تأجيج الحقيقة!

تأجيج الحقيقة!
كتب:غازي مرتجى

لم يتوقع أي شخص يعلم الظروف المتواضعة التي تعمل بها دنيا الوطن ان تحقق هذا الكم من الانفرادات والتي سرعان ما تتحقق اما على الارض فوراً أو عبر تصريحات رسمية من قبل مختصين وشخصيات سياسية معروفة .

سـأتحدث عن الشهور الثلاثة الاخيرة والتي لم يمر يوماً على دنيا الوطن دون ان تسجّل انفرادا جديدا , ولا يمر اسبوع على الاقل الا ويتحقق ما تحدثنا به ولكم في كولسات تشكيل حكومة الوفاق الوطني مثال ..

في كولسات الحكومة دأبنا على متابعة كل دقيقة ولم "تفلت" منا أي معلومة حتى لو كانت صغيرة،وجعلنا من المعيار الوطني والشعبي والأخلاقي ،وحق الناس في المعرفة مقياسا للنشر, لكن بالتاكيد لن يعجب الانفراد كافة الفئات والعقول بل سيقوم بتكذيبه حزب ما وتؤكده جماعة هناك ويقف على الحياد القاريء والمتابع , ما ان ننشر تأكيد الانفراد فتصمت الأفواه التي هاجمتنا فور نشر الانفراد , تارة ننشر ما يعجب الطرف اليمين فيبدأ بالتمجيد والاستدلال بحديثنا وتارة يكون الانفراد يعجب الطرف اليسار فيبدأ كما الطرف اليمين بالاستدلال بنا بعد ان كان يهاجمنا يوم ان نشرنا الانفراد الذي يعجب اليسار ولا يتطابق مع عقله  وتفكيره .. وهكذا فأصبحنا مهاجمين من الجميع  وفي الوقت نفسه يستدل بنا الجميع .. حتى قال لي أحدهم يوماً أنتم موقع غير مهني فسألته عن السبب فقال :"مش معروفين مع مين مع ابو مازن او دحلان مع حماس او الجهاد مع اليسار مع داعش ..مع مين" !! , أصبح مقياس المهنية لمن نتبع ولمن ننشر !!؟ لا يعلم اننا مع المواطن وحقه في معرفة كل شيئ حوله،ومع نبض الشارع وإيصال صوته فقط.. 

في فترة مشاورات الحكومة واجتماعات الفصائل في غزة كانت دنيا الوطن تتابع يومياً ما يحدث وما تتباحث به الاطراف ,و وصل عدد الانفرادات الحصرية الى اكثر من سبعين، ونسبة نجاحها كانت لا تقل عن 90 % وهي نسبة مميزة في ظل التداخل الكبير في المباحثات وتغيير الآراء  وتداخل الوسطاء وحضور الرأي الشخصي وطغوه على المباحثات ولكن بمقارنة عدد الانفرادات ونوعيتها ونسبة تحققها فالنسبة مميزة للغاية ومرضية ايضاً .. بالطبع طوال الشهرين لم نسلم من الهجوم والانتقادات والاتهامات بمحاولة "فرض" الآراء وتغيير مجرى المباحثات .

من واقع تجربتي الصحفية فإن الصحفي لاغنى له عن مصادره "الموثوقة" ولا يمكن تسمية اي صحفي دون ان يكون له "مصادر" وهذا ما يجعل زملاء المهنة  يغتاظون ويبدأون بالتشكيك في اي انفراد لنا .. ولا يمكن أن يكون ذلك الا "قصر ديل" .. يا أزعر !

ما دفعني لكتابة هذا المقال رغم عزوفي عن الحديث به سابقا هو مداخلة احد الشخصيات المعروفة بالقول ان دنيا الوطن يجب ان تتحلى بالروح الوطنية والمسؤولية الاجتماعية وعند سؤاله عن السبب فقال انتم من قلتم انه لا رواتب لموظفي غزة وانتم من أججتم الوضع .. فساله احد الاصدقاء :"وهل تلقى موظفو غزة رواتبهم ام تحقق ما قالت دنيا الوطن"؟ فرد عليه :"لا لم يتلقوا رواتبهم وتحقق ما تحدثتهم به ولكن يجب عليكم عدم نشر اي اخبار تؤجج الوضع الداخلي .. احكولهم انهم هيقبضوا عشان ما يسكروا الصرافات"!؟ هذا كان رد احد كبار الصحفيين الذي أجزم أنه لو تلقى معلومة خاصة تمس الامن القومي الفلسطيني وتفكك النسيج الاجتماعي وتتخطى الحدودالحمراء و..الخ , سيقوم بنشرها على الاقل على صفحته الشخصية على الفيسبوك !.

