انتفاضة قادمة في اسرائيل من بيت إلى بيت

انتفاضة قادمة في اسرائيل من بيت إلى بيت
بقلم: عبدالله عيسى

إسرائيل مقبلة على مفاجآت لم تعهدها في تاريخها في مناطق السلطة وداخل إسرائيل وخارجها فقد أصبحت محاصرة بكم هائل من الأعداء وجميعهم غير تقليديين لم يسبق لإسرائيل التعامل معهم باستثناء المقاومة الفلسطينية بغزة وحزب الله في لبنان ومع هذا يبدو أن إسرائيل ما تزال عاجزة أيضا عن التعامل مع غزة ولبنان والعدو الجديد القادم بسرعة قياسية هو داعش .

أي أن دولة عظمى بمثل إمكانات أمريكا وروسيا لا تستطيع الوقوف أمام كل هؤلاء الأعداء والتهديدات الخطيرة والتي لا تهدد إسرائيل بهزيمة نكراء فقط وربما يتهدد وجودها ايضا .

منذ سنوات طويلة كان أبو عمار يراهن على ما اسماه بالقنبلة الذرية الفلسطينية " بضم الذال" أي القنبلة السكانية أو البشرية وكان لفترة يتحدث في جلساته واجتماعاته عن هذه القنبلة التي ستدمر إسرائيل في النهاية أو على الأقل تجعلها ترضخ للحقوق الوطنية الفلسطينية كأخف الضررين لإسرائيل .. وللتاريخ فان الشيخ عبدالله نمر درويش احد قادة الحركة الإسلامية في إسرائيل كان أكثر المتحمسين لهذه النظرية وكان يشدد عليها في لقاءاته مع أبو عمار بغزة ورام الله .

وفي إحدى الاجتماعات تحدث أبو عمار عن القنبلة البشرية الفلسطينية وروى حادثة نشرتها الكاتبة الفلسطينية " ليانة بدر زوجة القيادي ياسر عبد ربه " في كتابها أن الجيش الإسرائيلي ذهب لاعتقال شاب فلسطيني في منزله وفتحت سيدة فلسطينية " أم الشاب " الباب فسألها الضابط أريد ابنك ولم يذكر الاسم .. فنادت السيدة على أولادها فخرجوا للباب وكان عددهم يصل إلى 12 شخصا وسالت الضابط أيهم تريد ..ذهل الضابط الإسرائيلي وسألها :" كلهم أولادك ما هذا ؟" قالت نعم هؤلاء أولادي ستأخذ واحدا ويبقى عندي 11 ولدا .

ويعلق أبو عمار بأسلوبه الساخر المعتاد فيقول :" المرأة الفلسطينية هي القنبلة البشرية فالإسرائيليين لا يميلون للإنجاب وعادة المرأة الإسرائيلية تنجب ولدا أو اثنين بينما المرأة الفلسطينية إن رمى عليها زوجها البنطلون حملت منه  فهي امرأة ولادة لهذا الشعب العظيم الذي سينهي الجبروت الإسرائيلي"!!.

الانطباع الذي كان سائدا ان عرب 48 نسيا منسيا والحديث عنهم بالإطار الوطني المقاوم كان من نافلة البقول ومستهجنا أحيانا كثيرة لان النظرة العامة بأنهم حصلوا على الجنسية الإسرائيلية وبعضهم خدموا في صفوف الجيش الإسرائيلي وخاصة  بعض أبناء الطائفة الدرزية وبعض العرب من الطوائف الأخرى وان كان العدد قليلا مثل بعض أبناء النقب والذين خدموا في حرس الحدود " كقصاصي اثر ".

وقد حاول الشاعر الفلسطيني سميح القاسم تفنيد ما أشيع عن أبناء الطائفة الدرزية بسبب خدمتهم في الجيش الإسرائيلي وحدثني كثيرا حول هذه المسالة التي ضخمها البعض وأنكر نضالات أبناء الطائفة الدرزية بحجة خدمة بعض الدروز في الجيش وتناسى نضالات الطائفة في الجولان المحتل وفي الوسط العربي .

