عندما بكى الرئيس

عندما بكى الرئيس
بقلم: عبدالله عيسى

في عام 1965 انفصلت ماليزيا عن سنغافورة وفي تلك الفترة كانت سنغافورة دولة صغيرة بلا ادني موارد لا نفط ولا معادن ولا أي شيء يذكر وارتبطت تاريخيا بماليزيا وكانت تعتمد سنغافورة على ماليزيا في معيشتها .

كيف ستعيش هذه الدويلة وعدد سكانها 3 ملايين نسمة فقط ومساحتها 600 كيلو متر مربع فقط أي نستطيع السيارة أن تقطع سنغافورة في 40 دقيقة ولو زادت سرعتها إلى 100 كيلو متر في الساعة تدخل ماليزيا .. نلاحظ الشبه الكبير مع دولة فلسطين .

رئيس وزراء سنغافورة " لي كوان " ظهر على التلفزيون بعد أن قررت ماليزيا الانفصال باكيا وقال " كيف ستعيش سنغافورة ؟!".

وكما ذكرت في مقال سابق ذهب " لي كوان " إلى جمال عبدالناصر في الستينات وطلب مساعدة مالية لدولته فرفض عبدالناصر والسبب أن سنغافورة دويلة متخلفة لا مكانة لها ولن نستفيد مصر منها شيئا . عاد كوان إلى بلده يجر أذيال الخيبة وقرر العمل لنهضة سنغافورة وبدا أولى خطواته بمكافحة الفساد بلا هوادة وألزم كل حكومته ارتداء الزي  الأبيض دليل النقاء والشفافية ولم يكتف بالزى الرمزي بل بدا حربا حقيقية تطال الصغير والكبير ورجال الدين ووزير الدفاع وكل من تسول له نفسه اختلاس أي مبلغ من المال العام أو تلقي رشوة .. حوالي ستة ألاف أودعهم السجن بتهمة الفساد والرشوة والاختلاس .حتى أصبحت سنغافورة نقية كالزي الذي ترتديه الحكومة .

وبالمقابل قام رئيس الوزراء كوان برفع مرتبات الموظفين في الدولة بشكل يجعل منها كافية لتوفير مستوى حياة كريمة، لان دفع أجور مرتفعة أهم رادع للفساد.

وقام بتبسيط الإجراءات الإدارية والحد من المستندات المطلوبة للحصول على الخدمة مع وضع مدونة إجراءات إدارية واضحة.

وقام باختيار الكفاءات والمواهب للوزارات والمناصب الحكومية والوظائف المهمة.

وكل الأموال التي وفرتها خزينة الدولة والتي كانت تذهب للفاسدين كانت الانطلاقة لنهضة سنغافورة .

بعد 10 سنوات فقط كانت سنغافورة التي يعرفها العالم والانا صبحت موازنتها 170 مليار دولار من أغنى دول العالم ودخل الفرد فيها يعتبر الأعلى في العالم والبطالة تكاد تكون معدومة .

يجب أن نقارن دولة فلسطين بهذا النموذج الرائع .. بعد 20 عاما من إقامة السلطة ما زلنا كل آخر شهر ننشد جميعا بكائية رواتب الموظفين ونطالب دول هنا وهناك حل الأزمة الشهرية التي لا حل لها .

الجزائر استقلت عام 1962 وبعد 10 سنوات كانت الجزائر التي نعرفها ودخلت في حرب مع إسرائيل على الجبهة المصرية.. وتونس بعد 10 سنوات من استقلالها كانت تونس التي نعرفها والتي وفرت لكل طالب جامعي منحة على نفقة الدولة في جامعاتها والطالب بتونس لايدفع أي أقساط جامعية حتى الآن وتامين صحي لكل مواطن . رغم أن استقلال تونس بدأ في عام 1956 كحكم ذاتي مثل فلسطين تقريبا وكان الاحتلال الفرنسي متواجد بتونس خلال السنوات الخمس للحكم الذاتي وهذا لم يمنع تونس من بناء دولة خلال الحكم الذاتي ولم تتفنن في رمي كل بلاويهم على الاحتلال كما نفعل نحن .