فيما يخص رواتب موظفي غزة كنا على علم بأن الوضع "حساس" للغاية فحجبنا عدد كبير من المعلومات المتوفرة لدينا التي لو نشرنا جزءاً منها يمكن ان تفجّر "الحكاية" بأكملها , ولم ننشر الكثير سوى تطمينات للموظفين بانهم سيتلقوا "سلفهم" قبيل رمضان ولم يمر اقل من اسبوع على تصريحاتنا حتى اكدها الوزير مامون ابو شهلا واكدها عبدالله ابو سمهدانة وعدة شخصيات مختصة اخرى .. ولعلمنا ان الامر يتعلق بعواطف الموظفين والناس وبأنّ الامر يمس العائلة الفلسطينية بأكملها حجبنا عدد كبير من المعلومات التي لدينا ونشرنا ما يمكن ان يعطي حلولا للمشكلة وتشخيصا لها ..

احد الشخصيات التي تحدثت معها وهو بالمناسبة شخصية كبيرة للغاية وهو من "المطبخ" , تحدثت اليه لأتاكد من معلومة وصلتني عن طريقة تحويل قطر للمنحة الخاصة بها فقال لي :"تهجيص" ونظرا لانه من المطبخ حجبت المعلومة كاملة وامتنعت عن نشرها , وقبل يومين تحدث الي وقال لي بالحرف الواحد :"لن استمع لكلام فلان الفلاني وساصّدقك انت فقط .. كلامك صحيح وبامكانك الحديث عن الامر .. من وين بتجيب معلوماتك!؟"  طبعا ردي عليه كان :"لا يُسأل الصحفي عن مصادر معلوماته" ... 

الظروف التي تعيشها القضية الفلسطينية حساسة للغاية وقرار النر أصبح كمّن يسير على حد السيف وباعتقادي ما قمنا بنشره بما يخص رواتب موظفي غزة او المصالحة ساعد على التسريع من حل مشكلة الرواتب جزئياً ووضع الطرفين في وضعية لا يمكن التراجع عنها عندما نشرنا ما يختص بالحكومة والمصالحة..

شخص مجهول ارسل لنا رسالة عبر الايميل قال فيها انتم يا دنيا الوطن تحاولون جر اسرائيل لحرب على قطاع غزة وبدأتم بذلك عبر التصريحات ونشر التحليلات , بالطبع كأي مواطن يعيش في غزة يعلم معنى "الحرب" ويعلم حالة الرعب التي نعيشها ولسنا في بروج مشيدّة او لن تصيبنا رصاصات وصواريخ الاحتلال بل ربما نكون في المقدمة .. لا نتمنى الحرب على غزة هذا من المسلمّات بل نعمل على تفويت الفرصة على الاحتلال , أما ان كان من ينتقدنا لغزارة الانتاج ففي الاسبوع الاخير قمنا باجراء عشرات التحليلات السياسية والعسكرية وطغت التوقعات المحلية والاسرائيلية ان ضربة لغزة قادمة فيما لو ..! فهذه مشكلته هو. في حرب 2008 كنت استمع لاحدى الاذاعات المحلية يوم الخميس -الحرب واتت يوم سبت- واستضافت الاذاعة احد القيادات السياسية في تنظيم كبير, وانصب حديثه على ضعف اسرائيل وتأكيده عدم وجود نية للهجوم على غزة وبدأ بطمأنة الناس والمواطنين حتى استيقظ العالم بعد اقل من 48 ساعة على اكثر من 300 شهيد كان بالامكان تلافي سقوطهم جميعهم لو كان تقدير الموقف لامكانية وجود نوايا اسرائيلية للهجوم على القطاع .. وفي تحليلاتنا التي ننشر نرسل برسائل للجميع بان قطاع غزة تتهدده نار موقدّة فلتتحركوا قبل فوات الأوان .. ولعلّ المتتبع لدنيا الوطن بنسختها الانجليزية يعلم تماماً حجم الرسائل التي توجّه للاعلام الغربي عبر نسختنا الانجليزية وهي منبر فلسطيني للغرب .

غزارة الانتاج في دنيا الوطن أغاظت الكثيرين , لكنها نالت اعجاب الجميع ولعل ارتفاع عدد المتابعين لما يزيد عن مليون "آي بي" في الداخل والخارج دليلاً واضحا على مدى ثقة الجمهور والمتلقّي باخبارنا .

المشكلة ليست في دنيا الوطن بكشفها الاخبار الحقيقية قبل حدوثها , ولكن المشكلة في الساسة المجملّين لكل شيء ويخشون مواجهة الناس بالحقيقة .. ولكم في رواتب موظفي غزة مثال كيف رفع بعض الساسة والناطقين الرسميين سقف التوقعات وعندما بدأت دنيا الوطن بنشر حقائق تمتلكها وموثقة ومن مصادرها المعروفة فهاجمنا واعترض علينا "الساسة المجملّون" وثار علينا الموظف الغلبان الذي صُدم بحقيقة التصريحات التي سمعها لكن في النهاية كتبنا خبراً دقيقاً صحيحاً وسجلنا انفراداً عجز كل الاعلام الفلسطيني عن الوصول اليه .