وفي عام 1976 حدثت المفاجأة الأولى لإسرائيل عندما انتفض عرب 48 ضد إسرائيل بصحوة عجيبة ودخلوا في صدامات دامية مع الشرطة الإسرائيلية في كافة البلدات العربية في إسرائيل من الجليل في الشمال إلى النقب في الجنوب وحتى أن بعض شبان الضفة توجهوا إلى مناطق 48 للمشاركة مع إخوانهم رغم أن الانتفاضة امتدت للضفة ..واستشهد شاب من نورشمس بطولكرم في تلك الأحداث التي سميت بيوم الأرض والذي ما زلنا نحتفل به حتى يومنا هذا في 30 اذار من كل عام وكان عدد شهداء يوم الأرض ستة .

ومنذ 30 اذار 1976 لم تهدا الضفة وغزة رغم أن مناطق 48 هدأت بعد تلك الأحداث الدامية والتي وصفها في حينها وزير الداخلية الإسرائيلي بأنها :" يوم اسود في تاريخ إسرائيل ".

كانت شرارة انتفاضتي الضفة وغزة الأولى والثانية قد اندلعت من مناطق 48 واستمرت المناوشات ضد قوات الاحتلال في الضفة وغزة حتى اندلعت الانتفاضة الأولى عام 1989 والثانية عام 2000 " انتفاضة الأقصى ".

وخلال الفترة الممتدة من عام 1976 وحتى الآن جرى في النهر مياه كثيرة في مناطق 48 فقد ظهر جيل جديد مشبع بالوطنية والحماس والاندفاع بعد أن عاصر صواريخ صدام وصورايخ حزب الله وصورايخ المقاومة بغزة وانتفاضتين في المناطق الفلسطينية في الضفة وغزة وشاهد على شاشات التلفزيون والانترنت القمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين ولعبت الأحزاب العربية والإسلامية واليسارية والوطنية دورا  بارزا ومهما في تعميق الروح الوطنية العالية في مناطق 48 .

كما توقعنا  في أي انتفاضة قادمة في الضفة ستكون حرب شوارع بين المستوطنين والفلسطينيين وفي هذه الانتفاضة من المرجح جدا أن تمتد من الآن فصاعدا إلى مناطق 48 كما حصل خلال الأيام الماضية وما جرى باعتقادي كان مجرد بروفة تلقائية بدون تخطيط من أي جهة فلسطينية في مناطق 48 أو غيرها .

أي أن الانتفاضة القادمة على الأرجح ستكون مزدوجة في الضفة مع المستوطنين وفي مناطق 48 ضد مواطنين إسرائيليين وقد تمتد إلى حرب في قطاع غزة إن تفاقمت الأمور في الضفة ومناطق 48 .

أي حرب فلسطينية إسرائيلية شاملة بكل المقاييس .. وتستطيع إسرائيل احتمال هروب أعداد كبيرة من المستوطنين في الضفة إلى إسرائيل أو الجولان والجليل ولكنها ماذا ستفعل مع المواطن الإسرائيلي في تل أبيب وحيفا ونتانيا وايلات والخ ..

هنالك خطر جسيم ينتظر إسرائيل بفعل انتفاضة ثالثة مزدوجة قد تحصل في أي وقت .. وإذا كان الفلسطيني يسكن في بعض المناطق في شقة مقابلة لشقة إسرائيلي أحيانا  أو في نفس العمارة أو نفس الشارع والفلسطيني من مناطق 48 يحمل كل الأوراق الثبوتية التي تثبت قانونيا انه مواطن إسرائيلي وقادر على التنقل في كل إسرائيل وقادر على الدخول لأي مول تجاري أو عمارة يسكنها إسرائيليون يهود الخ .. فإذا اندلعت الأحداث وحمل فلسطيني سكينا وطعن جيرانه حتى الموت أو حمل إسرائيلي سكينا وطعن جيرانه  او سلاحا اليا وقتل العرب حتى الموت فما هي نتائج مثل هذا التصعيد الدموي .. سيحمل كل فلسطيني وإسرائيلي سكينا أو سلاحا أليا وستكون الحرب الأهلية بين أكثر من مليون فلسطيني في مناطق 48 وخمسة ملايين يهودي ولن يجد نتنياهو حلا امنيا لمثل هذه الكارثة التي يمكن أن تدمر إسرائيل .

