المخرج الجزائري حميد بن بن عمره: هناك مستشار أو أكثر من الذين قرروا إبعادي من الفضاء السينمائي

المخرج الجزائري حميد بن بن عمره: هناك مستشار أو أكثر من الذين قرروا إبعادي من الفضاء السينمائي
الجزائر -دنيا الوطن –رياض وطار
يتطرق المخرج الجزائري المغترب بفرنسا حميد بن عمره، في هذا الحوار الذي ادلى به لموقع دنيا الوطن، عن الظروف التي احالت دون عرض فيلمه " شيء من الحياة، شيء من الحلم" ،الذي رغم نيله للعديد من الجوائز في عدة مهرجانات دولية كان آخرها جائزة أحسن شريط وثائقي في المهرجان الدولي للفيلم "بانا أفريكان " التي جرت فعاليته في الفترة الممتدة من 23 إلى 27 أفريل بمدينة كان الفرنسية، عن المشاركة في الدورة الاخيرة للمخرجان الدولي للفيلم الملتزم الذي احتضنه الجزائر في الفترة الممتدة من 19 الى 26 ديسمبر 2013 كما لم ينال حقه من قبل المسؤولين الجزائريين كما يتطرق إلى جوانب عديدة متعلقة بالفن السابع الجزائري و إلى مساره السينمائي.

-ممكن تعريف موجز عن شخصكم الكريم ؟
آنا إبن المتنبي و عبد القادر و بن مهيدي و عمر إبن الزروق و عمرة بنت عيسى. أنا قمر ساهر بظلمة الليل، أنا نسر منفرد بين أحضان ريح الجنوب، قلم يعشق صفاء الصفحة البيضاء، مرآة تعكس رمشة عين تنظر إلى شعري. أنا كثبان رمل ضاع بالغرب، أنا حرف حاد كسيف شداد. تنزه بين كلماتي ستجد أفقا ممتدا على قلبي يدق حبا لهذا الوطن. آنا إبن الجوع و البرد، إبن الأخضر السنوبري و الأحمر الشاهد علي تاريخ أبنائنا و الناصع البياض الشامخ المنير فرق رؤسنا،أنا إبن النجمة الساهرة على إسمك، أنا إبن الهلال الساكن في كل بيت، أنا أنت و هي و نحن، وهج جزائري لا ينطفأ.

-كيف التحقتم بميدان السينما ومن كان وراء ولوجكم عالم الفن السابع؟

السينما حلم راودتني صوره منذ الخامسة من عمري. لكن الحلم وحده لا يكفي إن لم تكن تؤمن به فعلا.

في طفولتي حاولت أن أكون موسيقيا نابغا ففشلت، لأن أصابعي كانت تتشنج كلما أمسكت أية آلة موسيقية. و حاولت أن أكون رساما مبدعا ففشلت، لأني كنت لا أستعمل سوى ألوانا بيضاء على لوحة بيضاء. و حاولت أن أكون عداء متفوقا ففشلت، لأن ظلي كان يسبقني دوما ولأن خط الوصول كان يبتعد كلما إقتربت منه. و حاولت أن أكون عاشقا مخلصا ففشلت، لأن فلسفتي في الحب كانت، ليس المهم من يعطي أكثر، بل المهم أن يكون هناك تقدير للعطاء،و لكن عندما حاولت أن أكون سنمائيا أصيلا توصلت. لأن الإطار كان حقلا تغرس فيه شعورا دقيق الحساسية و لأن اللقطة و زاوية إلتقاطها و مدة عرضها، لغة سرية أحببت إتقانها.

-باعتباركم درستم الفلسفة في المرحلة الجامعية هل كان لهذه الأخيرة تأثيرا كبيرا في مساركم السينمائي؟

الفلسفة تنمي فيك حب التساؤل و حب الجدال كما تمنحك روح التعلم و الفضول. كان لي حظ كبير أن أكون طالبا للأستاذ الربيع ميمون بجامعة الخروبة وقتها و الذي فسر لنا علاقة ديكارت بالإمام الغزالي، مازلت أعشق الحوارات السوقراطية و طريقة توليد الأفكار، كنت أفضل الحديث عن الكندي أكثر من إبن رشد و إبن سينا أكثر من الفارابي.

