رسالة الى الوالي !

رسالة الى الوالي !
كتب غازي مرتجى

لأننا اعتدنا على ثقافة الاختلاف والخلاف , فهذا يفسر محاولتنا اسقاط ما نعاني منه منذ ظهور الجنس العربي على الأجناس الأخرى , منذ بدء اجتماعات الكابينيت المصغّر الاسرائيلي بعد ادعاءات اسرائيل بخطف وقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل تفذلك البعض بالقول أنّ خلافات شديدة تعصف بالقيادة السياسية الاسرائيلية ومنهم من رفع سقف "شطحاته" بأنّ أحد الوزراء طالب بعدم شن اي هجوم على غزة او الضفة .. يعلم الجميع ويتيه عنهم طبعاً أنّ إسرائيل لا تُحكم بقرار رئيس وزراء قد يسقط غداً ولا بقرار وزير حرب قد يتم تغييره بعد غد .. إسرائيل دولة قامت على الارهاب والدماء فلن يوقفها تهديدات دولية ولا اعتبارات اقليمية في مقابل تحقيق أهدافها الاستعمارية والتي نشأت بسببها .

ما يحكم السياسة الاسرائيلية فقط حسابات الداخل الاسرائيلي ولا تعطي اهتماماً لا للولايات المتحدة ولا لأوروبا وبالطبع الاعتبار لساستنا وساسة العرب لا يُناقش ..! 

الاوضاع الحالية تُنذر ببداية حرب التغيير , فالقانون الأمريكي الذي نشره أوباما هو التغيير , وها هو يقوم بتغيير خارطة المنطقة بأكملها وإسرائيل جزء من أدوات الولايات المتحدة ،والسلطة وحماس جزء أصيل من حالة التغيير القادمة ..!

اشتعال الاوضاع في الضفة لها ما بعدها , وتسخين الحدود مع غزة مُتوقع, وانتفاضة عرب الداخل أمر حتمي لا بد منه لتنفيذ سياسة تغيير المنطقة بأكملها . 

المفاوضات العقيمة وخوف القيادة السياسية الفلسطينية على الأخص من الاقدام على ابرام اي اتفاق سلام نهائي لن يعجب المعظم الفلسطيني يوجب بدء شلاّل الدم الذي سيُجبر الجميع على الموافقة على اي حل نهائي يُفرض .. قادم وبقوّة . 

الحالة في الضفة على صفيح ساخن والانتفاضة بدأت من شعفاط حيث مناطق تسيطر عليها اسرائيل وجُل سكانها ممن يحملون الهوية الزرقاء , واشتعلت بعدها الاوضاع في جل مناطق الضفة على الرغم من بقاء بعض المناطق فيها على الحياد إلا أن النار ستطالها قريباً .. في سياق انتفاضة شعفاط التي اشتعلت بعد جريمة نكراء من مستوطنين شذّاذ افق لا يفقهون في معاني الانسانية ولا الرحمة شيء انتقلت النار إلى بعض مناطق الـ48 وهم بالمناسبة ممن يعانون فقراً مدقعاً لا يقل سوءاً عن وضع مخيم اليرموك في سوريا , واشتعلت مناطق الطيبة والمثلث وغيرها لتعلن بدء انتفاضة الداخل . 

الصورة القاتمة تسيطر على الاوضاع القادمة , والسبب هو افتقاد السياسة الفلسطينية للبدائل وافتقادها كذلك للضربة الأولى .. كل ما يدور من أحداث في الداخل والضفة مسيطر عليها من قبل اسرائيل والقيادة السياسية الفلسطينية تنتظر المخطط القادم لتتناغم معه فقط وتسير وفق حساباته . 

اسرائيل كانت دوماً تعرض تبادل الاراضي -المستوطنات في الضفة مقابل اراضي فارغة بنفس القيمة والكم- ولن تتنازل اسرائيل عن اراضي يعيش فيها جرذان المستوطنين او اقامت عليها منشآتها , بل ستفصل جزء من المناطق التي تخص عرب الداخل وتعطيها للدولة الفلسطينية التي من المفترض أنها قامت !

الانتفاضة الثالثة بدأت وللأسف تسيطر على مجرياتها اسرائيل لكن بإمكان نشطائها ان يتسلّموا زمام الأمور , بإمكانهم ذلك فيما لو ..!؟ 

لو أرادت القيادة الفلسطينية "النقى والزين" فيجب عليها العودة الى الالتحام مع الجماهير المنتفضة وعدم الركن على تصريحات ووعودات لم تعد تزن "جراماً" واحداً في ظل السياسة الاقليمية والعالمية المتسارعة . 

كنت اتمنى على الرئيس ابو مازن وهو صاحب خيار المقاومة الشعبية الايعاز للجميع بالدفاع عن اراضيهم وحرماتهم من قطعان المستوطنين حتى لو وصل الامر لقتلهم فهذا ضمن القانون الدولي يجوز .. انتظرت خروج علني للرئيس على وسائل الاعلام وهو يوقّع على طلب الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية ولنبدأ بحادثة "أبو خضير" التي هزّت المشاعر ولنُحاكم اسرائيل على تسهيلاتها للارهاب الذي نشأت هي منه أصلاً .. كنت اعتقد أنّ الرئيس ابو مازن سيخرج غاضباً وسينظّم جنازة تتناسب وجريمة المستوطنين للفتى ابو خضير وليجمع القيادة الفلسطينية ليرسل من خلال جنازة ابو خضير رسالة قوية للعالم أجمع وللداخل قبلها ان القيادة الفلسطينية مع نبض الشارع .. لكنه للأسف لم يفعل ! 

