلال مشاركته في مفاوضات طابا انه لم يستطع احتمال جلوسه مع مفاوض إسرائيلي وكان جنرالا في الجيش الإسرائيلي ويقول :" كنت أتساءل في نفسي وإنا اجلس مقابله من قتل هذا الجنرال من أبناء شعبنا ".

العامل الفلسطيني يجلس ويتعامل مع جندي إسرائيلي وقد يكون زميله في العمل او احد الزبائن وعادة جنود الاحتياط في إسرائيل يعملون في وظائف مدنية .. يتبادلان الأحاديث والسجائر ويكتشفان كل منهما إنسان مثل الأخر ولا يوجد وحوش بينهما .

الجندي الإسرائيلي قاتل بضرواة في معارك وحروب تلت حرب 67 ولكن قناعته بدأت تتغير بفعل الخسائر البشرية التي تعرض لها الجيش الإسرائيلي والقناعات بدأت تتغير ايضا :" ما جدوى كل هذه الحروب التي تشنها إسرائيل وكلها خارج أراضي 48 أي لا يوجد جيوش اقتحمت الحدود وتهدد وجود إسرائيل ". المفاهيم تخلخلت وروايات الجنود الإسرائيليين وخصوصا الجرحى عن حروب خاضوها ومشاهد مقتل زملائهم عجت بها المستشفيات الإسرائيلية والصحافة  مما أدى الى تعزيز تساؤلات الجنود عن جدوى هذه الحروب ولماذا لا يحل السلام مع شعب فلسطيني لا يطالب بأكثر من دولة خارج حدود مناطق 48 بل قال بعضهم " نعيش على ارض واحدة ونتنفس نفس الهواء وعلينا التعايش ". ونلاحظ ان كثير من جنرالات إسرائيل نشطوا بعد انتهاء خدمتهم في الجيش للعمل على تعزيز التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين مثل أبناء إبراهيم وغيرهم .

لم يعد الجندي الإسرائيلي يقاتل بشراسة بل أصبح لا مباليا عند تعرضه لهجوم كما نراه الآن في حرب تموز الفلسطينية من خلال الصور والفيديوهات التي بثتها المقاومة فالمقاومة تستبسل في الهجوم بإمكانات بسيطة عسكريا بينما الجندي الإسرائيلي يرد بقوة نيران ضعيفة ولا تذكر رغم وجوده محصنا داخل منزل وبجوار المنزل اليات ودبابة مركافاة لم تطلق النيران حسب الفيديو الذي بثته المقاومة الفلسطينية .. الكثير من الناس تساءلوا ماذا جرى للجندي الإسرائيلي ؟؟.

الفيدو الذي بثته كتائب القسام لاقتحام نقطة عسكرية اسرائيلية خلف الخطوط والذي اثار زوبعة في اسرائيل ذاتها حول سلبية الجنود الإسرائيليين في مواجهة الاقتحام الفلسطيني اثار بقوة : ماذا جرى ؟

اعتقد ان الجندي الإسرائيلي لم يعد لديه قناعة أبدا بخوض هذه الحروب التي لاتنتهي لكل الأسباب التي ذكرتها أعلاه والسبب الأهم أن حروب الجندي الإسرائيلي أصبحت مكلفة بشريا منذ معركة الكرامة عام 1968 ..  وكل حرب مهما كانت محدودة تخوضها إسرائيل تعود بقتلى وجرحى وأسرى في لبنان أو غزة .

إسرائيل عملت بلا كلل لحل هذه المشكلة على طريقتها طبعا بتوفير كل وسائل الرفاهية لجيشها واحدث الأسلحة  والامتيازات أثناء الخدمة العسكرية وبعدها ولكن ما فائدة كل هذا أمام مقاومة باسلة  فأصبح المقاتل الفلسطيني وكذلك اللبناني مشحونا بقوة هائلة من الرغبة بالانتقام لما يرتكبه الجيش الإسرائيلي من مجازر في الحروب .

وكما حصل في حرب تموز الفلسطينية فقد لجات اسرائيل لاسلوبها المعروف بارتكاب المجازر ضد المدنيين لرفع معنويات الجيش والشعب الاسرائيلي ولاخفاء حقيقة الهزيمة العسكرية المرة التي تكبدتها بقطاع غزة .

المعروف أن الجندي الإسرائيلي يستخدم أسلوب كثافة النيران في حروبه وتوغلاته ولكن في حرب غزة الأخيرة لوحظ أن الجندي الإسرائيلي كان مهاجما غزة وكأنه هارب منها ومن الواضح انه دخل حربا حسم نتيجتها سلفا بالهزيمة بريا .. وفي كل الحروب من يحسم الحرب على الأرض هو القوات البرية مهما كانت سطوة الطيران .

وفي إسرائيل نظمت تظاهرات خلال حرب تموز ضد الطيارين الإسرائيليين  الذين يقصفون المدنيين بغزة فسال مذيع إسرائيلي احد الطيارين المقاتلين سؤالا محددا:" هل تنام ليلا بعد ان تدمر منزلا على من فيه من السكان بغزة ".. ارتبك الطيار وصمت قليلا ثم قال نعم أنام لانها أوامر .

الحقيقة التي أراها عاجلا أم آجلا ان الجيش الإسرائيلي مقبل على تفككات وانهيارات وتصدعات داخلية حتى وان لم تكن ظاهرة ولكنها سترى بوضوح وبالعين المجردة من خلال هزائم مريرة سيواجهها الجيش الإسرائيلي في أي حرب قادمة بغزة أو لبنان أو في مواجهة أي دولة عربية .

أصبحت المشكلة الكبيرة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في قواته البرية لأنها الأكثر خسارة بشريا في الحروب وبالتالي تستطيع إسرائيل استخدام الطيران ولكن لن تستطيع احتلال أي ارض عربية .. وتجربة تموز الفلسطينية ما تزال حاضرة وواضحة .

التعليقات