العمل الصحفي ليس نقل للخبرا من وجهة نظر رسمية فقط ،فذلك لايسمى اعلاماً،وهنا أقتبس من أستاذي عبدالله عيسى قناعته بأن "الصحافة ليست صحافة استقبل وغادر وودع" ..و في حال نقلنا خبراً غير صحيح فهنا تكمن المشكلة وتوجب المحاسبة أما أن ننقل خبرا صحيحاً ونستشرف المستقبل ونحلل الواقع ونغوص في التفاصيل فهذا قمة النجاح وبالتاكيد لن تعجب الحقيقة الكثيرين .. لأن الحقيقة مرّة , لكن سيتفق الجميع بعدها أن دنيا الوطن أول من تحدثت ونشرت وتوقعت حتى لو بعد شهور ..

من السهل على دنيا الوطن العمل على ترجمة الاخبار العبرية والاكتفاء بذلك وهو بالمناسبة عمل غالبية الوكالات المحلية وتعتبر ذلك سبقاً صحفياً .. نعم سبق بالترجمة فقط !.

في موقف آخر يتحدث احد زملاء المهنة عن دنيا الوطن فيقول :"هم صحافة صفراء لا يعتّد بهم" , فسالته عن تفسير الصحافة الصفراء فقال لي :"نشرتم خبرا عن جريمة القتل في نابلس والقدس -قبل يومين- وركزتم عليها , ووكالة الانباء لا يوجد فيها اقسام المنوعات الهابطة والمحطات والجريمة و و و الخ" , في حديث الزميل الصحفي غاب عنه التشخيص الدقيق فدنيا الوطن اول صحيفة الكترونية وليست وكالة انباء تصلها الاخبار على -الجاهز- قسم المحليات لدينا يوازي وكالات الانباء مجتمعة فننشر في هذا القسم وحده اكثر من 400 خبر محلي يومياً متابعين كافة التطورات والمناسبات المحلية , أما الاقسام المنوعة الاخرى المختلفة فلا يعلم الزميل ان كبريات الصحف العربية والتي تسمى نفسها  -برجوازيو الاعلام- استعانت بدنيا الوطن ولا زالت في الاخبار المنوعة والخفيفة . ما اسهل ان ننقل الاخبار كما تصلنا -بالمناسبة كافة الاخبار المحلية اصبحت جاهزة للنشر مع الصور ولا تجتهد اي وكالة انباء في تغطية الاخبار المحلية اصلاً- .. وصحيفة دنيا الوطن تجد فيها السياسة وهي التي يرتكز عليها الموقع وتجد فيها الاخبار الخفيفة والمنوعة التي تهم القاريء وترفّه عنه وتجعله على اتصال دائم مع العالم في ظل حالة العولمة التي نعيش .. أما تركيزنا على جرائم القتل المحلية فهو لا يعتبر تركيز بقدر ما نعتبره واجب صحفي ومهني ان نقوم بدق ناقوس الخطر لدى المسؤولين والجهات المعنية ليعلموا كم الجرائم ونوعيتها واسبابها وطريقة الحد منها .. وأضيف لزميلي ان الصحافة الصفراء هي الصحافة التي تنشر اخبارا "جنسية" او تلك التي تقوم بالافتراء على الناس وتاليف وفبركة القصص ضدهم .. ودنيا الوطن بعيدة كل البعد عن ذلك .. أسال الزميل عن رأيه بالصحف الورقية سواء المحلية او العالمية وهي تنشر غالب اخبارها المنوعة والخفيفة نقلا عن دنيا الوطن ..!؟ وكذلك رأيه في تلك الصحف البرجوازية المختصة فقط بالسياسة اصلاً وهي تعتبر وكالة انباء لكنها في الآونة الأخيرة ايقنت ان العمل وفق مدرسة دنيا الوطن هو الحل المناسب ..

صُناع السياسة والواقع والمختصين يعلمون علم اليقين ان دنيا الوطن تتحدث بالتفاصيل وانّها برعت تماماً في كشف المستور وملاحقة الخبر من كافة زواياه وبكل تفاصيله .. لا نلوم على المواطن والمتلقي عدم استجابته مع الخبر في بدايته لأنه وكما اسلفنا فإن الحقيقة صعبة التقبّل .. لكن في النهاية يعلم الجميع ان اول من تحدث ونشر هي دنيا الوطن .

التعليقات