متحف اللوفر .. الاكبر والاجمل في العالم

متحف اللوفر .. الاكبر والاجمل في العالم
باريس – دنيا الوطن- د. جمال المجايدة :

زيارة باريس لاتكتمل بدون جولة في متحف «اللوفر» , فهذا الصرح الباريسي الذي يستقبل  ستة ملايين زائر سنويا هو رئة العالم التي يتنفس بها المرء ايا كان انتمائه الثقافي او الحضاري , فالمتحف الاكبر في العالم هو ذاكرة كل الحضارات الحية لانه يكتنز اهم اثار الحضارات الانسانية من فرعون وبابل وحتي يومنا هذا .

غير ان الزيارة تبدأ من جناح الموناليزا وليس من أي موقع اخر , هذا مافرضته علي مطالب اولادي احمد ومحمد ولما وزوجتي خلال رحلتنا الي باريس لانهم كانوا اكثر شوقا مني لرؤيتها اللوحة الاغلي والاكثر غموضا في التاريخ  , ولذلك فان اكثر من مائة الف شخص يتوقفون عند هذه اللوحة يوميا في محاولة لمعرفة سر الابتسامة الغامضة .

فهوية المرأة التي رسمها ليوناردو دافنشي في اللوحة الاكثر شهرة في العالم حيرت عشاق الفن على مدى قرون، ولكن المؤرخة ماجدالينا سوويست تقول انها تمكنت اخيرا من حل هذا اللغز وعرفت الاجابة عن هذا السؤال.

الموناليزا على حد زعمها هي الكونتيسة كاترينا سفورزا وخلف تلك الابتسامة الملائكية تختبيء روح امرأة مخيفة.

لقد كان للكونتيسة ثلاثة ازواج و11 طفلا والعديد من الاصدقاء الذكور الى حد ان المؤرخين ينظرون اليها باعتبار انها اشهر محظية او مومس يتردد عليها اثرياء ايطاليا خلال عصر النهضة.

وكان لها تأثير سياسي كبير فعندما كانت في الحادية والعشرين من عمرها وحامل بأحد اطفالها ساعدت كاترينا زوجها في السيطرة على مدينة فورلي. وبعد قتله في ثورة تمردية، تسلمت السلطة وحكمت البلاد بيد حديدية.

وعقب مقتل زوجها الثاني في صراع سياسي على السلطة ايضاً خاضت الكونتيسة حربا دموية انتقامية ضد اعدائها.

لكن لحظة سقوطها حانت عندما ضبطت اثناء تخطيطها لتسميم البابا الكساندر السادس وتم نفيها الى مدينة فلورنسا حيث رسمها دافنشي وبقيت صاحبة الابتسامة الغامضة مثار عشق اجيال متعاقبة من الناس.

وقد جلست امام ريشة الفنان الشهير حينما كانت في الاربعين من عمرها اي قبل ست سنوات من وفاتها من مرض الكبد وهو احد التأثيرات الناجمة عن حياتها النشطة الحافلة بالاحداث . يقول  هنري لواريت، مدير  متحف اللوفر، البالغ من العمر 49 عاما عندما و اصغر مديري متحف اللوفر منذ تأسيسه عام 1793  انه عمل مع 2000 شخص من المساعدين لنقل  لوحة  "موناليزا" سيدة المتحف بدون منافس، في ظل تدابير امنية هائلة، 

ويأمل الكثيرون ان تجد موناليزا في الجناح الايطالي باللوفر مكانها النهائي، لانها تنقلت كثيرا منذ حملها ليوناردو دافنشي عام 1517 بدعوة من فرنسوا الاول الى فرنسا اشتراها الملك عام 1518 وعرضت في المقر الملكي في فونتانبلو ثم في اللوفر وفي فرساي ثم وضعها نابليون في غرفته في تويري عام 1800 قبل ان تستقر في متحف اللوفر عام 1804 وقد سرقها احد الايطاليين من هذا المكان عام 1911 لاعادة «رائعة الروائع» الى بلدها، والقي القبض عليه عندما طلب مقابلة مدير متحف الاوفيس في فلورنسا، واحتفي بعودة الموناليزا الى باريس في 11 ديسمبر 1913 بعد ان عرضت في فلورنسا وروما وميلانو.

بين 1939 و 1945 نقلت من باريس خمس مرات وخبئت في خمسة اماكن مختلفة. ونقلت الى الولايات المتحدة باحتفاء رهيب بوضع صحي ممتاز فلن تخضع لاي عملية ترميم خلال رحلتها الاخيرة ولن يحرم الجمهور من رؤيتها بعد الان .