مع الإشارة ان السلاح الآلي متوفر بأيدي الإسرائيليين والعرب بكثرة ولاسيما الإسرائيليين الذين خدموا معظمهم في الجيش الإسرائيلي سواء رجالا أو سيدات والعرب لديهم فرصة شراء السلاح بسهولة .

وكما ذكرت ان ما حصل خلال الأيام والأسابيع الماضية مجرد بروفة لما قد يحصل في أي وقت ورغم أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تطورت جدا على مدى 60 عاما ولا تؤمن بالصدف ولا تترك شيئا للصدفة فان السياسيين الإسرائيليين وعلى مدى 60 عاما يكررون نفس المفاهيم  والأخطاء ولا يتغيرون ابدا ..

في عام 1997 سافر نتنياهو إلى باريس في حكومته الاولى والتقى جاك شيراك في قصر الاليزيه واستغرق الاجتماع 10 دقائق فقط ..

في بداية الاجتماع سأله جالك شيراك ماذا لديك من جديد .. فقال نتنياهو " لدينا امن إسرائيل بالدرجة الأولى وجبال الضفة مثل سور الصين العظيم ولن ننسحب منها ونريد ونريد ... قاطعه شيراك قائلا بغضب :" يبدو انك لن تتغير هذه اسطوانة مللنا من سماعها ".ونهض شيراك منهيا الاجتماع .

إذن نتنياهو وقادة اليمين اليهودي المتطرف في واد ومصير إسرائيل في واد اخر .. الحل دائما لدى السياسيين هو القصف والاجتياح والصورايخ والاغتيالات ولا حل اخر .. وماذا سيفعل الجيش الإسرائيلي مع حرب أهلية قد تقع بإسرائيل في أي وقت هل ستقصف البيوت اليهودية والعربية بالطائرات .!!

ومن هنا لا يوجد أمام نتنياهو من سبيل الا إعادة النظر في سياسة إسرائيل وان لا يترك البروفة التي حصلت خلال الأيام الماضية لتصبح انتفاضة مزدوجة لا تستطيع إسرائيل السيطرة عليها .

أمام نتنياهو حل واحد للخروج من هول أعداء الداخل والخارج بتقديم حلول سلمية واقعية تنزع فتيل قنبلة هائلة قد تنفجر في أي وقت والموضوع الفلسطيني لم يعد يحتمل الانتظار يحتاج إلى حل جذري بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وحل مشاكل إسرائيل مع دول المنطقة بما يضمن لها التعايش مع المنطقة بسلام لأجيال .

لغة القوة التي عرفناها على مدى 60 عاما وهي لغة كل زعماء إسرائيل لم تعد مجدية مطلقا ولن تجلب الأمن والسلام للشعب الإسرائيلي الذي في معظمه يتطلع لحياة آمنة وأصبح ينفر من الحروب ولا سيما بعد أن وصلت الصواريخ العربية فوق رؤوسهم انطلاقا من لبنان وغزة ولم تعد الحرب بعديدة عن منازلهم ومزارعهم ومصانعهم .

ولم يبق من خيار أمام قادة إسرائيل وعلى رأسهم نتنياهو إلا كبح جماح القوى المتطرفة في إسرائيل التي تدفع إسرائيل نحو الهاوية والتوجه إلى إقامة سلام عادل وشامل مع الشعب الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية مستقلة هي صمام الأمان الوحيد للأمن والسلام في المنطقة بأسرها .

التعليقات