أحب الحديث عن النفس و ماهية العشق أكثر من التعمق في الشك المنهجي. الفلسفة حب الحياة و حب إختلاف الرأي لأني لا أريد أن ينسخ مني عدد كثير. بمعنى حبي للرآي المخالف و البناء أهم من أشكال الرياء و المجاملة التي نبغ في فنها عدد هائل من الجزائريين مؤخرا.

الفلسفة حسب ممارستي حرية و صراحة الفكر و التفكير و ليس كفرا و تكفير.

-فاز مؤخرا فيلمكم "شيء من الحياة، شيء من الحلم" بجائزة احسن شريط وثائقي في مهرجان "بان فريكان" وهي ليست المرة التي يتحصل فيها على الجوائز ممكن تروي لنا ظروف تصوير الفيلم والصعوبات التي واجهتها في انجازه؟

الفيلم ليس عداء في سباق عدو ريفي و إنما تجربة سمعية بصرية فلسفية و شاعرية يقوم المخرج بنسج خيوط شبكتها العنكبوتية لسرد موضوع أو قصة شخصية. لذالك كلمة "فوز" صعب توظيفها في هذا السياق. 

أعتقد أن الإعتراف بقيمة أي فلم لا يمكن التوصل إليها إلا إذا كنا نملك أبجدية وقواعد السينما حتى يسن لنا قرأة الشريط بشكل سليم. فكيف يمكن للجنة تحكيم نصف أعضائها لم يتخرج بعد من مدرسته الإبتدائية ! الفيلم تحصل سابقا عن جائزة الجمهور بالأيام السنمائية للجزائر عام ٢٠١٢. لكن عرض الفلم بثلاث قارات و أربعة عشر مهرجان دولي لحد الآن رافعا راية الوطن الذي ينسى أبنائه. 

لا يهم الظرف المحيط بأي عمل، المهم أنك قررت أن تعرض عملا على الجمهور و أخذت مسؤلية الوفض أو الإقبال. ما هو خارج الإطار، إذن الغير مصور لا يعني أي شخص. لكن أقسم لك أنني لم أستلم سنتيما واحدا لا من الجزائر و لا من أي بلد أو أي مؤسسة كما هو مذكور في بداية الشريط. الفلم يحتوي على صور تم إلتقاطها ما بين ١٩٨١ و ٢٠١٢. أن تكون سنمائيا ثوريا لست بحاجة لإقتناء رشاشة و إنما أن تكون شاهدا عن تاريخك. دون مهارة و تمكن كامل بالتصوير و التركيب لا يمكن أن تنجز فلما بدون إمكانيات.

-هل كان من السهل لكم الاقتراب من تلك الشخصيات التي حاورتها على غرار ابنة القائد الثوري شي غيفارا ، الشاعر محمود درويش واخرين؟

لا يهمني أن أكون صديقا لفلان و فلان أكثر من إستعداد الشخص نفسيا و جسديا أن أضع عدستي على و جهه. علاقتي بالكامرا باطنية. العدسة مرآة لها ذاكرة. أنا و الكامرا جزء واحد من نفس المرآة. إذا إرتحت إلى بصري لا يمكنك أن تنفر من كامرتي. لست صحفيا أو "باباراتزي" حتى يكون التصوير قنصا و إنما تأهبي في منتهى الحساسية. 

إنا مستعد دوما لأكون شاهدا على وجودك إذا كان لوجودك ما يستحق التدوين. كل الشخصيات الموجودة بالفلم هي بحاجة ماسة لشخصيتي السنمائية. ليس هناك تتطاول هذا عن ذاك، ليس هناك مركب نقص أو زيادة إعتبار. قيمة الشخص ليست في صيته. اللصوص صيتهم أعظم من ثوارنا !