سر الابتسامة الغامضة :

تقول عالمة اميركية إن سر الابتسامة الغامضة والمحيرة للوحة الموناليزا الشهيرة يكمن في أنها تتلاشى وتختفي عندما يتم تركيز النظر على الوجه مباشرة. وتشير البروفيسور مارغريت ليفينغستون من جامعة هارفرد الاميركية إلى أن ابتسامة الموناليزا تصبح أكثر وضوحا وبروزا عندما يحيل الناظر عينيه إلى اجزاء اخرى من اللوحة. وتقول ليفينغستون إن الابتسامة تختفي عندما يركز الناظر على الوجه بسبب الطريقة التي تعالج بها العين البشرية المعطيات البصرية التي تصلها من الخارج. وتستخدم العين البشرية نوعين من التقاط الصور البصرية، وهما النظر المباشر والنظر غير المباشر. وطريقة النظر المباشر ممتازة في التقاط التفاصيل، لكنها غير صالحة لالتقاط درجات الظل والمساحات المتدرجة للألوان. وفي هذا تقول البروفيسور ليفينغستون إن غموض ابتسامة الموناليزا يمكن شرحه من خلال كونه قابلا للالتقاط على موجات منخفضة التردد بصريا، ولهذا من الافضل أن ينظر إلى اللوحة بالطريقة غير المباشرة للنظر.

الفلك والتنجيم الاسلامي

ومن الاشياء اللافتة للانتباه في متحف اللوفر الجناح الذي يبرز تطور علمى الفلك والتنجيم فى العالم الاسلامى منذ القرن الثامن الميلادى  , وتشرف عليه ادارة الاثار الاسلامية والشرقية فى متحف اللوفر ويتناول تطور علمى الفلك والتنجيم فى الاسلام منذ بدايتهما.

ويضم مجموعة من القطع الاثرية من عدد من الدول الاسلامية تشمل كتبا فلكية قديمة ودراسات علمية وادوات القياس ومجسمات للكرة الارضية وعددا من الادوات التى كانت تستخدم فى ذلك الوقت مزينة باشكال فلكية. وعرضت المجموعة فى ثلاث غرف بجناح ريشيليو التابع للمتحف وتبدأ من مولد ابحاث الفلك فى الاسلام والتى كانت معروفة لدى البدو الذين كانوا يراقبون السماء للاستدلال على الاتجاهات.

ويظهر المعرض كيف شجع الاسلام البحث فى هذا العلم بسبب الحاجة الى الدقة فى تحديد اتجاه الكعبة فى مكة المكرمة اضافة الى تحديد مواقيت الصلاة ومعرفة بدء شهر رمضان المبارك.

ويوضح كيف اعتمدت اوروبا والعالم الغربى على الحضارة الاسلامية فى التقدم الذى اظهره علماؤها الذين اكملوا عمل الاغريق وزادوا عليه وبخاصة فى مجال علمى الفلك والتنجيم .

وأدى التطور الهائل فى العالم الاسلامى خلال تلك الحقبة الى العديد من الاكتشافات منها (الاصطرلاب) الذى استخدم فى تحديد مواقع النجوم بصورة دقيقة والذى كان يستفاد منه بشكل كبير اثناء الابحار واستخدمه الاوروبيون ابان عصر النهضة.

وخصص قسم فى الجناح لعرض كتب علم الفلك من المراكز الاسلامية التى عرفت انذاك مثل سمرقند ومراكش والاندلس والتى تعتبر دليلا على تقدم المسلمين واهتمام الولاة فى تطوير هذه العلوم. وتظهر الكتب المعروضة وصفا للاماكن والعمل الذى مارسه العلماء والادوات التى استخدموها فى ملاحظاتهم اضافة الى نظرياتهم والقياسات الفلكية التى قاموا بها

تاريخ مصر القديم في اللوفر :

الجناح الفرعوني في اللوفر اتاح لي التعرف علي تاريخ مصر القديم اكثر مما شاهدت وسمعت في المتحف القومي بالقاهرة ويدور حول اربعة موضوعات أساسية هي: العيش والابداع والاعتقاد والموت، وهو ثمرة لاكثر من ثمانين عاماً من البحث الاثري في دير المدينة الاسم الحالي لمنطقة مجاورة لطيبة كان يقيم فيها الحرفيون الذين شيدوا وزينوا المقابر الفرعونية في وادي الملوك ما بين عامي 1550 و1069 قبل الميلاد.

في هذه المنطقة، حيث يوجد نحو 60 منزلاً، عاش وعمل حرفيو السلطة والعائلات التي قامت ببناء القصور والقبور لجميع فراعنة «الامبراطورية الحديثة» من احمس محرر الوادي وحتى رمسيس التاسع اي ملوك الاسر الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين.

وظلت هذه المنطقة مطمورة تحت الرمال منذ ان هزم آخر الرعامسة وحتى عام 1811 حين عثر القنصل الفرنسي في مصر، بيرناردينا دروفيت، على المكان وبدأ يزوره وفي عام 1917 تولى المعهد الفرنسي للآثار الشرقية المسألة، وأطلق سلسلة تنقيبات منتظمة تأخرت لسنوات عدة في اكتشاف السر الأصلي للبلدة وصفتها كمكان متخصص. والاثر الاول لتفرد هذه المنطقة يوحي به تزايد قطع الجير والصلصال المطبوخ التي تظهر فيها تعليقات شخصية ورسوم تخطيطية ومسودات وتصميمات اولية لما تحول لاحقاً الى عمل مهيب، حيث يمكننا رؤية رسم لفأر مترف يخدمه قط متواضع.

