المستوطنون في الضفة على أبواب تجربة مريرة

المستوطنون في الضفة على أبواب تجربة مريرة
بقلم : عبدالله عيسى

لا نبالغ بالقول أن حماية إسرائيل للمستوطنين في الضفة يحتاج إلى جيش جرار إن وقعت الواقعة هذه المرة بحكم الظروف التي اشرنا إليها في مقالنا السابق " حرب الشوارع في الضفة " ولا نستبعد أن تقوم إسرائيل بسحب جزء كبير من جيشها ليرابط في الضفة لحماية المستوطنين .

ما يجري الآن وكما ذكرنا لن يؤدي إلى انتفاضة ثالثة كما يتوقع نتنياهو بل إلى مجازر رهيبة ستؤدي إن وقعت لهروب معظم المستوطنين إلى داخل إسرائيل وبعدها لن يجد ما يفاوض السلطة عليه سوى مستوطنات خالية كما حصل لشارون مع مستوطنات غزة التي بفعل المقاومة هرب معظم مستوطنيها إلى داخل إسرائيل والجولان المحتل وبقي في كافة مستوطنات غزة خمسة آلاف مستوطن فقط بعد أن تعرضت المستوطنات بقطاع غزة الى مئات العمليات الاستشهادية وسقط خلال عام واحد 800 شهيد فلسطيني على جدران مستوطنات غزة .

وعمليا كان المستوطنون بغزة ينامون كل ليلة على هاجس وكوابيس تعرض مستوطناتهم ومنازلهم لعملية اقتحام من مقاتلين فلسطينيين حتى اضطرت إسرائيل إلى إسكان قوات من الجيش في المستوطنات لحماية بضعة آلاف من المستوطنين .

تجربة مريرة واجهها المستوطنون في الضفة .. حالة من الرعب والقتل بفعل عمليات نشطاء انتفاضة الأقصى واستطاع نشطاء انتفاضة الأقصى فرض حظر تجول على المستوطنات "كما يكشف الفيديو المرفق" عندما قام شارون بزيارة لإحدى المستوطنات في الضفة واضطر شارون أن يجلس مع العائلة اليهودية التي قتل احد أفرادها على يد المقاومة الفلسطينية في المطبخ خوفا منن رصاص المقاومة .

صاحب المنزل اشتكى وبكى أمام شارون وقال له حرفيا " إنني أعيش هنا مثل الكلب الذليل لا استطيع التنقل بسيارتي خوفا من تعرضي لإطلاق نار من الفلسطينيين .... إلى اخر شكواه وبكائه كما ورد في شريط الفيديو والذي بثته في حينها القناة السابعة التلفزيونية الإسرائيلية ".

هذا الحال البائس الذي عاشه المستوطنون سيتكرر بشكل أسوا بكثير لان الانتفاضة القادمة ستكون بين الفلسطينيين والمستوطنين بدرجة أولى وستتم بكل الأسلحة بما فيها السلاح الأبيض ولن يستطيع نتنياهو أن يضع مدرعة إمام منزل كل مستوطن لحمايته من غضب الفلسطينيين .

خلال انتفاضة الأقصى بلغ الغضب الفلسطيني مداه ضد المستوطنين وتخصص بعض رجالات الانتفاضة بقتلهم حتى لقب مهند أبو الحلاوة مرافق مروان البرغوثي بصائد المستوطنين الذي كان يخرج مساء منفردا بسلاحه ويكمن على أي طريق يمر منه المستوطنون فيطلق النار على سيارة احدهم ويجهز علي من في السيارة .. حتى أصبح ابو الحلاوة هدفا رئيسيا لطائرات الاباتشي التي حاولت اغتياله عدة مرات فأصابته أخيرا واستشهد محروقا وقالت مصادر من حركة فتح التي ينتمي إليها أبو الحلاوة انه قتل وجرح عشرات المستوطنين قبل استشهاده .

لعبة إسرائيل مع السلطة والمستوطنين خطيرة أي لعب بالنار وان استمر نتنياهو على النحو الذي يسير عليه سينقلب السحر على الساحر ..

فإسرائيل رسمت حدود مدينة القدس على امتداد كل المستوطنات واعتبرت مستوطنة جيلو  ضمن حدود القدس .. أيعقل هذا ؟ ورغم أن مستوطنة جيلو مثلا تبعد مسافة كبيرة عن القدس وخلال انتفاضة الأقصى كان بيرس يردد أمام الأوروبيين قوله أن القدس تحت مرمى نيران المقاومة الفلسطينية !!! كلما أطلقت النار عن بعد على جيلوا كانت حكومة إسرائيل تردد أن القدس تتعرض لإطلاق نار .

