حرب حماس وقصة الصواريخ

حرب حماس وقصة الصواريخ
بقلم : عبدالله عيسى

في أواخر السبعينات انشغل أبو عمار بتزويد الثورة الفلسطينية في لبنان بأسلحة رادعة للطيران الحربي الإسرائيلي الذي كان يستبيح لبنان يقصف ويدمر بلا هوادة فكان سلاح صواريخ الكاتيوشا الذي حول فعلا حياة المستوطنين في الجليل " شمال إسرائيل " إلى جحيم وعملت كل الفصائل على ابتكار كل وسائل المقاومة فكان الابتكار الأهم هو سلاح الطيران الشراعي والمناطيد واهتم أبو العباس  أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية " جدا بهذه الأفكار والتقط الفكرة القائد خليل الوزير " أبو جهاد " وشجع أبو العباس على تطوير وسائل المقاومة المبتكرة .

قوبلت تجارب أبو العباس الأولى التي أجراها في معسكراته في لبنان وسوريا ولاحقا في ليبيا بالسخرية في أوساط الثورة الفلسطينية ولكن بعد ان نجحت الفكرة وأصبح الطيران الشراعي سلاحا فعالا في المعركة انحنى الجميع احتراما للشهيد أبو العباس .

في عام 1982 قرر شارون احتلال لبنان للقضاء على صواريخ الكاتيوشا التي كانت تقصف الجليل في عملية عسكرية واسعة النطاق وأطلق على الحرب الاسم الكودي " عملية سلامة الجليل ".

واعتقد أن صواريخ الكاتيوشا الفلسطينية دفعت صدام حسين للتفكير في استخدام صواريخ سكاد في حربه ضد إيران ولعبت تلك الصواريخ فعلا دورا أساسيا في إرغام إيران على قبول وقف إطلاق النار بعد 8 سنوات من الحرب المدمرة وقد استخدم صدام صواريخ قام بتطويرها لمسافات بعيدة تتراوح ما بين 500 – 1000 كيلومتر وهي صواريخ الحسين والعباس .

وقد حولت صواريخ صدام المدن الإيرانية إلى مدن أشباح مما جعل إيران تقبل وقف الحرب بعد رفض استمر سنوات .

وخلال فترة الثمانيات كانت الدول تتابع وترقب المشهد العراقي - الإيراني في الحرب فتلقفت سوريا الفكرة واتجهت الى تأسيس وتطوير ترسانة صاروخية ..

وقامت سوريا بتزويد حزب الله بترسانة صواريخ استخدمها في حرب تموز 2006 والتي أبهرت العالم العربي بنجاحها حتى أن زعماء عرب معتدلين لا يقيمون أي علاقات مع حزب الله أشادوا بتجربة حرب تموز فقال زعيم عربي :" إذا كان حزب الله بمثل هذه الصواريخ فعل ما فعله بإسرائيل في حرب تموز وهو حزب لا يمتلك شيئا يذكر فكيف بنا .. حرب تموز أثبتت أن إسرائيل أكذوبة ".

حرب تموز فتحت عيون حماس بغزة على استخدام سلاح الصواريخ وبدأت رحلة مريرة لامتلاك السلاح الصاروخي وبدأت بقذائف الهاون وكانت عديمة التأثير مجرد قذائف صوتية تسقط أحيانا في مناطق زراعية خالية قرب مستوطنات إسرائيلية محاذية لغزة وفي أحيان كثيرة كانت قذائف الهاون تسقط على رؤوس السكان بقطاع غزة عندما تنحرف القذيفة عن مسارها وكثيرا ما كانت تنحرف حتى في البدايات عندما كان يسمع صوت إطلاق قذائف هاون يهرب السكان الفلسطينيين قبل الإسرائيليين .

البدايات كانت فعلا بدائية وتعرضت هذه البدايات للسخرية والتندر كالعادة كما حصل مع طائرات أبو العباس في لبنان .

وكثير ما كانت قذائف الهاون تنفجر أثناء تصنيعها محليا بغزة وسقط شهداء كثيرون نتيجة لهذه الأخطاء إضافة لملاحقة الطيران الحربي للمصنعين بالقصف والاغتيال .. لم تتشكل قوة صاروخية في العالم بمثل هذا العدد من الضحايا من المصنعين فكل قذيفة أو صاروخ كان يتم تصنيعه يقابله عدد من الشهداء .. رحلة دموية مريرة ما زالت مستمرة حتى الآن وان كانت أخطاء التصنيع قد انتهت تقريبا .