(ربما كانت منحوتة رمزية سياسية بقصد الهجاء) او انها قصيدة حب تريد ان تقول: «رغبت بوضع نفسي في الماء وانا استحم امامك كي ترى جمالي يتدفق عبر جلباب كتاني شفاف ومشرب بخلاصات العطر وشعري متوج بالأسل». ويظهر في حالات اخرى رسم منقح مرات عدة ورسم هزلي لناسخ او تفسير بسيط لمادة مقارنة.

وفي بردية ادارية تعود الى عام 1189 قبل الميلاد يبدو انها كانت معروفة جيداً خصوصاً بالنسبة لناسخ يدعى اميناخت، يشرح لسيدة رمسيس الثالث ان بناء جبانته سيتأخر لان العمال «اما اوقفوا عملهم او غادروا مكان الاقامة المخصص لهم بشكل اداري».

لكن لماذا؟ يوضح اميناخت الامر بقوله لان «التأخير في تسليم حصص الطعام المقررة تجاوز الثمانية عشر يوماً» وهذا يعني اضراباً وهو الاول من نوعه في تاريخ العالم برمته.

 في الجناح الفرعوني الذي يصور تاريخ مصر القديم في اللوفر تكشف لنا البرديات  النقاب   عن الاسباب التي تبرر الكثير من الخسارات المؤقتة للعمال ( الفراعنة ) , السكر او ضرورة بناء المنزل الخاص او رد الجميل لزعيم آخر او لدغة عقرب والعقارب موجودة في المنطقة، او مرض او لأن الزوجة لديها متاعب صحية او ان الام مريضة او الابن في السرير، بالاضافة الى دوافع دينية ومأتمية اخرى. لكن الاشياء الفنية لا تخلو من الدلالات ايضاً، حيث لا يقتصر كل شيء على تلك المفكرة للحياة قبل 3500 عام. فالتابوت المرسوم بامرأة تدعى مادجا ـ تضمنت بلدة الحرفيين جبانة كبيرة خاصة بهم اكتشف فيها قبور ذات زينة جميلة جداً ـ والمنحوت من جذع شجرة والمزين، بأسلوب متقن، برسم ذي الوان حية جداً وبالأكواب والتماثيل والجرار.. كل ذلك يتحدث عن حضور لا يقتصر على العمل الوظيفي وانما يعرف تماماً ما معنى الحلم ورضى الروتين.

 اجراءات امنية :

علي الرغم من اختفاء الطوابير الطويلة علي مداخل اللوفر امام قبة الهرم الزجاجي الخارجية ام المداخل الاخري علي عكس ماشاهدناه في الزيارات السابقة الا ان الاجراءات الامنية المشددة تبعث علي الاستياء في بعض الاحيان , ورغم ذلك يقر المسؤولين في المتحف   بأن اجراءات الأمن فيه بعيدة عن الدقة والأحكام بحيث ان سرقة تحفة من تحفه البالغة 320 ألف عمل فني وابداعي تعد أسهل من سرقة بضائع في محال السوبر ماركت .  ويقال ان مدير المتحف امر بهذه الاجراءات بعد سرقة لوحة للفنان كاميل كورو تعود إلى القرن التاسع عشر, خرج بها اللصوص من المتحف على الرغم من وجود 900 كاميرا و 200 حارس في المتحف. ويعمل الخبراء في الوقت الراهن على اعداد خطط أمنية محكمة لمتحف اللوفر بما في ذلك استخدام أجهزة مقاومة للسرقة كالمستخدمة في متاجر السوبر ماركت العملاقة, وكذلك أجهزة تطلق اجراس الانذار بمجرد لمس التحفة المعروضة, ومحاولة ازالتها من موضعها. وقال كريستوف موتان مدير الاتصالات في اللوفر ان المتحف الذي يضم أكثر من أربعمائة قاعة عرض ويزوره ستة ملايين زائر سنويا هو قلعة عمرها 800 عام وتصعب حراسة أماكن عديدة فيها لأنها لم تعد أصلا كمتحف, وهناك العديد من الاركان التي لا يمكن تغطيتها جيدا بالكاميرات والمبتكرات الحديثة. وأشار إلى ان مشروع اللوفر العظيم الذي حظي برعاية الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران وتكلف ستة مليارات فرنك فرنسي لتجديد المتحف وتوسعته وجعله احدى عجائب فرنسا بما في ذلك الهرم المصنوع من الصلب والزجاج الذي يشكل مدخلا وساحة عرض في الوقت نفسه لم يشمل مخططا متكاملا ومنسقا للاجراءات الأمنية للمتحف وهو ما يجب تداركه بصورة فورية .

وعلي الرغم من ذلك لايجد الزائر غضاضة في قضاء يومين او ثلاثة في اروقة المتحف العظيم وهو يتجول بين الاجنحة والطوابق والقاعات الملكية الفارهة ووسط اثمن تحف فنية علي وجه الارض ابتدعها الانسان من العهد الفرعوني والاشوري والبابلي وحتي ابداعات عصر النهضة الاوروبية التي اشاعت بريق الفن والامل الي كافة ارجاء المعمورة .


التعليقات