40 يوم للحكومة و876 عام لحل مشكلة الموظفين !

40 يوم للحكومة و876 عام لحل مشكلة الموظفين !
كتب غازي مرتجى
مشاورات تشكيل حكومة الوفاق الوطني المقلصّة استغرقت حتى اللحظة ما يربو على أربعين يوماً بلياليهنّ .. حكومة لا يتجاوز عدد وزرائها على 15 وزير مُفرغة الصلاحيات السياسية والأمنية ولا دخل لها بموظفّي الوزارات في غزة والضفة , عملهم الأوحد هو التنسيق بين وزارتين لهما هيكليات مختلفة وتحكمها قوانين شخصيّة أصبحت رسمية في السنوات السبع الماضية .. إذاً نحن أمام حكومة منزوعة "كل شيء" واستغرق تشكيلها اسابيع خمس ونيّف .

اللغط الذي دار في اختيار الوزراء والجولات المكّوكية غير المفهومة من رام الله الى غزة أصاب المواطن المستبشر بجديّة إنهاء الانقسام هذه المرّة بانتكاسة جديدة ليس بشأن تشكيل الحكومة فالكل أيقن تماماً أن الحكومة ستُشكّل "خاوة" ولن يعود أي من الطرفين للوراء ولكل منهما حساباته وتقديراته .. ولكن بما سيتبع تشكيلها وما راكمه الانقسام من مشاكل يلمسها المواطن يومياً ..

15 وزير استغرق التباحث حولهم ما يقارب 40 يوم لو صدقت آخر التصريحات بأنّ إعلان الحكومة سيكون منتصف الاسبوع الحالي .. فما بالكم بتراكمات السنوات السبع العجاف ؟ والتحديّات الكُبرى التي تواجه التنظيمين لإصلاح ما أفسده الإنقسام ..!

القنابل الموقوتة التي تعترض إنهاء الإنقسام حتى الرمق الأخير كثيرة ولا تُحصى .. سنبدأ بسردها في مقالات متخصصة ليكون توصيف الحالة أمام القيادات الفلسطينية .. لعلّ وعسى ..!

حسبة بسيطة للمدة المطلوبة لإنهاء الإنقسام استناداً إلى "مشكلة" واحدة وهي الأكبر برأي الكثيرين والتي قد تفجّر أي مباحثات في أي لحظة .. وهي مشكلة الموظفين .

في غزة ما يربو على 120 ألف موظف -50 الف جدد من حكومة غزة , و70 الف يتبعون الحكومة الفلسطينية- ومن المفترض أن يتم تشكيل لجان متخصصة لحل مشاكل الموظفين وتكدسهم وابتداع أفكار جديدة للتمكّن من عدم ايقاع الظلم باي شخص .

بحسب اتفاق القاهرة فإنه سيتم تشكيل لجنة إدارية قانونية للبحث في حال الموظفين المدنيين وتعديل سلم وظائفهم بحسب قانون الخدمة المدنية , أما العسكريين فإنهم من ضمن مهام اللجنة الأمنية والتي ستبحث في الرتب وصلاحية العمل في الأجهزة العسكرية .

15 وزير استمرّ التباحث حولهم 40 يوم تقريباً , بحسبة بسيطة نجد أنّ حل مشكلة الـ 120 ألف موظف تحتاج 320 ألف يوم وبحسبة السنوات 876 عام بالتمام والكمال .. !

في حل أضفينا "تفاؤلاً" جدّياً على المباحثات فإنّ ملف كل موظف سابق وحالي يحتاح لبحثه "يوم كامل" , وفي حال تمّ انجاز ملف الموظفين القدامى بشكل جماعي سيتبقى لدينا موظفي غزّة الجدد والبالغ عددهم 50 ألف تقريباً ومع إضفاء تفاؤل جديد بتعامل اللجنتين المشكلتين وفق اتفاق القاهرة بشكل أسرع ومع الافتراض أنّ 20 ألف موظف جديد من حكومة غزة أوضاعهم القانونية -سواء مدنيين او عسكريين- سليمة فسيتبقى لدينا 30 ألف موظف .. فكم سيحتاجون من الوقت .. ؟

في مباحثات الجانبين ووفق ما رشح من اللقاءات الثنائية التي جرت في غزة لم يتطرّق الوفدين إلى أي مشاكل قد تكون سبباً في إفشال المصالحة وكان الهدف الأساسي هو تشكيل الحكومة .. وبعدها يعلم الله ..!

أحد القيادات الفلسطينية شبّه لي الوضع الحالي كما شخص يريد شراء منزل جديد , وبعد شرائه -تشكيل الحكومة- يفكّر كيف سيختار غرفة الضيافة وغرفة النوم وادوات المطبخ واكسسوارات المنزل وجمالياته ..! هذا الحل يُسمى في العامية "سلق البيض" , أما من يريد أن ينقل أثاثه الى المنزل الجديد فيقوم في البداية بوضع خطّة لطريقة النقل ويجري مشاورات مع زوجته وعائلته لاختيار "لون" الدهان , ومن ثمّ يجلب "مهندس ديكور" ليُصمم له افضل الطرق للاستفادة من المساحة المتاحة له .. ومن ثمّ يبدأ باختيار "الوسيط" الذي سيقوم بنقل الاثاث لمنزله الجديد .. وقبل كل ذلك يتفحّص حالة الأساسات في منزله الجديد وما إن كانت بحالة جيدّة تُمكنه من اعتبار المنزل الجديد "منزل العمر" أم أنّ أقرب "زلزال" سيجعل من المنزل ركاماً ومن "الحلم" كابوساً يُطارده طيلة حياته .. وحينها يكون قد خسر "كل شيء" ..!

طريق إنهاء الانقسام طويلة لا شك ولا يمكن الانتهاء من مشاكل سنوات سبع مضت بليلة ويوم بل تحتاج لجولات وساعات وحوارات يسبقها جديّة الطرفين وقرارهما بضرورة الانتهاء من الحقبة السوداء .

في خضّم تلك المباحثات ولو تم حل مشكلة الموظفين بيوم واحد فإنّ المشكلة المترتبة على هذا الحل ستكون أكبر من المشكلة نفسها , فحالة التضخم الوظيفي التي ستطرأ ووقف التوظيف لعشر سنوات قادمة -بحسب خبراء- تعني القضاء على جيلين كاملين وإنهاء الأمل والتفاؤل لدى الكثيرين ممن انتظروا إنهاء الانقسام ليتمكنّوا من الحصول ولو على أمل .. في المقال القادم سنطرح المشكلة كاملة مع بعض الحلول الممكنة ..

يجب أن يفهم الطرفين أنّ المشكلة "عويصة" ولن تحلّها تصريحات صحفية أو نوايا تظهر على الإعلام فقط .. بل يجب أن يٌشارك في صياغة قرار إنهاء الإنقسام كافة المستويات الرسمية والشعبية والمختصين من كافة المجالات وعدم الركن إلى مجموعة صغيرة بالتأكيد لا تعلم صغائر ما قد يواجه طريق إنهاء الانقسام ..

التعليقات