خاضت حماس ثلاثة حروب حتى الآن في اعوام 2008 و2012 والثالثة الحالية 2014 .. ونلاحظ التطور النوعي في الحروب الثلاثة ونرى أن الحرب الثالثة اشد وأكثر عنفا وتطورا على مستوى صواريخ حماس .

وعند المقارنة بين حرب تموز التي خاضها حزب الله نجد أن حماس تفوقت تفوقا ساحقا لأسباب أن حزب الله استخدم تكتيكات عسكرية وسياسية ورغم فارق الإمكانات بين حزب الله وحماس حيث أن حزب الله كان وما زال يمتلك ترسانة صاروخية مخيفة ولا تقارن بإمكانات حماس ولكن حزب الله خاض الحرب لشهر كامل وهو يهدد بان يضرب ما بعد حيفا " أي تل أبيب ولم يذكر تل أبيب بالاسم " وبقي سنوات يتحدث عن ضرب ما بعد حيفا حتى أعلن السيد حسن نصرا الله قبل عامين أن ضرب بيروت والضاحية الجنوبية سيقابله ضرب تل أبيب .

حماس في الحرب الثانية حرب الثمانية أيام سارعت بقصف تل ابيب والقدس في نهاية أيام الحرب أما في هذه الحرب لم تضيع وقتا .. بدأت الحرب بقصف تل أبيب والقدس ثم حيفا وأخيرا مدينة ديمونا " حيث المفاعل النووي الإسرائيلي ديمونا ".. بمعنى اخر لا خطوط حمراء عند حماس بل حطمت كل الهالة الإعلامية الإسرائيلية حول خطوط حمراء إسرائيلية ان تم تجاوزها ستحصل الكارثة .

على مدى 60 عاما من الصراع العربي الإسرائيلي لم تتعرض إسرائيل لقصف صاروخي لمدنها الرئيسية والعمق الإسرائيلي الا في 3 حروب أو حالات .. الأولى عندما قصف صدام حسين تل أبيب ب 39 صاروخا في عام 1991 والثانية حرب تموز التي خاضها حزب الله والثالثة حروب حماس الثلاثة .

للحرب الثالثة التي تخوضها حماس الآن ما بعدها .. ولن تمر مرور الكرام على المنطقة العربية .. من يؤيد حماس أو لا يؤيدها له رأي يحترم وانا هنا أرى معطيات قادمة على المنطقة واضعها بحيادية بين يدي القارئ .

حماس أنهت أسطورة إسرائيل التاريخية منذ 60 عاما خلال حرب عام 2014 وكما أحدثت حرب حزب الله في تموز تحولا في تفكير القادة العرب بل أن تحول سوريا ودول عربية معتدلة إلى قوة صاروخية ضاربة بما فيها ايران يعود إلى نجاح حزب الله وانتصاره .

حماس استطاعت فعلا تدمير أسطورة إسرائيل على عدة مستويات : الأول على المستوى الرسمي العربي وتحديدا الجيوش العربية  إضافة لإيران وحزب الله التي تدرس بالتأكيد وتتابع بدقة سير الحرب وبتفاصيل عسكرية بحته نقاط الضعف والقوة في الصواريخ الحمساوية ونقاط الضعف والقوة في إسرائيل والقبة الحديدية . وبالتالي أتوقع أن تطور الجيوش العربية ترساناتها الصاروخية حيث ان حماس وفرت لهذه الجيوش فرصة اختباريه نادرة لقدرات الصواريخ " فجر الإيرانية الصينية الصنع " والقبة الحديدية ..

المستوى الثاني : انهيار أسطورة إسرائيل في الشارع الفلسطيني والعربي مما سيفتح أذهان حركات مقاومة وحركات إسلامية على تركيز اهتمامها على ضرب واستهداف إسرائيل بدون حسابات كثيرة لرد فعل إسرائيلي .

المستوى الثالث : رد فعل شعبي عربي ساخط على أنظمة تمتلك أقوى أنواع الأسلحة سيضع الجيوش العربية في موضع اتهام بالتخاذل .

أي أن الجيوش العربية ستواجه أزمة ثقة مع المواطن العربي وإسرائيل أصبحت في وضع حرج للغاية بعد ان أظهرتها صواريخ حماس بموقف العاجز تماما .

التعليقات