مع الإشارة أن تونس مواردها ضعيفة جدا ولاسيما عند استقلالها أي شبيهة بفلسطين.

ومهما كان تدخل الاحتلال في شؤوننا من معابر وحرية تنقل للأفراد والبضائع فان أي سياسة داخلية سليمة نتبعها ستجعل كل دول العالم تقف احتراما لنا وستقال كلمة واحدة أنهم يستحقون دولة.. هذه هي الحقيقة المرة .

فليعمل رئيس وزراء فلسطين كما فعل لي كوان وليخرج على التلفزيون ويقول كيف "ستعيش هذه الدولة" ثم نبدأ ونعمل وسنصل خلال اقل من 10سنوات.

سيفهم العالم أن الاحتلال لن يعيق تحقيق حلم إقامة دولة فلسطينية مثل سنغافورة لان دولة فلسطين لديها إمكانات اكبر بكثير من سنغافورة عام 1965 .

وبالمناسبة عندما نتجه إلى اقتصاد فلسطيني قوي فان كل دول العالم سترحب بالتعاون مع دولة فلسطين.. هل يوجد دولة في العالم لا تتمنى التعاون الاقتصادي الآن مع سنغافورة ؟؟

الاقتصاد هو كلمة السر للدول الناجحة في العالم وأمريكا سيطرت على العالم باقتصادها وليس بحاملات الطائرات .. ونحن لا نريد أن نسيطر على احد.. نريد حلا للبؤس الذي يعيشه المواطن الفلسطيني .. الموظف المدني يعيش حياة بائسة والعسكري كذلك والطبيب الحكومي كذلك والعاطل عن العمل يلعن السلطة ليل نهار والفقراء الأقل حظا في المجتمع حالهم لايصعب على وزارة الشؤون الاجتماعية .

كل هذا ألا يدفعنا أن نفكر بخطة وطنية شاملة بل أن مثل هذه الخطة تساعد المفاوض الفلسطيني الذي يعطي الدليل للعالم أننا شعب نستحق الدولة ونستحق الحياة وهنا لن يعتمد على مبدأ الحقوق الفلسطينية الثابتة فقط والتي أدارت إسرائيل ظهرها إليها .. بل سنستعمل لغة جديدة وهي  بناء الدولة والتي ستبهر العالم وتجعل مواقف كثيرة تتغير لصالحنا ونخلص من معايرة إسرائيل لنا كلما تعثرت المفاوضات " سلطة فاسدة وفلان نهب وفلان عمل كذا ".

لقد قالها قبل سنوات النائب الفلسطيني عبدالجواد صالح :" عندما نتخلص من الفساد في السلطة كل العالم سيحترمنا وإسرائيل ستغير معاملتها معنا نحو الأحسن ".

والمفاوض الفلسطيني سيخاطب العالم بلغة يفهمها.. حياة كريمة للمواطنين مصانع جديدة منشات صناعية استثمارات فلسطينية وعربية ودولية في مناطق السلطة .. وما نطالب السلطة به  قابل أن يتحقق ليس خيالا .. وبعيدا عن التجربة السنغافورية سيكون لنا تجربتنا التي تتوافق مع ظروفنا وتكون التجربة الفلسطينية التي ستبهر العالم بدل ما ينشغل بعض وزرائنا بالتجربة الدانمركية على طريقة عادل إمام الذي كان وزيرا في الفيلم .

ونترك القارئ مع بعض الفيديوهات التوضيحية للتجربة السنغافورية لتعميم الفائدة:

بكاء رئيس وزراء سنغافورة




محاربة الفساد



مقارنة بين مصر وسنغافورة



معجزة الادارة في سنغافورة







السياحة في سنغافورة




التعليقات