-تشتغلون بدون ميزانية كيف تستطيعون انجاز أعمالكم بهذه الطريقة؟

هناك أهم من الميزانية في أي عمل- المهراة- عندما أخرجت أول فلم عام ١٩٨١ "من أجل حياة أفضل" وتبلغ مدته ٥٥ دقيقة روائي. قدمني المرحوم محمد بوعماري و بوجمعة كارش بقاعة متحف السنما. بعد العرض تساءل من الجمهور نفر لم يصدقوا إمكانية إنجاز فلم بدون أي دعم حكومي و مدى دقة تصويره و لم يكن سني وقتها يفوق السابعة عشر. إفتك المكرفون شاعر و ثوري من المارتنيك يدعى دانيال بوك مان قائلا "هناك إحتمالين لا ثالث لهما. إما أنه محتال و تمكن من إقناع شخص إخراج فلم لصالحه و إما أنه فعلا موهوب و يجب الوقوف ورائه".

من ذلك اليوم لم أستلم سنتيما واحدا من بلدي. مؤخرا بأديس أبابا أثناء الندوة الصحفية سألني منتج من المزمبيق بدرو بيمونتا نفس سؤالك و كيف أعيش بدون دخل ؟ ردي كان سريعا، إذ تذكرت مرة عندما إلتقيت بأبي رحمه الله و الذي كان أميا و لا يفهم بالسينما أشياء والذي بعد السلام سألني عن حالي. إجابتي كانت "راني عايش" فألتفت غاضبا و قال "لڤرلو راه عايش، إيلا ما تحطش إسمك في التاريخ ما تهمنيش".

غياب الميزانية يدفع للإبتكار و الإبداع شرط أن يكون حبك و إيمانك بما تفعل راسخا بذاتك فعلا. يسعدني جدا تصوير أفلام بملايين الدولارات لكن عندما يرضى عني أهلي الذين قصروا في حقي و حق السينما الجزائرية.

إذا كان بهذه البلاد ذرة عدل كافية للنظر بأمري فأن ذلك سيكون مكسبا ثوريا، لذلك أفتح رسالة إلى الوزيرة الجديدة...

-من موقعكم بديار الغربية كيف تنظرون لواقع الثقافة خاصة السينما بالجزائر؟

لم أمارس أية مسؤولية رسمية بالإدارة السينمائية الجزائرية حتى أكون ملما بخبايا الملفات. أعتقد آن شخصا كمدير متحف السينما السابق بوجمعة كارش الذي أوقيل من منصبه عام ٢٠٠٤ من طرف الوزيرة السابق، أولى مني للرد عن هذا التساؤل.

لكن الملاحظ أن هناك إستيلاء لنخبة معينة فرنكوفونية الثقافة و غير متمكنة تقنيا و فكريا و تمكنها من إنتاج أفلاما لا تعكس واقعنا السياسي و النفساني و حتى الفلسفي.

معظم الأفلام و خاصة القصيرة منها تتمحور مضامينها غالبا حول مواضيع سهل تصديرها لمهرجانات أوروبا التي تتألق في إنتخاب و منح جوائز عدة لأفلام أصنف جلها كأفلام فيسبوكية تتأقلم مع مضامين نشرات أخبار أهم التلفزيونات . ثم أخص بالذكر الميزانيات العالية التي تمنح لأشخاص إنتحلوا مهنة الإخراج و الذين يسيئون للسينما الجزائرية بتعليب (فكلمة إخراج تعتبر إهانة)أشرطة غير صالحة حتى للشاشة المحلية.
و أختم تدخلي في هذا الموضوع بالتذكير أن هناك وكالة جزائرية للإشعاع الثقافي و التي لا يلمس نورها إلا النخبة المذكورة أعلاه و التي رغم إصرار مديرها في الصحف بأن الوكالة تهتم بكل الأعمال الثقافية الجزائرية ، فإن فلمي لحد الآن غير مدرج في قاموس أسماء المخرجين الجزائريين.
ماذا يقولون لسفير الجزائر ببركينا فاسو الذي حضر العرض بمهرجان فسباك و الذي نظم مأدبة عشاء شاكرا و مؤكدا عن أهمية فيلمي "شيء من الحياة، شيء من الحلم" للسينما الجزائرية. ماذا يقولون لأعضاء السفارة الجزائرية بأديس بابا الذين تفاعلوا مع الفلم و أكدوا ضرورة عرضه بالجزائر.



