رصاصة أبو مازن على الهواء .. تمديد المفاوضات قاب قوسين

كتب غازي مرتجى
يُعجبني بشدة الغوص في "مستنقع" المفاوضات وقراءة ما بعد وما قبل كل خطوة وحركة أو همزة ولمزة .. ولا أكاد أمّل من قراءة طرق التفكير في اي مفاوضات وكتاب عريقات الأكاديمي "أكل راق مني " .
الرئيس ابو مازن الكاره تماماً لعنترات وبروباغندا الإعلام , يستخدم في الآونة الأخيرة طريقة ليست بالسهلة في اسلوب المفاوضات وعمليات الشد والجذب مع الوسيط الأمريكي وبالتأكيد مع حكومة اسرائيل .
وجه الرئيس ابو مازن العرفاتي ظهر جلياً منذ خطابه العلني قبل اسبوعين امام المجلس الثوري , واليوم في اجتماع قيادات فلسطينية في مقر المقاطعة .
بث جلسات الحوار والنقاش القيادي على الهواء مباشرة لها ما لها من دلالات .. فعلى المستوى الداخلي فإن القيادة الفلسطينية أرسلت رسائل إيجابية للفلسطينيين في كافة اماكن تواجدهم أن كل ما تسمعوه هنا وهناك من تسريبات اسرائيلية موجهّة لا اساس لها من الصحة , وأن قيادتكم امامكم تتخذ القرارات علناً وليس من وراء جدار .
أما الرسالة الاقوى فباعتقادي كانت للإدارة الأمريكية , فها هو الرئيس البراغماتي الطامح والجاد لإنجاز اتفاق سلام يخرج عن طوره الذي اعتادوا رؤيته عليه ويقول .. لا يزال في جيبي الكثير .
اللقاء العلني القيادي على الرغم من السقطات غير المقصودة في بعض جوانبه أرسل رسائل باتجاهات عدّة وظهر جلياً حجم تاثير تلك الرسائل بحالة الالتفاف الفصائلي والشعبي مع القيادة الفلسطينية والرئيس ابو مازن ومهاجمة الاعلام الاسرائيلي للرئيس وتهديده بدفع ثمن غال .
عودة الى اساليب المفاوضات وبعيداً عن تلك الرسائل شديدة اللهجة فإنّ أسلوب الرئيس ابو مازن والمفاوض الفلسطيني الجديد بالهجوم بدلاً من انتظار مزيد من الوساطات والتسويف الاسرائيلي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار , وضراوة المعركة المحتدمة في الاروقة السياسية تستوجب على الرئيس ابو مازن الاقدام على هكذا خطوة جريئة .
على الرغم من اطلاق الرئيس ابو مازن رصاصة واحدة من مسدسه إلاّ أنه لم يكن يحبّذ أن تُصيب الرصاصة المقتل , بل عمد على "التهويش" لـ"نتنياهو" واخافة الداخل الاسرائيلي بأنّ الرصاصات القادمة ستكون في مقتل .. وهو ما سيخفف الضغط الداخلي على نتنياهو ايضاً هذا لو اعتمدنا على نظرية التحليل المُجرّد دون تحليل النفسية اليمينية المتطرفة لرئيس حكومة الاحتلال الذي يتلذذ على آهات الشعب الفلسطيني ويتمنى انهيار المفاوضات لحظة بلحظة .. لكنه محكوم أمريكياً بخطوط حمر لا يمكنه تجاوزها .
رصاصة ابو مازن التي أطلقها على الهواء مباشرة لن تُغضب الولايات المتحدة التي ظهرت وبسبب تعنت الحكومة الاسرائيلية بمظهر لا يليق بمكانة القوة الأكبر في العالم .. ولا يليق بمكانة ابن بطوطة "جون كيري" الذي لم يهدأ له بال إلا وهو في طائرته وفي جولاته المكوكية المستمرة .
باعتقادي ان الرئيس ابو مازن وكعادته مسك العصا من منتصفها , فاطلق رصاصة التهويش بنسب متفاوتة ضد الحكومة الاسرائيلية والوسيط الامريكي , وابقى على بقية "مخزن" الرصاص بجيبه حتى لا يستنفذ كل خياراته .. خاصة وأنّ فصائل منظمة التحرير وفتح ايضاً في سبات عميق رغم طلب الرئيس منهم صراحة بتصعيد المقاومة الشعبية ..