الانتفاضة التي تدور رحاها الآن في الضفة لن تقتصر على الاحتلال ومستوطنيه بل يمكن ان "تفلت" الأمور لتصل إلى غير المتوقع وهو بالمناسبة ما تريده اسرائيل في الوقت الحالي لتضرب الضربة النهائية وتنفذ انسحابها الاحادي النهائي من الضفة .. كما فعلتها في غزة . 

إلى غزّة حيث حالة التيه التي تسيطر على الأوضاع الداخلية ومع اسرائيل , فرمضان 2014 سيسجله التاريخ الفلسطيني بأنه الأسوأ على القطاع فحالة الكساد والتشاؤم التي تسيطر على المواطنين لم تشهدها من قبل , لم يتخيل متشائم قط أن تصل الاوضاع الداخلية في القطاع لحالة يمكن وصفها بأن قطاع غزة اصبح "ابن البطة السودا" , إطلاق صواريخ لا يُعرف مغزاه , وموظفون حائرون لا يعرفون القادم -على الجهتين- , ولسان حال المواطنين في القطاع :"شو بيصير؟". 

اسرائيل اتخذت قرار انهاك غزة وضربه الضربة النهائية وتنتظر فقط الوقت المناسب - لن يستمر الانتظار طويلاً- وحماس والمقاومة الفلسطينية تعرف جيداً أنّ المعركة القادمة ستكون "حياة أو موت" وسيكون عنوان المعركة القادمة "علي وعلى اعدائي" . 

الاوضاع الداخلية في القطاع غير مُهيّأة لا لحرب ولا لسلم حتى .. فطالما بقي المواطن "بلبوصاً" فهو لا يُفكّر سوى بستر نفسه أولاً وحماس تعلم جيداً أن خوض معركة بالقساوة التي يهدد بها العدو وفي ظل الوضع الاقليمي السيء وبامكاني القول -المتواطيء- يعني انّ تجنب المعركة خير من الاقدام عليها لكن بالعادة لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن . 

الحالة الداخلية في قطاع غزة تهدد بالانفجار في كافة الجهات ولن يقتصر الانفجار على اسرائيل في حال بدء الحرب وتنفيذ التهديدات التي سمعناها بكثرة خلال الساعات الماضية , بل ستمتد لتصل الاقليم ولن يكون الجميع بمعزل من اي انفجار قادم .

الفسيفساء تتركّب وبدأ المشهد بالظهور أكثر فأكثر , وما يمنع اسرائيل من ضربتها الاولى هو الاحتياطات الشديدة التي اتخذتها المقاومة في غزة ويجب عليهم الاستمرار بذلك , اعتقد أن خيار الحرب هو الأرجح في ظل المشاهد الحالية التي قد تتغير في ليلة وضحاها , ولن تتغير اوضاع الحرب سوى بانجازات اسرائيلية وحمساوية في المقابل , اسرائيل تريد وقف نهائي للصواريخ واعتقد ان حماس قادرة على وقفها , وحماس تريد ضمانات بعدم استمرار الاوضاع على ما هي عليه من حصار يطالها والمواطنين .

مفاوضات التهدئة التي تصدر اشارات بأن المخابرات المصرية تديرها تختلف عن سابقاتها ولا معنى لوقف اطلاق الصواريخ مقابل وقف ضربات اسرائيل لاراضي فارغة او حتى مناطق تخزين سلاح كما تدعّي اسرائيل , وسترفض حماس ذلك بالتاكيد , وما يدور الحديث حوله عن اتصالات باردة وليست بمستوى الحدث من جمهورية مصر يشير الى مطالب من حركة حماس يقابلها مطالب مصرية تختص بالشان الداخلي في غزة وفي مصر على حد سواء وهو ما يشير الى ضعف امكانيات نجاح تلك المفاوضات .

حماس بدأت بدحرجة كرة الثلج , فبدأت الصواريخ تخرج عن غلاف غزة -الـ 10 كم- لتصل الى اوفاكيم -20 كم- وقد تصل غدا الى ابعد من ذلك طالما استمرت مباحثات التهدئة على ما هي عليه من "اخذ ورد" لا يعني لاسرائيل شيئاً ويهم طرفي حماس ومصر فقط .

لو فُرضت الحرب وكما أسلفنا لن تكون كسابقاتها فهي تحتاج الى تكاتف داخلي فلسطيني , فتظاهرة وحجرين في الضفة ستوقف بعض الحماقات الاسرائيلية , وتظاهرة مثيلة في الـ 48 ستوقف المزيد من الحماقات , وصاروخ فلسطيني او لبناني من الشمال سيغيّر المشهد وسيقلب الطاولة ..  

المشاهد تتقاطع وغزة في عين الاحداث واسرائيل تنتظر صيداً ثميناً .. وحماس تنتظر مقابلاً إيجابياً .. وحالة "التيه" مستمرة ولن تتوقف ..! 

حمى الله الوطن

التعليقات