وفي زيارة لبيرس إلى روما وأثناء المباحثات مع رئيس الوزراء الايطالي قال بيرس :" إن القدس  عاصمة إسرائيل تتعرض ليلا وكل يوم لإطلاق النار " ويقصد مستوطنة جيلو " هل تقبل أن تتعرض روما عاصمة ايطاليا لإطلاق النار يوميا ".!!

إسرائيل تتفنن في تسويق دعايات لإدانة الموقف الفلسطيني على شاكلة " القدس تتعرض لإطلاق نار يوميا .. ومستوطنة جيلو عاصمة إسرائيل مثل روما عاصمة لايطاليا ".

في اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية برام الله برئاسة أبو عمار تلقى مكالمة هاتفية من وزير خارجية ألمانيا .. بعد انتهاء المكالمة قال أبو عمار ممتعضا :" أتدرون يا إخوان ماذا قال لي وزير خارجية ألمانيا .. إن وزير الخارجية الإسرائيلي اتصل به هاتفيا وطلب منه ان يتحدث إلي كي اصدر تعليماتي بوقف إطلاق الصواريخ لان إسرائيل تتعرض الان لقصف صاروخي من غزة ..أي صورايخ تتحدث عنها إسرائيل وهل لدينا مثل هذه الصواريخ كي نقصف إسرائيل ؟!! إنها قذائف هاون بدائية تضل أهدافها في مناطق محاذية لقطاع غزة وتسقط في أراض زراعية خالية ".

كانت فعلا قذائف هاون بدائية وبدلا من ان يكون لقادة إسرائيل بعد نظر وسد الطريق على تطوير صناعات الهاون البدائية تعاملت كالعادة بعنجهية وبقصف غزة ورفض قادة إسرائيل تقديم أي تنازلات لعرفات للتقدم بعملية السلام ولو كان قد حصل هذا لما تطورت صناعة الصورايخ بغزة والتي تحولت الى قوة صاروخية ضاربة تمكنت من قصف القدس وتل أبيب وجعلت نص سكان إسرائيل ينامون في الملاجئ .

وخلال انتفاضة الأقصى ابتدع باراك فكرة إقامة الجدار الفاصل وقال كلمة :" نحن هنا وهم هناك " أي إسرائيل حسب قوله هنا والفلسطينيون هناك خلف الجدار .

وبالمناسبة فقد كان باراك صاحب فكرة الجدار الفاصل وليس شارون فلم يكمل الجدار وتعثرت فكرة تطبيقه فجاء شارون ونفذ الفكرة .

كل هذه الإشارات تعبر عن سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بتحايلها لمنع إقامة دولة فلسطينية تحل المشكلة جذريا .

إن استمر هذا الوضع الخطير ستقع للمستوطنين مجازر وستقع للفلسطينيين مجازر أخرى ولكن بعد أول مجزرة يتعرض لها المستوطنين سيغادر كل المستوطنين مستوطناتهم هروبا إلى إسرائيل ولن يجد نتياهو ما يفاوض عليه سوى مستوطنات خالية من السكان .

أي أن إسرائيل لا حلول لديها سوى تشويه الموقف الفلسطيني او سياسة العنتريات والعنجهية والاستعلاء والتمادي في إنكار الحقوق الوطنية الفلسطينية وابتزاز المفاوض الفلسطيني باعتباره الحلقة الأضعف ظاهريا .. وهذه السياسة الإسرائيلية جعلتها الآن محاطة بأعداء لاسرائيل قادرون على تدمير إسرائيل عدة مرات رغم ما أصاب سوريا .. وهذه الدول والقوى سوريا وحزب الله وإيران والمقامة الفلسطينية بقطاع غزة ولو أضفنا لهذه المعادلة مصر والأردن فلن تقوم لإسرائيل قائمة .

التعنت الإسرائيلي والاستعلاء في التعامل مع الحقوق الفلسطينية سيؤدي إلى انفجار خطير قد يبدأ بالمستوطنات في الضفة ومن المؤكد أن يمتد إلى غزة لان المقاومة بغزة لن تسكت على مجازر قد يتعرض لها الفلسطينيين في الضفة .

اجتماع المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر يوميا لساعات لضرب حماس في الضفة وتدمير قطاع غزة لن يحل المشكلة بل سيفجر الموقف ولا يوجد شيء تحت السيطرة في الضفة أو غزة والحكمة تقتضي  اجتماع المجلس الإسرائيلي المصغر لاتخاذ قرارات لتهدئة الخواطر والاندفاع بعملية السلام لإعلان الدولة الفلسطينية والاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني تفاديا لحمام من الدماء لا يعرف احد مداه ولا إلى أين يصل .



التعليقات