اسلوب الرئيس ابو مازن في المرحلة الحالية يشبه الى حد بعيد اسلوب الشهيد ابو عمّار مع اختلاف الوسائل ..
في مقالي السابق توقعت سيناريوهات ثلاثة , وتحقق الخيار الثاني بفشل "جون كيري" وفقدان هيبته .. وسيترتب على ذلك خيارات ثلاثة للمرحلة المقبلة كالتالي :
1- تستبق المعارضة الاسرائيلية اي رضوخ لنتنياهو وتعمل على اسقاط الائتلاف الحكومي , وربما تساعد الولايات المتحدة بعض المعتدلين في الداخل الاسرائيلي ليتمكنوا من تسلم زمام الامور وحينها يكون "كيري" قد رد صفعة "نتنياهو" باسقاطه مرة والى الابد .. هذا الخيار صعب التحقيق ويحتاج لقرار امريكي صارم باسقاط نتنياهو طالما استمرّ بتطرفه وعناده .
2- يخلط نتنياهو اوراق المنطقة من جديد فتظهر فزّاعة النووي الايراني وحزب الله وغزة , ويضغط على الولايات المتحدة لتحقيق مكسب في احداها , وحينها العواقب ستكون وخيمة ولا يُمكن تصوّر ما بعد اليوم التالي لخطوة نتنياهو , هذا الخيار تلجأ له الحكومات الاسرائيلية بعادتها , ولكن في ظل الحكومة اليمينية الحالية تكون نسبة تحقق هذا الخيار مناصفة مع امكانية عدم تحققه .
3- ان يستجيب نتنياهو للضغوط الامريكية ويفرج عن الدفعة الرابعة من الاسرى ويعطي المزيد من الاسرى لصالح الرئيس ابو مازن لاجل الاستمرار في المفاوضات .. وهذا الخيار المتوقع بقوّة في ظل الرغبة الامريكية باستقرار الشرق الاوسط في الآونة الحالية وضمان عدم الانجرار نحو تصعيد غير محسوب من اي طرف .
إن ما شاهدته اليوم من احساس شعبي فلسطيني مؤيد لخطوة القيادة الفلسطينية لم يكن من فراغ , فلو اتُخذت تلك القرارات كما هو معتاد ونُشرت اخبار وتصريحات حول القرارات المتخذة لن يكون الوضع الشعبي والالتفاف الفصائلي كما كان اليوم .. وهذه رسالة قديمة جديدة تحدثنا بها مرارا بضرورة التصاق القيادة الفلسطينية بشعبها , ليس من المطلوب ان نتجوّل في كل حارة وشارع وزنقة لإيصال الرسائل للناس ويكفي ان تظهر القيادة الفلسطينية كما ظهرت عليه اليوم في كل اجتماع لها .
وعليه , فإن بث اجتماع المجلس المركزي التابع لمنظمة التحرير والذي سيعقد نهاية الشهر الحالي على الهواء مباشرة ضرورة لا بد منها .. ولو تتبّعت القيادات الفلسطينية صفحات التواصل الاجتماعي لمعرفة ردة الفعل بعد قرارات الاجتماع لقرّرت وبلا أي تأخير بث كافة اللقاءات القيادية على الهواء مباشرة واقحام الشارع الفلسطيني في اتون الحرب التي تتعرض لها القيادة الفلسطينية والضغوط التي تُمارس عليها ليل نهار وعدم الاكتفاء بتصريحات المصادر الخاصة ..
اما رسالتي للرئيس ابو مازن , فإن ظهورك الطبيعي والعلني وطريقتك التلقائية والعفوية في شرح الأمور , ومصارحة شعبك بكل ما يدور في الغرف المغلقة والمفتوحة هو أفضل سبيل للوصول للشارع الفلسطيني , وأجزم لك أنّ حديثك وجهاً لوجه لشعبك ومواطنيك هو الحل الأمثل بدلاً من تصريحات رتيبة وتقليدية اعتاد عليها المواطن ولا يهمه محتواها فقد اعتاد على سماع نفس الاسطوانة وربما من ذات الاشخاص .
الرئيس ابو مازن مُطالب بلقاء اسبوعي وان لم يستطع فليكن شهري ليتحدث مع شعبه بصراحته وتلقائيته المعهودة ولا يعتمد على تصريحات مساعديه او الناطقين باسمه مع احترامنا لعملهم وجهدهم الكبيرين .. فقد اثبتت التجربة أن الرئيس أبو مازن هو أفضل متحدث باسم نفسه .