-رغم احتضان الجزائر لمهرجان الدولي للفيلم الملتزم لم يتم عرض فيلمكم به لما ترجعون ذلك؟



عندما يتوعد مسؤول هام بوزارة الثقافة بعرض الفيلم حتى و إن لم يرشح من طرف لجنة إنتقاء الأفلام و لا يفعل، فكيف لك أن تثق بإطارات الدولة. في العام السابق راسلتني السيدة ياحي زهيرة و أكدت عن عزمها لوجود الفيلم بمهرجان الفيلم الملتزم دون أن تفي بوعدها و دون أي مبرر معقول. هذا يعني أن هناك مستشار أو أكثر من الذين قرروا إبعادي من الفضاء السينمائي الجزائري. هذا نوع من الحڤرة أخطر من ضربة الكف.



-ماهي نظرتكم لمستقبل الأفلام الوثائقية بالجزائر؟



إننا بعدين جدا من سينما روبر فلاهرتي. التوثيق بالمعنى الأرشيفي لا يهمني و التلفزيون يقوم بذلك أحسن مني. الوثائقي الذي يدون تاريخنا مهمة نبيل مسعاها و ضروري مساندتها. لكن أن تتحول وزارة المجاهدين إلى منتج سنمائي فأنا لا أعتقد أن هذا من مهامها الأولية.
الوثائقي ليس سردا يوميا لحياة الناس لأن فيس بوك أمهر بكثير في هذا المجال. الوثائقي ليس لقطات و موسيقى حول الكثبان أو كليب غنائي للتنويم. لحد الأن لم أرى ما هو ثوري دون الشعارات القديمة و ما هو أصيل و مبدع في الوثائقي الجزائري.

-كمسك للختام هل لديكم رسالة تريدون إيصالها للوزيرة الجديدة؟

رسالة سنيمائي إلى سينمائية بيننا إطار و شاشة، عدسة و ميكروفون .بيننا علم و قطر و دم شهدائنا... هذه وثيقة الحروف فيها تؤمن بالثقة و تصدق فكرة التجديد و ترحب بالوجوه الجديدة بوزارة الثقافة. سيدتي، لست شاكيا و لا ناقدا و لا حالما و مادحا و إنما ألتمس من حظورك الجديد الإنتباه إلى الفلم الجزائري "شيء من الحياة، شيء من الحلم" و الذي يحمل في أحشائه جزأ من تاريخ هذا الوطن و الذي رفع رايتنا في مهرجانات عالمية أربع عشرة مرة في ثلاث قارات. الفلم أسدل عليه ستار الرقابة و الجهل و الظلم من طرف أشخاص ليزال ظلهم يراود جدران قصر الثقافة و مازال نفوذهم يمارس سياسة "بني عميس" . ماذا تنوين و فريق وزارتك الجديد فعله لإلقاء الضوء على هذا الفلم الذي يخدم الجزائر ؟ هل فعلا للسنمائي الجزائري صوت يسمع أم هو أداة صالحة للتصويت فقط أيام الإنتخابات ؟ هل تضحيات أمهاتنا من أجل جزائر مستقلة لها وزنها فعلا في هذا الوطن أم أن شباب أمي المجاهدة ضاع من أجل إستعمار جديد ؟ سيدتي هذا عنواني و هاتفي أجهر بهما علنا لأنه لم يرد عن رسائلي سابقا من طرف الوزيرة السابقة و حاشيتها و حتى لن يكون هناك شك عن مضمون خطابي إليك و حسن نيته فضلت السبيل الصحفي الشفاف. حميد بن عمره مخرج جزائري [email protected] 00 33 06 61 31 57 45

 

التعليقات